قآني كان عنصرا مهما في نجاحات سليماني..

تقرير عربي: هل ينجح إسماعيل قآني في تعويض قاسم سليماني؟

هل ينجح قآني في إنجاز ما تنتظره منه القيادات

طهران

أثارت الضربة التي شنّتها القوات الأميركية في 2 يناير 2020، والتي استهدفت موكبا لميليشيا مدعومة من طهران في مطار بغداد ما أدى إلى اغتيال قاسم سليماني الذي كان يقود فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، جدلا دوليا واسعا حول مستقبل قدرات الفيلق وعملياته.

كان سليماني من أكثر العساكر الإيرانيين قوة وقدرة، وتمتع بنوع من الكاريزما ما مكنه من التأثير على مسارح القتال في الشرق الأوسط. لكنه لم يكن مؤسس فيلق القدس الذي كان يترأسه، ولم يكن حتى قائده الوحيد الذي حقق نجاحات مهمة في تطبيق السياسة الخارجية الإيرانية على أرض الواقع.

عبر العقود، تطور الفيلق إلى كيان مهم بعد أن كان قوة استكشافية تابعة للحرس الثوري الإيراني، حيث نشرته طهران في لبنان خلال حربه مع إسرائيل سنة 1982 للمساعدة في تنظيم العناصر الشيعية المسلحة التي شكلت جناح حزب الله العسكري. لا ينبغي أن يكون الأمر مفاجئا، حيث كانت سياسة إيران المتمثلة في تحويل الفصائل المسلحة الإقليمية إلى حركات سياسية مسلحة نقطة من استراتيجية وضعت منذ أيام النظام الإسلامي الإيراني الأولى، وقبل أن يصبح سليماني قائدا لفيلق القدس بمدّة طويلة.

وكان سلف سليماني الذي تولى قيادة فيلق القدس، أحمد وحيدي، مسؤولا عن عملية تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس بالأرجنتين سنة 1992، وعن تفجير مركز ثقافي يهودي في نفس المدينة بعد سنتين من العملية الأولى. وتعتبر إيران هذه الهجمات الإرهابية نجاحات كبيرة في صراع أصبح وجوديّا، ويدور بينها وبين إسرائيل إلى اليوم.

بقي سليماني شخصية ثانوية في الحرس الثوري الإيراني حين حوّلت إيران السجناء الشيعة العراقيين، الذين أسروا في الحرب العراقية الإيرانية بين سنتي 1980 و1988، إلى مسلحين تمكنوا من لعب دور رئيسي في الساحة السياسية العراقية بعد سقوط صدام حسين الناتج عن الغزو الأميركي لبلاده في سنة 2003.

استطاع سليماني الاستفادة من هذه النجاحات المبكرة عندما قررت القيادات الكبرى في الحرس الثوري ترقيته في سنة 1997. وتحوّل من قيادة العمليات على طول الحدود المضطربة مع أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان إلى قائد لفيلق القدس. ومن جهة أخرى، خدم إسماعيل قآني في منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة لاستخبارات الحرس الثوري، قبل توليه منصب نائب قائد فيلق القدس في 1997 ليعمل مع سليماني ويتحوّل إلى أكثر رجل يثق به.

يفتقر قآني إلى الكاريزما التي اشتهر بها سليماني. وكانت هذه السمة هي التي ساعدت قائد الفيلق السابق على تطوير قناة مباشرة تواصل بها مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، وتجاوز بفضلها السلسلة القيادية الرسمية التي اعتمد سلفه عليها لنقل المعلومات إليه وتلقي الأوامر منه.

ومع ذلك، كان قآني عنصرا مهما في نجاحات سليماني. وركّزت عملياته الرئيسية على المناطق الواقعة شرق إيران، أين مكّن القوات من تنفيذ خطة البلاد الجريئة المتمثّلة في تجنيد الشيعة الأفغان والباكستانيين وتسفيرهم إلى سوريا للقتال في صفوف الرئيس بشار الأسد.

وبينما يسعى قآني إلى تلبية التوقعات العالية التي تنتظرها القيادة من أي قائد لفيلق القدس، تبقى مهامه المباشرة واضحة. وتعهد بالانتقام لسليماني من خلال طرد القوات الأميركية من الشرق الأوسط، رغم أن هذا الهدف ما زال بعيدا في العراق المجاور. هناك، يحاول فيلق القدس تجميع قوة العديد من وكلاء إيران المتمثلين في الميليشيات الشيعية لاستخدام نفوذها السياسي بطريقة تجبر القيادة العراقية على طلب ترحيل 5200 جندي أميركي من أراضيها.

يدرك المسؤولون الأميركيون أن في طرد قواتهم من العراق خطرا، حيث سيؤدي ذلك إلى إخضاع البلاد لسيطرة إيران مما سيعيق جهودهم المبذولة لمنع عودة ما يسمى بالدولة الإسلامية. لذلك، أصبحوا يهددون بفرض عقوبات كبيرة أخرى إذا أنهت الحكومة العراقية الوجود الأميركي هناك.

وقال المبعوث الأميركي الخاص بإيران، براين هوك، إن قآني سيلقى مصير سلفه إذا سار على النهج نفسه، مشيرا إلى أن موت سليماني “خلق فراغا لن يتمكّن النظام الإيراني من ملئه”.

يدرك النظام حاجة قآني وفيلقه إلى موارد كافية لتحقيق أهداف البلاد الطموحة.

في 2019، نشرت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية تقريرا بعنوان “القوة العسكرية الإيرانية”، أين أكدت على انتماء 5 آلاف فرد إلى فيلق القدس.

ويتوقع المحللون أن تعمل قياداته على تعيين عسكريين إضافيين من فروع الحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات والمؤسسات الإيرانية الأخرى، وذلك لتقييم الفرص الجديدة التي يمكن استغلالها للضغط على القوات الأميركية والدبلوماسيين الأميركيين وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم.

ويشير التّجمع الكبير الذي شهدته جنازة سليماني إلى قدرة فيلق القدس على انتداب مجموعة كبيرة من المتطوعين الجدد لتجنيدهم.

وسيمكّن توسيع الفيلق للقيادات من تحديد عدد أكبر من الأهداف المحتملة وسيسمح لها بالتخطيط لمجموعة أكبر من العمليات التي تهدف إلى حرمان الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها من الوصول إلى المنطقة وتحقيق الأمن فيها.