د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
وجهين لعملة واحدة؛ فماذا جرى في حرب الـ 12 يوما؟
شهدت المنطقة في يونيو 2025 واحدة من أخطر جولات التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل.. دامت 12 يومًا لتكشف عن تعقيدات التحالفات الإقليمية وتداخل المصالح، وتهدد باندلاع حرب إقليمية كبرى على الرغم من أن إيران وإسرائيل تبدوان في ظاهر الأمر خصمين أيديولوجيين وعسكريين، إلا أنهما "وجهان لعملة واحدة" في لعبة جيوسياسية أكبر، حيث يستفيد كل طرف من حالة الصراع لتعزيز نفوذه وتبرير سياساته الداخلية والخارجية من خلال توظيف كلا الطرفين للدين والسياسة والأمن في لعبة مصالح تنتهي في نهاية الأمر بالهيمنة على المنطقة واستنزاف مواردها.
أحداث الـ 12 يومًا.. تفجير المواجهة
اندلعت المواجهة الأخيرة بعد سلسلة من التصعيدات، منها الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في (أبريل 2023)، والتي أدت إلى مقتل عدد من القادة العسكريين الإيرانيين وحلفائهم. والهجوم الصاروخي الإيراني المباشر على إسرائيل (أبريل 2023) وهو الأول من نوعه، حيث أطلقت طهران مئات الطائرات المسيرة والصواريخ ذات الرؤوس الخرسانية الرحيمة والرد الإسرائيلي المحدود في مشهد بدا كغيره من المشاهد كسيناريو كامل الإعداد والإخراج وبضوابط، وقد استهدف هذا الرد الذي لم يكن خرسانيا منشآت عسكرية إيرانية في سوريا في محاولة لتجنب التصعيد الكامل، وقد برزت خلال هذه الفترة أدوار إقليمية أخرى منها دعم الولايات المتحدة لإسرائيل دفاعيًا وسياسيًا.. واتخاذ المملكة العربية السعودية ودول خليجية موقفًا حذرًا رغم تحسن العلاقات مع إسرائيل مؤخرًا.. ودخول حزب الله والفصائل الفلسطينية على الخط بدعم إيراني، ولكن بدرجات متفاوتة من الحماس.
خلفيات الصراع؛ صدام العقائد أم صراع النفوذ؟
في محاكاة لبسطاء الناس والعقول الخاوية إيران تُقدم نفسها كقوة "ممانعة" تدعم المقاومة ضد "الكيان الصهيوني"، بينما تروج إسرائيل لخطاب الأمن القومي ومكافحة "الإرهاب الإيراني".. لكن الواقع يكشف عن مشهد أكثر تعقيدًا فالطرفان يتنافسان على النفوذ في الشرق الأوسط، ويستغل كل منهما هذا الصراع لتعزيز شرعيته داخليًا ولإعادة رسم توازنات القوى إقليميًا.
يقول المشهد أن إيران وإسرائيل قوتان رئيسيتان في الشرق الأوسط؛ لكنهما تقفان على طرفي نقيضٍ أيديولوجيًا وعسكريًا بينما تدعم إيران فصائل مثل "حماس" و"حزب الله" وتعتبرها أدوات لمواجهة النفوذ الإسرائيلي، وتستخدم إسرائيل هذه التهديدات لتبرير سياساتها الأمنية والاستيطانية وتحالفاتها مع الغرب، ومع ذلك فإن كلا البلدين يستفيد من استمرار حالة المناورة والصراع الاستعراضي بينهما.
12 يومًا من المواجهة... نار وصمت دولي
بدأت الشرارة في 13 يونيو 2025 حين شنت إسرائيل هجومًا جويًا بدا أنه متفقٌ عليه مع الإدارة الأمريكية وحلفائها استهدف منشآت إيرانية قرب أصفهان ومواقع عسكرية لحرس الملالي.. وقد ردّت النظام الإيراني في اليوم التالي بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة استهدفت العمق الإسرائيلي، ومصالح أمريكية في الخليج على نحو حذر.
وفي الأيام التالية لذلك توسعت الضربات الجوية المتبادلة، واستُخدمت فيها تقنيات إلكترونية متطورة، وسيّرت إيران أسرابًا من المسيّرات، ودُمّرت منشآت للطاقة في الخليج، وتوقفت الملاحة مؤقتًا في مضيق هرمز، وارتفعت أعداد القتلى والجرحى بين المدنيين والعسكريين، بينما ساد التوتر في العراق وسوريا ولبنان كجبهات ثانوية مشتعلة، وعلى الرغم ضراوة الصراع اتسم الموقف الدولي بالصمت والارتباك، فيما بدت واشنطن وكأنها تلعب دور الحَكم الخفي الساعي لاحتواء النار لا لإطفائها.
وجهان لعملة واحدة.. كيف يستفيد الطرفان من الصراع؟
رغم الاختلاف الظاهري، يجمع بين النظامين الإيراني والإسرائيلي نمطان متشابهان من استخدام الأزمات الخارجية لترسيخ حكم داخلي مهدد.. فإيران الولي الفقيه تواجه ضغوطًا داخلية من احتجاجات شعبية ومآزق اقتصادية، ووجدت في التصعيد فرصة لحرف الأنظار وتستخدم المعارضة لإسرائيل كأداة لتعزيز نفوذها الإقليمي عبر ما تسميه بـ "محور المقاومة" وإظهار نفسها كقائدة للمقاومة ضد "الكيان الصهيوني" وبالتالي تتمكن من تحويل الانتباه عن الأزمات الاقتصادية الداخلية، والضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في المفاوضات النووية.
أما إسرائيل فتعيش أزمة سياسية داخلية وتراجعًا في ثقة المجتمع بالحكومة فاستغلت بدورها المواجهة لتعزيز اللحمة الوطنية وشرعية القيادة والهروب من الأزمات خاصة بعد إبادة غزة واضطراب أوضاعها داخليا.. ووفقاً لهذا النهج تستخدم إسرائيل التهديد الإيراني لتوحيد الدعم الداخلي وتبرير التوسع العسكري والاستيطاني وتعزيز الرواية الأمنية داخليًا، مما يبرر الحكومات اليمينية وتوحيد الغرب خلفها كـ "حصن ضد التمدد الإيراني" وإضعاف أي تقارب بين إيران والدول العربية.
كلا الطرفين يرفع شعاري الدين والدفاع عن الشعب بينما تتعرض شعوب المنطقة لخطر الانفجار، ويستغل أحدهما القضية الفلسطينية للتطبيل والتعبئة، والثاني قضية الأمن الإقليمي وتهديد الوجود لتبرير سياساته.
وقف إطلاق النار؛ لا يعني إيقاف الحرب!!!
في اليوم الـ 12 وبوساطة أمريكية وضغوط أوروبية وخليجية، دخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ؛ لكنه لم يحمل أي مؤشرات على إيقاف الحرب أو تسوية سياسية حقيقية.. فالجبهات ظلت مفتوحة، والخطابات العدائية مستمرة ما يجعل الهدنة أشبه بـ"هدوء ما قبل العاصفة". والشعوب هي الخاسرة الوحيدة في ظل هذا العبث.
هل كانت حرباً لخلع نظام الملالي أم أنها لغرس جذوره عميقا في صدور الشعب الإيراني المضطهد؟
لم تكن الحرب حربًا لخلع نظام الملالي بل كانت وسيلة مكشوفة لترسيخ قبضته على الداخل الإيراني وتبرير القمع وتمديد عمره المتآكل.. فنظام الملالي يتنفس من خلال الأزمات.. إذ أنه يعتمد منذ 1979 على سياسة "الأزمات المستدامة"، ويجيد الاستثمار في الحروب والصراعات الخارجية ليبرر الاستبداد الداخلي، ويحول الأنظار عن المطالب الشعبية، والحقيقة هي أن الحرب مع إسرائيل وفّرت لنظام الملالي غطاءً لقمع الاحتجاجات الداخلية، وأصبحت وسيلة لتأجيل الحساب الشعبي، وفرصة لتقديم نفسه كـ "حامٍ للأمة" في وجه "العدو الصهيوني" كما بدا في خطاب ولي الفقيه علي خامنئي الموجه باللغة العربية إلى الشعوب العربية.
العدو الخارجي.. ذريعة سياسية
في كل الأنظمة الشمولية، يُستخدم "العدو الخارجي" كفزاعة تُبرر عسكرة الدولة وكمّ الأفواه، وقد روّج نظام الملالي للصراع مع إسرائيل كقضية وجودية بينما واقع الحال هو أن الصواريخ وُجّهت لمباني في إسرائيل لكن الهراوات وحبال المشانق قد وُجّهت إلى رؤوس المظلومين والطلاب والمتظاهرين في طهران وشيراز وأصفهان وكافة أرجاء إيران ولم يُستشر الشعب في أمرٍ كهذا بل زُج به في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، ومن هنا يتضح لنا مما سبق أن الحرب لم تكن ضد نظام الملالي بل كانت حربًا من صُنعه لشرعنة بقائه، وزرع المزيد من الخوف في نفوس الشعب، ووضع شعارات "المقاومة" فوق أنقاض الحقوق. وفي النهاية، كل رصاصة أُطلقت كانت في صدر الحرية وليست في صدر العدو.. وتوافق الغرب مع وجهي العملة على بقاء نظام الملالي جاثما على صدور الشعب الإيراني..
من أراد السلام والاستقرار والأمن لا خيار أمامه سوى إسقاط نظام الملالي من خلال الاعتراف بحق الشعب الإيراني في مواجهة النظام بكافة السبل المتاحة.. ودعم المقاومة الإيرانية وبرنامج المواد العشر الذي أعلنته السيدة مريم رجوي أمام العالم من سنين طوال.. وسيكون التوقيع النهائي للمقاومة الإيرانية قريبا بإسقاط النظام وقيام إيران ديمقراطية وغير نووية..
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي