إحداث إبداع بصري..

الفنون أسلحة لا تسقط من أيدي النساء

فنون النساء

شيماء رحومة

“صنعت الفيلم لأبرر لابنتي سما الخيار القاسي جدا الذي اضطررنا إلى اتخاذه والقاضي ببقاء العائلة في سوريا خلال المرحلة الأكثر دموية من النزاع”.. بهذه الكلمات قدمت المخرجة السورية، وعد الخطيب، فيلمها الوثائقي “إلى سما” الذي نال جائزة “العين الذهبية” لأفضل وثائقي يعرض في مهرجان كان لهذه السنة، وكان لانخراط جميلة بوحيرد، رمزية نضالية وتحررية على الحراك الشعبي الجزائري، بما للمرأة من رصيد وملاحم في مقاومة الاستعمار والنضال من أجل الحرية، لتتبعها مناضلات أخريات تزين بالرايات الوطنية، وسرن إلى جنب الشباب والشابات، وبذلك تعزز وتنوع النسيج النسوي في الحراك الجزائري، وانصهرت فيه مختلف الأجيال.

أما السودانية أصيل دياب، التي تعيش في قطر، فقد قرّرت عندما بدأت الثورة الفعليّة في السودان أن تشارك في صنع الحدث، إنما على طريقتها الخاصّة، حيث رسمت بحماس لا يفتر رموز الثورة على الحائط ووثقت عبر شغفها برسم الغرافيتي ذكرى الشهداء.

وتقول دياب في حديثها لـ”العرب”، “كنت أتابع منذ الأسبوع الأول للحراك السياسي ببلدي، أي منذ ديسمبر 2018، من خلال التلفاز والمواقع الاجتماعية، ما يحصل في السودان، وفي الأسبوع الثاني شعرت بأن من واجبي المشاركة بأي شكل لاسيما وأنني غير قادرة على الذهاب إلى السودان، فبدأت من موقعي بالدوحة بالتظاهر على طريقتي الخاصة من خلال الكمبيوتر برسم شعارات وكلمات من الهتافات والهاشتاغات، صممت بعض الأشياء ونشرتها عبر السوشيال ميديا”.

وتابعت “كنت أحاول نشر فيديوهات أو صور.. وهناك من الناس من أخبرني أنه كان يطلع على الأحداث عبر الستوري الخاص بي أكثر من مشاهدتها بالتلفزيون”.

وأضافت “وبعد شهر من الحراك تمكنت من الوصول إلى السودان بعد مجهود جبار لإقناع عائلتي بضرورة ذلك.. ثم فكرت كيف أشارك إلى جانب طبعا مشاركتي الفعلية في الخروج إلى الشارع مع المتظاهرين، لكن كنت أفكر في طريقة تكون خاصة بي وبدأت أسمع عن الشهداء والناس في الغالب لا تعرف قصصهم وأحيانا لا تسمع عنهم، فأردت عن طريق الفن أن أعرف الناس، لأن الشهيد ضحى بنفسه نيابة عن السودانيين”.

وأوضحت دياب أنها وجدت أن أفضل طريقة تكون عبر رسم وجوههم، لكنها فضلت أن ترسم في مكان لا تواجه فيه أي متاعب قانونية أو صعوبات لذلك لجأت إلى الرسم في بيوت الشهداء أنفسهم لأن أهاليهم سيقدمون لها الدعم والحماية، مؤكدة أن الفكرة كانت ناجحة على الرغم من أنها تعرضت للمداهمة الأمنية في أول يوم.

وشددت على أن الفن سلاحها وأن عابري السبيل عندما يشاهدون صورة الشهيد سيترحمون عليه وعبر فتح حديث حول قضيته سيتطرق الناس إلى قضايا أعمق في المجتمع، مشيرة إلى أنها كانت تحمل معها كاميرات لتوثيق عملها وتخبر أهل الشهيد أنه بإمكان السلطات مسح ما تفعله فيستنكرون.

