د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
تظاهرات نيويورك: ارتقاء صوت الثورة الإيرانية العالمية في مواجهة نظام ولاية الفقيه
مع استمرار الانهيارات الاستراتيجية التي مُني ويُمنى بها نظام ولاية الفقيه في الشرق الأوسط على مدى السنوات الماضية جاءت تظاهرات الجالية الإيرانية في نيويورك في سبتمبر 2025 لتشكل أبعادًا جديدة لتحدي النظام داخليًا وخارجيًا.. هذه التظاهرات لن تكون مجرد احتجاجات عابرة بل ستكون تعبير واضح وموحد عن رفض شعبي دولي لنظام يخنق حرية شعبه ويعيث فسادًا في المنطقة، كما ستكشف عن هشاشة الولاية الفقيه في ظل الأزمات السياسية والعسكرية والأمنية المركبة التي يعيشها النظام.
أبعاد التظاهرات وعلاقتها بالتحولات الإقليمية
تبرز التظاهرات المُرتقبة في نيويورك كبؤرة للمقاومة الإيرانية في المهجر حيث سيتجمّع الآلاف من الإيرانيين مع أنصارهم ليعبروا عن رفضهم للدكتاتورية والفساد وسياسات العنف والتدخلات الإقليمية التي شنها النظام منذ عقود في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتأتي هذه التحركات في وقت تتعاظم فيه هزائم النظام وحلفائه وانسحاباتهم من مناطق نفوذ كانوا يعتبرونها “عمقًا استراتيجيًا” وهو ما انعكس بشكل فادح على سياسات النظام الداخلية والخارجية.
لقد كان سقوط بشار الأسد في ديسمبر 2024 نقطة تحوّل كبيرة إذ كشف مدى تآكل الدعم العسكري والسياسي الذي كانت طهران توفره بشكل مباشر أو عبر وكلائها، ومع هذا الانهيار اتسعت دوائر الاحتجاجات أيضاً داخل إيران وخارجها، وتمثلت خارج الحدود بالتظاهرات الحاشدة في مدن كبرى مثل بروكسل ونيويورك التي باتت منابر يعكس فيها اللاجئون والمهاجرون صوتًا متقدًا للمعارضة الإيرانية.
خطابات الثورة والإحباط من الملالي في نيويورك
لن تحمل التظاهرات في نيويورك مطالب محلية أو حقوقية فقط بل ستوجه رسائل سياسية قوية تستهدف النظام الحاكم مباشرة.. إذ سيرفع المحتجون شعارات مناهضة للإعدام ومنادية بإسقاط نظام الملالي مؤكدين على أن الحل لا يكمن في التغييرات الصغرى أو المصالحات المؤقتة بل في الإطاحة بكامل النظام وتحقيق تحول ديمقراطي شامل، وستكون رسائل المشاركين في التظاهرات بكامل الوضوح ضد محاولات خامنئي وجنوده تصوير قاسم سليماني وأمثاله كأبطال وشهداء حيث اختلطت صورة هؤلاء في أعين الناس بالمجازر والدمار الذي أوقعوه في سوريا واليمن ودول الجوار.. كما سيعبر المحتجون عن رفضهم القاطع لاستغلال النظام لقضايا إقليمية كالقدس وفلسطين لتبرير قمع معارضيه داخليًا ليؤكدوا أن القضية الوطنية الحقيقية هي التحرر من الاستبداد.
المقاومة الإيرانية ودعم الحراك الدولي
تأتي هذه التظاهرات في نيويورك ضمن إطار متكامل من الاحتجاجات التي تقودها المقاومة الإيرانية على رأسها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية التي أكدت مرارًا على ارتباط المطالب الشعبية الداخلية في إيران بحركة معارضة منظمة ومسؤولة تملك برنامجًا واضحًا للتغيير.. المجلس وشبكته الدولية لعبا دورًا مهمًا في تسليط الضوء على جرائم النظام، وكشف الأكاذيب حول استراتيجيته في تصدير الإرهاب والتدخل الخارجي.
ستكتسب التظاهرات في نيويورك حيث تقع منظمة الأمم المتحدة وكثير من المؤسسات الحقوقية والإعلامية الدولية اهتماما وأصداء أكبر تجعل من صوت الثورة الإيرانية صوتاً عالميًا وستشدد أيضا على مسؤولية المجتمع الدولي في دعم مساعي الشعب الإيراني وحقه في تقرير مصيره.
تحولات في مسار الثورة الإيرانية
تجسد الإعدادات لـ تظاهرات نيويورك تحولًا مهمًا في حركة الاحتجاج الوطنية الإيرانية من الداخل إلى الخارج حيث أصبحت الجاليات الإيرانية في المنافي المختلفة عامل ضغط سياسي فعال على النظام ودوائر صنع القرار العالمي، وكذلك مصدر نشر وجهة نظر المعارضة الرسمية التي ترفض استمرار حكم الملالي.. وتأتي هذه التظاهرات لتكمل حلقات الحراك السلمي والانتفاضات الشعبية، وتوجه رسالة واضحة أن الثورة الوطنية الإيرانية ليست حكرًا على الداخل بل هي قضية وطنية وشعبية تمتد إلى كل مكان يتواجد فيه الإيرانيون.
ختامًا.. إن شجاعة واندفاع المتظاهرين في نيويورك ليست مجرد احتجاج على نظام قمعي بل إعلان صريح للحضور السياسي الإيراني العالمي في مناصرة الحرية والديمقراطية، والتأكيد أن هذه الثورة مستمرة رغم كل التحديات، وأن زمن النظام الفاقد للشرعية قد شارف على نهايته.
د.سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي