د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

نساءٌ من أجل التغيير في إيران

أعز الله النوع البشر من أولي العقل بالمعرفة كي يكونوا الحد الفاصل بين الحق والباطل وبين النور والظلام والجمال والقبح، وعندما يكونوا شهودا على الأحداث ومن قلبها لا يحتاجون إلى مصدرٍ أو مرجع يستعينون به في طرحهم أو ما يكتبون، وشهودا بهذه المواصفات على حقبة هامة من تاريخ المنطقة تُلقى على عاتقهم مسؤولية كبيرة، وهي أمانة حفظ الحق والإدلاء به، ومن العراقيين من عاصر وعاش فترات متعاقبة من تاريخ إيران والعراق.. التاريخ الذي قد يجهله كثيراً من الإيرانيين أنفسهم، وكم سمِعوا من السرديات التي تحتمل التأويل؛ لكن سماعهم وتعايشهم مع سرديات وسلوكيات وخبايا جميع الأطراف لا تجعل منهم شهودا على الحقائق فحسب بل وأفضل من يحكم ويُدلي بدلوه بأنوار الحقائق. 

مجاهدي خلق مدرسة الحقيقة مدرسة التغيير 

حافلة هي الذاكرة التاريخية لأولي المعرفة المُعززة بالإدراك خاصة ما يتعلق بالتاريخ النضالي للمقاومة الإيرانية بكافة فصائلها وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية؛ النوع من أصحاب هذه الذاكرة كانوا شهودا على التاريخ لعقود طوال.. شهوداً على حقائق المدرستين في إيران، وقد كلفهم بلوغ تلك الحقائق عمراً طويلا وتجارب مُنهِكةً مليئة بالقلق والمخاوف، ومعايشتهم لكلا المدرستين وبلوغهم الحقائق قد مكنهم من القرار الصائب في اختيار الأرضية السليمة التي يجب وينبغي الوقوف عليها بعيدا عن الانفعالات وضيق الرؤى، ويأتي العنوان " نساء من أجل التغيير في إيران" في صلب هذه الحقائق وشهادة بالحق على مجريات تاريخية هامة.

المدرسة الأولى في المقارنة هنا هي مدرسة الملالي التي تدعي الدين وتُنكره على غيرها مدرسةٌ تُغرر بالآخر مستخفة بعقله وكيانه ووجوده حيث ذهبت في سرديتها ضد المدرسة الثانية مدرسة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية إلى حد التكفير والتشهير المُبالغ فيهما بما يستفز العقل ويدعوه إلى مراجعة أحوال وتركيبة وهوية المدرسة الأولى فالمتحدث الطاعن بالمدرسة الثانية بشرا يحتمل الصواب والخطأ في حين ينزه نفسه عن الخطأ والخطايا متناسيا عقل المُتلقي لإدعاءاتهم متناسيا أيضاً أن أفراد المدرسة الثانية بشراً مثلهم يحتملون الصواب والخطأ أيضاً ومن نفس المجتمع وأبناء التاريخ ذاته، ومن هنا لا يمكن اعتبار مدرسة الملالي مدرسةً ملائكية بالمطلق كما يدعون ولا يمكن اعتبار مدرسة مجاهدي خلق مدرسة شيطانية بالمطلق الذي يدعيه الملالي قولا وتعبئة وإعلاماً.

