الإسلام السياسي..

"السرورية".. عندما يتزاوج المنهج السلفي مع الفكر الإخواني

السلفية السرورية من أبرز التيارات السلفية التي ظهرت على الساحة العربية

أحمد الجدي (القاهرة)

يُعتبر التيار السروري أحد أبرز التيارات السلفية التي ظهرت على الساحة العربية. فإلى مدرسته، يُنسب عدد كبير من أشهر الدعاة في العالم العربي، رغم أنهم جميعاً لا يعترفون بذلك وينفون وجود أية صلات تنظيمية تربط في ما بينهم بل ويرفضون بشدة تسميتهم بالسرورية.

يقول الباحث في شؤون الجماعات السلفية أحمد الشحات إن "السلفية السرورية" ظهرت في السعودية في نهاية ستينيات القرن الماضي وبداية سبعينياته، بعد حملة اعتقالات كبيرة طالت المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا وأسفرت عن هروب عدد كبير من قياداتها إلى السعودية.

كان من بين الهاربين محمد سرور الذي انشق عن الجماعة وبدأ بتشكيل مدرسة سلفية خاصة عرف منهجها خليط أفكار من المنهج السلفي ومدرسة الإخوان والعقيدة الجهادية.

ويشير الشحات في مقالة بعنوان "أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها"، إلى أن المفكر الإسلامي المصري محمد قطب ساعد محمد سرور في إنشاء هذه المدرسة.

وكان قطب قد وصل إلى السعودية هو الآخر في السبعينيات، بعد قضائه فترة في السجن شهدت إعدام شقيقه الأكبر سيد قطب الذي يُعتبر أحد أعمدة مدرسة الإخوان. ونقل محمد قطب بعض أفكار شقيقه في إطار تأسيس السلفية السرورية التي تجاوزت السعودية إلى دول عربية عدّة.

وبحسب الشحات، تخرّج من مدرسة السلفية السرورية عدد كبير من أشهر الدعاة في العالم العربي الآن أمثال سلمان العودة، وعائض القرني وسفر الحوالي، ومحمد العريفي وغيرهم، علماً أنهم يرفضون تسميتهم بالسرورية.

شخصية "المؤسس"

تُنسب "المدرسة السرورية" إلى محمد سرور زين العابدين، وهو من مواليد سوريا عام 1938، وتركها عام 1970 متجهاً إلى السعودية بعد تضييق الخناق على الإخوان في بلده، واستغل وجوده في المملكة لنشر أفكاره وتتلمذ على يديه عدد كبير من الدعاة السعوديين.

وتذكر دراسة بعنوان "السلفية السرورية... مزج بين فكر ‘ابن تيمية’ وحركية ‘الإخوان’ القطبية"، أن الشيخ سرور ترك السعودية عام 1991 متجهاً إلى الكويت، بسبب خلاف مع سلطات المملكة على خلفية زيادة نفوذه فيها واتهامه بالمشاركة في تأسيس ما يُعرف باسم تيار الصحوة السعودي الذي كان معظم وجوهه من تلاميذه.

وقدّم تيار الصحوة للسلطات السعودية مذكرة شهيرة تُعرف باسم مذكرة النصيحة عام 1992، انتقد فيها نظام الحكم بالكامل في كافة المناحي وطالب بتغييرات كبرى، ما أسفر عن القبض على معظم أعضاء التيار وعلى رأسهم سلمان العودة.

ولم يبقَ سرور في الكويت كثيراً، إذ انتقل إلى بريطانيا حيث أسس مركزاً للأبحاث باسم مركز الدراسات النبوية وبعدها استقر في الأردن ومنها انتقل في النهاية إلى قطر حيث توفي فيها في نوفمبر 2016.

أفكار "السرورية"

تعتنق السلفية السرورية مجموعة من الأفكار التي تختلف كثيراً عن أفكار غيرها من المدارس السلفية الأخرى. ويقول الباحث في الشأن السلفي والعقائدي محمد يسري إن "السرورية هي مزج بين المنهج السلفي المتشدد ومنهج جماعة الإخوان وبالتحديد الفكر القطبي الذي يؤمن بالعنف والعمل المسلح".

ويعتبر أن "أفكار هذه المدرسة تتقارب بشكل كبير من أفكار الجماعات الإرهابية المسلحة كالقاعدة وداعش، إذ تكفّر العلمانيين وترفض أنظمة الحكم بحجة أنها لا تحكم بشرع الله كما تندد بالتعاون مع دول الغرب باعتبارها دولاً كافرة".

ويضيف أن الداعية السعودي سفر الحوالي اعترف بذلك في شريط شهير له بعنوان "فروا إلى الله"، وكذلك حصل في شريط آخر للداعية السعودي سلمان العودة بعنوان "أسباب سقوط الدول".