ولفتت إلى أن نجاحها في اختيار الفن سلاحا ظهر في مدى تأثر الناس من حولها ودعمهم لها، قائلة إن الناس يجتمعون حولها متى بدأت في الرسم وأنها مهما استغرقت من وقت في عملها فهم لا يملون بل يظلون يتحدثون عن الأحداث والأوضاع في البلاد.


وأفادت أن “الغرافيتي في أوروبا معروف بأنه فن رجالي أكثر لأنه متعب جسديا ويحتاج في حالة وجود شرطة إلى الهرب”، مشيرة إلى أنها من أول الأشخاص الذين يقومون بالغرافيتي في السودان فلا أحد يعرفها من قبل.

وقالت “أكثر أمر لافت في الاعتصام هي فنون الغرافيتي، كانت معبرة أكثر من الكلام.. عندما تعبرين على حائط بالرسم فإن كل واحد يفهم اللوحة على حسب قدرته وفهمه وطريقة تفكيكه.. فكلما يتأثر واحد بصورة أحسن مما تتكلم بشكل مباشر.. تريد من الشخص أن يفهم كلامك اتركه يتأثر في البداية قبل أن يستوعب الكلام”.

وأضافت في خاتمة حديثها أنها وجدت في طريقها أناسا رفضوا كيف أن امرأة واقفة بالبنطلون وتخاطب الناس.. وأنهم يعتبرونها فتاة متحررة مع أن القضية التي تتحدث عنها أكبر من الوقوف عند المرأة وماذا تعمل أو تلبس.. “لماذا نترك كل القضايا المهمة للغاية في بلدنا ونركز في هذا الوقت الحساس على المرأة”.

في حين قالت الفنانة التشكيلية اليمنية، هيفاء سبيع، التي ذاع صيتها بفضل نضالها ضد الأوضاع المتردية في اليمن عبر ريشتها وألوانها “رسالتي تدعو إلى السلام، فئتا النساء والأطفال هما الأكثر تضررا في هذه الحرب، لا أحد يلتفت إلى هاتين الفئتين، الحرب عبثية واستهدفت كل شيء في اليمن، لم يبق شيء”.

وجداريات هذه الفنانة التشكيلية، التي كرست عشقها للفن بدل مجال تخصصها الجامعي وهو المحاسبة، تلقي الضوء على أشخاص تعرضوا للاختفاء وعلى أزمات نقص إمدادات المياه وتدمير المدارس والنزوح واستغلال المدارس لأغراض عسكرية، وقد دشنت حملة “ضحايا صامتون” مناصرة لقضايا الطفل والمرأة، متعهدة بأن تواصل حملتها طالما استمرت الحرب وزاد عدد الضحايا، وهدفها هو نشر الوعي.

ولا تكاد الطبيبة السودانية، رنا عامر، تختلف عنها فقد قالت في توضيح علاقة الطب بالرسم إن الاثنين “يشتركان في الإحساس بأوجاع الناس، فالطب يعالج المشاكل الصحيّة ورسام الكاريكاتير يعالج أمراض المجتمع المتنوعة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية”، وهي تحاول عبر صفحة فيسبوكية تحمل اسمها مشاركة متابعيها أوضاع بلدها بالكاريكاتير رغم إقامتها وعائلتها في أيرلندا.

وتعود شهرة هذه النماذج النسائية وغيرهن كثير إلى محاولتهن المساعدة في النهوض ببلدانهن، التي تعاني عدم استقرار سياسي، عبر الفن: رسما أو كتابة أو إخراجا، معتبرات أن خدمتهن للوطن تكمن في لفت انتباه العالم إلى قضاياه عبر فنهن، حيث أثنت عامر على مشاركة المرأة في الاحتجاجات مؤكدة “أحسنت بالتأكيد الاختيار خصوصا اختيارها للقلم، الريشة، العدسة أو حتى الهتاف والسير في مواكب الاحتجاج.. ذلك دليل على درجة الوعي والثقافة العالية التي تحظى بها المرأة العربية والمرأة السودانية خاصة التي أثبتت للعالم مدى النضج الفكري والإرادة القوية وجرأة الشخصية ولم يثنها القتل والتعذيب عن الاستمرار في المطالبة بمدنية الحكم”.

وتابعت الطبيبة السودانية في حديثها لـ”العرب”، “بالفن ترتقي الشعوب وهو أيضا يستطيع إيصال رسالته لكل فئات المجتمع بكل مستوياته الفكرية وعن نفسي بالكاريكاتير تصل الرسالة بطريقة سلسة وساخرة وجاذبة إلى الحد الذي يجعل المتابع يتلهف لمتابعة المزيد”.

وشددت على أن “برهان النجاح هو رد الفعل الإيجابي من الجمهور لما نقدمه وتفاعله الكبير وتشجيعه، وبالتأكيد كل ما كان ذا جودة ويلامس الواقع، كان أكثر تأثيرا، ولا يستطيع شخص الآن تغييب دورنا الفاعل في كل المجالات”.

وهذا النوع من النضال الاحتجاجي لا يعد جديدا على المرأة، فقط هي حولت فرشاة الرسم من الخربشة على جسدها إلى الرسم على جدران الشوارع، أو عبر عدسات كاميراتها أو سكب المزيد من الأحبار لتؤكد للعالم أنها قادرة على تمثيل قضاياها وقضايا بلدها أحسن تمثيل.

وعملت العديد من المبدعات وبالخصوص الفنانات التشكيليات على إحداث إبداع بصري ملأ شوارع بلدانهن أو صفحاتهن على موقع فيسبوك، للانتفاضات التي أطاحت ببعض القادة العرب، وجعلن العالم من حولهن ينظر إلى لوحات توثق للأحداث الجلل الحاصلة ببلدانهن، وهذه المبادرات التي غالبا ما كانت فردية طغت عليها اللمسات الأنثوية رغم المشاركة الذكورية.

وعمدت الفنانات إلى فن الشارع أو ما يعرف بالغرافيتي سلاحا لما لهذا الفن من قدرة على إيصال رسالة معينة أو مجموعة رسائل للجمهور المستهدف، فمن خلاله يتم استخدام أساليب متنوعة للجمع بين الرموز والصور أو الكلمات لخلق تمثيل مرئي للأفكار والرسائل، لاسيما وأن الفن يعد عند بعض المتخصصين أداتي توثيق وتعبير، توثيقي لأنه يؤرخ بطريقة غير مباشرة للفظاعات التي ترتكب في الحرب، وتعبيري بكل ما يحمله من رسائل أصحابه.


من هنا حَملت هذه النزعة الاحتجاجية ذات الطابع الأنثوي العديد من التساؤلات حول جدوى الفن في أي حراك تقوده المرأة خصوصا داخل المجتمعات، حيث يرى الباحث العماني في علم الاجتماع، مبارك بن خميس الحمداني، أن سؤالي هل للفن أساسا دور فاعل في حركة المجتمعات العربية؟ وهل يرتكز كمرتكز حيوي في سياق قضاياها وتحولاتها؟ مهمان جدا، موضحا “حين أتحدث عن دور الفن في حركة المجتمع، فإنني أقصد مدى التفاعل الحيوي بين الفن وقضايا الأفراد داخل المجتمعات والقضايا المركزية التي يعيشها المجتمع أو تلك العوارض التي تعرض على حياتهم ومعاشهم اليومي”.

وأضاف الحمداني لـ”العرب”، “الفن في تقديري يجب أن يكون عنصرا متفاعلا وليس مجرد موقف تعبيري إزاء قضايا بعينها أو وسيط لرسائل غير مباشرة إزاء أحداث.. إذا أخذنا هذا الافتراض بالضرورة سنتعامل مع الفن بوصفه نوعا من المعالجات الذوقية للواقع وترميما لطرائق التفكير قبل أن يكون رسالة تعبيرية عن مواقف إزاء قضايا بعينها أو تحولات في محورها سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية”.


