القوات الجنوبية تستكمل تحرير آخر محافظة شرقية..

عملية "المستقبل الواعد" تصل المهرة.. تأمين القصر الجمهوري وميناء نشطون وانضمام وحدات عسكرية

القوات المسلحة الجنوبية استكملت فجر الخميس دخول الغيضة في المهرة، مؤمنةً القصر الجمهوري وميناء نشطون ومحور الغيضة وقاعدة 137 مشاة، فيما انضمّ اللواء 11 حرس حدود إليها. كما سيطرت على معسكر العبر وتقدمت نحو الوديعة، لتصبح المهرة آخر محافظة جنوبية تُؤمَّن بالكامل دون مقاومة تُذكر.

القوات الجنوبية تكمل أطول مناورة عسكرية شرق البلاد وتؤمّن كامل المحافظات الجنوبية - اليوم الثامن

مراسلون
يشكّل مراسلو مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات شبكة ميدانية واسعة تغطي مختلف الاحداث والقضايا لضمان دقّة المعلومة وعمق التحليل، انسجاماً مع شعار: "دقّة في الرصد، وعمق في التحليل

 قال مصدر عسكري جنوبي إن القوات المسلحة الجنوبية دخلت في الساعات الأولى من فجر الخميس مدينة الغيضة، مركز محافظة المهرة في أقصى شرق اليمن، وأعلنت تأمين القصر الجمهوري وميناء نشطون ومحور الغيضة العسكري وقاعدة اللواء 137 مشاة، في تحرك وصفته القيادات بأنه “المرحلة الحاسمة” من عملية “المستقبل الواعد” التي أُطلقت لتأمين وادي وصحراء حضرموت والحدود الشرقية.
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالحديث للإعلام، لـ(اليوم الثامن): أن “العملية وصلت إلى عمق الغيضة دون مقاومة تُذكر، وأن القوات اليمنية المتمركزة هناك سلّمت المواقع بشكل منظم”، مشيراً إلى أن “قوات اللواء 11 حرس حدود أعلنت انضمامها الكامل إلى القوات المسلحة الجنوبية”.
وتأتي هذه التطورات بعد ساعات من إعلان القوات الجنوبية سيطرتها على معسكر العبر الواقع في المثلث الصحراوي الرابط بين حضرموت والمهرة والحدود السعودية، في معركة قال المصدر إنها كانت “أقصر مما كان متوقعًا”، وإن “القوات الجنوبية تقدّمت إلى المعسكر بعد مناوشات محدودة، قبل أن يتحول الوضع إلى استسلام كامل للقوات المتمركزة هناك”.
وقال المصدر إن “المهرة أصبحت مؤمّنة بالكامل عند الساعة الثانية فجر الخميس”، مضيفاً أن القوات الجنوبية بدأت “تأمين خروج منتسبي القوات اليمنية وإعادتهم إلى ديارهم في المناطق اليمنية”، في إشارة إلى وحدات عسكرية كانت تُصنف ضمن تشكيلات جماعة الإخوان المسلمين.

تأمين المنشآت السيادية… القصر الجمهوري وميناء نشطون

ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها “اليوم الثامن”، فقد دخلت وحدات جنوبية إلى القصر الجمهوري في الغيضة دون اعتراض، فيما انتشرت وحدات أخرى في محيط الميناء البحري في نشطون، أحد أهم المنافذ البحرية للمهرة، والذي لطالما كان محوراً للجدل بسبب نشاط تهريب الأسلحة والممنوعات بحسب تقارير أمنية متعددة.
وذكر مصدر محلي في الغيضة أن “عملية الانتشار تمت بهدوء كبير”، وأن القوات التي كانت تتولى إدارة الميناء “لم تبدي مقاومة، بل سلّمت المهام للقوات الجديدة التي بدأت بفرض نقاط تفتيش وإعادة تنظيم حركة الدخول والخروج”.
وتشير التحركات المتزامنة في الغيضة والعبر ونشطون إلى أن العملية الجنوبـية تسير وفق خطة معدة مسبقًا لاستكمال السيطرة على كامل الشريط الحدودي الشرقي، بما يشمل الممرات البرية والبحرية التي كانت لعقود خارج السلطة المباشرة للقوات الجنوبية.

خلفية العملية: من حضرموت إلى المهرة

بدأت “عملية المستقبل الواعد” يوم الاربعاء من وادي حضرموت، وفق البيانات حصلت عليها "اليوم الثامن". وأفادت تلك البيانا بأن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي أحكمت سيطرتها على مواقع حساسة بينها مقر المنطقة العسكرية الأولى سابقًا، ومطار سيئون، والقصر الجمهوري في المدينة، قبل أن تتجه شرقًا نحو صحراء حضرموت ومنها إلى حدود المهرة.
وبحسب  مصادر عسكرية، فقد سبق هذه العملية انتشار “النخبة الحضرمية” لتأمين منشآت نفطية في الهضبة الشرقية وأجزاء من وادي حضرموت، في خطوة ربطها مراقبون بترتيبات جديدة لإعادة تشغيل صادرات النفط عبر ميناء الضبة.
وقالت تلك التقارير إن توسيع الانتشار الجنوبي في حضرموت ثم المهرة يعكس “توجهاً نحو إعادة صياغة المعادلة الأمنية” في المحافظات الشرقية التي ظلت لعقود تحت سيطرة تشكيلات محسوبة على تيارات سياسية متباينة، بينها وحدات ترتبط تاريخيًا بحزب التجمع اليمني للإصلاح.

أهمية المهرة… بوابة الشرق الجنوبي

تكتسب المهرة أهمية استراتيجية نتيجة موقعها الجغرافي كأطول حدود برية مع سلطنة عُمان، ونقطة بحرية على بحر العرب عبر ميناء نشطون. وظلت المحافظة خلال السنوات الماضية خارج نطاق العمليات العسكرية المباشرة في الحرب اليمنية، لكنها كانت محور جدل داخلي وإقليمي بسبب الاتهامات المتبادلة حول استخدام بعض مناطقها لتمرير شحنات سلاح ومواد ممنوعة.
السيطرة على المهرة تمثّل “تحوّلاً حاسمًا” في موازين القوى بين المكوّنات اليمنية الجنوبية والشمالية، إذ إن “إعادة رسم خارطة السيطرة في المهرة تعني سيطرة الجنوب فعلياً على كامل مناطقه الجغرافية من باب المندب حتى الحدود العُمانية”.
وقال مسؤول محلي سابق في المهرة لـ(اليوم الثامن) إن “المحافظة كانت تعيش حالة ازدواجية أمنية منذ سنوات، حيث تنتشر قوات يمنية قادمة من الشمال، إلى جانب وحدات محلية قبلية، فيما ظلت السلطة المحلية نفسها في حالة توازن هش”، مضيفًا أن “التحرك الجديد يضع المحافظة في مسار مختلف قد ينهي سنوات من التوتر الخفي”.

استسلام دون قتال… لماذا؟

وفق المصادر التي تحدثت لـ “اليوم الثامن”، فإن جزءًا كبيرًا من القوات اليمنية في المهرة “فضل عدم الاشتباك”، وأن هناك “ترتيبات مسبقة لتسليم المواقع بطريقة منظمة”.
وقال ضابط جنوبي مشارك في العملية إن “المقاتلين اليمنيين كانوا يدركون أن لا جدوى من المواجهة”، مضيفًا أن “العديد من القيادات العسكرية في المهرة على تواصل منذ أيام مع قيادات جنوبية لترتيب الخروج الآمن”.

وأضاف الضابط أن “الرسالة كانت واضحة: لا استهداف لأي جندي لا يريد القتال”.
ويبدو أن هذه السياسة أسهمت في “تفادي معركة مكلفة” في محافظة يعتبرها السكان من أكثر مناطق اليمن استقرارًا.

