د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

ماذا يجري في إيران.. وحدة الصورة في بيروتشيما 2020 وبندر عباس 2025

الاستهتار بأرواح الأبرياء في إيران ولبنان والعراق واليمن وسوريا وفلسطين أمرٌ دأب عليه نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران حتى بات من السهل قراءة نوايا هذا النظام؛ كذلك مقروءةٌ هي نوايا وتوجهات الغرب الداعم له ليس إيماناً منه بشرعيته وإنما لكونه الدكتاتور البديل والأفضل لنظام الشاه المخلوع عام 1979 واستعداده لتركيع المنطقة والقيام بأكثر مما فعله نظام الشاه، ولأجل تمكين منظومة الكهنة الحاكمة في إيران من الهيمنة على المنطقة كان على الغرب أن ينزع قدرات الدولة العراقية ويهدم مؤسساتها ويُسقِطها ويجعل من العراق ضيعة تابعة لملالي إيران يتمددون من خلاله في المنطقة ويحملونه الجزء الأكبر من تكاليف مخططاتهم التوسعية كما فعلوا طيلة فترة الحرب في سوريا واليمن حيث دفع العراق الجزء الأكبر من تكاليف هذه الحرب كـ "خاوة" أو "إتاوة" فرضها كهنة ولاية الفقيه في إيران وكبيرهم، ودُفِعت لنظام الأسد الهارب وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن بالطرق التي حددها بيت الكهنة، والنتيجة والمحصلة النهائية من نهج هذه الأنظمة والكائنات الظلامية العبثية هي الدمار والخراب فلا بقي نظام الأسد ولا أفلحت نسخة الملالي في العراق ولا بقي حزب الله ولا بقيت غزة ولا سلم لبنان ولا اليمن ولا تحررت القدس وفلسطين... تمخض كل هذا العبث عن حقيقةٍ إيجابية واحدة فقط ألا وهي "سقوط الأقنعة" وزوال الوهم على الملأ.. لكنها حقيقة كلفت أكثر من 45 سنة وتريليونات الدولارات التي تكبدتها دول وشعوب المنطقة عبثاً؛ وقد كانت كفيلة بإحداث تنمية تغير من أوضاع المنطقة نحو الازدهار والاستقرار بدلا من الحروب والتشرد.   

بيروتشيما 2020 

وكما استهتر نظام الولي الفقيه بأرواح المواطنين اللبنانيين التي أُزهِقت وأموالهم العامة والخاصة التي أُتلِفت في 4 أغسطس 2020، وقد أسمى البعض هذا الانفجار بـ "بيروتشيما" نظرا لطبيعة وحجم الانفجار وما نتج عنه، ولم تستطع أي جهة كانت مهما تعاظم سعيها إخفاء جانب من الحقيقة إلا إذا اقتلعوا بيروت كاملة وألقوا بها في أعماق البحر لتُدفن وتُدفن معها الحقائق، ولقد كانت حصيلة هذا الانفجار الإبادي مئات القتلى وآلاف المصابين ومئات آلاف المشردين وخسائر بقيمة 15 مليار دولار، وتراجع في مستوى التنمية وتعطيلٌ للحياة؛ وها هو النظام نفسه يستهتر بأرواح المواطنين الإيرانيين بتخزينه هذه المواد نفسها المتعلقة بـ "بيروتشيما" مضحيا بالأبرياء في وقت يتزامن فيه الحدث مع المفاوضات الجارية بين الملالي والإدارة الأمريكية بشأن البرنامج النووي والتسليحي للنظام الإيراني 

تفجيرات ميناء رجائي في بندر عباس ٢٠٢٥

 كشف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية عن أن الانفجار قد وقع في ميناء رجائي ببندر عباس ناجمٌ عن انفجار حاويات تابعة لوزارة الدفاع التابعة لنظام الملالي، حيث وقع الإنفجار في حاويات بمنطقة سينا داخل مستودع شركة "بناكستر"، وأن المواد المتفجرة كانت من نوع بيركلورات الصوديوم التي تُستخدم كوقود صلب للصواريخ الباليستية، وشركة بناكستر هي إحدى الشركات التابعة لمجموعة "سبهر انرجي" التابعة لوزارة الدفاع بالنظام الإيراني، وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي (أوفاك) قد فرض عقوبات على هذه الشركة من قبل في الـ 29 نوفمبر 2023.

 تعتيم وحصار أمني مشدد تمارسه سلطات نظام الملالي بشأن تفجيرات بندر عباس وأضرارها الكارثية في محاولةٍ منه لطمس الحقائق وتضليل الرأي العام؛ لكن التقارير الميدانية تفضح النظام وتوضح حجم وأبعاد الفاجعة الإنسانية سواء تلك التي تكشفها وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق أو تلك التي تكشفها سلطات ووسائل إعلام النظام نفسه أو تلك التي تكشفها جهات دولية، ورغم ما فرضت قوات الحرس والمخابرات منذ اللحظات الأولى للانفجار من طوقٍ أمنيٍ مشدد حول منطقة الميناء، ومنعها لحركة المواطنين والصحفيين إلا أن الحقيقة لا يمكن تغطيتها فنتائج الإنفجار والتسمم الهوائي والبيئي ستتضح عاجلا أم آجلا من خلال مؤسسات النظام نفسه خاصة أن إعلام المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يتابع لحظة بلحظة كافة الأحداث والمستجدات من قلب الحدث من خلال قنواته ومصادره الخاصة، أما تصريحات النظام فسيسقطها النظام نفسه من خلال تضاربها مع بعضها البعض، وكذلك لا يمكن القبول بروايات النظام على الإطلاق فحجم وشكل الدمار وطبيعة المادة أساس الانفجار تقول أن الخسائر فوق كل المعلومات والتقديرات، ولن تتضح حقيقتها الكاملة إلا بعد عدة أيام.

آراء إعلامية وخبراء من داخل وخارج الحدث

 وفقا لتقرير شركة الأمن البحري البريطانية "أمبر" وإعلان شركة "ابريلي" البريطانية للنقل البحري أن الانفجار نجم عن التخزين غير السليم لمادة "بيركلورات الصوديوم" في ميناء بندر عباس؛ مؤكدة أن الحريق نجم عن النقل الخاطئ لشحنة من الوقود الصلب كانت مخصصة لاستخدامها في الصواريخ الباليستية الإيرانية.

من جانبها نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في مقال لها يوم الأحد 27 أبريل نقلاً عن مصدر مقرب من الحرس أن سبب انفجارات بندر عباس كان الإهمال في نقل وتخزين مركب "بيركلورات الصوديوم" الذي يستخدم لصناعة وقود الصواريخ الباليستية التابعة للحرس الثوري.

 من جانبها أيضاً أكدت وكالة " أسوشيتدبرس" مستعينة بتحليل عبر صور الأقمار الصناعية أن الانفجار دمر أجزاء واسعة من الميناء وأصاب أكثر من 1000 شخص بجراح. 

أما من جانب النظام فقد أكد سعيد جعفري المدير التنفيذي لشركة تطوير الخدمات البحرية والموانئ "سينا" أن الانفجار الضخم الذي وقع يوم أمس في المنطقة الخاصة بهذه الشركة في ميناء عباس كان نتيجة تقديم بيانات خاطئة عن الشحنات المستوردة موضحاً أن الشحنات "شديدة الخطورة" دخلت ميناء رجائي في بندر عباس وتم تخزينها تحت تصنيف "بضائع عادية" دون تقديم مستندات أو ملصقات مخصصة، مُضيفاً أن القوانين والأنظمة الدولية تشترط أن يتم الإعلان رسمياً للكمارك والميناء عن المواد الخطرة مع توفير جميع البيانات المتعلقة بها؛ إلا أن هذه القوانين قد تم تجاهلها، وأن شدة الانفجار تدل على الطبيعة شديدة الخطورة لهذه الشحنة...