بالتدقيق في سيرة وتاريخ وثقافة منظمة مجاهدي خلق خاصة سيرة شهدائها وتركيبة تنظيماتها يمكن للواعين المُدركين المنصفين اكتشاف الحقائق دون أدنى جهد ليرى بعينه ويفرز بعقله أن مدرسة مجاهدي خلق مدرسةً تمثل الإسلام الحنيف بقيمه وتشريعاته؛ يدركون ذلك من أخلاق وعفة وحياء النساء وثقتهن بأنفسهن وثقافتهن العالية وتحملهن باعتزازٍ أكثر المسؤوليات مشقة وكثيرا منهن قد نلن الشهادة بشرف ومنهن من ينتظرن يوم النصر أو الشهادة، وجميعهن ورودا ذبلت على طريق النضال لا يمتلكن سوى أدوات ومستلزمات النضال.. لا يمتلكن مالا ولا ذهبا ولا أيٍ من متاع الدنيا الذي يتمتع به الملالي.. وما ينطبق على جميع نساء مجاهدي خلق ينطبق على زعيمتهم مريم رجوي المرأة التي فاقت تضحياتها كل التضحيات ماضية قدما بالإيثار قدوة وأسوة حسنة للجميع نساءا ورجالا في مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، ومن نماذج الشهداء الشهيدة أشرف رجوي نموذجاً من نماذج الشرف والفخر على طريق نضال المنظمة والمقاومة، ومن نماذج السجناء السجينة مريم أكبري منفرد التي فقدت الأهل وتيتم بنوها وهي حية تُرزق تواجه أشد صنوف التعسف والظلم بشموخ في ظلمات ودهاليز السجون والمنافي، وكل الأحياء من نساء المنظمة والمقاومة منظومة نضال وصمود ومشاريع شهادة يفتخر بهم القاصي والداني من أصدقائهم وكل من عرفهم، ويقف أمامهن أعز البشر على استحياء موقراً ومجلاً لهن مؤمنا بشرعية نضالهم ومقراً بنصرهم فيما مضى وما هو آتٍ حتى وإن بقين في مواقعهن دون أدنى تحرك نحو أهدافهن، ويكفيهن فخراً أنهن كن الضياء الذي أضاء بالحقيقة للعالم بأسره، ويكفيهن أنهن مدرسة يقتدي بنضالها وزهدها وعفتها وجمال قيمها نساء المنطقة والعالم..، ولم تدعي مدرسة مجاهدي خلق بالدين والمذهبية ولم تستخدمهما كوسيلة لبلوغ الغايات بل حملت قيم الدين وسارت بأخلاقياته مُمثلة إياه أفضل وأطهر تمثيل، وارتدت نساء مجاهدي خلق الحجاب بإيمان وعفة وخرجن في مظاهرات للدفاع عن الرافضات للحجاب الإجباري وتُعلن زعيمتهن السيدة مريم "لا للإكراه" ولا تفرض منظمة مجاهدي خلق الحجاب فرضا على أعضائها وأنصارها وإنما تترك لنسائها وبناتها حق الاختيار..؛ هذا في حين أدعى الملالي الدين وشوهوه وادعوا تمثيل الشيعة مشوهين إياهم ظالمين، وادعوا الوطنية وأهانوا الوطن والمواطن، وادعوا الثورية فسرقوا ثورة بأكملها وقد قفزوا على جماجم شهدائها، وادعوا الجمهورية فاستبدوا وطغوا وخرجوا عن القيم والصواب.. وهذا هو استعراضٌ موجز لكلا المدرستين.

عندما تُحيي منظمة مجاهدي والمقاومة الإيرانية يوم المرأة العالمي كتقليد سنوي ثابت فإنها تُحيي ثوابتها وقيمها وما تؤمن به كتجديد سنويٍ للعهد وإعلانا بالثبات على القيم والمبادئ الأخلاقية والسياسية التي تجدد الإعلان عنها بين الحين والآخر، ومنذ أن أعلنت المقاومة الإيرانية برنامج المواد العشرة الذي تبنته السيدة رجوي لم يطرأ على هذا البرنامج سوى التأكيد عليه في كل مناسبة.

أشرف قلعة الصمود والتحدي باتت اليوم مدرسة لنضال المرأة الإيرانية التي تقود وحدات المقاومة داخل إيران أيضا تهب الأرواح والدماء على طريق صناعة النصر ونيل الحرية وقيام الديمقراطية التي سينعم بهما جميع مكونات الشعب الإيراني، ومن هنا تبرز حقيقة دور المرأة الإيرانية في تاريخ إيران النضالي ويبرز التأثير الأكبر للمرأة في المنظمة والمقاومة في صناعة هذا الدور الريادي في النضال لتستحق بجدارة أن تكون الرائدة على طريق التغيير في إيران.. لتصنع بذلك صورة جميلة لإيران المستقبل وأماناً واستقرار للمنطقة بأسرها، ويبقى جمال الحق والحقيقة بهياً فوق كل بهاء، والشهادة بالحق دَينٌ واجب السداد قبل العرض على الديان يوم العرض.       

د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي