د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
النظام الإيراني؛ والتصعيد واقع الحال اليومي في إيران
تشهد إيران اليوم تصعيدًا مستمرًا على مختلف الأصعدة، ما يعكس حالة الاحتقان المتزايدة بين النظام والشعب. فمنذ عقود يتنامى ويتصاعد الغضب الشعبي بسبب السياسات القمعية للنظام، والانهيار الاقتصادي، والتدهور في أوضاع حقوق الإنسان. وأصبح التصعيد في ظلِّ الأوضاع المتأزمة التي تشهدها إيران سمةً يوميةً للحياة تحت حكم نظام الملالي.
يُواجه النظام الإيراني "نظام ولاية الفقيه" الذي يحكم البلاد منذ ثورة 1979اليوم تحدياتٍ غير مسبوقةٍ على الصعيدين الداخلي والخارجي مما جعل التصعيد واقعًا يوميًا يعيشه الشعب الإيراني، وقد أدى إلى اتساع وتنامي رقعة الاحتجاجات والإضرابات في العديد من المدن الإيرانية، ويعد القمع الممنهج واستخدام العنف ضد المحتجين واقعًا يوميًا يواجهه المواطن الإيراني الذي يبحث عن الحرية والكرامة.
يُصعد ملالي إيران من حدة طغيانهم ونهجهم القمعي وبالمقابل لم تعد لدى الشعب الإيراني القدرة على قبول وتحمل هذا النظام خاصة في ظل تسخير النظام لموارد البلاد باتجاه التسلح وتطوير البرنامج النووي من أجل امتلاك أسلحة وقدرات ذرية ودعم الإرهاب؛ الأمر الذي أدى إلى انهيار النظام الخدمي والتعليمي ووصول اقتصاد البلاد إلى الحضيض، هذا بالإضافة إلى تصعيد عمليات الإعدامات والتعسف، ومن هنا يأتي تصعيد كافة فئات ومكونات الشعب الإيراني لمواجهاتهم ضد نظام الملالي ليس من أجل الإصلاحات وإنما من أجل إسقاطه وإنهاء الجحيم القائم بحق الشعب.
الأوضاع الاقتصادية المتردية
يُعاني الاقتصاد الإيراني في ظل العقوبات الدولية وسوء الإدارة الاقتصادية من انهيار متسارع حيث وصل التضخم إلى مستويات قياسية، بينما تتدهور قيمة العملة الإيرانية مما أدى إلى تفشي الفقر والبطالة. وتعجز الحكومة عن توفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة الأمر الذي دفع الطبقات الفقيرة والمتوسطة إلى الخروج في مظاهرات تندد بالنظام برمته وبسياساته الاقتصادية، وتتصاعد الاحتجاجات والإضرابات رفضا للنظام حيث تشهد إيران موجات متكررة من الاحتجاجات والإضرابات العمالية، حيث يحتج العمال على تأخر الرواتب وسوء المعيشة وسوء ظروف العمل، بينما يخرج المعلمون والطلاب إلى الشوارع للمطالبة بحرياتهم وحقوقهم المسلوبة، كما أن الاحتجاجات النسوية تتزايد رفضًا لقوانين الحجاب الإجباري والقمع الممارس ضد النساء، وبدلًا من تلبية المطالب الشعبية يلجأ النظام إلى العنف المفرط لإخماد أي تحرك شعبي.
التصعيد الداخلي
يستخدم النظام الإيراني سياسة الحديد والنار في التعامل مع أي حركة احتجاجية؛ فالاعتقالات التعسفية، والتعذيب والإعدامات أصبحت في مقدمة أدوات النظام لإسكات المعارضين وقمع أي صوت يطالب بالتغيير. وتشير التقارير إلى تصاعد وتيرة الإعدامات حيث تنفذ السلطات القمعية الإيرانية أحكام الإعدام بحق النشطاء السياسيين والمعارضين دون محاكمات عادلة. كما يستهدف النظام الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، مما يجعل إيران واحدة من أخطر الدول على حرية الصحافة والتعبير، وقد شهدت إيران موجاتٍ متتاليةً من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت بسبب سياسة النظام القمعية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وانتهاكات حقوق الإنسان والقمع السياسي؛ هذه الاحتجاجات التي قُمعت بعنفٍ من قبل قوات الأمن كانت دليلًا واضحًا على أن الشعب الإيراني لم يعد يحتمّل بقاء هذا النظام وسياساته القمعية خاصة في ظل تدهور الاقتصاد الإيراني حيث ارتفعت معدلات البطالة والتضخم وتفاقمت معاناة المواطنين.
التصعيد الخارجي
خارجيا فقد نظام الملالي شرعيته حيث يواجه ضغوطًا دوليةً متزايدةً بسبب تورطه في العديد من النزاعات الإقليمية انتهاكاته للقوانين والأعراف الدولية وسياساته المثيرة للجدل كدعمه الجماعات المسلحة في المنطقة وتطوير برنامجه النووي، وقد أدت هذه السياسات إلى فرض عقوباتٍ دوليةٍ قاسيةٍ على إيران يدفع ضريبتها الشعب الإيراني، وقد زادت هذه السياسات العدوانية لنظام ولاية الفقيه من حدة توتر العلاقات مع الدول المجاورة والمجتمع الدولي، وبدورها أدت هذه التوترات إلى زيادة العزلة الدولية على النظام الإيراني.
خلاصة القول.. هذا هو واقع الحال اليومي للشعب الإيراني حيث يعيش الشعب الإيراني في ظلِّ أوضاعٍ اقتصاديةٍ صعبةٍ ونقصٍ في المواد الأساسية وارتفاعٍ في الأسعار، ويعكس هذا التصعيد اليومي في إيران أزمة عميقة بين النظام وشعبه، ومع استمرار القمع وتدهور الأوضاع الاقتصادية يتزايد الضغط الداخلي على النظام الذي يواجه تحديات غير مسبوقة؛ فالشعب الإيراني الذي أثبت مرارًا وتكرارًا رفضه لهذا النظام مستمرٌ في نضاله من أجل الحرية والتغيير رغم القمع الوحشي الذي يمارسه النظام في محاولاته البائسة من أجل البقاء في السلطة معتمدا على استخدام القوة المفرطة في الحفاظ على سلطته، وفي حين يتعاظم فقدان النظام الإيراني لشرعيته مع ما يُواجهه من تحدياتٍ غير مسبوقةٍ على الصعيدين الداخلي والخارجي تتصاعد شرعية المقاومة الإيرانية وتجلي برنامجها برنامج المواد العشر ليس كحل سياسي في إيران وإنما كخلاص للشعب الإيراني والمنطقة والعالم.. وكما يُقال ما ضاع حقٌ ورائه مُطالِب وها هم الإيرانيون يواصلون النضال في الداخل والخارج في انتظار لحظة الحسم لإسقاط النظام وتحقيق أهدافهم في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي