هاني مسهوريكتب:
حزب الله يترنح.. لكن ماذا عن لبنان؟
منذ سنوات طويلة، كانت إسرائيل تمتلك "بنك أهداف" متكاملًا حول "حزب الله"، يتضمن معلومات دقيقة عن هيكله التنظيمي، وقياداته، وبنيته العسكرية، وتحركاته المختلفة.
رغم هذا الكم الهائل من المعلومات الاستخباراتية، قررت إسرائيل عدم استثمار هذه البيانات في ضربات مباشرة ضد الحزب في الفترة السابقة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن: لماذا قررت إسرائيل التحرك في هذا التوقيت؟ هل الأمر مرتبط بتغيرات استراتيجية في طهران أم بمجريات ميدانية جديدة في المنطقة؟
لا يمكن إغفال أن جمع المعلومات الاستخباراتية عن "حزب الله" بدأ منذ انتهاء حرب لبنان عام 2006، حينما تم التوصل إلى ما يمكن وصفه بـ"هدنة غير مكتوبة" على الحدود الشمالية بين إسرائيل ولبنان. رغم هذا الهدوء النسبي، استمرت إسرائيل في تعزيز قدراتها الاستخباراتية والتكنولوجية، مستفيدة من تقدمها في مجالات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي. وتواصلت عمليات الرصد والمتابعة، ما أتاح لها الحصول على تفاصيل دقيقة حول "حزب الله". لكن لماذا كانت تفضل عدم استثمار هذه المعلومات لفترة طويلة؟.
الإجابة قد تكون في توازنات إقليمية ودولية معقدة. إسرائيل وجدت نفسها مرتاحة في معادلة ما بعد حرب 2006، حيث استطاعت بناء اقتصاد قوي ونفوذ متزايد في مناطق أخرى، بينما كان لبنان يعاني من انهيار سياسي واقتصادي متسارع. في هذه المرحلة، كان التركيز الإسرائيلي منصبًا على تعزيز علاقاتها الدولية خاصة في آسيا، بينما بقيت على علاقة عدائية هادئة مع "حزب الله"، غير مستعدة للدخول في مواجهة مفتوحة قد تهدد استقرارها الداخلي، لكن كل شيء تغير مع هجمات "حماس" في أكتوبر 2023، التي أعادت الصراع إلى الواجهة وأطلقت موجة جديدة من العنف في المنطقة.
هذا الحدث دفع إسرائيل إلى إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه "حزب الله"، لا سيما مع تزايد التوترات بين واشنطن وطهران. وبالنظر إلى تعقيدات المشهد، يمكن القول إن التحول الإسرائيلي لم يكن نابعًا فقط من الأحداث الميدانية، بل جاء نتيجة لتحول في الحسابات الإقليمية والدولية، خاصة مع تصاعد الضغط الأمريكي على إيران.
إيران بدورها تجد نفسها الآن في موقف صعب للغاية. فمع تدخلها في صراعات متعددة في اليمن وسوريا والعراق، باتت تواجه ضغوطًا متزايدة من الولايات المتحدة وإسرائيل. ورغم محاولاتها المستمرة للحفاظ على التوازن في سياساتها الإقليمية، يبدو أن طهران تواجه تحديات كبيرة. فبينما كانت تراهن على قدرتها على اللعب في هوامش الصراعات الإقليمية، تجد نفسها الآن محاصرة بتصاعد الضغوط على جبهات متعددة.
في هذه الأثناء، يواجه "حزب الله" تحديات كبيرة في الداخل والخارج. فمن جهة، يواجه تراجعًا اقتصاديًا وسياسيًا داخل لبنان، في ظل انهيار الدولة ومؤسساتها.
ومن جهة أخرى، يجد نفسه في موقف صعب على المستوى الإقليمي، حيث أصبح هدفًا واضحًا للضربات الإسرائيلية المتتالية. هذا التردد في اتخاذ قرار حاسم تجاه الصراع يعكس الضغوط المتزايدة على الحزب من طهران، التي تحاول الحفاظ على توازنها في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، من المؤكد أن هذه التغيرات دفعت الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها تجاه المنطقة.
خلال فترة الرئيس باراك أوباما، كانت الولايات المتحدة تتبع سياسة احتواء إيران، مركزة على التوصل إلى اتفاق نووي. لكن اليوم، ومع تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران، يبدو أن واشنطن تتبنى موقفًا أكثر حزمًا، ما يعزز من احتمال تصعيد عسكري أكبر في المستقبل القريب.
"حزب الله" الذي ظل لاعبًا رئيسيًا في المشهد السياسي والعسكري اللبناني لسنوات، يبدو الآن في موقف لا يحسد عليه. فبينما يحاول الحفاظ على دوره كوكيل لإيران في المنطقة، يجد نفسه محاصرًا بضغوط داخلية وخارجية غير مسبوقة.
ومع ذلك، يبقى الحزب مضطرًا للتعامل مع التغيرات المتسارعة في المشهد الإقليمي، ما قد يدفعه إلى اتخاذ خطوات جديدة لمواجهة التحديات القادمة، السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه الآن: إلى أين تتجه الأمور؟ هل سنشهد تصعيدًا أكبر بين إسرائيل و"حزب الله"؟ أم أن الطرفين سيحاولان تجنب مواجهة مفتوحة جديدة؟
من الواضح أن المشهد السياسي والعسكري في الشرق الأوسط يتغير بسرعة، وأن التوازنات القديمة لم تعد صالحة. ومع دخول أطراف جديدة في المعادلة، قد يكون لبنان والمنطقة بأسرها على وشك الدخول في مرحلة جديدة من الصراع.
في هذا السياق، يبدو أن لبنان يواجه تحديات كبرى تتطلب قيادة سياسية قادرة على استيعاب هذه التغيرات والتكيف معها. البلد يقف اليوم على مفترق طرق بين الاستمرار في الانهيار أو محاولة استعادة الاستقرار. لكن لتحقيق ذلك، يحتاج لبنان إلى قيادة واعية تعمل على إيجاد حلول داخلية بعيدًا عن الأجندات الخارجية والإقليمية، في نهاية المطاف، يمكن القول إن لبنان يمتلك فرصة نادرة للخروج من أزمته الحالية، ولكن هذه الفرصة تتطلب تحركًا سريعًا وقرارًا سياسيًا شجاعًا.
فالوقت المتاح ليس طويلًا، والتحديات القادمة قد تكون أكبر مما نتخيل. ولكن الأمل يبقى معلقًا على قدرة اللبنانيين على تجاوز هذه الأزمة وتحقيق التغيير الذي يحتاجونه، وقف إطلاق النار من جانب لبنان يمثل خطوة تتلوها خطوات انتخاب رئيس للجمهورية ثم المضيّ باتفاق سلام مع إسرائيل يضع حداً لكل ما جناه اللبنانيون من ويلات حروب لم يختاروا أن يكونوا فيها طرفاً إنما دفعوا إليها دفعاً، حزب الله سقط مغشياً عليه ولبنان أمامه الفرصة فهل يمكن أن يساعده أشقاءه العرب بأن يفوز ونستعيد بيروت إلى جانب عدن؟