تحجيم التيار الموالي لمحور قطر – تركيا داخل مؤسسات الشرعية..

تقرير: "الخروقات الإخوانية في الجنوب".. هل تقوض اتفاق الرياض؟

نزع الصفة الرسمية عن الكثير من الشخصيات السياسية والإعلامية التي تتبنى أجندة معادية للتحالف

عدن

بعدما تعرَّض لسلسلة طويلة من الاعتداءات والخروقات الإخوانية على مدار الأسابيع الماضية، دخل اتفاق الرياض - الموقع بين حكومة الشرعية والمجلس الانتقالي - مرحلة جديدة، بالإعلان عن خطوة تنفيذية لبنود الاتفاق، تستهدف القضاء على العوار الذي أحدثته المليشيات الإخوانية خلال الفترة الماضية.

ونص الاتفاق على تعيين محافظ ومدير أمن للعاصمة عدن بالتزامن مع عملية الانسحاب، في موعد أقصاه 18 يناير الجاري، وأشار إلى تولي المملكة العربية السعودية مسؤولية جمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في معسكرات خاصة متفق عليها، تمهيدًا لنقل القوات العسكرية والأسلحة المتوسطة والثقيلة إلى الجبهات.

ويعهد الاتفاق إلى قوات الإسناد والدعم والأحزمة الأمنية بمسؤولية حفظ أمن واستقرار المحافظات المحررة، وفقًا لما نصت عليه بنود اتفاق الرياض.

وعكس الإعلان المفاجئ عن توقيع الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي التوصل لتفاهمات جديدة حول البرنامج الزمني لتنفيذ اتفاق الرياض نجاحًا لجهود التحالف العربي بقيادة السعودية في كسر الجمود الذي لفّ الاتفاق منذ التوقيع عليه، وتعبيرًا عن إصرار المملكة التي ترعى الاتفاق على المضي قدمًا في تنفيذه وفقًا للبرنامج المزمّن.

وقالت مصادر سياسية يمنية مطلعة لصحيفة "العرب اللندنية" إن قيادة التحالف العربي أبلغت الأطراف الموقعة على اتفاق الرياض أن التحالف بصدد التعامل بحزم مع أيّ محاولة للعرقلة أو التسويف في تنفيذ بنود الاتفاق، وهي الجهود التي أفضت إلى التوقيع على مصفوفة تنفيذية لبنود الاتفاق وآلية مزمّنة سيشرف التحالف على متابعة تنفيذها من خلال لجان ميدانية.

وأشارت المصادر إلى أن جهود التحالف للدفع قدمًا باتجاه تنفيذ الاتفاق واجهتها خلال الفترة الماضية تحديات عديدة، من أبرزها تحركات قيادات في الشرعية محسوبة على قطر للعمل على تقويض الاتفاق والتأزيم السياسي والإعلامي والسعي لتفجير الأوضاع عسكريا في محافظتي شبوة وأبين.

ولفتت المصادر إلى أن التفاهمات الجديدة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي ستضيّق من هامش العبث لدى التيار المناهض لاتفاق الرياض، والذي لوّح في الأيام القليلة الماضية بتشكيل تكتل سياسي جديد معادٍ للتحالف العربي، وتجاوز ذلك إلى المجاهرة علنًا بالسعي لطلب تدخل قوى إقليمية جديدة في المشهد اليمني وشرعنة وجودها، مثل تركيا.

وكان وزير النقل اليمني صالح الجبواني الموالي لقطر أعلن عن توقيع مذكرات تفاهم معها الأسبوع الماضي لتشكيل لجان فنية تعد لاتفاقياتٍ مع تركيا لتطوير الموانئ والمطارات وشبكات الطرق اليمنية.

ورجّحت المصادر أن يترافق كل تقدم يتم إحرازه في تنفيذ اتفاق الرياض خلال الفترة القادمة مع تصعيد جديد من قبل القوى المرتبطة بقطر وتركيا، والتي تتجه بحسب المصادر إلى الإعلان عن تحالف سياسي يمني جديد في مسقط يضم قيادات حوثية وإخوانية وجنوبية مناهضة للتحالف العربي.

وكشفت مصادر حكومية يمنية عن قرارات سيتم اتخاذها خلال الفترة المقبلة لمواجهة حالة الازدواج والفوضى السياسية التي تتسبب بها قيادات في الحكومة تعمل من داخل الشرعية لصالح مشروع قطر – تركيا الساعي لتقويض التحالف العربي وخلق مسارات جديدة للمشهد اليمني تصب في صالح تحالفات داخلية مشبوهة تضم الحوثي وتيارات نافذة في جماعة الإخوان.

وبحسب المصادر، ستخلو الحكومة القادمة، التي سيتم تشكيلها وفقًا لبنود اتفاق الرياض من 24 وزيرًا مناصفة بين الشمال والجنوب، من وجوه التأزيم مثل وزير الداخلية أحمد الميسري ووزير النقل صالح الجبواني.

وتشير المعلومات إلى توافق قيادة الشرعية والتحالف على تحجيم التيار الموالي لمحور قطر – تركيا داخل مؤسسات الشرعية من خلال نزع الصفة الرسمية عن الكثير من الشخصيات السياسية والإعلامية التي تتبنى أجندة معادية للتحالف، وتعمل على إرباك عمل الشرعية.

ومن المتوقع أن تصدر خلال الأيام القليلة القادمة سلسلة من القرارات الرئاسية التي تصبّ في اتجاه تنفيذ بنود اتفاق الرياض بحسب الآلية المزمّنة التي تم التوافق عليها بين الشرعية والانتقالي والتي تتضمن تعيين محافظين ومدراء أمن للمحافظات الجنوبية كعدن وأبين وشبوة في المرحلة الأولى.

وكشف السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، الخميس، عن اتفاق فريقي الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي على تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق الرياض، وفقا لمصفوفة بدأ تنفيذها من يوم السبت و"تشمل الخطوات العسكرية والأمنية وتعيين محافظ ومدير لأمن عدن والوقت المحدد لتنفيذها بموجب اتفاق الرياض تحت إشراف قوات التحالف بقيادة السعودية”.

وقال آل جابر في سلسلة تغريدات على تويتر إن المرحلة الثانية من الاتفاق تتضمن “عودة جميع القوات التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية شهر أغسطس 2019 إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها وتحلّ محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية خلال 15 يوما في كل محافظة من تاريخ التوقيع”.

وتتضمّن "تجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية والأمنية في عدن خلال خمسة عشر يوما من تاريخ توقيع الاتفاق إلى معسكرات داخل عدن تحددها وتشرف عليها قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن".

وعلّق رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك على توقيع مصفوفة الإجراءات التنفيذية، بأنها “خطوة كبيرة في اتجاه التطبيق الكامل لاتفاق الرياض".

وأضاف: "الشكر للجان المشتركة التي بذلت جهودا مخلصة بدعم كبير من الرئيس وقيادة المملكة. صدق الإرادة يذلل كل الصعوبات ويسقط رهانات اليأس والفشل. ندعو الجميع لمباركة هذه الخطوة ودعمها".

ووصف مستشار الرئيس اليمني والمشرف على الفريق الحكومي لتنفيذ اتفاق الرياض، أحمد عبيد بن دغر، التوقيع على “مصفوفة الانسحابات المتبادلة وعودة القوات إلى مواقع متفق عليها”، بأنها “خطوة أخرى نحو الاستقرار”، مضيفا “وضعنا اليوم اتفاق الرياض بين الشرعية والمجلس الانتقالي في مرحلة متقدمة على طريق التطبيق الشامل للاتفاق في شقه العسكري بإذن الله”.

وفي تصريح صحافي حول التوقيع على المصفوفة التنفيذية لاتفاق الرياض، أكد الناطق الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي نزار هيثم على التزام المجلس "بتنفيذ كافة بنود اتفاق الرياض وفقًا لترتيباتها وتسلسلها الزمني”، مشيرا إلى أن “أيّ تلاعب في تفسير بنود الاتفاق لن يؤدي سوى للمزيد من التوترات، وهو ما يصب في مصلحة الميليشيات الحوثية ومشروع التوسع الإيراني، ومن على شاكلتهم".

وقال هيثم إنه “تمّ التوافق على تنفيذ خطة الانسحابات المتبادلة من محافظات أبين وشبوه إلى مواقع متفق عليها، وفي مقدمتها عودة القوات القادمة من مأرب والجوف أثناء أحداث أغسطس 2019 إلى مواقعها في تلك المحافظات، وذلك برعاية وإشراف المملكة العربية السعودية”.

وكشف عن قيام قيادة التحالف العربي بالتوجيه لإعادة قوات سعيد معيلي (إخواني) المتواجدة حاليا في أبين إلى مأرب قبل البدء بتنفيذ أيّ إجراء من إجراءات عملية الانسحاب المتبادل ومنع أيّ محاولة لتفجير الموقف أو القيام بأيّ عمل عسكري يحول دون تنفيذ اتفاق الرياض".

وأشار إلى أنه تم تشكيل لجان مشتركة للإشراف على تنفيذ المصفوفة بما يحول دون أيّ تلاعب أو إبقاء أيّ قوات غير مسموح لها بالبقاء في نطاق هذه المحافظات. كما تم الاتفاق على أن يتم تعيين محافظ ومدير أمن عدن بالتوازي مع عملية الانسحاب، وبالتوافق بين المجلس الانتقالي الجنوبي والرئيس عبدربه منصور هادي على أن يتم ذلك في موعد أقصاه الـ18 من يناير وليس بعده.

وحول طبيعة القوات التي ستتولى حفظ الأمن في المحافظات التي يشملها اتفاق الرياض، أضاف هيثم “ستتولى قوات الإسناد والدعم والأحزمة الأمنية والقوات الأمنية الأخرى حفظ أمن واستقرار المحافظات المحررة وفقًا لما نصت عليه بنود اتفاق الرياض”.

ولفت ناطق الانتقالي إلى مبادرة المجلس بتسليم الأسرى المتحفّظ عليهم نتيجة لأحداث أغسطس إلى قيادة التحالف في عدن، على أن يقوم الطرف الآخر بتسليم الأسرى الجنوبيين لديه إلى قيادة التحالف تمهيداً لإطلاق سراحهم.

وكان المجلس الانتقالي قد أطلق سراح الأسرى المتحفظ عليهم خلال أحداث أغسطس إلى قيادة التحالف العربي في عدن، تمهيدًا لإطلاق سراح الأسرى الجنوبيين.

 

مرحلة جديدة

المرحلة الجديدة التي دخلها اتفاق الرياض، أثارت كثيرًا من الاهتمام بما يمكن أن تسفر عنه الأوضاع في المرحلة القليلة المقبلة، ومدى التزام نظام الشرعية المخترقة إخوانيًّا بتنفيذ بنود الاتفاق، بعدما أثبتت الأيام الماضية عمل هذا الفصيل على إفشال مسار الاتفاق بأي ثمن.

المحلل السياسي حسين لقور أكَّد أنّ اتفاق الرياض الذي جرى توقيعه بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الشرعية وُقِّع عليه لكي ينفذ.

وكتب لقور عبر "تويتر": "انشغال التحالف العربي بملفات عدة في المنطقة من العراق إلى لبنان إلى سوريا وليبيا لم يصرف الانتباه أبدًا عن اليمن والجنوب؛ لأن هذا الملف حاضرًا بقوة".

وأضاف: "اتفاق الرياض وقّع عليه لكي ينفذ بل يمكن تطويره أو حتى إضافة بنود أخرى تجعله أكثر واقعية ومتناسبا مع تطورات الوضع الحالي في المنطقة".

الإعلامي السعودي سلمان الشريدة أكَّد أنّ تنفيذ اتفاق الرياض في مرحلته الثانية يصنع السلام ويخفف من حدة الاحتقان ويسهم في نجاح الخطوات القادمة.

وقال الشريدة عبر "تويتر": "تنفيذ اتفاق الرياض في مرحلته الثانية دليل على احترام وثقة طرفيه في السعودية التي تعتبر طرفًا رئيسًا في أي حلول في اليمن".

وأضاف: "حيث عملت السعودية ودول التحالف بجدية وعزم لتحقيق الأمن والاستقرار، وهذا التنفيذ يصنع السلام ويخفف حدة الاحتقان بين الأطراف اليمنية مما يسهم في نجاح الخطوات القادمة".

بدوره، دعا المحلل السياسي السعودي خالد الزعتر، حكومة الشرعية، إلى ضبط مواقفها بعد إعلان ترتيبات عسكرية لتنفيذ اتفاق الرياض، بضمانة سعودية.

وقال عبر "تويتر": "لا شك أن التوقيع ودخول مرحلة الشق العسكري من اتفاق الرياض حيز التنفيذ مرحلة مهمة في الملف اليمني".

وأضاف: "تتطلب من الحكومة اليمنية أن تضبط تحركات وتصريحات أتباعها للحفاظ على هذا المنجز، التي حاولت أطراف محسوبة على الحكومة أن تجهضه وأن تضع العراقيل أمام هذا الاتفاق".

 

سحب مليشيا الشرعية سيُنجح الاتفاق

وفيما يُنظر إلى هذه الخطوة بكثيرٍ من الإيجابية والتعاطي البناء، إلا أنّه يظل التحدي الأكبر هو حجم التزام نظام الشرعية المخترقة إخوانيًّا بما يتم التوصُّل إليه من تفاهمات وتوافقات، لا سيّما أنّ حزب الإصلاح الإخواني يعمل في المقام الأول على إفشال هذا المسار تحقيقًا لمصالحه المتطرفة.

وبرهنت الأسابيع الماضية على حجم الرعب الإخواني من اتفاق الرياض، وعمل هذا الفصيل الإرهابي على إفشاله عبر سلسلة طويلة من التحركات المسلحة التي استهدفت عرقلة تنفيذ بنود الاتفاق.

يُشير ذلك إلى أنّ نجاح اتفاق الرياض وتحقيق ما يصبو إليه لا سيّما ضبط بوصلة الحرب على المليشيات الحوثية يتوقّف بشكل رئيسي ومباشر على حجم التزام نظام الشرعية به، وتوقّفه عن العبث الكبير ببنود الاتفاق، عبر مليشياتها المحتلة لمناطق جنوبية عدة.

يتفق مع ذلك المحلل العسكري العميد خالد النسي الذي يرى أنَّ مصداقية "الشرعية" تتوقف على سحب مليشياتها من الجنوب، وقال النسي عبر "تويتر": "إذا كانت الشرعية صادقة في التزامها بالاتفاق فعليها سحب عناصرها من أبين وشبوة الذين قدموا من الشمال لأنهم في أرض غير أرضهم ولا ترحب بهم وهم في نهاية الأمر سيرحلون".

ودعا النسي إلى الاصطفاف خلف المجلس الانتقالي الجنوبي ودول التحالف العربي لتنفيذ اتفاق الرياض قائلًا: "جميعنا مطالبون بالوقوف خلف قياداتنا وإلى جانب دول التحالف لتنفيذ اتفاق الرياض وتوحيد جهودنا لمواجهة الحوثي".