الإعلام القطري في السودان..

قطر تلجأ لأذرعها الإعلامية للبحث عن موطئ قدم

شبكة الجزيرة تتلون حسب السياسة القطرية

برلين

تستهدف شبكة الجزيرة القطرية والمواقع الإلكترونية التي تدور في فلكها، مجلس السيادة السوداني، وتعمل على تشويه صورة المؤسسة العسكرية، باعتبار أن ذلك أولى خطوات إعادة تنظيم الإخوان إلى سدة الحكم من جديد في الخرطوم، بهدف استعادة قدر من حضورها في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير.

 تسعى المنصات الإعلامية القطرية المختلفة لاستغلال التجاذبات الحاصلة في السودان وتوظيفها على أمل أن تستعيد الدوحة قدراً من حضورها الذي حافظت عليه في الخرطوم خلال فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، ما يفسر تبني شبكة الجزيرة سياسة تبدو منفتحة على جميع الأطراف بمن فيهم عناصر الثورة المضادة الذين أفردت لهم مساحات واسعة لانتقاد السلطة الانتقالية.

وقادت قناة الجزيرة مباشر، أخيرا، حملة استهدفت مجلس السيادة، على خلفية قرارات الإحالة الدورية للمعاش التي أصدرتها قيادة القوّات المسلحة، وذهبت باتجاه توجيه اتهامات للمجلس بأنه يعادي الثورة السودانية عندما شملت القائمة أحد الضباط الذين ألهبوا حماس المتظاهرين أمام مقر القيادة العامة للجيش بعد أن رفض أوامر إطلاق النار عليهم.

ودخلت الجزيرة على خط الغضب الشعبي الرافض للقرار، ولم توقف حملتها بالرغم من تراجع رئيس المجلس السيادي الفريق عبدالفتاح البرهان عن إحالة الملازم أول محمد صديق إلى المعاش، وتبنت الحشد لما أسمته بمليونية “رد الجميل” لشرفاء القوات المسلحة، من دون أن تدعو للتظاهرة أيّ من قوى الثورة التي عارضت القرار.

ويعد الموقف الأخير لقناة الجزيرة جزءاً من استراتيجية تنفذها الأذرع الإعلامية لتنظيم الإخوان المدعوم من السلطتين الحاكمتين في كل من قطر وتركيا، منذ تولي السلطة الانتقالية مقاليد الحكم عقب التوقيع على الوثيقة الدستورية في أغسطس الماضي، وتحاول القناة اللعب على التباين بين المكوّنين المدني والعسكري واستغلاله لصالح الترويج لما يعرف بـ”قوى الثورة المضادة” الممثلة في عناصر الحركة الإسلامية وقيادات النظام السابق.

ويتذكر المشاهدون في السودان ما جرى في أول لقاء أجرته قناة الجزيرة مباشر مع عدد من أعضاء مجلس السيادة، وضم الفريق شمس الدين الكباشي وعائشة موسى ومحمد حسن التعايشي ومحمد الفكي سليمان، غداة صدور مرسوم دستوري بتعيين الحكومة الانتقالية، مطلع سبتمبر الماضي، حيث كان التركيز منصباً على أسباب الإعلان عن 18 وزيراً فقط وليس 19 كما صدر بالوثيقة وحاول مذيع برنامج المسائية، أحمد طه، اللعب على طبيعة العلاقة بين المجلس العسكري والحكومة المدنية، ما قابله أعضاء مجلس السيادة بامتعاض أثناء الحوار.

الجزيرة تحاول اللعب على التباين بين المكوّنين المدني والعسكري والترويج لـ{قوى الثورة المضادة} الإسلامية

وانعكست تحولات السياسة القطرية تجاه السودان على شبكة الجزيرة وكل المواقع الإلكترونية التي تدور في فلكها، وكانت داعمة لنظام البشير، وتبنت سياسة إعلامية مناهضة للتظاهرات التي انطلقت ضده، قبل أن تتراجع قليلاً إلى الوراء لصالح دعم مطالب الثوار مع تبني سياسة لا تدعم السلطة الانتقالية الجديدة التي عبّرت عن تطلعات المواطنين، ووصلت الآن إلى حد التماهي مع جميع المكونات لصالح الدعم الخفي للفلول.

والثابت في معالجات شبكة الجزيرة، أنها تسير باتجاه تشويه صورة المؤسسة العسكرية، والتركيز على القيادات التي تولّت مناصب متقدمة عقب الإطاحة بالبشير، وهي سياسة تتبناها في دول عدة وتكون مقدمة لاختراقها، باعتبار أن ذلك أولى خطوات إعادة تنظيم الإخوان إلى سدة الحكم من جديد في الخرطوم، وهو أمر اتبعته من قبل في مصر قبل أن تغلق السلطات في القاهرة مكتبها وتحظر عملها.

وتصدى المواطنون الذين شاركوا في مسيرات الزحف الأخضر خلال شهر ديسمبر الماضي لفريق قناة الجزيرة في مدينة “الفولة” عاصمة ولاية غرب كردفان، وهو أمر تكرر من قبل في ساحات الاعتصام قبل الإطاحة بنظام البشير ورددوا هتافات “تسقط تسقط الجزيرة”.

ودفع الغضب الشعبي الذي طال القناة ومحاولة قطر ضرب المجلس العسكري، أجهزة الأمن السودانية نحو إغلاق مكتب شبكة الجزيرة في شهر مايو الماضي، والتحفظ على الأجهزة والمقتنيات الفنية، وسحب تراخيص العمل من مراسلي القناة وموظفيها، قبل أن تعود للعمل من جديد بعد توقيع الوثيقة الدستورية وتدشين السلطة الانتقالية.


وبدأت الجزيرة عودتها في سبتمبر الماضي، بعرقلة مسارات السلطة الانتقالية، وعملت على تشويه دور القوات السودانية المشاركة في التحالف العربي باليمن، قبل أن تختلق خبراً كاذباً حول إرسال السودان جنود إلى ليبيا لدعم القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.

وتحاول الجزيرة استقطاب المواطنين في الشارع بالتوازي مع حالة من التململ الشعبي جراء الصعوبات الاقتصادية التي يعانون منها، مع انخفاض معدلات الجنيه في مقابل الدولار بشكل كبير، وبالتالي فإن آراءهم تعبّر عمّا يمرّون به من أزمات، بما يصب في صالح تحميل السلطة مسؤولية جميع الإخفاقات، وتجاهل أنها نتاج فساد سابق استمر ثلاثين عاماً في الحكم.

وقال الإعلامي السوداني محمد شمس الدين إن المنصات الإعلامية التابعة لقطر مازالت تخدم فرع تنظيم الإخوان في الخرطوم، متمثلة في الأحزاب الإسلامية التي تحاول استعادة نفوذها عبر معارضة السلطة الانتقالية، وظهر ذلك في التركيز على قيادات حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه الراحل حسن الترابي، وكذلك قيادات حزب الإصلاح الآن، وفي مقدمتهم غازي صلاح الدين، وقيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، خاصة ممن يقيمون في الدوحة.

وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن شبكة الجزيرة تفرد مساحات واسعة لقيادات تلك الأحزاب في محاولة لإعادة تدويرها في الحياة السياسية، وتستغل شعارها الزائف حول الرأي والرأي الآخر لدمج العناصر الإسلامية المنبوذة في المجتمع من جديد، مستفيدة من حالة الحرية التي تتمتع بها البلاد بعد الإطاحة بنظام البشير.

ووجدت الجزيرة في لقاء رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي بأوغندا في الـ3 من فبراير الجاري، فرصة ثمينة لإفساح المجال أمام قيادات الحركة الإسلامية الذين عارضوا الخطوة، ودعمت الدعوة للخروج في تظاهرات، غير أن توافق أطراف السلطة الانتقالية بشأن اللقاء أحبط رهانها.

ويشير متابعون، إلى طبيعة الأسئلة التي توجه للشخصيات -الضيوف، وتركز على عقد مقارنات بين نظام البشير البائد والحكومة الحالية، ما يكشف خبايا توجهاتها لأنها تحمل تشجيعا مبطناً على العودة إلى السابق، وهو أمر تنبه إليه الكثير من المواطنين الذين عزفوا عن مشاهدة الجزيرة، بعد أن كانت في مقدمة الوسائل الإعلامية ذات المتابعة العالية في السودان.

وأكد الصحافي السوداني سليمان سرّي أن إعلام قطر يبني سياسته الإعلامية تجاه السودان بناء على رؤى أعضاء وقيادات أجهزة الأمن السابقين المتورطين في أحداث عنف بمناطق متفرقة، ما ينعكس على طبيعة الشخصيات التي تكون حاضرة وتنتمي غالبا للمؤسستين العسكرية والشرطية ومن الذين عملوا في كنف نظام البشير.


وأوضح سرّي لـ”العرب”، أن الجزيرة مثلا تولي اهتماما كبيراً بشخصيات من نوعية اللواء أنس عمر، والي شرق دارفور الأسبق، واللواء عبدالهادي عبدالباسط، أحد ضباط إدارة الأمن الاقتصادي التابعة لجهاز الأمن والمخابرات السودانية، بجانب قيادات صدرت بحقهم أحكام قضائية مثل الداعية والسياسي عبدالحي يوسف، ولا يحق لهم الظهور بوسائل الإعلام.

ولفت سرّي، الذي يشغل منصب المتحدث باسم التحالف العربي لدعم السودان، إلى أن تغطيات الجزيرة تركّز على تلك الوجوه لفتور علاقتها بالمجلس الانتقالي الذي يحاول أن يسيّر المرحلة الانتقالية بهدوء، وتخدم الأجندة القطرية التي تستهدف وضع مزيد من العراقيل كإجراء ضاغط على عملية توطيد العلاقات مع الخرطوم أو فتح الباب لعودة الفلول.

ويقول صحافيون في الخرطوم، لـ”العرب”، إن القدر الضئيل من مهنية وسائل الإعلام القطرية أصبح غائبا تماما في معالجة أزمات السودان، كما هو غائب في غيره، وإن تظاهرت بغير ذلك، فهي تتجاهل مساوئ النظام البائد، وتحاول أن تقود الرأي العام نحو الغضب باتجاه ممارسات السلطة الانتقالية، وأزاح استعانتها بشخصيات تغذي التطرف والإرهاب التشدق بالموضوعية والحياد، ما جعلها مفضوحة أمام المواطنين الذين أدركوا أبعاد ما تروّج له.

وعمدت قناة الجزيرة للترويج إلى قرار نظام البشير بسحب تراخيص ثلاثة من مراسليها تزامناً مع اندلاع التظاهرات واحتدامها في يناير من العام الماضي، متجاهلة أن نظام البشير لجأ إلى ذلك الإجراء ضمن محاولاته إنقاذ نفسه مرتكناً إلى سياسة المحاور الإقليمية، وانعكست سلباً على علاقاته بقطر في أيامه الأخيرة ولم يكسب دعم الدول المناهضة لها.