د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الثورة الإيرانية ومستقبل العنف ضد المرأة بالشرق الأوسط (2-2)
العنف ضد المرأة عار إجتماعي وهدم للفرد والمجتمع، ومعوق من معوقات النهضة، ولا يمكن تجزأته عن مفهوم العنف الاجتماعي كونه أحد أبرز أشكال العنف بالمجتمع، ومقالنا هذا هو دراسة وقراءة موجزة في هذا السياق بقصد التنوير والمعالجة ومساهمة إلى جانب عشرات المساهمات المكتوبة بهذا الصدد.
لا يزال البعض يتعامل مع المرأة من منظور مادي كسلعة ووسيلة، وجزء كبير من أنشطة مافيا الإتجار بالبشر يتعلق بالنساء، وبعض السلوكيات الاجتماعية تتعامل معها كجارية أو خادمة ووسيلة وتعزز هذه السلوكيات مجموعة التشريعات والقرارات الحكومية البائسة كما هو الحال في ظل حكم نظام الملالي في إيران أو حكم سلطات ميليشياته الصنيعة في العراق، وكذلك حال النساء في المناطق التي تقع تحت جحيم قوى التطرف الأخرى المسماة بـ القاعدة وداعش وشقيقاتها من ميليشيات الملالي سواء في العراق أو سوريا، علما بأنه لا علاقة لهؤلاء الجهلة المجرمون جميعا بالإسلام أو أي رسالة سماوية أخرى، وإن ما لاقته النساء في إيران والعراق بالإضافة إلى كونه عار إجتماعي هو عارٌ أيضاعلى البشرية المعاصرة التي تهاونت مع هكذا أنظمة وعصابات، وساعدتها في بعض الأحيان أو تغاضت عنها.
العنف المقنن ضد المرأة
يتمثل العنف المقنن ضد المرأة في القيم والقوانين التي يضعها المجتمع وتضعها السلطات ويتقبلها المجتمع أو بعضه وتتماشى مع نمطية تفكيره، فالأب والأم اللذان يتهاونان بحق الإبنة عندما يتعلق الأمر بأخاها يورثان الإبن الذكر هذا السلوك وسيتهاون بحق زوجته وبناته فيما بعد وفقا لهذه النمطية الذكورية التي سترسخ لمجتمع ذكوري التفكير والهيمنة، والقضاء الذي يتهاون بمسألة الحقوق والعدل عندما يتعلق الأمر بالمرأة هو أيضا نتاجا لتلك النمطية الذكورية السائدة ولن يكون يكون قضاءا عادلا وبالتالي فإن إستخفاف البعض من الرجال بحقوق النساء هو نابع من يقين بأن القضاء لن ينصف إمرأة وإن فعل فسيكون شكليا أو بقدر ضئيل، ويقينه بأن القضاء ضد أو غير منصف بحق المرأة سيجعله مستخفا مجرما بحقها وسيدخل المجتمع النابت من رحم هذه المرأة في خضم قضية صراع بين شقي المجتمع صراعا يبلغ حد العداء، وإذا أخذنا موضوع العنف ضد المرأة في إيران على سبيل المثال خاصة فيما يتعلق بفساد القضاء حين يُقدِم بعض الرجال سواء كانوا أزواجا أو أشقاء أو آباء على ضرب وذبح المرأة أو قتلها أو حرقها والتمثيل بها تحت مسمى جرائم الشرف إذ يتسامح القضاء مع هكذا قضايا أو يخفف أحكامها مما يشجع على إرتكابها من منطلق من أمِن العِقاب أساء الأدب، كما أن السلطات القضائية لا تدقق في تفاصيل الجريمة من أدواتها وملابساتها وصحة دوافعها وسجل مرتكبيها أو تفاصيل أخرى تتعلق بالعدالة، وفي حال توفر معلومات بهذا الخصوص من شأنها أن يدين الجناة تتغاضى عن ذلك، وفي الوقت ذاته تتشدد في دعاوى إتهام النساء بالفاحشة حتى ولو كانت بدون دليل شرعي وكذلك لا تنظر في دوافع قتل بعض النساء للرجال سواء كانوا أزواجهن أو غيرهم في حين أن أغلب جرائم القتل التي ترتكبها النساء