د. تيسير كريشان يكتب لـ(اليوم الثامن):
التغيير الجذري: بناء الجمهورية الديمقراطية لمستقبل إيران
تعيش إيران اليوم واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخها الحديث، حيث تتراكم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتبلغ ذروتها، ويزداد على الجانب الآخر وعي المجتمع الإيراني بأن استمرار النظام الحالي لم يعد خياراً ممكناً أو مقبولاً.. ولقد أصبح واضحاً أن المجتمع الإيراني بأكمله يعمل على ضرورة التغيير الجذري؛ ليس فقط على مستوى السلطة بل على التغيير التام أيضا في بنية الدولة ومؤسساتها والثقافة السياسية والاجتماعية.
تهالك النظام ومؤشرات السقوط
اعتمد النظام الإيراني على مدى أكثر من أربعة عقود من حكمه على القمع والإعدامات وتقييد الحريات كأساس لبقائه.. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعداً غير مسبوق في الاحتجاجات الشعبية، ونشاطاً متزايداً لوحدات الانتفاضة في مختلف المدن الإيرانية.. وتأتي تصاعد الإعدامات، تفاقم الفقر والبطالة، وتآكل شرعية السلطة الدينية كلها كمؤشراتٍ على أن النظام فقد القدرة على الاستمرار وأن ساعة التغيير قد اقتربت.. واليوم يرفض المجتمع الإيراني لا سيما النساء وجيل الشباب الخضوع لمنظومة الاستبداد الديني، ويبحث عن بديل ديمقراطي يضمن له الحرية والعدالة والمساواة، ولقد أثبتت التجارب الأخيرة أن القمع لم يعد قادراً على كسر إرادة الشعب بل زاد من عزيمته على المقاومة والصمود.
الحاجة إلى بديل ديمقراطي حقيقي
في ظل هذا الوضع تبرز الحاجة الملحّة إلى بديل ديمقراطي حقيقي من قلب مسيرة نضال الشعب الإيراني وجزءا من تضحياته صائنا لها، وليس من مشاريع خارجية أو حلول مفروضة من قوى استعمارية ورجعية، البديل الحقيقي هو ذلك الذي يتمتع بقيادة كفوءة، وتنظيم قوي، وبرنامج نقي وواضح للمستقبل يستند إلى قاعدة اجتماعية واسعة وتجربة نضالية طويلة تضمن استقرار البلاد وتلبية مطالب الشعب.
لقد طرحت المقاومة الإيرانية من خلال المجلس الوطني للمقاومة برنامجاً مفصلاً لبناء إيران الجديدة.. يرتكز على فصل الدين عن السلطة، والمساواة بين المرأة والرجل، وإلغاء حكم الإعدام، واستقلال القضاء، واحترام حقوق القوميات والأقليات وضمان الحريات الأساسية.. هذا البرنامج ليس مجرد شعارات بل هو ثمرة عقود من النضال والتضحيات، وتجربة عملية ليس على صعيد البناء والتنظيم والقيادة فحسب بل على كافة الأصعدة.
خارطة طريق للانتقال الديمقراطي
يؤكد برنامج المقاومة أن الطريق إلى إيران الحرة يمر عبر تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة بعد إسقاط النظام تتولى تنظيم انتخابات حرة خلال ستة أشهر ليختار الشعب مجلساً تأسيسياً يضع دستور الجمهورية الجديدة، وتضمن هذه العملية مشاركة جميع التيارات السياسية والاجتماعية، وتمنع تكرار التجارب المريرة للانقلابات أو قيام دكتاتوريات جديدة.. كما أن دور المرأة والشباب في هذا المشروع محوري وأساسي حيث تشكل النساء نسبة كبيرة من الكوادر القيادية للمقاومة، ويشارك الشباب بقوة في وحدات الانتفاضة؛ ما يعكس روح التغيير العميق في المجتمع الإيراني.
التغيير بيد الشعب وليس القوى الخارجية
لقد أثبتت التجربة الإيرانية أن لا المساومة مع النظام؛ ولا التدخل العسكري الخارجي يمكن أن يحققا التغيير الحقيقي.. بل وحده الشعب الإيراني عبر مقاومته المنظمة ووحداته الثورية هو القادر على إسقاط النظام وبناء مستقبل جديد.. والمطلوب من المجتمع الدولي هو الاعتراف بحق الشعب في المقاومة ودعم نضاله من أجل الحرية دون فرض حلول أو وصاية خارجية أو قيود مبطنة أو طرح مشاريع ملتوية للإبقاء على نظام الملالي أو الإتيان بوباء جديد.
أفق إيران الحرة
إن مستقبل إيران يكمن في قيام جمهورية ديمقراطية حقيقية، تضمن حقوق جميع المواطنين، وتحقق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وتعيد إيران إلى مكانتها الطبيعية في المنطقة والعالم.. هذا المستقبل ليس حلماً بعيداً بل هو خياراً واقعياً تفرضه تضحيات الشعب وإرادته الصلبة كاستحقاق وضرورة مرحلية ومخرجا لإيران والمنطقة من بؤسها المتصاعد.
اليوم وأكثر من أي وقت مضى.. يحتاج المجتمع الإيراني إلى التغيير الجذري، وإلى بديل ديمقراطي يمثل تطلعاته، ويقود مرحلة الانتقال نحو الحرية والكرامة الإنسانية.. وهذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ إيران وصناعة مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
د. تيسير كريشان- نائب برلماني أردني سابق