مايكل روبين يكتب:
جنوب اليمن والنفوذ الهندي.. فرصة دبلوماسية في زمن الانهيار العربي
في 10 يوليو 2025, تم إنقاذ حارس أمن هندي من البحر الأحمر، بعد أن أغرق الحوثيون اليمنيون السفينة “إيتيرنيتي سي”، التي كان يعمل على متنها. في الوقت ذاته، يساعد الحرس الثوري الإيراني الحوثيين في استهداف السفن في البحر الأحمر، ليس فقط بدافع العداء لإسرائيل والولايات المتحدة، بل أيضًا لأن شركات النقل المملوكة للحرس الثوري تتكبد خسائر مالية إذا ما تجاوز مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط (IMEC) الأراضي الإيرانية.
وكقوة إقليمية عظمى ورابع أكبر اقتصاد في العالم، تعتمد الهند أيضًا على حرية الملاحة، وعلى الاستقرار والأمن في حوض المحيط الهندي. لذا، عوضًا عن اتباع الاستراتيجيات الغربية البالية تجاه اليمن، ينبغي للهند أن تتصدر المشهد الدبلوماسي.
لطالما هيمنت الأولويات والافتراضات الغربية على السياسة تجاه اليمن. في المقام الأول، أعطت الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة الأولوية للوحدة الوطنية على حساب هزيمة الحوثيين. كما روّجت القوى الخارجية لفكرة “الشمولية السياسية”، التي تسعى إلى ضم جميع الأطراف في منظومة حكم واحدة. وكلا النهجين جعلا من المستحيل تحقيق هزيمة الحوثيين واستعادة الأمن.
الافتراض بأن التحالفات الواسعة تجلب السلام والاستقرار مبني على الأماني، وليس على الأدلة. إجبار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مشاركة السلطة مع كمالا هاريس، منافسته الديمقراطية، لن ينتج عنه حكم سلس، بل اضطراب وظيفي. ومع ذلك، يُصر المجتمع الدولي على فرض دمج المكونات المتصارعة داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني. إذ يمثل الرئيس رشاد العليمي حزب المؤتمر الشعبي العام، حزب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، بينما ينتمي نواب الرئيس إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، وحزب الإخوان المسلمين، وعائلة صالح نفسها، بالإضافة إلى زعماء قبليين ومرجعيات دينية أخرى تكمل المجلس.
لكن المشكلة العملية في المجلس تكمن في أن كل عضو يعمل لخدمة أجندته الخاصة، بدلاً من التركيز على الهدف الأسمى وهو هزيمة الحوثيين. إذ كثيرًا ما يدعم فرع الإخوان المسلمين في اليمن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ويسهّل تهريب الأسلحة إلى الحوثيين. ومثل هذه التصرفات تجعلهم مؤهلين لإعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية، ومع ذلك يواصلون العمل كحصان طروادة داخل مجلس القيادة الرئاسي.
أما المسؤولون الشماليون الآخرون، فيعطون الأولوية لإفشال أي نجاح جنوبي بدلاً من هزيمة الحوثيين. فعلى الرغم من امتلاء خزانات الوقود في عدن، يرفض المسؤولون الشماليون السماح ببيعه. ونتيجة لذلك، يعيش سكان عدن أيامًا تصل فيها الحرارة إلى 45 درجة مئوية مع رطوبة عالية، دون كهرباء لتشغيل المراوح ناهيك عن أجهزة التكييف.
لكن المشكلة الأكبر هي الاعتقاد الراسخ وغير المدروس لدى العديد من الدبلوماسيين بأن الوحدة تجلب الاستقرار. وهذا لم يحدث يومًا في اليمن. فقد استعمرت بريطانيا عدن عام 1839 كمحطة فحم لدعم تجارتها وشحناتها المتجهة من وإلى الهند. وتحولت مستعمرة عدن إلى محمية عدن، التي أصبحت لاحقًا اتحاد إمارات الجنوب العربي، ثم اتحاد الجنوب العربي، قبل أن تنسحب بريطانيا ويتولى الشيوعيون تشكيل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، المعروفة شعبيًا باسم جنوب اليمن.
ومع سقوط الاتحاد السوفيتي، اتحد شمال اليمن وجنوبه، لكنها لم تكن وحدة قائمة على التوافق، بل أشبه بزواج قسري. إذ لطالما كان جنوب اليمن أكثر انفتاحًا وتسامحًا وتقدمية من الشمال. وسعى الجنوب للانفصال عام 1994، لكن القوات الشمالية غزت المنطقة واحتلتها. وحتى لو اعترفت القوى الخارجية بتاريخ الوحدة اليمنية بدءًا من عام 1990، فإن سقوط صنعاء بيد الحوثيين عام 2014 أعاد لجنوب اليمن استقلاله الفعلي.
بعبارة أخرى، فإن فترة الوحدة اليمنية لا تمثل سوى 13% فقط من تاريخ اليمن. وليس من قبيل المصادفة أن هذه السنوات الأربع والعشرين تمثل أكثر الفترات اضطرابًا وعدم استقرار في التاريخ اليمني.
وأي تقييم تاريخي نزيه سيقود إلى نتيجة واضحة: اليمن يكون أكثر استقرارًا عندما يكون جنوب اليمن – أو جنوب الجزيرة العربية كما يرى كثير من سكانه اليوم – مستقلاً. إن الاعتقاد بضرورة وجود يمن واحد لا منطق له، خاصة في ظل وجود 22 دولة عربية، وألبانيا واحدة وأخرى تُعرف بكوسوفو، ورومانيا واحدة وأخرى تُعرف بمولدوفا. لقد اعترف المجتمع الدولي بكوسوفو ومولدوفا لأسباب عملية بحتة، بعد أن أدرك أن فرض الوحدة قد يؤدي في الواقع إلى تفاقم النزاع الإقليمي.
وهنا، ينبغي للهند أن تلعب دورًا دبلوماسيًا رائدًا. اليمنيون الجنوبيون يتجهون في انتمائهم الحضاري والثقافي نحو الهند. وقد هاجر كثير من الهنود إلى عدن خلال فترة الحكم البريطاني، واختار كثير منهم البقاء بعد استقلال جنوب اليمن. واليوم، يشكل الإرث الهندي مصدر فخر في الجنوب. بل إن بعض اليمنيين يقدمون أنفسهم كهنود، ومن الشائع أن تجد يمنيين تعود أصول عائلاتهم إلى الهند قبل خمسة أجيال لا يزالون يتحدثون الهندية ويعرفون مناطقهم الأصلية هناك.
وبينما تسعى الهند إلى تأمين حوض المحيط الهندي، ينبغي لها أن توظف هذه المشاعر الإيجابية تجاهها لدعم حركات الاستقلال في المحميات البريطانية السابقة مثل صوماليلاند وجنوب اليمن.
في عهد جواهر لال نهرو، أصبحت الهند مركزًا فكريًا ودبلوماسيًا لحركات مناهضة الاستعمار، لكن هذا الهدف لم يتحقق بالكامل. واليوم، يمكن للهند أن تستعيد دورها القيادي الفكري والدبلوماسي، وتستثمر جالياتها الهندية في الخارج، وتسهم في تحقيق الاستقرار في جنوب الجزيرة العربية وخليج عدن، من خلال دفع الدول المؤثرة الأخرى إلى إعادة النظر في الافتراضات البالية التي تقوم عليها دبلوماسيتها.