تكون دفاعا عن النفس، وملفت للإنتباه أن أدوات جرائم قتل الشرف بحق النساء في إيران من قبيل ( الطبر – البلطة – السكين - السيف – المنجل وغيرها من الأدوات المشابهة) نجدها متوفرة لدى ميليشيات النظام الإيراني أو الميليشيات التي تم تأهيلها على يد ميليشيا الحرس في النظام الإيراني، وبتحليل تلك السلوكيات والصور النمطية في التعامل ضد المرأة في إيران نجد أن ممارسة العنف ضد المرأة في إيران هي سياسة ونهج متبعين منذ ثلاثة وأربعين عاما وأن ضحايا العنف ضد المرأة في إيران بكافة أشكاله قد بلغ مبلغا ملفتا لنظر المهتمين بهذا الشأن داخل وخارج إيران فما بالنا بحجم وقع هذه الممارسات العنيفة على النساء الإيرانيات وكذلك المجتمع الإيراني إذ تقع أضرار هذه الممارسات على كافة أبناء الأسر التي تعرضت النساء والفتيات فيها لجرائم العنف ضد النساء أو جرائم ردود الأفعال من النساء بحق المعتدين عليهن، وبالتالي يمكننا القول إن أي عملية تقنين للعنف المتبع كنهج ضد النساء لا تقع تبعاته على النساء فحسب بل تقع أيضا كجريمة قاسية على المجتمع كله.
العنف الفئوي ضد شقي الجنس البشري
العنف كظاهرة ليست مقتصرة على إضطهاد النساء فحسب بل شملت الرجال والنساء على حد سواء في بعض الأماكن وتشددت ضد النساء في أماكن أخرى، فالعنف ظاهرة إجتماعية عامة وقد تكون متأصلة في بعض المجتمعات ومن أشكال هذه الظاهرة الإستضعاف كالذي يُمارس بحق الأقليات الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة وقد تمارسه السلطات وبعض أفراد المجتمع التي لا تجد رادعا لها وتلقى تشجيعا من السلطات العنصرية على ذلك، والإضطهاد وهو ما تمارسه السلطات وفئات من مجتمع الأغلبية بحق الأقليات العرقية والدينية والمذهبية، والإستغلال الذي تمارسه والأفراد على حد سواء، والتنمر الذي تمارسه حكومات الميليشيات وأفرادها وبعض أفراد المجتمع الموبوء أو المعبئ بظاهرة العنف صغارا وكبارا، والقمع على الهوية الذي يُمارس ضد الإنسان على لونه وعرقه وانتماءاته وجذوره ولا يحق له ما يحق لغيره وفق هذه النمطية كما هو الحال في أنظمة الفصل العنصري، والقمع الفكري وهو ما يتعرض له أصحاب الرأي والفكر الحر رجالا ونساءا ويتعرضون للأعدام ولأشد العقوبات بسبب آرائهم وتنسب لهم أبشع التهم التي لا تدينهم بل تدين جلاديهم، والقمع الجنسي وهو العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات تارة لكونهن نساءا وتارة لكونهن دعاة إصلاح وحقوق وتنمية ورافضات للباطل وذات تأثير كبير في المجتمع تأثير يخيف الطغاة والمتجبرين البغاة الذين يدركون جيدا كم هو حجم التأثير البالغ للأم والاخت والزوجة والمرأة الحرة على الفرد والمجتمع الحر، وعند إمعان النظر في منهجية وسلوكية نظام حكم الملالي في إيران على المثال نجد أنها لم تمارس وترعى هذه النمطية من الحكم والسلوكيات ضد الشعب الإيراني فحسب بل نجد أنها قد إنتقلت إلى كل مكان وطأته أقدام الملالي ووقائع الأيام شهودا على ذلك ويدفع الشعب الإيراني وشعوب المنطقة ثمن ذلك باهظا، وهنا لا يمكن الخلاص من ظاهرة العنف هذه ومتفرعاتها إلا بالقضاء على الأسباب والحاضنة التي تمدها بسبل البقاء.
نجاح الثورة الإيرانية ومستقبل العنف ضد المرأة بالشرق الأوسط
مثالين حيين للعنف ضد المرأة في الشرق الأوسط، وأولهما العنف ضد المرأة في إيران وهو متجذر وعميق ومتنوع ودموي همجي لا يرقى إلى أدنى مستويات الفهم والتقدير للدور الذي لعبته المرأة الإيرانية كمربية ومعلمة وأم شهيد وشهداء تعيل الأرامل والأيتام معا وتلعب دور الجدة والأب وسند من لا سند له سواها على الأرض، وأرملة شهيد متعثرة وأم أيتام أبناء شهداء لا معيل لهم وعاملة تديم الحياة الاقتصادية في حين دُفع بكل الرجال وحتى الصبية إلى جبهات العدوان والقتال غير المشروع، وما هذا بوحي خيال أو نسج كاتب وإنما حقائق عاشها شعبي العراق وإيران اللذان هلكا في آتون الحرب والمؤامرات، وكذلك تعد نهضة المرأة في إيران عميقة وأصيلة وهذا ما يدفع السلطات الدكتاتورية السابقة واللاحقة إلى قمع المرأة والحراك النسوي خوفا على عروشهم من التهاوي والإندثار، وأينما يتفشى وباء الملالي هذا هو حال المرأة من بؤس الأوضاع إلى القمع والإضطهاد وانتهاك الحرمات وقهر الفقر والعوز والمصير البائس بيد الجهلة واللصوص والمجرمين والفسدة والمدعين وكل ذلك باسم وشعار الدين وليس حقيقته فحقيقة الدين لا يدركها الجهلة والمدعون.
المثال الثاني للعنف ضد المرأة هو العراق، العراق الذي كانت فيه المرأة العراقية منذ العهد الملكي وحتى عام 1991 في أزهى أوضاعها بالمقارنة، وعلى الرغم من ضغوط وتبعات الحرب الإيرانية العراقية عليها إلا أنها كانت في أوضاع لا بأس بها وكما قلنا بالمقارنة ولن نأخذ المرأة في الغرب مثالا في المقارنة والنمو لعدم تطابق أوجه المقارنة واختلاف المجتمعين الشرقي والغربي، وقد تكون تجربة المرأة العراقية في هذه المقارنة الآن وخاصة بعد سنة 2003 هي التجربة الأشد قسوة في هذه المقارنة إلا أن تجربة المرأة الإيرانية أكثر مرارة وقدما وعمقا فما تتعرض إليه المرأة العراقية اليوم جاء بعد هيمنة ملالي طهران على العراق بعد الاحتلال سنة 2003 وتسلط حنود وعملاء ملالي طهران على العراق أرضا وشعبا ومقدرات وتاريخ وكرامة وقد سبقتها المرأة الإيرانية في هذه المحنة منذ عهد دكتاتورية الإكراه الشاهنشاهية إنتقالا إلى البديل دكتاتورية إكراه الملالي.
وتأتي إستمرارية الإنتفاضة الإيرانية الحالية بهذا الزخم وهذه الوتيرة المتصاعدة التي أجبرت الملالي على إستخدام القوة العسكرية الحربية داخل المدن إرتكازا على حجم معاناة المرأة الإيرانية وما تعرضت وتتعرض له من عنف وقد طفح الكيل وثارت ثائرتها وباتت اليوم في طلائع المواجهات اليوم مع عدوها متقدمة قوافل الموت مستعدة له منذ اللحظة التي تخرج فيها من باب البيت، أي أن الإنتفاضة الإيرانية اليوم تقودها ضحايا العنف وأبنائهم وأبناء وبنات الشهداء والمعدومين والسجناء السياسيين والمنفيين وذويهم والفقراء والمعدمين تحت قيادة وتوجيه وحدات المقاومة المنتشرة في مختلف أرجاء إيران، وهنا ووفق هذه المعطيات ننظر إلى المرأة كمحرك رئيسي لهذه الإنتفاضة وأول وأهم أسباب نجاحها، وأول من أعلن الحداد في مقتل الشابة الكردية البريئة مهسا أميني وطالب الشعب الإيراني كله والنساء بالخروج والإعتصام كانت السيدة مريم رجوي وهي إمرأة مناضلة..إمرأةً تقود آلاف القادة من النساء المحترفات المخضرمات بالعمل الثوري، وتقود ثورة منذ عقود وتحمل في عنقها أمانة القصاص للدماء المسفوكة على مر تلكما الحقبتين الدكتاتوريتين وعلى عاتكها مسؤولية غد أفضل لهذا البلد المنكوب إيران ومنها ستنتقل نفحات نهضة المرأة إلى العراق ثم دول المنطقة بعد عصرٍ ظلاميٍ كان عاراً على التاريخ وعلى المجتمع البشري باسره.
المرأة أولا وأخيرا /
المرأة هي حواء أم الوجود البشري برمته، والمرأة هي الأم أساس الوجود وعنوان الوجود، وهي الأخت شقيقة الوجود والسند، والمرأة هي الزوجة الحبيبة شريكة الحياة النصف الآخر للوجود والحضور البشري الرشيد، والمرأة هي الإبنة فلذة الكبد قطعة من الروح ..هذه صورة من صور المرأة؛ والمرأة جار كريم، ومعلمة فاضلة، وشريكة فكر بناء بنمطها الفريد الذي يتمم ويزين وجود الرجل ويرتقي به، المرأة أم الأبناء التي وإن لم تربيهم في البيت قامت بتربيتهم وإعدادهم في المدارس.
المرأة تقيم مجتمعا بأكمله وترعاه، وقد وعينا على تلك التجربة بل والتجارب المريرة التي وقفنا من خلالها على دور المرأة في تحمل مسؤولية المجتمع عندما كانت الرجال تنصهر في آتون الحروب، فقد كانت المرأة أما وأبا ومعيلا وسندا ومربية ومعلمة ومزارعة، ومن النساء من مُعيلا لأسرتين عندما كان أخوها شهيدا وزوجها شهيدا، وإحداهن في وقت قريب تخرج أحد أبنائها الذين أهدتهم للمجتمع من كلية الطب فسألوه ما أسمك قال اسمي فلان إبن فلانة فاستنكر القسم الأكبر فعله، وفهمه البعض الآخر ورحب بقوله وحياه وأمه وهي إمرأة خير تحية، فلما تم التدقيق في العينات التي استنكرت قوله فلان بن فلانة واستكثرت عليه أن يكون وفيا لمن أعده وقدمه شخصية صالحة جميلة نبيلة للمجتمع وجدنا أن تلك العينات المُستنكرة كانت من الفئات الضحلة العنيفة بالمجتمع والتي تحتاج إلى إصلاح فهي على كثرتها لا تقدم نفعا للمجتمع بل هي الأكثر هدما لذاتها قبل غيرها، وأما العينات التي رحبت به وأشادت بأمه المرأة المُكرمة من ربها وفي دينها فقد كانت الأقوى على قلتها وضعف ظاهرها، وقد كان تأثيرها عظيما مُعزا وبناءا.
ضحايا العنف ضد المرأة
ضحايا العنف، والعنف ضد المرأة كُثر على مر العقود المنصرمة وفي أحداث الإنتفاضة الحالية ولا يتسع المقال لذكرهن وسنورد أسماء الأطفال الضحايا ولمن أحب الإطلاع على معلومات أكثر بهذا الخصوص يمكنه زيارة الرابطين المرفقين أدناه.
الأطفال الضحايا من الفتيات:
1- هستي نارويي، وهلن أحمدي، وديانا محمودي 7 سنوات.
2- مونا نقيب 8 سنوات.
3- بارميس همنوا 14 سنة.
4- آيناز جواهري، واسراء بناهي 15 سنة.
5- سارينا إسماعيل 16 سنة.
6- نيكا شاكرمي، وستاره تاجيك ، وصدف موحدي ، وأرنيكا قائمقامي 17 سنة.
7- سارينا ساعدي 16 سنة.
د.محمد الموسوي/ كاتب عراقي