لا حضور لقطر في الصومال إلا بصناعة التوتر..

خبراء: الدوحة تسعى لنقل المواجهة مع دول المقاطعة إلى الصومال

دعم قطري متواصل لمتشددي الصومال منذ 2006

مقديشو

ذكر خبراء ان التوسع القطري في الصومال يعتمد في المقام الاول على تغذية التوترات الدينية والقبلية والدعم المالي للمجموعات المتشددة بشكل تسعى من خلاله الى التأثير في اللعبة السياسية في هذا البلد الذي يعاني الحرب والفقر منذ عقود. 
وتعتقد الدوحة أن تقوية علاقاتها مع إرهابيي الصومال ودعمهم بالمال والسلاح، يضمن لها استمرار تأثيرهم في منطقة القرن الأفريقي، وبالتالي وقف الجهود الرامية للاستقرار، فضلا عن استخدام العناصر المسلحة في حماية تجارتها التي تمر عبر خليج عدن والبحر الاحمر من هجمات القراصنة.
كما تقوم سياسة دعم الدوحة لجماعات مصنفة إرهابية، على إزاحة الدول التي تعمل على تزكية الاستقرار، بحيث تظل وحدها منفردة بالهيمنة على دوائر صناعة القرار، وتتمكن من السيطرة على الثروات، وفتح الأبواب على مصراعيها أمام حليفتها تركيا، كنوع من رد الجميل لها على مساندتها في مواجهة عزلتها العربية.
ورفعت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن دراسة إمكانية التنقيب عن البترول في الصومال، الستار عن دور قطر المشبوه ودوافعها من وراء دعم تنظيمات متطرفة بهدف استثمارها في تنفيذ مطامع التحالف الذي يضم أنقرة والدوحة والمتشددين، واستغلال هشاشة النظام السياسي وانفلات الأوضاع الأمنية للحصول على أكبر قدر من المكاسب عبر مساندة الإرهابيين.
وزعم أردوغان مؤخرا، أن بلاده تلقت عرضا من حكومة مقديشو بالتنقيب عن البترول في مياه الصومال الإقليمية. ويمكن من خلال هذا الحديث الوقوف على أبعاد الحضور القطري المتصاعد في الصومال، ومحاولة السيطرة على مفاصل القرارات السياسية والاقتصادية، من خلال زرع موالين لها داخل دوائر صنع القرار، والاستعانة بتنظيمات متطرفة لمساعدتها في ضرب المصالح الاقتصادية لبعض الدول العربية في هذه المنطقة.

ترفض الدوحة أن يشكل أي حضور عربي آخر دورا في فرض الأمن والاستقرار في الصومال، لأن ذلك يقف حائلا أمام محاولتها احتكار السيطرة على المناطق الاقتصادية، مثل الموانئ البحرية ومواقع الثروات المعدنية والنفطية، باعتبار أن استمرار الانفلات ووقوع حوادث إرهابية في ولايات ترفض الوجود القطري يغذي وجودها كدولة تدّعي مساندة الحكومة وانتشالها من أزماتها الأمنية والاقتصادية.
وقالت أميرة محمد عبدالحليم الخبيرة في الشؤون الأفريقية، في تصريحات لصحيفة العرب الصادرة في لندن ان قطر حرصت منذ عام 2006 على التواصل مع المتشددين وتعزيز حضورها داخل الصومال، والتأثير على التوجهات السياسية للدولة، وقدمت الدعم لاتحاد المحاكم الإسلامية وحكومة الشيخ شريف أحمد، ولعبت دورا مؤثرا فى اختيار رؤساء الصومال.
وأضافت ان الدوحة دعمت المرشح الرئاسي لحركة الإصلاح الصومالية التي تعد أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين فى القرن الأفريقي، حسن شيخ محمود فى انتخابات عام 2012، ونقلت أموالا لدعم الحملة الانتخابية له عن طريق مراسل ورئيس مكتب الجزيرة في مقديشيو فهد ياسين، ودعمت انتخاب الرئيس عبدالله فرماجو في فبراير 2017  لتظل متوغلة فى الشؤون الداخلية للصومال.
وكشفت وثائق لموقع "ويكيليكس" أن السفيرة الأميركية السابقة فى الأمم المتحدة سوزان رايس، طلبت عام 2009 من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركات إرهابية في الصومال. وتكرر الاتهام خلال اجتماع لرئيس الحكومة الانتقالية (آنذاك) شريف شيخ أحمد مع دبلوماسيين أميركيين عام 2012 بأن حكومة قطر تقدم الدعم المالي لحركة الشباب.
ورصدت واشنطن في سبتمبر الماضي جائزة مالية قدرها 5 ملايين دولار، لمن يدلى بمعلومات تؤدي للقبض على جهاد مصطفى، وهو مواطن أميركي من أصول كردية، أصبح أحد العناصر الخطرة في حركة الشباب الصومالية وتمت استضافته عبر قناة الجزيرة في أكثر من مناسبة والترويج لأفكاره المتطرفة.
وكشف تسجيل صوتي لمحادثة مسربة بين خليفة كايد المهندي رجل الأمن المقرب من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، ويتنكر في صورة رجل أعمال قطري، وحسن بن حمزة بن هاشم سفير الدوحة لدى الصومال، الكثير من الخفايا.

وجاء ذلك بعد أسبوع من تفجير وقع في مدينة بوصاصو في شهر مايو الماضي، وحمل اعترافا أكد صلات قطر بمنفذي العملية، وتوفيرها الأسلحة والتدريب العسكري لإرهابيين في الصومال تحركوا بأوامر من الدوحة.
اعتاد المتطرفون اختيار مواقع حيوية في الصومال لتنفيذ أعمالهم الإرهابية، وكثيرا ما تركز على استهداف ولايات يرأسها أشخاص من المعاديين لسياسات قطر، كي يكون ذلك من مبررات إبعادهم عن مناصبهم وتكليف آخرين أكثر ولاء للدوحة.
وقعت بعض التفجيرات بالقرب من مدن تمثل فرصا واعدة لاستثمارات لدول منافسة، وحاولت قطر إقناع الحكومة بتحويل عقود الاستثمار إليها، بذريعة أن حضور دولة عربية أخرى بات مرفوضا.
وسعت دولة الإمارات العربية إلى إعادة بناء قوات الأمن الصومالية، وتزويدها بمعدات وتدريبها على أحدث طرق التصدي للإرهاب وتحجيم نفوذ التيارات المتشددة، وتكفلت ببناء مراكز شرطة ومدارس ومراكز طبية لتحسين الأوضاع المعيشية. لكن الدعم القطري للمتشددين الإسلاميين حال دون إحراز تقدم ملحوظ في هذا الشأن.
تبرأت الدوحة من دعم تنظيمات إرهابية في الصومال، لكن ما ينفي ذلك أنها دعمت الحزب الإسلامي حتى اتخذ قرار بحله عام 2011، وتحول بعدها إلى حركة الشباب الصومالية، أقوى التنظيمات الإرهابية في البلاد.
 وبعدما امتلكت الحركة جمعيات ومؤسسات دعوية، استمرت الدوحة في دعمها تحت غطاء إنساني من خلال جمعية قطر الخيرية، وجمعية الهلال الأحمر القطري.
وبحسب نيرمين توفيق الباحثة المتخصصة في شؤون الصومال، فإن إصرار الدوحة على أن تكون لها علاقة وثيقة بالتنظيمات المتطرفة، يرتبط بأنها تعتبر إطالة أمدها هناك مرهون باستمرار التوترات، بحيث تتمكن من الاستفادة الاقتصادية بالحصول على صفقات، أو تهديد المصالح الخليجية من موقع الصومال الجغرافي المطل على ممرات بحرية حيوية.
وقالت نيرمين توفيق أن أدل مثال على دعم الدوحة للإرهاب في الصومال، أن رجل الأعمال القطري عبدالرحمن النعيمي، هو أحد الممولين الأساسيين للتنظيمات المتطرفة هناك، وتصنفه أميركا على قوائم الإرهاب العالمي، واعتاد النظام القطري استخدام مثل هذه النوعية، حتى لا تظهر حكومة الشيخ تميم في الصورة بشكل علني.
غير أن إذكاء قطر للصراعات القبلية في مناطق حيوية مثل ولاية "غلمذغ"، يظل مرآة تعكس إصرار الدوحة على توسيع نفوذها بتغذية التوترات، حيث عملت على ضرب الاتفاق الذي تم توقيعه بين القبائل مطلع العام الجاري على اختيار حاكم للولاية ونواب البرلمان مستقبلا، وتدخل سفيرها في مقديشو حسن بن حمزة لفرض أسماء بعينها تدين لقطر بالولاء، قبل أن يتصاعد الخلاف القبلي في منطقة تمتلك ثروات كبيرة، حيوانية وسمكية ومعدنية، وتعتبر من أغنى مناطق الصومال بالنفط.

لم يكن لتركيا التفكير في زيادة حضورها داخل الصومال دون تمهيد قطر لهذه الخطوة

ويرى مراقبون، أنه لم يكن لتركيا التفكير في زيادة حضورها داخل الصومال بدون تمهيد قطر لهذه الخطوة، بحكم النفوذ الذي تمتلكه عن طريق الموالين لها من المتطرفين الذين سهلت لهم مهمة الوصول إلى مناصب رفيعة، فضلا عن علاقاتها القوية بالتنظيمات المتشددة التي تهيمن على مناطق كثيرة تحتضن ثروات اقتصادية هائلة.
يقول هؤلاء إن الدوحة تسعى لنقل المواجهة مع دول المقاطعة العربية إلى الصومال، بحيث تستطيع الهيمنة على هذه الدولة التي تمثل عمقا لخصومها السياسيين، وتقضي على فرص إعادة الوضع الطبيعي للولايات الصومالية لأسباب كثيرة.
وقالت نيرمين توفيق إن الحضور القطري يرتبط بوجود فوضى، ولم يكن بوسع الدوحة أن يكون لها موضع قدم في الصومال دون ظهير قوي من المتطرفين لمساعدتها في الضغط على القرار السياسي.
ولدى قطر نفوذ داخل دوائر الحكم في الصومال أيضا، حيث ساعدت متطرفين على الوصول إلى مناصب حيوية، وهؤلاء يخدمون أغراضها ويحققون مطامعها وحلفائها، وترى أن كل تقدم في ملف الاستقرار يسحب البساط من تحت أقدامها لأن طردها من أيّ دولة يرتبط بوجود أمن وسلطة مستقلة وأجهزة أمن قوية، وهو ما لا تريده في الصومال التي تمثل لها بوابة التمدد في القرن الأفريقي.
يظل استمرار فهد ياسين حاج طاهر، مراسل قناة الجزيرة القطرية السابق في مقديشو، في منصبه كرئيس لجهاز المخابرات الصومالي أبرز الشواهد على ثنائية النفوذ القطري لدى الحكومة والمتطرفين، وجاء تكليفه ليكون على رأس أكبر جهاز أمني في البلاد بعد يومين من زيارة وفد رسمي من قطر إلى مقديشو في أغسطس الماضي، ولقاء كبار مسؤولي الدولة.
وسبق أن اتهم الجنرال عبدالله عبدالله نائب رئيس جهاز المخابرات الصومالي السابق ياسين حاج، في سبتمبر الماضي، بأنه كان همزة الوصل بين التنظيمات الإرهابية في الصومال وقطر، وأسهم في توصيل الدعم المالي لها، فضلا عن الدعم الإعلامي باستضافة عناصرها على فضائية الجزيرة وتسويق أفكارهم.
وما دام أصبح للدوحة ظهير سياسي وأمني في الصومال سوف تواصل توظيف التنظيمات الإرهابية، وبإمكانها إزاحة القيادات المناهضة لأدوارها المشبوهة، بحيث تُفتح أمامها الأبواب المغلقة، والنفاذ إلى ما هو أبعد من السيطرة على ثروات البلاد.
وأكدت نيرمين فاروق، أن مواجهة النفوذ القطري يتطلب تحركا عربيا موحدا لمؤازرة الصومال، ومنع صعود تيارات متشددة إلى مؤسسات الحكم، وملء الفراغ الذي تستغله الدوحة باللعب على وتر حماية الأمن والاستقرار لمناكفة بعض الدول العربية.