وأكد أن “للفن كذلك بمختلف أشكاله وممارساته دورا مهما في بناء الوعي وتجسيد تراكم الخبرات الإنسانية وتجسير العلاقة بين النخب والعامة في المجتمع وفي ضوء كل المعطيات والمفاهيم السابقة يمكن اعتبار الفن مؤثرا في حركة المجتمعات ومتفاعلا مع حيواتها.. وإذا جئنا إلى الواقع المعاصر للمجتمعات العربية فإننا لا نجد أن الفن يلعب كل الأدوار السابقة المرجوة منه في حركة هذه المجتمعات وحيواتها. ذلك أن العلاقة بين الفن وهذه المجتمعات ليست مبنية على التراكم المعرفي وليست مبنية على نسيج التفاعل بين الفاعلين في مجال الفن والثقافة عموما وبين عموم المجتمع وبالتالي يصبح الفن كأنه حالة منعزلة عن حياة المجتمع رغم أنه قد يكون معبرا عنه وعن معاشه”.

وختم الحمداني بالقول “وإذا ما تحدثنا عن محورية دور الفنانة العربية في هذا الإطار فهذا يطرح سؤالا آخر بالضرورة وهو هل المرأة بالأساس فاعل اجتماعي حيوي في حياة مجتمعاتنا العربية؟ بمعنى هل إنتاج المرأة، ليس فقط في الفن وإنما في كل أوجه الحياة، يحمل قيمة اعتبارية في المجتمع تدفع بهذه المجتمعات إلى التفاعل معه وتوخي رسالته وتبنيها؟”.

تحليل عالم الاجتماع العماني كشف عن محاولات خفية لقبر مساعي النساء للخروج بأوطانهن من بؤر الفساد والمظالم، وشدد على قصور النظر لكل ما تقدمه المرأة وإن شهد في جله تفاعلا جماهيريا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي وبين صفحات بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، لكن أركان الجابري، رسام وإعلامي عراقي، يرى أن السبب وراء ذلك أن “المرأة العربية تعاني بشكل عام اضطهادا اجتماعيا واضحا نظرا للتطرف الذي يمارسه العرب في تلك المناطق”.

وقال الجابري في حديثه لـ”العرب” “ففي السابق كانت محكومة من قبل نظم استبدادية كانت المرأة فيها بين المطرقة والسندان وكانت هذه النظم المتطرفة لا تمارس حركتها بشكل علني”.

وأضاف “وأصبحت هذه النظم اليوم أكثر حرية وتمارس معتقداتها بما تريد وتشتهي ووجهت تخطيطها نحو المرأة باعتبارها الكائن الأضعف في المجتمع وهنا جاءت الفنانة محاولة تغيير واقعها نحو ما تراه ضروريا لمحو الماضي الأليم لكنها اصطدمت بحركات وتيارات عنيفة تحاول الحد من ركوب موجة التغيير”.

ومع ذلك قاومت الكثيرات راكبي موجات التغيير، رغم الفوضى السياسية التي تزج ببلدانهن في معمعة من الأزمات المتتالية، وحاربن لإيصال أصواتهن وأصوات الفئات المقبورة بمجتمعاتهن، ومن بينهن الفنانة التشكيلية اليمنية، سبأ القوسي، أحد رموز المقاومة، التي كانت ولا تزال تلعب دورا فاعلا في إبراز المعاناة التي يتجرعها شعبها جراء الغارات الجوية والقصف والمواجهات.

وقالت القوسي إجابة عن سؤال “العرب” هل الفنانة قادرة على المساهمة في إنقاذ وطنها من عدم الاستقرار السياسي عن طريق فنها؟ “تبادر إلى ذهني حال قراءة السؤال الفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي الذي شكل جبهة قتالية بحد ذاته بفنه الكاريكاتوري الذي يوجز الآلاف من الكلمات والتحليلات والسجالات الخطابية ويختصرها برمزين أو ثلاثة في عناصر لوحاته، بحيث كانت كفيلة بإيذاء العدو الإسرائيلي وتنوير العقل العربي في نفس الوقت بقضيته المركزية الفلسطينية”.

وأضافت “من شأن العمل الفني أن يحرك جمود الذهن للفنان نفسه ولمن حوله حين يحمل هذا العمل رسالة جمالية، أما حين تشمل هذه الرسالة الفنية مضمونا أعمق من صياغة الجمال، كتجسيد حال المجتمع وواقعه وتنويره بما هو مغيب عنه فتلك إضافة نوعية ترفد الحياة الاجتماعية والسياسية بما يخدم مسار بناء المجتمعات وفق خط معاصر متحضر”.


يبدو الفنان من هذا المنطلق أنه يعيش الحرب على طريقته ويجسدها على طريقته وأحيانا يرسل رسائل على طريقته، وأوضحت القوسي ذلك قائلة “الفنان له بصيرة تميزه عن الآخرين برؤية إنتاجية تعطي لبيئته الكثير ولذلك ارتبط الفن بسبر أغوار التفكير والتأمل، لاسيما والفنان يعمل على تجميل واقعه عبر فنه ولوحاته التي تعتبر رسائل يعبر بها عن فكرة ويرفض بها فكرة أخرى، كما أن الفنان قد يسخر لوحاته وأفكاره للدفاع عن وطنه ومقاومة المعتدي بقدر ما يساهم بريشته في تمجيد نظام أو التشنيع بنظام آخر”.

وأشارت إلى أن الفن حالة وجودية خلاقة تسعى للبناء لا الهدم لذلك فـ”أنا اعتبره أداة من أدوات النهضة ومعيارا لتحضر الشعوب طالما الرسام ملتزم بأخلاقيات الفن بحيث يسخر موهبته لبناء مجتمعه وتغيير المفاهيم المغلوطة، وتوثيق الحاضر بأمانة وصدق.. ولن نستثني مخاطره فكل أداة سلاح ذو حدين”.

وتعد حادثة إزالة جداريات تعبر عن مشاهد من واقع تونس منذ ثورة 14 يناير 2011 كانت مرسومة على أعمدة “قنطرة القرش الأكبر” (جسر) الواقعة في قلب العاصمة التونسية، من قبل وزارة التجهيز، مارس الماضي، خير دليل على نهوض الفن بدور توثيقي كبير.

فقد شنّت مجموعة من الفنانين على امتداد ثلاثة أيام حملة شعارها “الرمادي لا يليق بي… أنت فسخ (أمح) وأنا نعاود (أعيد)”، هدفها بث الروح من جديد في الجسر استجابة لاستهجان التونسيين عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي التشويه الذي طال هذه الرسوم، التي شكلت واحدا من أكبر المعارض الفنية المفتوحة في أفريقيا والعالم.

وكذا أظهرت شوارع جل الدول التي تشهد حراكا سياسيا، تفاعلا كبيرا، مع المشهد الجديد الذي فرضته مقاومة نسائية من نوع آخر ترتقي بالفوضى السياسية إلى ثورة فنية تقدم رؤية ناضجة للتوعية بمخاطر الانتهاكات المختلفة للحقوق والحريات التي تعاني منها المجتمعات.


وهو ما يحيل على قدرات المرأة العربية في المساهمة في تغير المشهد العام لأوطانها، وقد لفتت القوسي في حديثها لـ”العرب”، قائلة “حين نخصص الحديث عن المرأة ومدى قدرتها على إحداث تغيير يساهم في إنقاذ وطنها بفنها أو بأي أداة إبداعية أخرى تمتلكها فسأعود للإجابة إلى التاريخ وتحديدا إلى حقبة الملكة أروى (أروى بنت أحمد الصليحي ملكة الدولة الصليحية في اليمن).. الملكة الرمز التي زُينت أسماعنا باسمها ومجدها منذ وعينا، فقد كانت حاكمة تدير مملكتها بإرادتها ورؤيتها المستقلة بلا وصاية أو إملاء بما يجب وبما لا يجب، كانت حرة ولها كنية تؤكد ذلك “السيدة الحرة”، هذه الملكة العظيمة أبدعت وقدمت ما يخدم الإنسانية في وطنها وظلت بصمات حكمها خالدة في معالم يستفيد منها المجتمع حتى زمننا هذا وقد مضى على حكمها قرابة عشرة قرون”.