 ووفقاً لتصريحات جعفري هذه يمكن القول أن أجهزة النظام قد أحاطت هذه المواد بسرية تامة كونها مواد عسكرية ومع ذلك كان ينقص هذه الأجهزة البلهاء الكثير من الوعي الفني اللازم لحماية هذه المواد الخطيرة.. هذا إن لم تكن هذه الأجهزة نفسها هي من قام بعملية التفجير بدوافع سياسية، وهنا لا فرق بين ميليشيا حرس الملالي أو وزارة الدفاع الإيرانية الرسمية فكلاهما يتقاسمان الأدوار والوسائل ويتشاركان في صناعة الحدث والنتائج ويتقاسمان الغنائم.

هي ذاتها مادة بيركلورات الصوديوم نفسها التي أبادت مرفأ بيروت وما حوله قبل سنين ولا زالت الذاكرة تحمل أوجاع ذلك اليوم وحجم خسائره البشرية والمادية، ويعيد نفس اللاعب العابث الكَرة هذه المرة في مرفأ بندر عباس وبنفس الدوافع؛ لكن شيئا وراء الكواليس يجري في إيران بالتزامن مع المفاوضات بين ملالي إيران والإدارة الأمريكية التي تهدد الولي الفقيه ونظامه بالويل والثبور.. فهل تقف أجهزة نظام الملالي نفسه بالتخطيط لهذه الجريمة؟ وهل فُجِرت كافة شحنة الوقود الصلب التي جاءت من الصين لتعزيز البرنامج الصاروخي لنظام الملالي أم تم نقل معظمها وجاء التفجير للتغطية عليها والعبث بمسار المفاوضات الجارية. 

ليست هذه أول الكوارث الناجمة عن طبيعة نظام الملالي ونزعته القمعية داخليا للحفاظ على بقائه في السلطة، وتوجهاته ومخططاته العسكرية من أجل الحفاظ على هيمنته الإقليمية وممارسة نوع من الإبتزاز في مسار علاقات النظام وسياساته الخارجية. 

الموقف الدولي المتواطئ 

تاريخ وسجل أعمال كهنة طهران حافل بالكوارث والجرائم من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها بحق المعارضين من أبناء الشعب الإيراني داخل وخارج إيران حيث أعدم أكثر من 30 ألف سجين سياسي معظمهم من منظمة مجاهدي خلق صيف سنة 1988، وتفجيره للمراقد الدينية في إيران والعراق وإلصاق التهم بمعارضيه، وقصفه للمدنيين الأكراد في العراق، وصناعة داعش ثم المشاركة مع النظام الدولي في محاربه داعش والتبجح بمحاربة الإرهاب.. في حين أن الملالي يدعمون الإرهاب في كل مكان، هذا بالإضافة إلى حملات القتل الحكومي المتصاعدة تحت مسمى الإعدام، ومسعاه لتطوير برنامجه النووي العسكري وبرنامجه الصاروخي لفرض سياسة الأمر الواقع إقليمياً وعالمياً.. كل ذلك يجري على مسمع ومرأى وعلم ومباركة النظام العالمي الذي لو شاء لأفسح المجال للمقاومة الإيرانية لإسقاط نظام الملالي ولإقامة دولة ديمقراطية غير نووية.. هذا إن كانوا فعلا لا يريدون امتلاك نظام الملالي لأسلحة نووية..، ويستمر التواطؤ الدولي ويستمر الملالي في سياساتهم القمعية داخليا والتوسعية خارجياً، وتستمر معاناة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة، ومؤكدا أن هذه المعاناة لا تعني الغرب ونظامهم العالمي في شيء بل على العكس يرون فيها خدمة لمصالحهم، والقادم أسوأ.

د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي