قوات الولايات المتحدة الأمريكية قد توعد إلى المنطقة..

تحليل: هل يجر قتل "قاسم سليماني" إيران إلى صراع أكبر؟

تسجل عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بهجوم طائرة مسيرة في بغداد منعطفا عواقبه غير واضحة

حسين حنشي
كاتب ومحلل سياسي عمل لسنوات مديرا للتحرير لدى صحيفة اليوم الثامن.
قبل عقد من الزمن، تحدث ترمب شخصيا عن رغبة كل رئيس أميركي في نزاع مع طهران مع اقتراب استحقاق انتخابي مهم. وطرح هذا الاحتمال بأسلوب ناقد وساخر متحدثا عن باراك أوباما في 2011. غرد ترمب قائلا "من أجل أن يعاد انتخابه سيشن باراك أوباما حربا مع إيران". حينها لم يكن قد دخل المعترك السياسي، وحرصا على قاعدته الانتخابية والوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية في 2016، يؤكد ترمب منذ وصوله إلى البيت الأبيض بأنه يريد "الخروج من الحروب التي لا تنتهي"، ويرى أنها مكلفة جدا على الولايات المتحدة من الناحيتين الإنسانية والمادية وسنة 2020 هي سنة انتخابية مهمة لدونالد ترمب، وقبل عشرة أشهر من الانتخابات الرئاسية، اتخذ دونالد ترامب الرافض للتدخلات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، القرار الذي ينطوي على أكبر مجازفة في ولايته، حيث تسجل عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بهجوم طائرة مسيرة في بغداد منعطفا عواقبه غير واضحة. وأعرب العراق عن خشيته من "حرب مدمرة"، في حين توعدت إيران بالرد "في الوقت المناسب والمكان المناسب" وأدانت العملية كل من الصين وروسيا.. فهل هذه انعطافة استراتيجية لإدارة ترمب؟ ولماذا الآن؟.

استراتيجية الانسحاب والابتعاد عن الصدام

18 ديسمبر/كانون الأول 2018: ترمب يعلن أنه ناقش مع أردوغان انسحاب القوات الأميركية من سوريا خلال شهر، على أن تتولى تركيا مكافحة تنظيم الدولة وفي 25 فبراير/شباط 2019: البيت الأبيض يعلن أن الولايات المتحدة ستترك "مجموعة صغيرة لحفظ السلام" مكونة من 200 جندي أميركي في سوريا لفترة من الوقت، وأشاع ترمب جوا من الفتور تجاه الشرق الاوسط صانعا ما يمكن ان يكون "استراتيجية خروج واهمال".
في 24 يوليو 2019 قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إن بلاده ليست في حاجة إلى استيراد النفط لأنها أصبحت دولة مصدرة، وهي لا تحتاج أيضا إلى حراسة مضيق هرمز من أجل دول غنية من دون مقابل. اكتوبر من العام ذاته أعلن الرئيس الأمريكي مجددا أن بلاده ليست في حاجة إلى نفط وغاز منطقة الشرق الأوسط، لكنه أكد أن واشنطن ستساعد حلفاءها.

وقال ترمب في تغريدة بالخصوص: "بما أننا خلال السنوات القليلة الماضية حققنا نجاحا كبيرا في مجال الطاقة، ونحن مصدر خالص للطاقة، وأصبحنا الآن المنتج الأول للطاقة في العالم، لا نحتاج إلى نفط وغاز الشرق الأوسط، وفي الواقع لدينا هناك عدد قليل جدا من ناقلات النفط، لكننا سنساعد حلفاءنا" وقال ترمب في تلك المناسبة: "نحن نحصل على نفط قليل جدا من المضائق... لقد قالوا إنه لا توجد ناقلات نفط أمريكية هناك، بل من الصين واليابان. الصين تستورد 65% من النفط من هناك واليابان 25% ودول أخرى تحصل على الكثير أيضا".

وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2019 البيت الأبيض يعلن أأن القوات بدأت الانسحاب من سوريا مبررا ذلك بأن تنظيم الدولة صار مهزوما. و"قوات سوريا الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية تعتبر أن "القوات الأميركية لم تفِ بالتزاماتها" تجاهها. ودافع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الاثنين، عن قرار بلاده سحب قواتها من شمالي سوريا قرب الحدود مع تركيا، قائلًا إن بلاده "دخلت في صراع عميق دون هدف واضح"، وأضاف ترمب "لقد آن الأوان لكي نخرج من هذه الحروب السخيفة التي لا تنتهي، وكثير منها قَبَليّ".
وفيما يمكن ان يكون تنفيذا لهذه الاستراتيجية تغاضت ادارة ترمب عن حوادث وجرائم ايرانية كان يمكن لها مع ادارة اخرى ان تكون شرارة حرب إلا أن ترمب وإدارته تعاملوا معها بتهاون حد جرح كرامة امريكا حسب قول عضو بالكونغرس الامريكي كما ادى التهاون الى استقالة مستشار الامن القومي جون بولتون الذي اعترض على التغاضي عن تصرفات ايران لاسيما بعد اسقاط طائرة مسيرة امريكية.

وبدأ التغاضي الامريكي بحادث خليج عمان (الاول) الذي أدّى إلى إلحاق أضرار بأربع سفن تجارية بالقرب من ميناء الفجيرة في خليج عمان، بتاريخ 12 مايو 2019. وذكرت وزارة الخارجية الإماراتية ان السفن تعرضت "لهجوم تخريبي" الا انها لم توضح من هو المسؤول او كيف وقع التخريب. وقالت السعودية إن اثنتين من السفن المتضررة هما ناقلات نفط مملوكة للسعودية. وأضاف ان "احدى السفينتين كانت في طريقها لتحميلها بالنفط الخام السعودي من ميناء رأس تنورة لتسليمها لعملاء أرامكو السعودية في الولايات المتحدة" وذكرت شركة تومي لإدارة السفن، وهي الشركة التي تملك السفينة النرويجية، أن سفينتهم قد "اصطدمت بجسم غير معروف على خط الماء" بينما كانت راسية قبالة الفجيرة، ورغم حجم الحادثة اكتفت الإدارة البحرية الأمريكية بإصدار تحذير لجميع السفن قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة بسبب "أعمال تخريبية" واقترحت توخي الحذر "في الأسبوع المقبل على الأقل".
واستمر التغاضي بهجوم خليج عمان (الثاني) حيث وقعت تفجيرات في 13 يونيو 2019، استهدف ناقلتي نفط بالقرب من مضيق هرمز أثناء عبورهما لخليج عمان. جاء هذا الهجوم بعد شهر واحد فقط من هجوم خليج عمان الأول. تعود ملكية إحداهما إلى النرويج والأخرى إلى اليابان. احترقت الناقلتان إثر هجوم اتّهِمت به إيران، وأفادت الجهات المالكة للناقلتين بأن جميع أفراد طاقمَيهما لم يصابوا بأذى وجرى إجلاؤهم بنجاح، وحينها قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في يوم الحادث إن إيران مسؤولة عن الهجوم؛ واستند في هذا التقييم إلى ما توصلت له استخبارات بلده عبر دراسةِ الأسلحة المستخدمة في الهجوم فضلًا عن ربطِ ما حصل بالهجمات الإيرانية المماثلة في المنطقة.
في وقتٍ متأخر من يوم 14 يونيو/تمّوز؛ أصدرت البحرية الأمريكية شريط فيديو صوّر في الساعة 4:10 مساءً بالتوقيت المحلي ويُظهر ما قالت أنّهم أفراد من الحرس الثوري في سفينة إيرانية صغيرة يزيلونَ لغمًا غير منفجر في جانبِ الناقلة اليابانية. يطابق قارب المراقبة الذي يُظهره شريط الفيديو طراز وأبعاد قوارب المراقبة المُستخدمة من قبل القُوى البحرية للحرس الثوري الإيراني، حيث يمتلك القارب نفس الشارة التي تمتلكها القوارب الإيرانية، ويشمل أيضاً مركز تحكم مطابق الا ان الولايات المتحدة اكتفت بالدعوة الى اجماع دولي وحلف لحماية نقل الطاقة رغم الادلة التي قدمتها.
وبعدها كانت الحادثة الاكثر جرحا لأمريكا وتحديدا في 20 يونيو 2019، أسقطت القوات الجو-فضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني، بصاروخ ارض جو طائرة مُسيّرة أمريكية من نوع آر كيو-4 غلوبال هوك، فوق المجال الجوي الدولي في منطقة مضيق هرمز وفقًا للوثائق التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية، بينما نص بيان لقوات الحرس الثوري الإيراني بأنهم أسقطوها قرب منطقة كوه مبارك في إقليم هرمزغان. إثر العملية، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إن: «إيران ارتكبت خطأً جسيمًا»، وبعد اجتماعات جرت في البيت الأبيض بواشنطن للبحث في الخيارات للرد على إسقاط الطائرة، أجاب الرئيس الأمريكي حول طبيعة الرد، فقال: «سترون قريبًا». كذلك أشار الرئيس ترمب الى أنه يجد صعوبة في تصديق أن إسقاط الطائرة كان مقصودًا. إلا أن مسؤولين إيرانيين كشفا لوكالة رويترز يوم الجمعة 22 يونيو 2019، أن «طهران تلقت رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عبر سلطنة عمان ليل الخميس للتحذير من هجوم أمريكي وشيك على إيران» واكتفت الادارة الامريكية بامتصاص الغضب وحديث ترمب عن شكر ايران انها لم تضرب الطائرة المأهولة التي كانت ترافقها الطائرة التي اسقطت!!.
وبعدها بشهر وتحديدا في 19 يوليو 2019 أعلنت بريطانيا، الحليف الاستراتيجي الابرز لواشنطن اختطاف إيران اثنتين من ناقلاتها للنفط خلال عبورهما مضيق هرمز داخل المياه الدولية، إحداهما ترفع علم بريطانيا، والأخرى علم ليبيريا، وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، إنه يشعر بقلق بالغ إزاء اختطاف إيران سفينتين في مضيق هرمز، مشيرا إلى حضوره اجتماعا أمنيا لاستعراض ما يمكن فعله تجاه التهديدات الإيرانية لحرية الملاحة، ومن جانبه قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن إدارته ستتحدث مع لندن بشأن اختطاف إيران سفينتين بريطانيتين واكتفى ترمب بإدانة "سلوك إيران الخبيث" داعيا لتكاتف الحلفاء لمواجهة "سلوك طهران المهدد للملاحة الدولية".

14 سبتمبر/ايلول 2019 شنت هجمات بطائرات مُسيّرة إيرانية وصواريخ كروز استهدفت معملين تابعين لشركة أرامكو السعودية، أحدهما يُعدُّ أكبر معمل لتكرير النفط في العالم. وكانت الطائرات المجنحة الإيرانية والصواريخ الجوالة قد انطلقت باتجاه المعملين الواقعين في بقيق وهجرة خريص في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية. وقد أثارت الهجمات التي وُصِفت بالإرهابية إدانات محلية وعربية ودولية عديدة.
أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتصال هاتفي مع الأمير محمد بن سلمان: «استعداد بلاده للتعاون مع السعودية في كل ما يدعم أمنها واستقرارها،» وقد «شدد على التأثير السلبي للهجمات على الاقتصادين الأمريكي والعالمي» ولم يزد رد ترمب على ايران على هذا الحديث التضامني السياسي العام.
وزارة الدفاع السعودية عقدت مؤتمرًا صحفيًا يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2019، عرضت فيه حطام طائرات مُسيَّرة وصواريخ جوالة إيرانية الصنع، مؤكدة أنها «أدلة على عدوان إيراني لا يمكن دحضها»، على حد ما جاء في المؤتمر. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية إن 25 من الطائرات المسيرة والصواريخ الجوّالة الإيرانية استخدمت في الهجمات التي انطلقت من الشمالي السعودي (إمّا من الأراضي الإيرانية أو العراقية) وليس من اليمن.
عقب هذه التصريحات والتوجهات وسحب القوات والتغاضي الجارح عن صلف ايران اعتقد الكل ان الادارة الامريكية قطعت الصلة باي صدام في الشرق الاوسط وحتى اي اهتمام بالدفاع عن حلفائها او مصالحها واعتقد الكل انه لن يكون هناك شيء يثير غضب امريكا ويجلب ردة فعل لها اكثر من الجرائم السابقة لإيران، وكان الرئيس الأميركي معتادا على الخطاب الحربي، لكنه أظهر حتى الآن أقصى درجات ضبط النفس في كل مرة كان يقترب فيه وقت الهجوم، كما حصل عندما أمر في اللحظة الأخيرة بإلغاء غارات جوية على الجمهورية الإسلامية في حزيران/يونيو 2019 فهل ما حصل فجر يوم الجمعة 3 يناير 2020 تصعيد أم إجراء موقت؟ انفعال وتصرف تكتيكي ام انعطافة وتوجه استراتيجي؟ فبعد أقل من 24 ساعة على اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري، أعلن البنتاغون نشر 3000 إلى 3500 ألف جندي إضافي في المنطقة ومن مقره الفخم في مار-اي-لاغو بفلوريدا حيث يمضي إجازة، كتب صباح الجمعة عبارة غامضة "لم تنتصر إيران أبدا في حرب لكنها لم تخسر أبدا في مفاوضات".

ردة فعل غير متوقعة
في العراق التي تتقاسم النفوذ فيها امريكا وايران خرج الالاف للتظاهر مطالبين بالتغيير ومكافحة الفساد وانهاء المحاصصة الطائفية التي يسيطر بموجبها الاغلبية الشيعية الموالية لإيران على السلطة وعلى راسهم عبدالمهدي رئيس الحكومة الذي يعتقد انه رجل ايران الاول وقد ادت المسيرات الى استقالته وتكليفه بتصريف الاعمال وصب المتظاهرين ومنهم شيعة جام غضبهم على ايران وتدخلاتها فيما اعتبرته ايران وقوى موالية لها مشروعا امريكيا يهدد نفوذها، ووصل غضب الشارع ذروته حيث أضرم متظاهرون عراقيون، مساء الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، النيران بمبنى القنصلية الإيرانية في مدينة النجف، وهو ما استدعى تدخلاً كبيراً من قوات الأمن، ثم تدخل الجيش الذي عزل المدينة عن بقية العراق ولم يرق ذلك للمليشيات التي ترعاها ايران وبإيعاز منها بدأت مناوشات لإحراج امريكا وقلب الطاولة معتمدة على توقع رد فعل امريكي بارد كعادة سياسة ترمب، وفي 27 ديسمبر 2019م قتل متعاقد مدني أميركي وأصيب عدد من العسكريين الأميركيين والعراقيين بجروح في هجوم صاروخي استهدف قاعدة عسكرية عراقية قرب مدينة كركوك شمالي بغداد، وفق ما أعلنه التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية بقيادة الولايات المتحدة، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أميركي مطلع على التحقيق مشترطا عدم كشف اسمه، قوله إن 30 صاروخا على الأقل أصابت القاعدة بما في ذلك مستودع ذخيرة، مما سبّب مزيدا من الانفجارات.
وفي 29 ديسمبر 2019م قالت وزارة الدفاع الأمريكية في بيان إنها استهدفت بضربات جوية 5 مواقع لكتائب "حزب الله"، بينها 3 في العراق و2 في سوريا.
وأضافت أن هذه الضربات تأتي ردا على هجمات صاروخية شنتها الكتائب على قواعد عسكرية عراقية تستضيف جنودا ودبلوماسيين أمريكيين، أحدثها هجوم استهدف قبل أيام قليلة قاعدة "كي وان" في كركوك (شمال)؛ ما أدى إلى مقتل متعاقد مدني أمريكي وإصابة 4 من أفراد الخدمة الأمريكية واثنين من قوات الأمن العراقية.
ولم توضح الوزارة الأمريكية كيف تم تنفيذ الضربات، بينما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول عسكري أمريكي إن الضربات جرى تنفيذها عبر مقاتلات "إف-15"، دون أن يذكر من أين انطلقت.
ويتهم مسؤولون أمريكيون إيران، عبر وكلائها من الفصائل الشيعية العراقية، بشن هجمات صاروخية ضد قواعد عسكرية تستضيف جنودا ودبلوماسيين أمريكيين في العراق، وهو ما تنفيه طهران.
مسؤول عسكري أميركي بارز قال في وقت سابق إن الهجمات التي تشنها جماعات مدعومة من إيران على قواعد تضم قوات أميركية في العراق قد تزايدت وأصبحت أكثر تطورا، مما يدفع كل الأطراف صوب تصعيد خارج عن السيطرة.
وجاء تحذير المسؤول الأميركي بعد يومين من سقوط أربعة صواريخ كاتيوشا على قاعدة قرب مطار بغداد الدولي، مما أسفر عن إصابة خمسة من قوات جهاز مكافحة الإرهاب العراقية، في أحدث هجمات صاروخية على قواعد تضم أفرادا من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.
الى هنا يمكن اعتبار الرد الامريكي حتى اكثر من المتوقع ايرانيا ودوليا حيث ان قصف معسكرات الحشد وقتل العشرات قد يكون ردا كافيا على قصف القواعد الامريكية الذي لم يخلف غير مقتل متعاقد مدني مع الجيش الامريكي واعتقد الكل ان الولايات المتحدة ستبقى المعركة بينها وبين اذرع ايران في العراق في اكثر السيناريوهات تهورا.
3 يناير الجاري في حدود الساعة الثانية فجرا بتوقيت بغداد، بدأت قصة مقتل قاسم سليماني قائد فليق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والرجل المهم في سياسات طهران الخارجية بالمنطقة حيث كان الأمر يبدو اعتياديا، إذ نشرت خلية الإعلام الأمني نبأ مقتضبا على صحفتها الرسمية بموقع (فيسبوك)، تقول فيه إن 3 صواريخ كاتيوشا سقطت قرب مطار بغداد.
وقبلها نشرت العديد من الأخبار التي تحدثت عن سقوط صواريخ كاتيوشا على المنشآت الواقعة قرب المطار، وهذا ربما ما دفع السلطات العراقية للاعتقاد بأن الأمر قد يكون هجوما من تنظيم (داعش).
وكتبت خلية الإعلام الأمني: "سقوط 3 صواريخ كاتيوشا على مطار بغداد الدولي قرب صالة الشحن الجوي أدى إلى احتراق عجلتين وإصابة عدد من المواطنين، وسنوافيكم التفاصيل لاحقا".
لكن الأمر كان أكبر بكثير، فقد أطلقت صواريخ أميركية من طائرة مسيرة (من دون طيار)، والهدف قاسم سليماني، مهندس حروب إيران في المنطقة وقائد ميليشياتها، وبجانبه أبو مهدي المهندس نائب قائد ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الموالية لطهران.
وذكرت مصادر في داخل المطار لـ"سكاي نيوز عربية"، أنه تم إغلاق المنشأة عقب سماع دوي الانفجارات، وتبع ذلك تحليق مكثف لمروحيات في سماء المطار.
وقتل في الغارة إضافة إلى سليماني والمهندس 10 أشخاص، من بينهم مسؤول التشريفات في ميليشيا الحشد محمد رضا الجابري، وفق ما أورد مراسل القناة.
وقالت مصادر عراقية في البداية إن القصف طال قيادات رفيعة من ميليشيات كتائب حزب الله في العراق والحرس الثوري الإيراني، دون أن تعرف هويتهم، ليعرف لاحقا أن سليماني من بينهم.
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" لاحقا عن مسؤول أميركي، قوله إن عملية اغتيال سليماني (62 عاما) تمت عبر طائرة مسيرة أطلقت صواريخ استهدفت موكبه في مطار بغداد.
وقال مسؤول أمني عراقي كبير إن القصف الجوي تم بالقرب من صالة الشحن في المطار، بعد أن غادر سليماني طائرته التي هبطت للتو في مطار بغداد.
وذكرت مصادر عراقية لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الموكب كان مؤلفا من سيارتين ضربتا بالصواريخ فور خروجهما من المطار.
وانضم سليماني بعد خروجه من الطائرة إلى موكب ضم قياديين في ميليشيات الحشد الشعبي، من بينهم أبو مهدي المهندس.
وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" إن سليماني كان قادما من بيروت، لكن مسؤولا أمنيا عراقيا قال إن الطائرة ربما جاءت من سوريا أو لبنان.
وكشف مسؤولان في المطار أن جثة سليماني كانت ممزقة من جراء النيران التي أحدثتها الصواريخ الأميركية، في حين لم يتم العثور على جثة المهندس.
وقال سياسي عراقي كبير، إنه تم التعرف على جثة سليماني المحترقة من خلال الخاتم الذي كان يرتديه دوما.
الرئيس دونالد ترمب قال إن الولايات المتحدة قتلت القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني "لمنع قيام الحرب، وليس لإشعالها".
وأضاف ترمب "عهد الإرهاب" الذي ينتمي إليه سليماني "انتهى" في أعقاب هجوم الجمعة على مطار بغداد.
وقال البنتاغون قبلها إن العملية هدفها "ردع هجمات إيرانية مستقبلية".
وقال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة سترسل قوات قوامها ثلاثة آلاف جندي إلى الشرق الأوسط كإجراء احترازي.
ووصفت الولايات المتحدة سليماني وعناصر فيلق القدس بأنهم إرهابيون مسؤولون عن مقتل مئات الأمريكيين.

ما الذي غير التوجه الأمريكي؟
تفاجا الكثيرون بردة الفعل الامريكية وبقتلها رجلا بهذه الأهمية لإيران، واعتبر الكثير هذه الخطوة من شأنها تصعيد التوتر وحتى إشعال حرب، ومن بينهم مسؤولون ومراقبون امريكيون استغربوا خطوة الرئيس الامريكي، ولم يجدوا لها تفسيرا.
وقال رئيس مجلس العلاقات الخارجية (مركز أبحاث) ريتشارد هاس إنه "من السخرية وأيضا من المأساوي والخطير" أن يكون الرئيس الذي كان يرغب في محو بصمة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط "قد أطلق دينامية ستزجنا فيها أكثر في وقت نواجه تحديات مع الصين وكوريا الشمالية وروسيا". ويرى الدبلوماسي الأميركي السابق نيكولاس بيرنز الذي أصبح أستاذا في جامعة هارفارد أن اغتيال سليماني مشروع إن كان الجنرال الإيراني يخطط فعلا لضرب مصالح أميركية. ويتساءل "لكن هل احتاط ترمب للضربات المقبلة"، متوقعا أن يكون الجواب سلبيا، اذن ما الذي يجري؟.
وذكرت سامنثا باور، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في عهد باراك أوباما، "العلم ليست استراتيجية". وقالت "ترمب محاط بمتزلفين (بعد أن أقال كل الذين كانوا يعارضون رأيه) والأمور قد تتدهور سريعا". ومن الفرضيات المختلفة التي طرحها محللون هي الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من العراق. وقد يستند ترمب في مثل هذا القرار إلى التهديدات المحدقة بالأميركيين وتصريحات بغداد لتبرير قراره مع التهديد بضرب إيران مجددا عن بعد.
ويقول الخبير في جامعة ستانفورد كولن كاهل، وقد كان مستشارا لأوباما، "سيسمح له ذلك بالاقتراب من قاعدته الانتخابية بإبداء حزم وبالانسحاب في آن".
ويبقى السؤال عن الدوافع السياسية المحتملة للرئيس الأميركي عندما أعطى الضوء الأخضر لتصفية الجنرال الإيراني النافذ، هل هناك انعطافة استراتيجية لإدارة ترمب في ضوء التمدد الروسي والصيني المعتمد على ايران لاسيما بعد المناورات في بحر عمان التي ضمت الدول الثلاث وكذلك النجاح الروسي في سوريا ثم الاتجاه الى ليبيا وكذلك دخول مشروع طريق الحرير الصيني حيز التنفيذ في بعض دول المنطقة، فهل كانت الخطوة الامريكية موجهة إلى إيران فقط؟.
تزامنت حادثة مقتل سليماني مع نهاية حدث مهم لإيران ومؤشر مقلق للولايات المتحدة الامريكية، ففي نهاية الشهر الماضي وتحديدا في 27/12/2019 بدأت الصين وإيران وروسيا مناورات بحرية مشتركة في المحيط الهندي وبحر عُمان، وأتت هذه المناورات وسط تصاعد للتوترات في المنطقة بين طهران وواشنطن، وقال وو تشيان المتحدث باسم وزارة الدفاع في إفادة صحفية شهرية إن الصين سترسل المدمرة شينينغ المزودة بصواريخ موجهة إلى المناورات التي تستمر 4 ايام وتهدف إلى تعميق التعاون بين القوات البحرية للدول الثلاث.
وأضاف أن المناورات "تبادل عسكري طبيعي" بين القوات المسلحة للدول الثلاث وتتفق مع القانون والممارسات الدولية "ليست مرتبطة بالضرورة بالوضع في المنطقة"، لكنه لم يخض في تفاصيل.
ويعد بحر عمان بالأخص ممرا مائيا حساسا، إذ إنه متصل بمضيق هرمز الذي يمر من خلاله نحو خُمس تدفقات النفط العالمية، والمتصل بدوره بالخليج، وتزايدت التوترات منذ العام الماضي عندما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب سحب بلاده من اتفاق إيران النووي الذي أبرمته عام 2015 مع ست دول وإعادة فرض عقوبات عليها مما أصاب الاقتصاد الإيراني بالشلل.
واقترحت الولايات المتحدة تشكيل مجموعة بحرية بقيادتها بعد هجمات عدة في مايو/أيار ويونيو/حزيران على سفن تجارية دولية، بينها ناقلات سعودية، في مياه الخليج ألقت واشنطن بالمسؤولية فيها على طهران التي نفت الاتهام.
ولم يكن برنامج إيران النووي المثير للخلاف السبب الوحيد لتصاعد التوتر بالمنطقة، إذ تفاقم التوتر أيضا إثر هجوم استهدف منشأتي نفط سعوديتين في سبتمبر/أيلول الماضي، واتهمت واشنطن والرياض طهران بالمسؤولية عنه.
وترتبط الصين بعلاقات دبلوماسية وتجارية وفي مجال الطاقة مع إيران، وهي في هذا الجزء من العالم اعتادت أن تمارس نفوذا أقل بكثير مقارنة بالولايات المتحدة أو روسيا أو فرنسا أو بريطانيا ولكن يبدو انها تريد دورا اكبر، تعد هذه المناورات تدشينا له مرتكزا على علاقة قوية مع ايران الى جانب روسيا التي ترتبط بإيران كذلك في حلف استراتيجي.
تقرير لقناة ممولة إيرانيا قال بهذا الشأن: "تواصل سفن القوات البحرية الإيرانية والروسية والصينية مناوراتها، وهي تدريبات عسكرية تعد الاولى من نوعها في المحيط الهندي وبحر عمان، ووصفها الكثيرون بالمهمة جدا من حيث الزمان والمكان. القادة العسكريون في ايران اكدوا ان هدف المناورة يصب في تعزيز امن واستقرار منطقة تحتوي على عديد من الممرات المائية وتعتبر من أهم طرق تدفق مصادر الطاقة في العالم.
يقول الأدميرال حبيب الله سياري مساعد الشؤون التنسيقية للجيش الإيراني: ايران وصلت الى مكانة عالية في القدرات العسكرية البحرية ولاسيما شمال المحيط الهندي وتمكنت من استضافة قوتين كبيرتين هما الصين وروسيا، من اهداف المناورة تبادل الخبرات في جميع المجالات وتوفير الامن الاقليمي ولاسيما ان البعض يحاول اخلال الامن في المنطقة".
وأضاف التقرير: "تحرك ايران قطاعتها البحرية قرب منطقة وجود البحرية الامريكية وعبرها توجه لواشنطن رسالة سياسية وعسكرية بانها قوة لا يمكن عزلها ولا حتى تجاهلها عندما يتعلق الامن بأمن الخليج فأمن المنطقة من أمن إيران بالدرجة الاولى وأي تحالف دون إيران لن يكتب له النجاح. ويقول حسن أحمديان محلل سياسي: ايران تقول للولايات المتحدة انها لا يمكن عزلها رغم محاولات الولايات المتحدة فمن خلال هذا التكتل تبرز ايران قوتها في التعاطي مع الاطراف الدولية التي تعتبرها الولايات المتحدة اعداء لها".
وتابع تقرير القناة: "تثبت طهران وموسكو وبيكين بهذه المناورات أن تعاونها العسكري قطع اشواطا متقدمة، تعاون يفرض نفسه وقد يلعب دوراً مهماً ومحورياً في أمن المنطقة و"بمناورات حزام الامن البحري تؤكد أيران أنها قادرة حتى في أشد الظروف والضغوط على تعزيز تحالفاتها العسكرية والامنية من جهة وإظهار قوة ردعها البحري من جهة أخرى". (انتهى تقرير القناة). وهنا يجدر السؤال: هل قتلت مناورات بحر العرب سليماني؟!.
بنظرة عميقة يمكن استنباط أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تراجعت عن (استراتيجية الانسحاب من الشرق الأوسط) وان ما تحدث عنه (التاجر ترمب) عن ان "النفط لم يعد مهما بعد ان أصبحت بلاده اكبر منتج له عالميا" وان بلاده لا تريد الاستمرار في "الحروب العبثية التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط" هو حديث قد انتهى عندما أفاقت المؤسسات الأمريكية التي تصنع الاستراتيجيات الطويلة بعد سماع هدير أصوات البوارج الصينية والروسية والإيرانية قبل أيام في بحر عمان!.
نجاح الجهد الروسي في سوريا بمساعدة ايران واتجاه روسيا الى ليبيا ودخول الصين مرحلة التنفيذ لمشروع طريق الحرير وجعل ايران رأس حربة في المنطقة عكس الفكر الإمبريالي الأمريكي مرة أخرى. امريكا، التي تسامحت في إسقاط طائرة أمريكية بنيران إيرانية وتفجير ناقلات نفط وخطف أخرى بريطانية في الخليج ثم ضرب أرامكو الشركة الأمريكية التي أصبحت سعودية، لم يكن لها ان تتحرك ضد ضرب الحشد الشعبي لقاعدة أمريكية في العراق، لاسيما وقد ضربت معسكرات للحشد وقتلت العشرات، وكان يمكن لها أن تكتفي بذلك القدر اذا كان الأمر ايرانيا امريكا صرفا!.
فهل قتل قاسم سليماني هو تدشين لجر ايران الى صراع اكبر تعيد فيه الولايات المتحدة قواتها الى الشرق الاوسط وتعيد حلفا مع قواه المعادية لإيران بعد خيبات املهم في التوجه الامريكي للانسحاب منه، وهل المنطقة مقبلة على صراع اكبر، وإيران (رأس الحربة) الروسية الصينية ستكون اول من يتم قصقصة اجنحتها ووكلائها ضمن استراتيجية اكبر مهمتها قصقصة أظافر الدب الروسي والتنين الصيني اللذين كانت مواقفهما من قتل سليماني معبرة عن الرفض بقوة؟!.
هذه الأسئلة تتناسل لاسيما بعد بوادر ابتعاد إيران عن رد فعل قوي ضد الولايات المتحدة واتجاهها الى رد يمثل مشروعا سياسيا وليس الثأر لرجل.
وقد ظهرت مؤشرات بأن الرد الايراني سيكون على نحو من الآتي:
أولاً: (غير مهم) صنع حادث له مدلول إعلامي كبير مثل ضرب منشأة أمريكية أو غيرها لا يجلب غضبا أمريكيا ويرضي الانصار ويحفظ ماء الوجه.
ثانيا: (مهم) النظر الى الأمر سياسيا (بنتائجه) على نموذج (اغتيال رفيق الحريري) الذي استغل لإخراج سوريا من لبنان، أي استغلال الغضب في العراق والعمل على تقوية الجبهة الشيعية سياسيا والتي تعاني بفعل المسيرات، وحثها على الإقدام على عمل (دستوري) يؤدي الى طرد القوات الأمريكية من العراق عبر البرلمان والهيئات الرسمية يكون بعدها العراق بيد ايران كليا دون نفوذ أمريكي وعدم معاملة (رد قاسم سليماني) على انه ثأر (قبلي) رجل لرجل، بل ثأر مشروع لمشروع، فسليماني كان يمثل مشروع التمدد والسيطرة، وأمريكا بقتله تريد قتل هذا المشروع، وإيران سترد بقتل مشروع امريكا وإنجاح مشروع سليماني في السيطرة، وبهذا سيكون المشروع اكثر من ايراني، حيث يمكن لروسيا والصين ان تكونا اكثر المستفيدين من إبعاد امريكا عن اهم موقع لها في المنطقة (العراق).
لكن السؤال هل ستنجح امريكا في الحرب السياسية للسيطرة على العراق عبر المكونات غير الشيعية، وهل ستستفيد كردستان من الوضع في مشروعها الاستقلالي، وما هو موقع العرب والتحالف العربي والجنوب تحديدا من كل ذلك؟.