احلام أردوغان في إقامة الإمبراطورية العثمانية بلباس إخواني..

هل تحطمت أحلام أردوغان في بناء قاعدة عسكرية بأرخبيل سقطرى؟

ما هو الدور التركي والقطري في إجهاض ثورات الربيع العربي؟

سقطرى

كان أردوغان على قناعة تامة في أن الطريق إلى استعادة الإمبراطورية العثمانية سيكون سهلاً عبر التحكم بالمارد الضخم "الإخوان المسلمين" والتي ستمنحهُ هذه الفرصة في استعادة الامبراطورية العثمانية بلباس إخواني، فالأمر لا يحتاج أكثر من إشعال ثورات الربيع العربي والاستعانة بالتنظيمات الإرهابية (داعش والنصر وجيش الفتح وغيرها) وتكثيفاً إعلامياً يزيف له الحقائق وينشر له الأكاذيب. وباستخدام المتظاهرين كدروع بشرية وتتسلل تنظيماتهم الإرهابية بين المتظاهرين لإشعال حرب مع النظام يتم تصديرها على أنها بين الثوار والنظام، لتقول إن النظام يقتل شعبه ويسهل عندها السيطرة على الدولة وتطويعها كيفما تريد. وهكذا تسير الأمور، فهي من جهة تقوم بإجهاض هذه الثورات ومن جهة أخرى تقطف ثمارها. ولكن كما يقول المثل (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) فقد فشلت كل المحاولات والمؤامرات التي خطط لها أردوغان وأدواته الإخوانية.

في هذا التقرير سنتناول كيف جرت هذه العملية في أهم الدول العربية التي كانت سبّاقة في إشعال ثورات الربيع العربي وهي مصر وسوريا واليمن مع التركيز على ما يحدث في الجنوب من محاولات إخوانية في تسليم أرخبيل سقطرى لتركيا.

 

الدور التركي والقطري في إجهاض ثورات الربيع العربي

استغل الإخوان ثورات الربيع العربي والذي كان الشباب وقودها الأول، وبمعزل عن الأحزاب، ولكن بحكم خبرة الإخوان ورفعها شعارات دينية استطاعت أن تجهض هذه الثورات وتجييرها لصالح المشروع الأردوغاني الإخواني وذلك من خلال تحويل هذه الثورات السلمية إلى صراع مسلح بين تنظيماتها الإرهابية والنظام. ففي سوريا تسلل الإخوان بين المتظاهرين وتحوّلت الثورة إلى حرب أدت إلى خراب الدولة السورية ودمرت اقتصادها وشردت شعبها. وقد شهدنا وعلى شاشات التلفاز وبشكل مباشر رتل العربات المدرعة للتنظيمات الإرهابية من الأجانب وهي تدخل سوريا من المنافذ البرية التركية لتدخل في مواجهة مسلحة مع النظام السوري وبموافقة تركية وتمويل قطري (هناك اعتراف قطري على لسان نائب رئيس الوراء ووزير الخارجية القطري الأسبق وهو يقول إننا صرفنا مليارات الدولارات ولكننا فشلنا في إسقاط النظام السوري).

 

إلا أن الأمر في مصر كان مختلفاً فقد استطاع الجيش المصري بحنكته وخبرته السياسية أن يكشف قدرات جماعة الإخوان المتواضعة في إدارة شئون الدولة، فهذه الجماعة كل ما فعلته هو إعادة تدوير النظام السابق ولكن بمرجعية دينية ومارست القمع والاستبداد وأظهرت للعالم أنها غير مستوعبة للآليات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، بل إنهم يعملون من أجل مشروع مختلف هو مشروع أردوغان، فقد رفضت استقلالية القضاء وتحقيق العدالة الاجتماعية وكانت سلوكياتها بعيدة عن أخلاقيات الدين الإسلامي الحنيف والتي وضعتهم في مساءلة جنائية.  والشأن ذاته في اليمن، فبمجرد سرقتها لما يسمى بثورة الشباب (11 فبراير) واختطافها للحكومة الشرعية عملت على تعطيل القضاء وأدخلت حقوق المواطنين (مثل دفع المرتبات والخدمات وتوفير الأمن والأمان) في مساومة ولعبة سياسية قذرة تخدم أهدافها الدنيئة، واعتمدت نظام الفتاوي في إقصاء خصومها السياسيين بدلاً من اعتمادها على الآليات الديمقراطية والمرجعيات الدستورية وحق تقرير المصير للشعب الجنوبي.

 

وهكذا أصبحت تركيا دولة مكروهة بسبب سياساتها التدخلية والعدوانية وتاريخها الأسود الشبيه بما ارتكبته من مذابح للشعب الأرميني، إضافة إلى أن مجرد التفكير في عودة ما يسمى بالخلافة العثمانية بلباس إخواني يجعل أمتنا العربية ترفض مثل هذه المحاولات التي تذكرهم بحقبة الاستعمار العثماني وليس الخلافة العثمانية؛ لأن هذه الخلافة العثمانية كانت قصيرة تحولت بعدها إلى سلطنة كل ما يهمها هو ملء خزائنها من خراج الأقطار العربية الذي يمكن أن يمنحها السلطان في لحظة طيش أو نزوة عابرة لجارية من جواريه (السلطان إبراهيم مثلاً) في حين تعاني الشعوب العربية من الحرمان والجوع.

 

التوتر السياسي بين الإمارات وتركيا

لعلكم تابعتم السجال الإعلامي الذي حصل بين وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية والرئيس التركي أردوغان، حينما اتهم الأول أردوغان بمحاولاته في بسط نفوذ تركيا على البحر الأحمر فرد عليه أردوغان رداً عنيفاً قائلاً: "أين كان أجدادك عندما تصدى أجدادنا للاحتلال البرتغالي وحمينا لكم الأماكن المقدسة" (يقصد مكة والمدينة)، وكما يقول المثل "السارق برأسه قشاشة"؛ حيث كشف هذا الرد عن العقلية الاستعمارية التي تعشعش في ذهن أردوغان ونواياه الحقيقية بهذا الإسقاط التاريخي على الحاضر وحلم أردوغان في استعادة الإمبراطورية العثمانية والذي لا يزال في ذاكرته واعتقاده بأن هذا الحلم يمكن تحقيقه.

 

لكن بعد الفشل الذريع في إسقاط الدولة السورية يبدو أن حلم أردوغان قد تبدد وتقلص إلى أن أصبح مجرد محاولات في قضم ولو جزء بسيط من شمال الدولة السورية، فهو دائما ما يكرر إصراره في قيام منطقة عازلة منزوعة السلاح تحت السيادة التركية، وهي خطوة في اتجاه قضم شمال سوريا الغني بالنفط، ولكن هذه المسألة مشوارها طويل ولا زالت بين مد وجزر مع الأطراف الدولية العظمى (أمريكا وروسيا) والتي أيضاً لها مصالحها الإقليمية، وربما قيام الدولة الكردية يأتي ضمن أولوياتها والتي لن تكون لصالح تركيا. أما في مصر فقد قطعت يد الإخوان، ولكن لا تزال أذرعها الإرهابية تعمل في سيناء في حرب استنزاف طويلة الأجل وبتمويل قطري.

 

سقطرى عصية على الإخوان وهي ليست للبيع

تعود محاولات الإخوان في السيطرة على أرخبيل سقطرى لتاريخ طويل، وتحديداً بعد ما يعرف بثورة الشباب (11 فبراير) حينما ضغط الإخوان على الرئيس هادي بإعلان أرخبيل سقطرى محافظة مستقلة، وبغض النظر عن كون هذا القرار كان في صالح أبناء سقطرى أو عدمه، إلا أنه كان بداية مؤامرة لفصل سقطرى عن الجنوب وتسليمها لتركيا، وهو جزء من مخطط  إخواني يمنح تركيا السيطرة على الممرات والموانئ البحرية والجزر الحيوية والاستراتيجية، وبهذه الامتيازات ستتمكن تركيا من التحكم في الشريان الاقتصادي للجزيرة العربية ودول البحر الأحمر ومن ثم قيام حلمها في قيام الإمبراطورية العثمانية الثانية والدخول في طور استعماري جديد.

واستمرت محاولات الإخوان الفاشلة في السيطرة على أرخبيل سقطرى، وها هي اليوم تحاول أن تصور المشهد الحالي وكأن الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية للمطالبة بإقالة المحافظ الإخواني جاءت بإيعاز وتحريك من الإمارات العربية، وعليه فقد أعطى الإخوان المحافظ توجيهاتهم بمنع دخول الأجانب إلا بتأشيرات دخول، والمقصود هنا السعودية والإمارات، وهذا بحد ذاته أمر مضحك، فكيف يطلب هذا المحافظ من دول التحالف طلباً كهذا وهي المسئولة عن حماية الجزيرة؟ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تخبط وحماقة الإخوان في التصرف الفج والغير مسئول مع دول التحالف. مثل هذا التصرف سوف يحرج قطعاً الرئيس هادي والذي فضّل الصمت كعادته ولم يعمل على إيقاف تصرف الإخوان الأحمق.

 

المعيب في الأمر أن الإخوان يروّجون لإشاعات وأخبار غير مقنعة وكاذبة يبررون بها تصرفات المحافظ، فتارة يقولون إن المحافظ رفض السماح بإنزال شحنة مجهولة من على سفينة إماراتية، وهذا يضع سؤالاَ منطقيا: وماذا عسى أن تحتويه الشحنة فهي إما أن تكون مساعدات إنسانية أو أن تكون اسلحة في أغلب الأحوال، ولكن ما الضير في ذلك؟ أليست الإمارات تعد من دول التحالف ومن حقها تأمين الجزيرة وحمايتها؟ ولكن سرعان ما سيأتيك العذر السريع: ما مبررات وجود التحالف (هم مركزين على الإمارات) في حين لا وجود للحوثيين في الجزيرة؟ نقول: أليس وجود الإخوان وأذرعهم من التنظيمات الإرهابية كافٍ بأن يكون مبرراً قوياً لتواجد الإمارات لتطهير الجزيرة منهم، خصوصاً وأنها تسعى لتسليم الجزيرة للأتراك؟ إننا أمام ترويج روايات وإشاعات وقصص لا تقنع عقل طفل، ولكن خطابهم التعبوي موجه لأنصارهم الذين شكّلهم الإخوان على السمع والطاعة.

 

أحلام أردوغان تتحطم على صخور أرخبيل سقطرى

محاولات الإخوان الفاشلة صحبت تحركات سياسية تركية، فخلال الفترة الماضية وتحدياً في يناير 2019 أرسلت تركيا ثلاثة وفود أمنية واقتصادية إلى عدن، إحداها على مستوى نائب وزير الداخلية التركية، والتي وافقت على إرسال عناصر إخوانية للتدريب في تركيا، أما الوفد الاقتصادي عندما طلبت منه المساعدة في تزويد عدن بمحطة كهربائية لكنه اعتذر فهو يرى أن مثل هذه المساعدات ستأتي ضمن حل شامل ومساعدة تركيا على مستوى اليمن كله. إذن لماذا هذه الزيارة؟ كان واضحاً أن الوفد الاقتصادي كان لذر الرماد في العيون، والزيارة كانت في المقام الأول استخباراتية أمنية، وتركيا تحرص على تقديم الدعم المادي للانتفاع به لمصلحة الإخوان.

 

أمام هذا الفشل الذريع للإخوان في التحكم والسيطرة على أرخبيل سقطرى وبعد فشل التحركات السياسية التركية للحصول على موطئ قدم في عدن، ورفض طلب تركيا في بناء قاعدة عسكرية في أرخبيل سقطرى، وحينما رأت كل هذه المقاومة الشعبية لابد لها أن تتراجع بعد ذلك، فقامت ببناء قاعدة عسكرية في الصومال بسبب الرفض الشعبي والسياسي، ولكنها عادت لتستكمل مؤامرتها من الباب الخلفي لتعمل على تحريض الصومال في الادعاء أن أرخبيل سقطرى يخضع للسيادة الصومالية، طبعاً بعد أن واجهت رفضاً شعبياً وسياسياً. وسيستمر السقطريون في رفضهم للمشروع الإخواني البغيض فسقطرى ليست للبيع.

الأمناء