خير الله خير الله يكتب:
كمالا تغيّر قواعد اللعبة: ترامب من رمز الشباب إلى عجوز السياسة
يتراجع وضع المرشّح دونالد ترامب يوميا من دون أن يعني ذلك أنّه فقد الأمل في تحقيق انتصار في الانتخابات الرئاسيّة المقرّرة في الخامس من تشرين الثاني – نوفمبر القبل. وصل الأمر بالرئيس الأميركي السابق، مرشّح الحزب الجمهوري، إلى رفض مناظرة ثانية مع المرشحة الديموقراطيّة كمالا هاريس مع ما يعنيه ذلك من خوف حقيقي منها من جهة وإنعدام للثقة بنفسه وبقدراته من جهة أخرى.
يشير رفض أي مواجهة مباشرة جديدة مع المرشّحة الديموقراطيّة إلى ضعف يعاني منه ترامب. لم يعد يصدّق كثيرون أن المرشّح الجمهوري، المستعد لقول أي شيء بالنسبة إلى أي موضوع، شخص فائق الذكاء يمتلك حضورا قويّا. من الواضح أن المرشّح الجمهوري فقد الكثير من جاذبيته في وقت لم يعد يأخذ في الإعتبار التأثير السلبي لبعض ما يقوله. أخيرا وجد ترامب من يتصدى له بجرأة وبشكل مباشر... من دون أن يعني ذلك أنّ كمالا هاريس تمتلك الخبرة السياسيّة، خصوصا على الصعيد العالمي، بما يسمح لها بأن تكون رئيسا ناجحا.
كشفت المناظرة الأولى بين المرشّحين عيوب ترامب الذي بدا بالفعل عجوزا لا يستطيع ضبط اعصابه، في كلّ وقت، علما أنّه لا يزال يعتقد أنّ الأميركيين يصدّقون كلّ ما يقوله.
في المقابل، بدت كمالا متماسكة ومنضبطة في الوقت ذاته. إستطاعت إستفزاز الرئيس الأميركي السابق الساعي إلى العودة إلى البيت الأبيض. كلّ ما في الأمر، أن دونالد ترامب كان يبدو شبه شاب بوجود جو بايدن كمنافس به. مع إنسحاب بايدن، ظهر العمر على ترامب في وقت تمتلك كمالا حيويّة كبيرة تقرّبها من كثيرين من الناس العاديين الذين يبحثون عن رئيس لا يقاوم الإجهاض ولا يتحدّث بعنصرية، ليس بعدها عنصرية، عن المهاجرين إلى أميركا، أكانوا شرعيين أو غير شرعيين. ذهب ترامب بعيدا في حملته على مهاجرين إلى أميركا "يأكلون الكلاب".
لا شكّ أن معظم الأميركيين يجهلون الكثير عمّا يدور في العالم. يختار معظم الأميركيين التصويت من منطلقات مرتبطة بالسياسات الداخليّة، بما في ذلك الوضع الاقتصادي. كان هذا الوضع الإقتصادي أفضل في أيام ترامب، لكن الرئيس السابق لم يُحسن إستغلال ذلك في المناظرة مع كمالا هاريس في بنسيلفانيا، في حين استطاع ذلك في المواجهة التي حصلت بينه وبين جو بايدن في اتلانتا.
لم يتحدث ترامب وكمالا عن العالم ومشاكله، لكنّ الواضح أنّ عودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض يمكن أن تشير إلى مزيد من التشدد في التعاطي مع "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران. لا يمكن تجاهل أنّ دونالد ترامب مزّق الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إدارة سلفه باراك أوباما صيف العام 2015 مع إيران، وهو إتفاق سمح لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" بالحصول على مليارات الدولارات وظفت في دعم مشروعها التوسّعي في المنطقة. هذا المشروع القائم على المتاجرة بفلسطين والقدس... وإستخدام ميليشيات مذهبيّة تعمل على تفكيك دول مثل العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن وجعلها أوراقا في يد "الجمهوريّة الإسلاميّة". أكثر من ذلك، ذهب ترامب عندما كان في البيت الأبيض إلى إغتيال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الذي يمكن إعتباره شخصيّة مفصلية في مجال تحقيق إختراقات إيرانيّة في هذا البلد العربي أو ذاك.
ميز المناظرة بين ترامب وكمالا غياب السياسة الخارجيّة باستثناء مداخلة قصيرة لنائبة الرئيس الأميركي تحدّثت فيها عن ضرورة وقف حرب غزّة. لكنّ ذلك لا يمنع اتخاذ موقف حذر من شخصين مخيفين إلى حدّ كبير، خصوصا شخص المرشّح الجمهوري المستعد للتخلي عن أوكرانيا وترك أوروبا تحت رحمة الإبتزاز الذي يمارسه الرئيس فلاديمير بوتين الذي لا يرى عيبا في إحتلال أرض لدولة جارة مستقلّة.
لا استيعاب لدى ترامب للنتائج المترتبة على وضع روسيا يدها على أوكرانيا وما يترتب على ذلك أوروبيا. لا يجد الرئيس الجمهوري السابق أي مشكلة في تدهور العلاقات الأميركيّة – الأوروبية. لديه أجندة مختلفة كلّيا عن تلك التي تحكمت بالعلاقات الأميركيّة – الأوروبية منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية وإقرار مشروع مارشال الأميركي الذي ساعد في إعادة بناء دول أوروبا الغربيّة التي وقفت في وجه هتلر وجنونه ثم في وجه الإتحاد السوفياتي في اثناء الحرب الباردة. لدى ترامب توجه إلى التبسيط في كلّ ما له علاقة بطموحات فلاديمير بوتين وميله الطبيعي إلى أن يكون هتلر آخر.
على صعيد الديموقراطيين، تثير كمالا الخوف بسبب قلة معرفتها بإيران ومشروعها الذي يشمل العراق على وجه التحديد. ليس لدى كمالا أي إدراك لأهمّية هذا البلد في المنطقة. لا إدراك خصوصا لسعي "الجمهوريّة الإسلاميّة" إلى زيادة تحكمها بالعراق الذي باتت حكومته، برئاسة محمّد شياع السوداني، في خدمتها.
شيئا فشيئا، سنرى في حال فوز كمالا الميل المستمر لدى باراك أوباما، الذي يرعاها، إلى عقد صفقة جديدة مع إيران. يريد الرئيس السابق الإنتقام من تخلي دونالد ترامب عن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه الولايات المتحدة مع "الجمهورية الإسلاميّة"، وهو إتفاق يعتبر أوباما أنّه كان إنجازا كبيرا!
في الحلبة الأميركية تنافس بين شخصين يثيران الخوف والمخاوف. الشخصان غير مؤهّلين لمواجهة تعقيدات هذا العالم، من حرب غزّة واحتمال توسعها إلى الضفة الغربيّة ولبنان... إلى حرب أوكرانيا التي كشفت خطورة السياسة التي يتبعها فلاديمير بوتين... إلى اللعبة التي تمارسها الصين التي تراهن على إستغلال مزيد من الأخطاء التي تعوّدت الولايات المتحدة إرتكابها.
لا يزال دونالد ترامب حيّا يرزق في سباق الوصول إلى البيت الأبيض، لكنّ كمالا هاريس برهنت أنّ ليس في الإمكان الإستخفاف بها وبحظوظها في الفوز. يحصل ذلك كلّه في عالم يستحق أن يكون فيه التنافس على رئاسة الولايات المتحدة بين شخصين يمتلكان مؤهلات سياسية في مستوى القوّة الأميركيّة وليس دونها بكثير!