العبر… عقدة الصحراء

معسكر العبر يُعد واحدًا من أهم المواقع العسكرية التي كانت تسيطر عليها وحدات محسوبة على التيار الإخواني، وفق تقارير عدة نشرتها مواقع يمنية خلال الأيام الماضية.
ويقع المعسكر على الطريق التجاري الذي يربط حضرموت بالمهرة، ويُعتبر عقدة لوجستية في وسط الصحراء الشرقية.
وقال مصدر عسكري جنوبي إن السيطرة على العبر “فتحت الطريق بالكامل” أمام التقدم نحو الوديعة، مضيفاً أن “القوات الجنوبية باتت الآن على مشارف الممر الحدودي الأكثر نشاطًا بين اليمن والسعودية”.

ترحيب محلي… وقلق سياسي

وعلى الرغم من أن عملية الانتشار تمت بهدوء في المهرة، إلا أن المشهد السياسي ما يزال منقسمًا، حيث رحب ناشطون محليون بخطوة “إنهاء الفوضى”، فيما عبّرت بعض الأطراف القبلية عن خشيتها من “تغيير التوازنات التقليدية”.
وقال أحد مشايخ قبائل المهرة للصحيفة إن “المهم أن تبقى المحافظة آمنة، وألا تتحول إلى ساحة صراع بين الأطراف اليمنية”، مضيفاً أن “أبناء المهرة يريدون إدارة مستقرة تحترم مصالحهم”.

السياق الإقليمي… البحر العربي والبحر الأحمر

تزامن التحرك العسكري جنوباً مع تصاعد التوترات الإقليمية في البحر الأحمر، حيث تخوض القوات الأميركية والبريطانية عمليات ضد جماعة الحوثي التي كثّفت هجماتها على الملاحة الدولية.
وتعتقد مصادر سياسية يمنية أن “إعادة ترتيب خارطة النفوذ في المهرة وحضرموت” يأتي في إطار رؤية إقليمية أوسع “لضمان تأمين خطوط التجارة والطاقة من بحر العرب مرورًا بالبحر الأحمر”.
وذكرت تقارير سابقة أن دولاً إقليمية، لها حضور في الملف اليمني، تفضل “إعادة بناء شريط آمن” يمتد من عدن إلى المهرة، كجزء من ترتيبات ما بعد الحرب.

انعكاسات على مستقبل الصراع اليمني
التطورات الأخيرة قد تفرض “واقعًا جديدًا” أمام المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي.. فسيطرة القوات الجنوبية على كامل المحافظات الجنوبية “تعزز موقف المجلس الانتقالي” كفاعل رئيسي على طاولة أي تسوية سياسية قادمة، ناهيك انها قد تشكل تحولاً في مسار الأزمة بشكل عام، إذ ان تأمين موانئ المهرة يعني قطع كافة خطوط التهريب والأمداد للأذرع الإيرانية من أسلحة وطائرات مسيرة، وهو قد يجعل الحوثيين يرضخون لأي حلول تطرح، هذا إذا لم يصر اليمنيون على إنهاء وجود الأذرع الإيرانية واخراجها من العاصمة اليمنية بشكل كامل.
وقالت مصادر سياسية في عدن إن “هذه العملية تجعل من الانتقالي قوة لا يمكن تجاوزها”، مضيفة أن “تأمين المهرة يعني أن الجنوب بات يمتلك كامل حدوده البرية والبحرية”.

ما بعد التأمين… التحديات القادمة

التحدي الأول أمام القوات الجنوبية سيكون “إدارة الملف الأمني” في المهرة، المحافظة التي تعرضت لتغيير ديمغرافي كبير ناهيك عن علاقات مع سلطنة عُمان، أما التحدي الثاني فهو “تثبيت الأمن” في محيط المنافذ البحرية والبرية، التي كانت لعقود نقطة عبور لأنشطة غير قانونية، كما يبرز تحدي “إعادة تشغيل النفط” في حضرموت وربطه بخطة أمنية جديدة تحظى بقبول إقليمي ودولي، خاصة أن ميناء الضبة ما يزال متوقفًا منذ هجوم حوثي بطائرة مسيرة في أواخر 2022.