"الإخوان" الذراع المنفذ..

تحليل: استراتيجية قطر لتمكين حركات الإسلام السياسي بأوروبا

مؤسسات ثقافية ومساجد ومنصات إعلامية وأموال للسيطرة على مسلمي دول الاتحاد

رؤية الإخبارية

تمثل البلدان الأوروبية هدفاً رئيسياً للأيادي القطرية، المتهمة بدعم الإرهاب في كثير من دول منطقة الشرق الأوسط، والعبث في أمن البلدان المستقرة، باستخدام – الإخوان المسلمين ومن خرج من تحت جناحهم من جماعات أكثر راديكالية ، كالمتطرفين السلفيين.

كل تفجير في أي عاصمة أوربية، يعيد الى الأذهان مصطلح "الإسلاموفوبيا"، والراديكالية الإسلامية، ويفتح ملفات الإسلام السياسي ومموليهم، وسرعان ما تشير أصابع الاتهام إلى قطر بشكل أو بآخر.

تاريخ طويل لدولة قطر في دعم الإسلام السياسي في أوربا، وخاصة حركة الإخوان المسلمين؛ نتيجة لتقاطعات في المصالح الاستراتيجية بين الأسرة الحاكمة التي تحتاج إلى شرعية دينية واخلاقية لحكمها العائلي الوراثي لتعوض الشرِعية الديمقراطية والقانونية ، وتحرم وتجرم أي أفكار ثورية وديمقراطية من الممكن أن تحرض الشعب القطري ضد حكامه أسرة "آل ثاني ".

بالإضافة الى تمرير السياسات الامريكية في الإقليم و العالم ، وأوروبا ليست بمسرح بعيد عن لعب دور سياسي فيها لما لهذه الجغرافية المتوسطية من أهمية لقربها الجغرافي من منطقة قوس الازمات كما حددها بريجنسكي المتمثلة في دول الشرق الأوسط الممتد من شمال وشرق أفريقيا مرورا بتركيا وايران وافغانستان وباكستان ، ولتوافر ما يقارب خمسين مليون مسلم في القارة منهم ما يقارب 19 مليون مسلم في دول الاتحاد الاوروبي يتركز معظمهم في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.

وهذه الدول تمثل الدول المركزية في أوروبا يتركزون في العواصم والمدن الكبرى وهذا الانتشار الجغرافي الممركز يعطيهم أهمية استراتيجية تمكنهم من التأثيرسلباً في السياسات الأوروبية وفي الهوية الديموغرافية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، في حالة عدم الاندماج في تلك الدول ، و يشعل التناقضات والصراعات ، ومن ثم تصدير المحبطين المتطرفين الى مناطق الصراعات ، أو تنفيذ أعمال إرهابية لم تسلم منها المدن الاوروبية ... وقد استخدمت قطر مجموعة من الاستراتيجيات في دعم وتمكين تلك الجماعات في أوروبا أهمها:

أولاً : الاستراتيجية الدعوية والتربوية

- بناء شبكة من المساجد في أوروبا يديرها شخصيات إخوانية ،تتبني الخطاب المتطرف للجماعة ، وبلغ عدد المساجد التي مولتها قطر 140 مسجداً في أوروبا منها 22 مسجداً في فرنسا وحدها.

- أقامت شبكة من المؤسسات الثقافية الاسلامية و مراكز الدراسات وخاصة في العواصم والمدن الكبرى في أوروبا مثل متحف " حضارات الإسلام " في جنيف الذي مولته قطر 1.4 مليون فرنك سويسري.

- احياء التراث الفكري الإخواني ونشر أدبيات مفكري الجماعات الاسلامية مثل السيد قطب ، محمد قطب ، فتحي يكن ، أبو الاعلى المودودي و وغيرهم بالاضافة الى المفكرين الاوربيين الذين أسلموا مثل روجيه جارودي وغيره لما لهم من تأثير ساحر على ابناء الجاليات الاسلامية باعتبارهم مهاجري الحضارة الغربية الى رحابة الحضارة الاسلامية كما يدعون وهو ما يعرقل اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة .

- استضافة كبار مشايخ وعلماء تلك الجماعات في مؤتمرات لبث الدعوة لفكرهم المتطرف مثل الشيخ الفرضاوي وغيره .

- تربية النشأ من كلا الجنسين على معتقدات متطرفة من خلال دور الحضانة والمدارس والمعاهد الاسلامية ، بالإضافة إلى الرحلات وإقامة المعسكرات الصيفية والترفيهية والرياضية وورش التدريب والندوات .

- احتكار إصدار الفتاوي الدينية خاصة لمسلمي أوروبا والصادرة من "رابطة علماء المسلمين" التي كان يترأسها الشيخ القرضاوي على اعتبار أنها صحيح الدين ، والتشكيك بفتاوي كل دور الافتاء في الدول العربية والاسلامية وعلماء المسلمين الآخرين المناهضين لأ فكارهم واتهامهم بالنفاق والموالاة للأنظمة الحاكمة بوصفهم ( فقهاء السلطان ) ، ( أرزقيه السلطان ) لصياغة عقل وشعور جمعي متأسلم وفق نسقهم ونموذجهم المتشدد .

- تقديس مفكري وقادة حركات الإسلام السياسي وتصويرهم في أذهان المسلمين في أوروبا أبطال وشهداء ومجددي هذا العصر في مواجهة الأنظمة الاستبدادية و القوى الكافرة وجاهلية المجتمعات و الحضارة الغربية الاستعمارية والمفكرين والأدباء العرب الليبراليين و الماركسيين والقوميين .

ثانيا ً: الاستراتيجية الإعلامية

أدرك النظام القطري أهمية القوى الناعمة في تحقيق مصالحه وأهدافه على المستوى الوطني والإقليمي والدولي ، فبرز لديهم أهمية إنشاء امبراطورية إعلامية مثلت قناة الجزيرة الفضائية رأس الحربة فيها، بالإضافة الى محطات فضائية وإذاعية وإلكترونية عبر "المؤسسة القطرية للإعلام" التي يرأسها الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني ، علاوة على الصحف والمجلات والمنشورات واخيراً استخدام منصات التواصل الاجتماعي ، واعتمدت على استيراد وتوظيف الكادر البشري، ومررواً بالمحتوى الإعلامي، وانتهاءً بالأدوات الإعلامية وبوضع الموازنات الاعلامية العالية.

واعتمدت سياسات إعلامية تقوم على أنه إعلام ديمقراطي حر يكشف أزمات الدول العربية والاسلامية من الاستبداد والظلم الاجتماعي والفساد والفقر والتخلف ، وتبني القضية الفلسطينية كرافعة له للوصول الى وجدان كافة المسلمين .

 وهذا ما اكدته دراستان منفصلتان قامتا بهما شركتا الأبحاث الدوليتان المستقلتان "إبسوس" و"سيغما" للفترة بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول في سنة 2014.،والتي أثبتت أن "الجزيرة الإخبارية" تستحوذ على حوالي 42.17% من حصة سوق الأخبار التي تشاهَد على مختلف القنوات بما فيها القنوات الترفيهية ،وجاءت تسعة من برامجها الإخبارية من بين أفضل عشرة برامج إخبارية شوهدت في كل شهر من هذا العام، من بينها برامج "ما وراء الخبر" و"الاتجاه المعاكس" و " الشريعة والحياة " .

وهو ما مكن الإعلام القطري الذي تحكم فيه زمرة من الاعلاميين الإخوانيين المحترفين مثل الاعلامي أحمد منصور والفلسطيني وضاح خنفر وغيرهم من لعب دور أساسي في ثورات الربيع العربي ودعم حركات الاسلام السياسي الجهادي وخاصة حركة الاخوان المسلمين في أوروبا والعالم عبر السياسات الإعلامية التالية:

- تصوير حركة الاخوان المسلمين إسلامية وسطية تدعو الى الديمقراطية والمواطنة وحقوق الانسان والسلام الدولى وتحارب العنف وتدعو الى حوار الحضارات والاديان من خلال مرجعية دينية اسلامية سنية .

- ترويج أن حركة الإخوان المسلمين ذات شرعية شعبية مناهضة للأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي والاسلامي والبديل لها .

