سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):
حكومة السوداني-الإطار التنسيقي.. بين مطرقة الحرس الثوري وسندان القوات الامريكية
حط محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي رحاله في دافوس للاستجمام والاسترخاء، وبالتأكيد ليس للمشاركة الفعالة في الاجتماع السنوي الذي يقام في المدينة السويسرية، حيث يحضره أثرياء العالم وأصحاب الشركات وممثلي الدول لعقد الصفقات السياسية وإبرام الاتفاقيات الاقتصادية.
فالعراق ليس فيه دولة بالمعنى الأمني والقانوني والسياسي تحمي رأس المال الذي بطبعه جبان كما يصفه ماركس، وفيه حكومة عُوِّم رئيسها وعينه تحالف المليشيات الموالي لإيران، وعدد من اعضائها رؤوس بارزة فيها، ومنهم من دونت اسمائهم في لائحة العقوبات الامريكية بتهمة الارهاب، ووظيفتها الوحيدة أي تلك الحكومة تعد الصواريخ التي تطلقها المليشيات على القواعد الامريكية، و تحصي الضربات الامريكية على مقرات تلك المليشيات، وبعد الانتهاء من الدوام الرسمي تصدر بيانات الإدانة للطرفين وتشجب وتستنكر وتعلن عن تشكيل اللجان التحقيقية، فهي تقف في مسافة واحدة من جميع الأطراف المتصارعة على الساحة العراقية.
ما حدث في ليلة الخامس عشر من كانون الثاني ٢٠٢٤ في ضرب مدينة أربيل بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة من قبل الحرس الثوري الإيراني، يعكس حالة هشاشة الحكومة، والتي تعتبر أكثر الحكومات هزالة منذ غزو واحتلال العراق في ٢٠٠٣، باستثناء حكومة المالكي التي سلمت ثلث مساحة العراق الى عصابات داعش.
ان هزالة هذه الحكومة لا تكمن فقط في عدم قدرتها على التخلص من "السلاح المنفلت" وهو الاسم الحركي للعصابات والمليشيات الموالية لإيران، والمضي في بناء صرح الدولة وبغض النظر عن محتواها وهويتها السياسية، بل تكمن في تصريحاتها الصحفية التي اقل ما توصف بالمهزلة، حيث تعلن انها شكلت لجنة تحقيقية للبت في القصف الصاروخي الأخير لأربيل وتُعلم الشعب العراقي بنتائج التحقيق، وليخرج بعدها ممثلها مستشار الأمن الوطني قاسم الاعرجي ليقول لنا ان المنزل الذي تم استهدافه من قبل الحرس الثوري ليس وكرا للتجسس، ويزيد في الطين بلة حيث يضيف ان الوفد العراقي كان لديه اجتماعا مع الوفد الأمني الإيراني في الخامس عشر من الشهر الفائت ولم يبلغهم عن أي شيء او أنهم عازمين بالإقدام على جريمتهم. والسؤال هو هل لدى الحرس الثوري الحقانية والمشروعية في قصف مدينة أربيل لو كان المنزل حقا منزلا للتجسس ويخبرون الطرف العراقي بيوم الضربة؟ ولكن يبدو ان مفهوم السيادة الذي غطى بيان حكومة السوداني له مفهوم مغاير ومختلف عن بقية حكومات العالم، فالمهم يجب أن يعرف القاصي والداني ان العراق ليس "وكالة من غير بواب" وبغض النظر أنه (لا يحل ولا يربط)!
ان الحقيقة التي تريد ان تعلنها حكومة السوداني على الشعب العراقي، مثل الحقيقة التي كشف عنها حول قتلة متظاهري انتفاضة تشرين أكتوبر، او قاتل المحلل السياسي هشام الهاشمي، الذي يتم اعادة محاكمته لاطلاق سراحه بعد ان ادانته المحكمة في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، وتحقيقاتها تشبه تحقيقات الحرس الثوري والمسؤولين في الجمهورية الإسلامية بعيد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في مطار بغداد في كانون الثاني من عام ٢٠٢٠، فهي أعلنت أيضا حينها بانها ستشكل لجنة تحقيقية بحادث الاغتيال، في حين صرح دونالد ترامب الرئيس الأمريكي بأنه هو من أصدر الأوامر بشكل مباشر في تصفية سليماني. ولكن يبدو ان السوداني يكتسب التجربة والخبرة من الجارة إيران، أليست المليشيات الموالية لولاية الفقيه هي من عينته وشكلت حكومته!
ان من أوصل العراق الى ساحة مفتوحة لعبث وبلطجة الحرس الثوري الإيراني وعصابتها من المليشيات هي الأطراف الموجودة في الإطار التنسيقي، سواء التي مهدت وأعطت الشرعية لغزو واحتلال العراق في مؤتمر لندن عام ٢٠٠٢ او التي غيرت جلدها و بوصلتها الأمريكية ولبس جلد ايراني وتقتدي ببوصلة جديدة. وكل جعجعات الحكومة بتقديم شكوى ضد إيران في مجلس الامن وسحب سفيرها من طهران، ليس سوى زوبعة في فنجان وذر الرماد في العيون، ومحاولة لامتصاص النقمة المتنامية ضد النفوذ الإيراني وميليشياته التي ترفع شعار المقاومة والممانعة والقوى المؤيدة لها المتورطة بالفساد والنهب والسرقة على حساب جماهير العراق، وسواء بينتها المعطيات في انتفاضة أكتوبر او في الانتخابات الأخيرة، حيث تستعر نيران غضب في صدور الغالبية العظمى من جماهير العراق التي قاطعت الانتخابات الأخيرة بنسبة أكثر من ٨٥٪. ولا تعدو خطوة حكومة السوداني تلك أبعد من خطوة دعائية وإعلامية كما اقامت الدنيا ولم تقعدها في إخراج القوات الامريكية بعد قتلها لاحد قادة المليشيات المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي. وببساطة سلطة الإطار التنسيقي المستبدة والفاسدة التي تقف خلف حكومة السوداني وتساندها قائمة على دعامتين؛ الأولى الدعامة الامريكية والثانية الدعامة الإيرانية وميليشياتها في العراق، وبانهيار أي من الدعامتين، فلا قائمة تقوم لهذه السلطة الجائرة بالمعنى المطلق.
وقد وضع اعلان الحرس الثوري الإيراني بمسؤوليته عن قصف مدينة أربيل الاطار التنسيقي في وضع لا يحسد عليه، ومن جانب آخر عمقت نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي نظمت في ١٨ من شهر الفائت ٢٠٢٣ من أزمتها، حيث جاءت النتائج مخيبة للآمال، وليس بسبب مقاطعة اكثر من ٨٥٪ للانتخابات، بل بسبب فشلها في إزاحة مخالفيها من المحافظات سواء المحاذية لإيران مثل واسط والبصرة او في احدى قلاعها الرئيسية مثل كربلاء، فضلا على بغداد والموصل التي سخرت فيها كل ميليشياتها وأموالها وامكانياتها، ولذلك لجأت الى فذلكة قانونية للتخلص من معارضيها بإصدار قرار وزاري من قبل مجلس الوزراء بإبعاد جميع المحافظين السابقين.
بمعنى آخر أن مأزق السوداني وحكومته هي مازق نفس تحالف الميليشيات واحزابها السياسية الذي يسمى بالإطار التنسيقي، حيث تتضارب فيه المصالح والرؤى، ولكنها متفقة على تصفية المعارضين السياسيين لها وحسم مصير السلطة السياسية، وجاءت رياح حرب غزة بما لا تشتهي سفنها، وبدأت تلك الرياح التي يعتبرها الإطار التنسيقي رياح سموم تتحول الى عاصفة ترابية عاتية تضرب جذور المعادلات السياسية في المنطقة ومنها العراق.
بالنسبة لإيران، فان إطلاق الصواريخ الباليستية من قبل الحرس الثوري بقصف مدينة أربيل بهذا الشكل والإعلان عن مسؤوليته وعرض المسيرات التي شاركت في القصف أيضا في وسائل الاعلام، وخاصة جاءت بعد الضربات الامريكية-البريطانية على حلفاء إيران في اليمن، انما الهدف منه هو الحيلولة دون المساس بالنفوذ الإيراني في العراق ودرء اية مخاطر عن المصالح الإيرانية بشكل مباشر وغير مباشر، بعد ان وجدت طهران بعدم جدوى ضربات المليشيات الموالية لها على القواعد الامريكية في العراق. وفضلا على ذلك أن الضربات الصاروخية التي تزامنت على العراق وسوريا وأفغانستان او بلوشستان باكستان هو جزء من خلط الأوراق للتعمية على هدفها الحقيقي المشار اليه، وتصب أيضا في ترقيع صورة إيران التي تخدشت ومحاولة لإعادة انتاج الاعتبار لها، بعد قتل ١٢ من قادة الصف الأول للحرس الثوري في سوريا وعلى رأسهم رضوى موسوي في الشهر الفائت وتفجيرات مدينة كرمان في ذكرى اغتيال قاسم سليماني.
وأخيرا تواجه حكومة السوداني والتحالف التنسيقي استحقاق كبير أمام الجماهير التي لفظتهم وقاطعت انتخاباتهم، وبات صبرهم ينفذ، ولطالما تريد سواء الحكومة أو ذلك الإطار الميليشاتي طمسه أو ترحيله عبر إشغال الجماهير بالتهليل الدعائي وبالقصف الإعلامي، تارة بشعار المقاومة والممانعة ونصرة القضية الفلسطينية، وتارة أخرى بإخراج القوات الامريكية وآخرها برفع لواء احتجاج ضد الحرس الثوري الإيراني وحلفائه ممن ثبت حكومة السوداني، ذلك الاستحقاق هو تحقيق الأمن والأمان وتوفير فرص العمل لأكثر من ١٢ مليون عاطل عن العمل وسيادة الحرية والرفاه في بلد يقبع على كنوز مهولة.