يستدرجهم إلى فخ القمار..

إلكترونيا..كيف سيطر حلم الثراء السريع على الشباب؟

الرهانات الإلكترونية أو القمار تنتشر بين الفئات الشباب

تونس

سهلت مواقع الرهانات الإلكترونية على النتائج الرياضية والألعاب في مختلف أنحاء العالم من انزلاق الشباب إلى القمار، إضافة إلى الرغبة في الثراء السريع في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية وتزايد البطالة، مما تسبب في استنزافهم ماديا وتهريب الأموال خارج البلدان التي تعاني أصلا من مشاكل مالية.

 انتشرت ظاهرة الرهانات الإلكترونية بين الشباب في تونس منذ سنوات، وسيطرت الرغبة في تحقيق الثراء السريع على حياتهم مع صعوبة الحصول على عمل يلبي طموحاتهم، فأصبح القمار الإلكتروني مورد رزق للكثير منهم، ولم تفلح المحاولات الحكومية والحملات المستمرة في الحد منه.

يفتح معز شاشة الكمبيوتر أمامه لتظهر العديد من صفحات المواقع الإلكترونية المتخصصة في الرهانات أو ما يعرف بالقمار الإلكتروني، ويؤكد أنه متابع لها منذ سنوات وسبق له أن ربح مبالغ معقولة من خلالها، لكن في ما بعد أصبحت الخسارة نصيبه الدائم.

رهانات مشروعة
 
ويشرح معز أن هناك نوعين من الرهانات الإلكترونية في تونس أحدها شرعي وهو المتعلق بشركة الرهان الرياضي الحكومية “بروموسبور”، والنوع الثاني ممنوع في البلاد لكنه منتشر جدا ويلاقي إقبالا بين الشباب، مشيرا إلى أنه يشترك في كلا النوعين منذ سنوات.

والقمار الإلكتروني هو المشاركة في الرهانات الرياضية أي التكهن بالنتائج في مقابلات كرة القدم الوطنية والدورات العالمية إضافة إلى الكثير من الألعاب الفردية أو الجماعية المنتشرة على المواقع الإلكترونية، ويعتبر موقع المراهنات الشهير “بلانيت وين” ضمن أكثر خمسة مواقع تصفّحا في تونس بسبب إدمان الشباب على الرهانات الإلكترونية.

وتُتيح هذه المواقع المراهنة على جميع الرياضات والألعاب في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك الرياضات الافتراضية، وصُمّمت بإحكام لإغراء المراهنين لوضع أكبر مبلغ ممكن لتعزيز فرصهم في الربح.

ويعترف معز أنّ هذه الرهانات محرمة دينيّا لكنّ ولعه باللعبة أكبر من شعوره بالندم خاصة أنه لا يقوم بإيذاء أحد.

ويأمل المشتركون بها في الحصول على ثروة سريعة بين شاشات الهواتف وأوراق الرهان التي دونوا عليها توقعاتهم بنتائج المباريات. ولا يحتاج الشباب واليافعون في الوقت الحاضر إلى ارتياد صالات القمار كما كان سابقا، إذ يمكنهم المقامرة بسهولة عبر الإنترنت في المنزل، أو في محلات الإنترنت المنتشرة في كل مكان، وهو ما زاد من مخاطر إدمان القمار عند هذه الشريحة.

وينتشر في تونس أكثر من 1500 محل للمراهنات الإلكترونية غير المرخصة، إذ يكفي محل صغير يحوي عدة أجهزة كمبيوتر لجذب المراهنين والدخول إلى مواقع المراهنة الرياضية التي تمنح المشتركين رمزا من 4 أرقام لاختياراتهم، ثم يقوم اللاعبون إثرها بدفع مبلغ يختلف حسب قيمة الرهان إلى صاحب المحل الذي يسلمهم وثيقة لإثبات أحقيتهم في المبلغ عند الفوز.

ويعلل غالبية هؤلاء الشباب سبب لجوئهم إلى الرهانات الإلكترونية بانعدام الأمل في إصلاح أوضاعهم الاقتصادية في ظل الأوضاع الراهنة، وتُشير بيانات رسميّة إلى أنّ معدلات البطالة في تونس تجاوزت 15.5 في المئة، مع تراجع قدرة سوق العمل عن استيعاب قسم كبير من الخريجين الجدد من الجامعات التونسية.

ويحذر المختصون الاجتماعيون أن محاكاة “ألعاب الحظ” عند الشباب تزيد عندهم من خطر الإدمان عليها، حتى وإن كان هدفها في البداية ليس القمار والبحث عن الربح السريع، لأنها ستبدأ غالبا بغرض التسلية فقط وستتحول في ما بعد إلى غرض الكسب المالي السريع.

ويضيفون أن القمار الإلكتروني ينتشر بين الفئات الأكثر ضعفا وقابلية للإغواء في المجتمعات، وخاصة فئتي المراهقين والمدمنين على القمار.


وغير بعيد عن تونس، تتسلل الظاهرة إلى المغرب، حيث ارتفع عدد الشباب المولعين بألعاب الحظ والرهان إلى نحو 5 ملايين شخص، مواظبين على ألعاب الحظ والرهان وسباق الخيول، لكن الدولة قامت بتنظيم القطاع لمنع تسرب الأموال إلى خارج البلاد.

وهيمنت مسابقات رهان الخيول على حصة الأسد من رقم معاملات القطاع، حيث بلغت 70 في المئة، حسب التقرير المالي للشركة المغربية للألعاب الخاصة في السنة المالية 2018.

ويختار المراهنون بين سباق الخيول في ملاعب سباق الخيل الوطني أو الوكالات الخاصة بمتابعة سباق الخيل الدولي، وعددها 341 وكالة موزعة على 21 مدينة، أو التوجه إلى 4000 نقطة بيع موزعة في أغلب المدن المغربية من بينها 1400 نقطة بيع خاصة باليانصيب الوطني.

وهناك ثلاث شركات عمومية تنظم القطاع: شركة الرهان التعاضدي الحضري؛ التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري، والشركة المغربية للألعاب والرياضات؛ وهي شركة تابعة لوزارة الشباب والرياضة، والثالثة هي شركة اليانصيب الوطني؛ الخاضعة لرقابة صندوق الإيداع والتدبير وهي المكلفة بكل ألعاب الحظ الرقمية.

ويتوقع المهنيون العاملون في القطاع مواصلة ارتفاع رقم معاملات هذا النشاط نظرا لمواصلة توسيع شبكة نقط البيع، التي قد تتجاوز 3000 نقطة بيع في السنوات القادمة.

وتشرف الشركة المغربية للألعاب والرياضات، وشركة اليانصيب الوطني، على قطاع الرهان بالمغرب من خلال وضع العديد من الضوابط والالتزامات، خاصة “سياسة اللعب المسؤول” التي تهدف إلى الوقاية من اللعب المفرط.

وتعمل المغربية للألعاب والرياضات على ضمان التحكم في مبالغ الرهان كي لا تتجاوز قيمتها المادية 200 درهم، كحد أقصى عن كل ورقة، إضافة إلى توعية الزبائن، مع مواكبة الفائزين منهم؛ كما أنه يمنع على القاصرين اللعب بشكل قاطع.

ويتم تخصيص نسبة كبيرة من إيرادات الشركة المغربية للألعاب والرياضات، وشركة اليانصيب الوطني، لدعم الصندوق الوطني لتنمية الرياضة، التابع لوزارة الشباب والرياضة.

ورغم ذلك، يوجد قطاع سري للمراهنات ويلقى رواجا في المغرب ويقوم باستقطاب الطبقة الهشة التي تبحث عن الربح السهل والسريع.

ويحقق هذا القطاع رقم معاملات كبيرا جدا، بفعل الإعلان الكبير والواسع للعب القمار خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب، فالإقبال على هذا القطاع في تزايد مستمر.

وساهم ابتزاز الوكالات وشركات القمار؛ وطمع الطامحين إلى الربح السريع عن طريق الحظ؛ في انتعاش سوق القمار بالمغرب، التي باتت ومن خلال معطيات ميدانية تكتسح جيل الشباب.

ويوشك “القمار الإلكتروني” أن يتحول إلى ظاهرة في العراق أيضا، حيث يقدر أحد المقامرين بمحافظة دهوك في إقليم كردستان العراق، وجود خمسة آلاف شخص يمارس القمار الإلكتروني ما يتسبب في إرسال 100 ألف دولار إلى الخارج، فيما يشير آخر خسر 100 ألف دولار في القمار إلى أنه كان يفكر في بيع كليته لتغطية تكاليف القمار.

ظاهرة نشاز

وأعلن وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان ريبر أحمد، في ديسمبر الماضي، أن ظاهرة القمار أصبحت تنتشر بسرعة في مدن إقليم كردستان.

وقال أحمد في حديث للصحافيين بمحافظة دهوك: إن ظاهرة القمار قد ازدادت مؤخرا، وليس في محافظة دهوك فقط، بل في إقليم كردستان بصورة عامة.

وأضاف أن “هذه الظاهرة نشاز، ويتعين تنظيمها وتحديد ما هو قمار وما هو ليس كذلك، وأي منها يحصل على إجازة من عدمها”.

وأشار إلى أنهم اتخذوا إجراءات قانونية بشأن هذه الظاهرة، التي تعد غريبة على مجتمع كردستان، مؤكدا أن الحكومة تعمل على السيطرة عليها وإنهائها.

ويقول شاب من محافظة دهوك ويبلغ من العمر 30 عاما إنه بدأ ممارسة القمار الإلكتروني منذ 2012، وأنه باع محتويات منزله وقطعة أرض واقترض مبالغ كبيرة وصرفها في القمار، ويوضح “خسرت حتى الآن 100 ألف دولار في القمار”.

ويضيف أن حالته تعتبر بمثابة إنذار خطر للشباب، ويجب أن يتعلموا الدروس والعبر منه، إذ أنه بعد إفراغ جيوبه من المال، فكر في بيع كليته، قبل أن يتراجع عن هذه الخطوة، ويقرر ترك القمار نهائيا ناصحا الجميع بالحذر من الانزلاق لمغريات الربح السريع في البداية والذي يكون عادة مصيدة لجر الشباب إلى القمار والإدمان عليه شيئا فشيئا.

ويشرح أوضاع صالات القمار الإلكتروني في المحافظة قائلا “المكان الذي كنا نمارس فيه القمار كان يسمى: مقهى إنترنت، لكن ذلك لم يكن صحيحا، حيث كانت أجهزة الكمبيوتر مرتبطة بنظام يتيح لعب القمار”.

لكن حاجي حسن مدير البريد والنقل في دهوك، نفى علمه بلعب القمار في صالات الإنترنت قائلا “منحنا إجازات لعدد من المقاهي، لكننا لا ندري ماذا يحصل داخلها، وإذا تأكدنا من أنها حولت إلى نواد للقمار فلا شك أننا سنسحب الرخص منها”.

أساليب للإيقاع

وقالت مصادر مطلعة، إن ملايين الدولارات التي كان يخسرها المقامرون بشكل يومي كان يتم تحويلها إلى خارج كردستان. وأضافت أن المقامرين غالبا ما يشاركون في الرهانات الإلكترونية والمواقع المتخصصة بها عن طريق الهواتف والكثير منهم ليسوا مضطرين للذهاب إلى صالات القمار.

وتقوم شركات القمار عبر الإنترنت بحملات إعلانية على مواقع مخصصة للأطفال والمدمنين، تعرض فيها منح حوافز مالية مجانا من أجل الاشتراك في منصاتها.

وتستخدم بعض شركات القمار أساليب متعددة للإيقاع بضحاياها، فعلى سبيل المثال تنشر بعض هذه الشركات في الولايات المتحدة إعلانات على مادة بعنوان “12 خطوة لوقف إدمان القمار نهائيا”، أو على مواقع تعلن “كيف تحصل على المساعدة للتخلص من إدمانك، المؤشرات التي يجب البحث عنها وكيفية التخلص منها”.

ووصفت صحيفة واشنطن بوست هذه الإعلانات بأنها أساليب إغراء تشبه متجر الخمور الذي يعرض كحولا مجانا لمشاركين في اجتماع لمدمنين يتكتمون على إدمانهم، قائلة إنه من دون وجود أي قيود فإن أكثر الأشخاص قابلية للإغراء يتعرضون للإغراء أكثر أثناء حالات ضعفهم.

وأضافت إن وضع المدمنين الذين يحاولون التخلص من إدمانهم على بعد نقرة واحدة من مواقع القمار الإلكتروني، يعد خطرا يُضاف إلى ما كشفت عنه نتائج مسح نُشر في فبراير الجاري يظهر أن قرابة نصف الآباء يعتقدون أن أبناءهم مدمنون على الهواتف الذكية.