د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
من بروكسل إلى نيويورك الرسالة والدوافع واحدة
النظام العالمي الذي أثار الحروب منذ قرون هو نفسه الذي خطط لتدمير الدولة العثمانية وجعل من تركيا دولة على هامش الوجود بعد أن كانت إمبراطورية لمئات السنين.. ثم قسم بعدها منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات منزوعة الإرادة.. وهو الذي أسس قاعدة ودويلة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وهو الذي أسس المؤسسات الدولية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأيضاً هو الذي إيران المعاصرة إيران " دكتاتورية الشاهنشاهية.. ودكتاتورية الملالي" وكلتا الدكتاتوريتين تقاسمتا النفوذ في المنطقة مع الكيان الصهيوني، وقد صانتا مصالح من أوجدهما إلى اليوم، وكانتا الوسيلة المثلى بيد الغرب للحفاظ على مصالحه وابتزاز السذج من العرب من حين إلى آخر بحجة الحماية.. وفي حين تتبع بعض القوى العالمية سياسة رابح.. رابح.. إلا أن العرب غير مشمولين في هذه السياسة لأنهم أكبر المشترين في سوق السلاح وأكبر المستهلكين عالميا ومنطقتهم أكثر المناطق تدنياً بمعدلات ومؤشرات التنمية.
لا تغرنكم سياسات موسكو وبكين وطهران وواشنطن ولندن وباريس وحتى دلهي.. فللنظام العالمي ثوابته وخطوطه الحمراء التي يلتزم بها الجميع بعد رسم الحدود والسياسات في الشرق الأوسط.. والنظام العالمي هو نفسه الذي أسس " دكتاتوريتي الشاهنشاهية.. والملالي" وهو الذي يحافظ اليوم على بقاء دكتاتورية الملالي للحفاظ على المسببات التي هي أساس لنجاح مخططاته وتصون مصالحه، وكذلك هو الذي تعاون مع ملالي إيران لهدم الدولة العراقية ونزع قدراتها وتسليم السلطة فيها لـ اللصوص والنطائح والمتردية وجعل الولي الفقيه في إيران وصياً على الحكم في العراق بعد احتلاله سنة 2003.. والوقائع على الأرض تختلف عما تحوكه دوائر الخراب ويتداوله الإعلام المعادي ليجعل منه أمر واقع يمكن تسميته كما يشاؤون.. أو كما أسموها بـ "الديمقراطية في العراق" وهو عبثية لا علاقة لها لا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان.. وكما هو الحال في إيران مجموعة من المتسلطين سلبوا الثورة بعد أن أسقط الشعب دكتاتورية الشاه وأسموهم بـ " الجمهورية الإسلامية" وهي جمهوريةٌ لا علاقة لها لا بالجمهورية ولا بالإسلام كما لا علاقة لها بأي فكر.. إنها مجرد مجموعة سلطوية تنفذ مخططات الغرب والنظام العالمي.. ولأجل ذلك لابد من بعض السيناريوهات الشكلية لإدارة الصراعات.. ولقراءة المشهد جيداً وإيصال الرسالة كاملة كان ولابد من تلك المقدمة أعلاه.. ليعلم القارئ المعني والمهتم أن خلاص ونمو وازدهار هذه المنطقة بيد شعوبها فقط.. وخلاصها وازدهارها قد يراه الغرب بداية لتراجعه وضعفه.. لذا فإن معركة المواجهة ضد قوى الشر في المنطقة " الصهاينة والملالي" هي معركة مواجهة مع النظام العالمي، ومن يتمكن من استهداف قادة الملالي وضيوفهم على أسرة نومهم قادر بالطريقة نفسها على قتل رموز ولاية الفقيه وإسقاط نظام الملالي؛ لكن التوجه الفعلي ليس إسقاط نظام الملالي بل إعادة تدجينه وترويضه وإبقاء الحال على ما هو عليه أو استبداله بدكتاتورية جديدة ونظام هش.
تظاهرة نيويورك ليست الأولى من نوعها فقد سبقتها تظاهرة بروكسل الضخمة وتظاهرات أخرى.. وتظاهرة مماثلة من قبل في نيويورك تصدت لزيارة المُلا إبراهيم رئيسي رئيس جمهورية الملالي في حينها بعد أدانته منظمات دولية في تهمة الإبادة الجماعية بحق أكثر من 30 ألف سجين سياسي إيراني من أعضاء منظمة مجاهدي خلق المعارضة للملالي، وقد تمت تلك الإدانة بالأدلة القاطعة ورغم ذلك لم تسمح مؤسسات النظام العالمي لإبراهيم رئيسي بالوقوف على منصة الأمم المتحدة فحسب بل سمحت لوزير للحرسي عبداللهيان وزير خارجية الملالي السابق بالوقوف على منصة المجلس العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رغم انتهاك النظام لحقوق الإنسان وارتكابه جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
الجديد في تظاهرة نيويورك هو إنها ورسالتها وأهدافها امتدادٌ لتظاهرة بروكسل التي تبنت فيها منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي خيار الحل الثالث الذي يرفض الحرب المباشرة ضد الشعب الإيراني، ويرفض سياسة الاسترضاء والمهادنة التي يعتمدها تيار غربي كبير على الرغم من تطبيله من أجل الحرب.. ويقدم هذا الخيار طرحاً ممكنا ومشروع وهو أن يكون التغيير في إيران على يد الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة المقتدرة.. وأن على الغرب والنظام العالمي أن يقف بجانب الشعب الإيراني بدلا من استرضاء الملالي والوقوف بجانبهم.. ويأتي هذا الخيار خيار الحل الثالث ليضع مصداقية النظام العالمي على المحك، ويرسل رسالة قوية مفادها أن الشعب الإيراني ومقاومته وبديله الديمقراطي المتمثل في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يدرك تمام الإدراك أن أي حرب خارجية مباشرة ضد نظام الملالي ستكون سبيلا لتقوية وتثبيت هذا النظام.. كما ستكون سببا في هلاك الشعب الإيراني وتدهور أوضاعه أكثر مما هي عليه الآن؛ كما لن تحقق هذه الحرب أهدافها المرجوة المُعلن عنها في وسائل الإعلام المبرمجة الموجهة على عكس التغيير الذي سيكون على يد الشعب الإيراني ومقاومته، والذي سيحدث تغييرا سياسياً كبيرا يقوم على إثره نظاما سياسياً ديمقراطيا تقدمياً يؤسس لـ جمهورية تقوم وفق مبادئ برنامج المواد العشر يقوم على الحرية والديمقراطية والمساواة وقيم التعايش السلمي في الداخل والخارج في دولة غير نووية تعزل بين الدين والسلطة.
كانت تلك تظاهرة بروكسل، وهذه هي تظاهرة نيويورك المتواصلة برسالتها ودوافعها وأهدافها.. وهذه هي رسالة بروكسل ونيويورك التي تقول كفى دعما للدكتاتورية القائمة في إيران، وكفى تستراً على جرائم الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان..، ومن أراد الحل فهو من خلال خيار الحل الثالث.. واتركوا الشعب الإيراني يغير النظام بيده وادعموه ومقاومته على طريق هذا التغيير.. وأبرز الرسائل من نيويورك هي أن حراك المقاومة الإيرانية هو دليل شرعيتها وأنها هي البديل الديمقراطي الحضاري القادر على التغيير وقيادة المرحلة الانتقالية في إيران.
د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي