ماريا هاشم يكتب لـ(اليوم الثامن):

الأزمة الاقتصادية في إيران 2025.. بين التحذيرات الداخلية ومخاطر الاضطرابات

مع بداية السنة الإيرانية الجديدة في 2025، أثارت تحذيرات من داخل النظام الإيراني قلقًا كبيرًا حول احتمال اندلاع اضطرابات اجتماعية بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة. يشير الخبراء والمحللون، الذين ينتمون إلى دوائر النظام، إلى مخاطر ردود فعل اجتماعية عنيفة قد تضرب البلاد في الأشهر القادمة. هذه التحذيرات تكشف عن أزمة شاملة تتعلق بالاقتصاد، البنية التحتية، والاستقرار الاجتماعي، مما يضع النظام أمام تحديات كبيرة.

 

تشير الأدلة إلى أن الاقتصاد الإيراني يعاني من تضخم مرتفع، حيث يبلغ حوالي 29.5% في 2025، وفقًا لتقديرات اقتصاد إيران - ويكيبيديا. بالإضافة إلى ذلك، يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بنسبة 3.1% فقط، وهو ما يعكس ضعف النشاط الاقتصادي. يشير الخبير الاقتصادي محمود شقاقي إلى أن الحكومة "تفككت من حيث البنية والتماسك"، مع حاجة إلى 500 مليار دولار لمعالجة الاختلالات الهيكلية، بينما يبلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 488 مليار دولار فقط. هذه الفجوة الهائلة تجعل التعافي الاقتصادي شبه مستحيل دون تدخل كبير.

 

تشير الأدلة إلى أن الاحتجاجات السابقة، مثل تلك التي حدثت في نوفمبر 2019 و2022، كانت مدفوعة بشكاوى اقتصادية، مثل ارتفاع أسعار الوقود وتدهور الوضع المعيشي. يحذر المحلل محمد دروديان من احتمال تكرار مثل هذه الأحداث، مشيرًا إلى أن تأثيرها قد يكون مدمرًا على جميع المجالات. الفقر المتزايد والفساد المستشري يدفعان المجتمع الإيراني نحو حافة الهاوية، مما يزيد من احتمالية اندلاع اضطرابات أوسع نطاقًا.

 

من اللافت أن هذه التحذيرات تأتي من داخل النظام، مما يشير إلى وعي بجدية الموقف. ومع ذلك، يبدو أن الرد الفعلي قد يعتمد على القمع التقليدي، وهو ما قد لا يكون كافيًا. قد تواجه إيران مستقبلًا يشمل إما إصلاحات اقتصادية جذرية أو زيادة في الاضطرابات الاجتماعية، مع تأثيرات طويلة الأمد على استقرار البلاد والمنطقة.

مع انطلاقة السنة الإيرانية الجديدة في مارس 2025، بدأ خبراء ومحللون ينتمون إلى دوائر النظام الإيراني في التعبير عن قلقهم البالغ إزاء تصاعد موجات السخط الشعبي. هؤلاء الخبراء، الذين لا ينتمون إلى صفوف المعارضة بل هم جزء من الجهاز الاستشاري للسلطة، رفعوا صوت التحذير من احتمال وقوع "ردود فعل اجتماعية عنيفة ومفاجئة" قد تضرب البلاد خلال الأشهر المقبلة. هذه التصريحات تكشف عن أزمة عميقة وغير مسبوقة تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبنيوية، مما يضع النظام أمام تحديات قد تكون الأصعب في تاريخه الحديث.

 

في هذا السياق، يبرز تحليل الوضع الاقتصادي كأحد أبرز العوامل المثيرة للقلق. أشار الخبير الاقتصادي محمود شقاقي، في تصريح أدلى به يوم 26 مارس 2025، إلى تفاقم الأوضاع بشكل لا يسمح بالتفاؤل، قائلاً: "عملياً، الحكومة من وجهة نظري قد تفككت من حيث البنية والتماسك… علينا أن ننتقل إلى السيناريوهات المتشائمة ونتعامل معها بواقعية… أرى أن العام القادم سيكون صعباً للغاية؛ ربما لم يشهد تاريخ البلاد خلال القرن الماضي ظروفاً اقتصادية بهذه الخطورة." وأضاف تحذيرًا من الاختلالات الهيكلية العميقة التي تعاني منها البلاد، موضحًا: "الاختلالات تتطلب ما لا يقل عن 500 مليار دولار من الموارد المالية، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 400 مليار دولار فقط." هذه الأرقام تعكس فجوة هائلة بين الموارد المتاحة والاحتياجات الفعلية.

لتوضيح ذلك، إليكم بيانات اقتصادية رئيسية لعام 2025 بناءً على المصادر المتاحة:

هذه الأرقام تظهر بوضوح التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد الإيراني، حيث يبدو أن التضخم المرتفع والنمو الضعيف يعيقان التعافي

من جانب آخر، يرى المحلل المقرب من النظام محمد دروديان أن الوضع الاجتماعي لا يقل خطورة عن الأزمة الاقتصادية. فقد حذر من احتمال وقوع "انشقاقات اجتماعية" مفاجئة، مشيرًا إلى تكرار الاحتجاجات في السنوات الأخيرة، وقال: "خلال السنوات السبع أو الثماني أو العشر الماضية، رأينا أن إيران أصبحت بلداً يشهد كل بضع سنوات احتجاجات واضطرابات واضحة… احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني 2019 و2022 خير دليل على ذلك." وأضاف: "قد نشهد ردود فعل اجتماعية عنيفة ومفاجئة في حال استمر تدهور الوضع الاقتصادي والاختلالات الهيكلية." كما لفت الانتباه إلى أن صانع القرار يعيش حالة من الارتباك، حيث إنه "قلق بشأن الأسابيع القليلة القادمة فقط"، مما يشير إلى غياب رؤية استراتيجية طويلة الأمد.

لم يقتصر تحليل دروديان على الجانب الاجتماعي، بل امتد ليشمل تأثير هذه الاضطرابات على سوق العملة، حيث قال: "إذا لم تحدث احتجاجات واضطرابات، فإن سعر الصرف قد يتراوح بين 120 و130 ألف تومان، ولكن في حال وقوع احتجاجات واضطرابات، فإن هذا الرقم قد يرتفع كثيراً، كما حدث تماماً في عامي 2022 و2023." هذا الربط بين الاستقرار الاجتماعي وقيمة العملة يظهر مدى هشاشة الوضع الاقتصادي وتأثره المباشر بالتوترات الشعبية.

أكد الخبير الاقتصادي بيمان مولوي أن إيران تعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق، حيث قال: "في هذا العام، لم نعد قادرين على معالجة المشاكل الاقتصادية من خلال حلول اقتصادية بحتة." وأضاف أن البلاد تحتل المرتبة 160 من بين 165 دولة عالميًا في الأداء الاقتصادي، وهو ما يعكس عمق الأزمة التي وصلت إليها البلاد. هذا الاعتراف من شخصيات موالية للنظام يبرز حالة العجز التي باتت تهيمن على المشهد الداخلي. وفقًا لتقرير معهد فريزر لعام 2023، حصلت إيران على درجة 4.53 من 10، مما يعكس بيئة أعمال ضعيفة تصنيف حرية الاقتصاد لإيران - إيران الدولية.

إن هذه التحذيرات الصادرة من داخل النظام تكشف عن خوف متزايد من انفجار اجتماعي قد يعيد إلى الأذهان احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وانتفاضة 2022. فالفقر المتفاقم، والفساد المستشري، والشعور بالظلم والتمييز، جميعها عوامل تدفع المجتمع الإيراني نحو حافة الهاوية. واللافت أن النظام نفسه، من خلال أصوات خبرائه، يدرك أن الأيام القادمة قد تحمل مفاجآت غير متوقعة، ربما تكون أشد عنفًا وأوسع نطاقًا مما شهدته البلاد في السنوات الماضية. قد تواجه إيران مستقبلًا يشمل إما إصلاحات اقتصادية جذرية أو زيادة في الاضطرابات الاجتماعية، مع تأثيرات طويلة الأمد على استقرار البلاد والمنطقة.

المراجع 

اقتصاد إيران - ويكيبيديا

تصنيف حرية الاقتصاد لإيران - إيران الدولية

صندوق النقد الدولي - إيران

توقعات التضخم في إيران - تيهران تايمز

معدل التضخم في إيران - ماكروتريندز