ويقول يسري  إن "هذه المدرسة السلفية لا تؤمن بأن الحكام العرب ولاة أمر شرعيين، وبالتالي توافق على الخروج عليهم من خلال الثورات ومعارضتهم إن حادوا عن الطريق الصواب، كما تؤمن بالحزبية وتوافق عليها بدليل تشكيلها تيار الصحوة السعودي ومحاولة إجبار الدولة السعودية على التغيير، هذا بجانب أنها تؤمن بالجهاد المسلح إذا استدعى الأمر ذلك بدليل دعم الشيخ محمد سرور للتنظيمات الإرهابية المقاتلة لنظام الأسد في سوريا من منطلق أن إيران هي من ألد أعداء هذه التيار الذي يدعو أيضاً إلى إزالة الحدود ولا يعترف بالأوطان".

ماذا يقول "السروريون"؟

في مقال كتبه في نوفمبر 2016، رثى الداعية السلفي المصري الشيخ مصطفى البدري، الذي تم القبض عليه عام 2008 بتهمة أنه سروري، الشيخ محمد سرور زين العابدين، وأكد أنه يؤصل للمدرسة السلفية الصحيحة بكل أفكاره مثل رفضه تقديس الحكام وإيمانه بالتغيير والتحاكم بشرع الله ورفضه للشيعة وتحذيره منهم.

وأكد البدري في مقاله، وهو بعنوان "مذكرات سروري في رثاء الشيخ محمد سرور"، أنه لم يكن يعلم شيئاً عن السرورية حتى قرأ للشيخ سرور بعد خروجه من سجنه ووجد أنه ينبذ الجماعات التي تؤول في النهاية إلى تحزب وتعصب يضعف الولاء بينهم وبين عموم المسلمين، وبالتالي فهو بالطبع لم يؤسس تنظيماً باسم السرورية.

كما كشف عن لقائه بالشيخ عام 2015 أي قبل وفاته بعام ونصف وأثنى عليه وعلى كلامه الفقهي كثيراً، معلناً يقينه بأنه شيخ سلفي على علم شرعي كبير.

السرورية والسياسة

لـ"التيار السروري" مواقف سياسية واضحة من عدد كبير من الدول. فهو يعادي إيران وكذلك النظام السوري بقيادة بشار الأسد ويتهمهما بارتكاب جرائم حرب في سوريا، حسبما أكد مؤسس التيار نفسه في أكثر من فيديو له أعلن فيها دعمه الجهاد ضد أنظمة هذه الدول.

كما يرفض السروريون أي تعاون بين الدول العربية وأمريكا ويعتبرونها الشيطان الأكبر وقد كان هذا الأمر سبباً في هجوم هذا التيار على السعودية أثناء غزو الكويت ومساندة أمريكا للسعودية ضد صدام حسين وقتها.

وتمتلك هذه المدرسة صداقات مع قطر وقد ظهر هذا جلياً عندما استقر مؤسس المدرسة هناك حتى وافته المنية عام 2016.

انتشار "السرورية"

انتشرت السلفية السرورية في عدد من دول العالم العربي، وأصبح لها فروع في كل من مصر وسوريا وليبيا والكويت واليمن والسودان والجزائر. ورصد الباحثان جهاد عودة وسمير رمزي في دراسة لهما بعنوان "التيار السروري الجهادي... الفقه والهياكل والارتباطات العربية" هذه الفروع.

سوريا

يتخذ عدد من الجماعات المسلحة في سوريا من كتابات محمد سرور منهجاً له، فقد كان الشيخ من أوائل مَن هاجموا نظام الأسد وقال عنه إنه نظام مستبد فاسد يأمر الله بقتاله، كما أيد تأسيس جبهة تحرير سوريا الإسلامية عام 2012.

ويُعتبر منظر السلفية الجهادية الأردني أبو محمد المقدسي، وهو صاحب تأثير القوي في سوريا على عدة جماعات أبرزها جبهة النصرة (القاعدة)، من تلاميذ الشيخ محمد سرور.

مصر

تشير الدراسة إلى أن المدرسة السرورية موجودة في مصر ولكن بشكل غير معلن، مشيرة إلى أن هناك أسماء تردد أنها تتبعها مثل الكاتب الصحافي جمال سلطان الذي ينفي الأمر دائماً.

ويؤكد الداعية السلفي حسين مطاوع أن المدرسة السلفية المصرية الشهيرة باسم "سلفية القاهرة" جميع مؤيديها ينتمون إلى الفكر السروري وعلى رأسهم القطب السلفي والمرشح الرئاسي السابق حازم صلاح أبو إسماعيل، والشيوخ محمد عبد المقصود، وفوزي السعيد اللذان كانوا من أوائل من دعوا لـ"الجهاد" في سوريا.

وأوضح مطاوع أن هناك أحزاباً أيضاً تأسست وتحمل الفكر السروري وعلى رأسها حزب الإصلاح لصاحبه عطية عدلان، وحزب الفضيلة لمؤسسه ورئيسه محمود فتحي، هذا بخلاف الجبهة السلفية المصرية التي عارضت النظام المصري بعد ثورة 30 يونيو عام 2013.

وفي اتصال مع رصيف22، رفض عطية عدلان والمتحدث باسم الجبهة السلفية خالد سعيد التعليق على الأمر، في حين نفى محمود فتحي انتماء حزبه "الفضيلة" إلى مدرسة السلفية السرورية، مؤكداً أنه تأسس بشكل مستقل إلا أنه أثنى في الوقت ذاته على هذه المدرسة وشيخها محمد سرور.

وأكد فتحي أن هذه المدرسة هي حالة وسط بين الفكر الإخواني والفكر السلفي لهذا تهاجمها معظم المدارس السلفية التي قال عنها: "كل سلفية منبتها آل سعود أو مدعومة من آل سعود أو متأثرة بأفكارهم طبيعي أن يكون هذا موقفها من أية دعوات حركية بمرجعية إسلامية، لأنها تهدد مباشرة كرسي آل سعود، وهذا هو حال السلفية السرورية التي ترفض عبادة الحكام وتقديسهم كما تؤيد المشاركة الحزبية، والجهاد في بعض الأحيان من أجل إعلاء كلمة الله".

السودان

تشير الدراسة إلى أن هذه المدرسة ظهرت في السودان في تسعينيات القرن الماضي وأبرز مشايخها هناك عبد الحي يوسف ومحمد عبد الكريم، كما هناك كيان دعوي معروف باسم الرابطة الشرعية تأسس عام 2004.

الشيخ عبد الحي يوسف

ودعا مشايخ السرورية في السودان عام 2009 إلى استتابة المفكر الصادق المهدي بسبب دعوته لعدم تهميش المرأة ومراجعة أنصبة الزكاة، والدعوة للالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما كفّروا حسن الترابي أيضاً بسبب أفكاره.

ليبيا

وفي ليبيا تُعتبر جماعة أنصار الشريعة أكثر الجماعات تقارباً مع الفكر السروري، ومن أبرز الشخصيات المنتمية إليها مفتي المجلس الانتقالي الليبي الصادق الغرياني الذي دعا في 17 فبراير 2011 إلى الجهاد ضد القذافي باعتباره حاكماً ظالماً، وهي الدعوة نفسها التي دعا إليها عام 2017 ولكن ضد المشير خليفة حفتر.

 
 

الجزائر

توضح الدراسة أن الجبهة الإسلامية المحظورة في الجزائر تتبع المدرسة السرورية، وكذا كل قياداتها وأبرزهم علي بلحاج الذي اعتقل عام 1989 وصدر حكم بسجنه 12 سنة بتهمة التآمر المسلح ضد الدولة.

الكويت

انتشرت المدرسة في الكويت، وفرعها هناك جمعية إحياء التراث، ومن قياداتها الشيخ حامد العلي الذي كانت له مواقف معادية للأسرة الحاكمة، وكذلك أمين عام الحركة السلفية العلمية السابق ومؤسس حزب الأمة الإسلامي غير المعترف به حاكم المطيري.

اليمن

في اليمن تعبّر عن هذا التيار جمعية الإحسان، وصحيفة الرشد التي أغلقت بعد أربعة شهور من إصدارها عام 2007.

تونس

تشير الدراسة إلى ظهور المدرسة في تونس عام 1988 تحت مسمى الجبهة الإسلامية التونسية، ومن أشهر رواد هذه المدرسة محمد علي حراث، ومحمد خوجة، وعبد الله الحاجي.

رابطة عالمية؟

ينفي الشيخ محمد سرور وكل تلامذته وجود رابط تنظيمي يربط بينهم أو وجود رابطة عالمية تجمعهم.

ولكن الداعية السلفي المصري بجماعة أنصار السنة المحمدية الشيخ عادل السيد تحدث في كتاب بعنوان "اجتماع المعقول والمنقول على إهدار بيان التنظيم الدولي للإخوان بإسطنبول" عن وجود رابطة تجمع السرورية حول العالم ويكون مقر اجتماعاتهم في تركيا، مشيراً إلى أن هذه الرابطة تدعم جماعة الإخوان ودعمتهم بعد إقصائهم عن الحكم في مصر ببيان موقع باسم رابطة علماء المسلمين.