محمد الرميحي يكتب:
الكويت... الحل ليس بالحل فقط!
يحتدم النقاش في الكويت إلى درجة السخونة، قد يعرض النسيج الاجتماعي إلى الخلل. هناك اعتصام لبعض أعضاء مجلس الأمة (2020) وهناك مناداة للتجمع الأسبوعي لبعض الناشطين لمناقشة الأزمة السياسية، وقد توجهت القيادة لإعلان نية الحل الدستوري بعد أشهر. نخبة المجتمع السياسي الكويتي منقسمة عمودياً (إن صح التعبير)، والمتابع يرى أن الشعار المرفوع بشكل عام قبل نية الحل (رحيل الرئيسين) أي السيد مرزوق الغانم والشيخ صباح الخالد (مع حفظ الألقاب)، وبسبب ذلك الاستقطاب فإن الرأي الثالث غائب.
على عكس الديمقراطيات المأزومة في أكثر من مكان، التي تتراجع فيها نسب التصويت، فإن الجسم السياسي في الكويت نشط، وللتدليل على ذلك فرغم وقوع الانتخابات الأخيرة (ديسمبر/ كانون الأول 2020) إبان أزمة «كوفيد – 19»، إلا أن الإقبال على التصويت وصل إلى 61 في المائة، وتغيرت شخوص الأعضاء الجدد عن القدامى بنسبة 62 في المائة، وهي نسبة في التصويت عالية نسبياً وفي التغيير أيضاً، ولها مبرراتها الاجتماعية، لأن الناخب في الغالب يعتمد الإلحاق القبلي أو الطائفي أو العائلي وبعضه (الإسلام الحركي بشقيه) إلا القلة، وتتنافس الجماعات الاجتماعية لسبب قناعة أن العضو هو بوابة الخدمات التي يمكن أن تصل إلى المواطن، خصوصاً إن كان طلبه قليلاً أو كثيراً خارجاً عن السياق أو اللوائح! مما يدفع عدداً من الخيرين للابتعاد عن الساحة رفضاً أن يكونوا «مُخلصي معاملات»! فالقضية الكأداء في الآلية التي تحتاج إلى مراجعة شاملة.
الشخصنة في السياسة ليست جديدة ولا مستغربة، لكن الأمر في الكويت يحتاج إلى إعادة نظر، لأنه لا يتزامن مع برامج تطرح خيارات حتى الآن تكون واضحة للجمهور الصامت والقلق، فهناك قناعة لدى المتابع المستقل بأن الأزمة السياسية في البلد هي هيكلية وليست شخصية، حتى لو افترضنا خلو الساحة من الأفراد الذين يطالب برحيلهم، إذ إن إعادة هيكلة النظام السياسي لم تطرح ولا توجد أدبيات من الجانب المعارض ولا المؤسسة الرسمية تشرح للجمهور (ما بعد اليوم التالي من الرحيل) إن حدث! أو بعد اليوم التالي للحل!!
البلد يعاني حالة غير خافية من التراجع الإداري والتنموي كُتب عنها الكثير؛ جزء منها التدخلات المختلفة من أعضاء السدة البرلمانية في التعيين والتوظيف وتسيير المصالح الخاصة، منها أيضاً غياب المشروع أو الرافعة في الرؤية والإرادة.
لا يتفق البعض مع شعار أن «الكويت ليست بخير»… في الحقيقة هي بخير بوجود أهم عنصر يرفع عنها السلبيات، وهي الحريات النسبية المكفولة بالدستور. الملاحظ أنه بدلاً من استخدام تلك الحرية المتاحة لتطوير وإصلاح المنظومة، استخدمت جلها لتعويق المنظومة. رفض الاعتراف أن الإشكالية في المنظومة، وليس في الأشخاص، يعوق الوصول إلى مشترك بين الجميع للخروج من المأزق.
لعل بعض القضايا الجوهرية هي بالإجابة عن سؤال كيف يمكن بناء منظومة سياسية – إدارية تستطيع أن تتصرف برشادة في الموارد المتاحة، وأيضاً في خلق موارد جديدة للمجتمع وبناء إدارة عامة فعالة؟ ما يظهر على السطح أن كثيرين في عجلة من أمرهم باستهلاك الموارد الحالية من دون النظر إلى النتائج الكارثية التي يمكن أن تتركها مثل تلك السياسات، خصوصاً أن سوق الطاقة على مفترق طرق، والبيروقراطية ثقيلة والفساد يسمع في أماكن كثيرة، والجميع ضحية.
الظروف المعقدة التي يعمل فيها طاقم الجهاز التنفيذي من بيروقراطية تأبى أن تُفكك، وضغوط غير قانونية من بعض أعضاء الهيئة التشريعية، وتراخٍ في مواجهة التعديات والخروقات، لذلك يُلجأ في الغالب إلى الاستنساب في تسكين الإدارة العامة، بدلاً عن الكفاءة والجدارة، والحلول المؤقتة بدلاً عن الدائمة، والمسكنات بدلاً عن العلاج الشامل.
عندما تقرأ حول المشكلات التي تواجه الديمقراطيات بشكل عام، تجد قاعدة شبه ثابتة، وهي أنه في معظم الأوقات لا تكون علاقة رئيس الوزراء بالبرلمان جيدة، فكل له أجندة مختلفة حتى في الدول ذات التعددية الحزبية، ولم تكن الكويت استثناء إلا في فترة ربط رئاسة الوزراء بولاية العهد، حتى تلك الفترة لم تخلُ من «الشد والجذب». أما بعدها فقد تعاقب عدد من الرؤساء وكان عدم الانسجام واضحاً ويذهب البعض لتبسيط الظاهرة بالقول إنه شخصاني.
تطرح حتى في الديمقراطيات الغربية المأزومة، التي يتعثر فيها المجتمع بأفكار من قبيل ما يسميه بعض الكتاب «حرب النماذج»، فيقول بعضهم إن النموذج الشمولي مثل الصين التي حققت نجاحات تنموية ضخمة، كما تعطلت التنمية في النموذج الديمقراطي، إلا أن هذا القول هو في الغالب انتقائي، لأن الكثير من الشموليات قمعية وفاشلة اقتصادياً. النموذج الديمقراطي (التمثيلي) أقرب إلى الطمأنينة والضمان للناس، ويمكن تطويره إن توفرت له روافع، واستفادت النخبة من التجارب.
جوهر الحرية هو خيارات الناس، ولكن ذلك ليس مطلقاً؛ إذ إن تلك الخيارات يتوجب أن تكون لها أدوات تنظيمية صالحة ومرنة، لذلك فإن إصلاح المنظومة السياسية في الكويت يبدأ بإصلاح جذري لقانون الانتخاب، هذا الإصلاح تم التطرق إليه في دراسات كثيرة، ولا يقتصر على عدد دوائر الانتخاب بل أعمق من ذلك بكثير، فالسياسة هي انتقاء بين خيارات عادة يقوم بها القادة يساعدهم فريق استشاري يعتمد على الاستشهاد بدراسات وإحصائيات وتراكم خبرات، وتحول المحصلة إلى برامج يفترض فيها العقلانية وخدمة الجمهور العام، والاختيار بين الأقل تكلفة والأكثر نجاحاً، وتصبح الخيارات أكثر إلحاحاً وقت الأزمات، وهي المرحلة التي تمر بها الكويت اليوم، فهل الإعلان عن حل البرلمان يؤشر إلى نية تغيير شامل، أم هو تنفيس مؤقت تعود حليمة بعده إلى عاداتها؟
الاحتمالات اليوم في الكويت مفتوحة على أكثر من طريق، والواقع المأزوم ينذر بإضعاف الجبهة الداخلية لأن التحديات التنموية تتراكم في الداخل والتحديات الوجودية تتفاقم. ما يقلق أكثر هو فقدان البوصلة التي تظهر أنها مطالب تنصب على الأشخاص لا على البرامج والحلول ذات القيمة الحقيقية لمنفعة الناس، التي تكمن في العمل على إصلاح المنظومة، والمسكوت عنها حتى الآن!
آخر الكلام:
تتطاير شائعات حول ثراء بعض الأعضاء الموكلين على الرقابة. لم تنضج حتى الساعة لجنة رقابية فعالة داخل المؤسسة الرقابية، لأن عدم وجودها يعمق أزمة الثقة المجتمعية فيها.