وأكدت أنه “عندما نقف عند محطات عطاء المرأة وهي حرة من النظرة الدونية ومستقلة من أي وصاية ورعاية مشروطة، فسوف نجد نماذج مشرفة للمرأة الإنسان التي لا تقل عن الرجل في عطائها لمجتمعها”.

وشددت الفنانة اليمنية في خاتمة حديثها على أن “مشكلتنا هي النظرة للمرأة وحصر دورها في الإنجاب ورعاية الأطفال والاهتمام بالمنزل وشؤونه فقط وإنكار حقها في أن تظهر للمجتمع بمظهر التفوق والإبداع، وفي حالات كثيرة سنجد من يحاول تعنيفها لفظيا بكلمة ‘مسترجلة’ لتحطيم أنوثتها أو تصويرها كتابعة للرجل لا شريكة له واعتباره الوصي عليها، بينما حين يتاح المجال لها فسنجدها ويجدها المجتمع شلال عطاء ودينمو تغيير في كل الحياة بكل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية”.

وكانت الممثلة المسرحية والكاتبة والإعلامية العراقية، وداد هاشم، مثالا حيا عن المرأة التي كافحت دخل وطنها المنكوب للارتقاء بمستواها العلمي لتحصيل هذه الدرجات إلى جانب الإنشاد، رغم اعتراض ذكوري كبير حكمته عدة عوامل وخلفيات أيديولوجية يضج بها المناخ العراقي.

وقالت هاشم، المقيمة في مدينة كربلاء، “في ظل الأحداث المأساوية وتحديات الظروف التي يمر بها بلدنا وقضايا المرأة العراقية وخاصة الفنانة بين الواقع والمأمول فإن الفن يمثل بخطواته العرجاء المختلفة مصدرا أساسيا من مصادر التمييز، بما يقدمه من مضمون ينحاز في مجمله ضد المرأة، لاسيما في الأعمال الدرامية التي تظهر النساء فيها عبر قالب نمطي يغلب عليه الطـابع السلبي، فهي مهمشة ومضطهدة ومحاربة من قبل العنصر الذكوري الذي يراها لا تستخدم عقلها بشكل راجح، فعليها أن ترتبط بالمنزل، دون إشارة إلى نجاحها في ميادين العمل المختلفة، وخاضعة للرجل لا تشاركه في اتخاذ القرارات، إضافة إلى عدم مساواتها به في الحقوق والواجبات، وعدم التوازن في علاقتها بالرجل”.

وأكدت الفنانة العراقية لـ”العرب”، “إن تصحيح صورة المرأة لن يكون إلا بمواجهة العادات والتقاليد والأعراف والموروثات الثقافية التي تعيق عملها، والحل عليها أن تكون قيادية حازمة باتخاذ قراراتها واثقة من نفسها وتعد برنامجا يتمثل في تحديث منظومة القيم التي تحكم تفكير المرأة العراقية بما يضمن سرعة تكيفها وتجاوبها مع متغيرات العصر الراهنة، والتجاوب مع احتمالات وسيناريوهات المستقبل، وتكثيف الجهود الخاصة بتنمية وعي الفنانين وكتاب الدراما لتقديم صورة صادقة، تعكس النجاح الذي حققته المرأة العراقية في ميادين العمـل المختلفة، من خلال تقديم نماذج نسائية ناجحة فعلا على المستوى المحلي والعربي”.