- الدعاية المبطنة لمفكري ومشايخ وقادة حركات الإسلام السياسي والجهادي باعتبارهم أعلام ورموز للأمة الإسلامية والعربية .

- الدعاية لأفكار هذه الجماعات بطرق غير مباشرة عبر استخدام استراتيجيات الإقناع و التأثير الذكية وغير المباشرة.

- استخدام عقدة المظلومية لتلك الجماعات ورموزهم للتأثير على الرأي العام الاسلامي والعالمي .

- استغلال "الإسلامو فوبيا " المنتشرة في أوروبا والعالم تحت شعار (جاليات تحت الظلم والعنصرية ) لتعزيز الهوية الاسلامية للجاليات وعرقلة اندماجهم في دولهم ، وتعزيز اعتبار هذه الحركات الطليعة السياسية القادرة على الدفاع عن هويتهم ومصالحهم .

- اتهام المعارضين لجماعات الإسلام السياسي في أوروبا والعالم بأنهم مكارثيين أو عنصريين أو عملاء للصهيونية العالمية ..الخ بغرض التخويف والابتزاز .

ثالثاً – الاستراتيجية السياسية

احتضان قطرمفكري و مشايخ وقادة هذه الحركات واعطائهم الجنسية القطرية منحهم الحماية القانونية وحرية الحركة في اوروبا ، وقد لعبت قطر دوراً خطير من خلال استخدام هذه الجماعات في الانتخابات العامة والبلديات وهذا ما أفصح عنه يوسف ندا القائد الإخواني العالمي من استراتيجية استمالة رؤساء وعمداء البلديات والمسؤولين السياسيين المحليين لتسهيل أنشطة جماعة الاخوان المسلمين في أوروبا ، كما لعبت قطر دوراً سياسياً في التنسيق والوساطة بين هذه الحركات وأمريكا ودول اوروبية بغية حل النزاعات في العالم واستخدامهم في اثارة النزاعات الطائفية والعرقية .

رابعاً : الاستراتيجية التمويلية والإغاثية

كشفت قناة " آر تي بي إف " البلجيكية للإعلامي "فرنسوا مازور" في تحقيق استقصائي عن دور قطر بدعم حركات الإسلام السياسي والجهادية في أوروبا ، تأكيداً لما كشفه الكاتبان الفرنسيان جورج مالبرونو وكريستيان شاسنو في كتابهم " أوراق قطرية " عن حجم الاموال الممنوحة للبنية التحتية لتلك الجماعات من مساجد ومراكز ثقافية ومدنية تقدر " 70 مليون يورو " منذ عام 2014 بالإضافة الى سياسات تهريب الأموال الذكية عبر حسابات شخصية مثلما حدث مع الكاتب والقيادي الإخواني طارق رمضان المتهم بقضايا اغتصاب في فرنسا ومنحه حوالي " 35 ألف يورو " شهرياً بحجة أنه مستشار لمؤسسة قطر الخيرية .وكذلك تقديم المساعدات الإغاثية عبر مؤسسة قطر الخيرية وغيرها من المؤسسات الخيرية الأخرى لأبناء الجاليات الإسلامية عبر مؤسسات خيرية يديرها كوادر وقادة إخوان سراً وعلانية .

الخلاصة : نجحت قطر في توظيف حركات الإسلام السياسي والجهادي وخاصة حركة الإخوان المسلمين عبر استراتيجيات فعالة ما عزز من الدور القطري السياسي في الإقليم والعالم بغض النظر عن النتائج السياسية والأمنية السلبية التي أصابت الدول الأوروبية والعربية والإسلامية ، ولهذا لابد من اتخاذ استراتيجيات علاجية ووقائية ضد التدخلات القطرية وحركات الإسلام السياسي في أوروبا حفاظاً على السلام والأمن الأوروبي والإقليمي والدولي من التطرف والإرهاب وأهمها دمج الشباب المسلمين خاصة في الدول والمجتمعات التي يقيمون بها ، ودعم وتمكين المؤسسات المدنية والنخب المثقفة الليبرالية والمؤسسات الإعلامية المتوافرة عند الجاليات الإسلامية في الدول الاوروبية، وفي العالمين العربي والاسلامي.