"اليوم الثامن" تقدم قراءة في نبرة التحدي..

تحليل: تعثر مفوضات "سد النهضة".. هل أعلنت إثيوبيا الحرب على مصر

أديس ابابا أعلنت أنها لن تشارك في أجتماعات واشنطن حول سد النهضة - ارشيف

فادي عيد

صرحت وزارة المياه الإثيوبية يوم 26فبراير الماضي بشكل رسمي عن أنها لن تشارك في أجتماعات واشنطن حول سد النهضة، وأنها أبلغت وزارة الخزانة الأمريكية بقرارها، بعد أن قالت الوزارة في بيان أنها "غير قادرة على التفاوض في الوقت الحالي؛ بسبب أنها لم تنتهِ حتى الآن من المناقشات التي تجريها محليًا مع الجهات المعنية بشأن السد، ما دفعها لعدم المشاركة في المفاوضات الثلاثية المقامة في واشنطن حاليا".

 

وقد جاء ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه مصر وصول وزير الموارد المائية والري الدكتور محمد عبد العاطي والوفد الفني المرافق له إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، لاستكمال جلسات التفاوض حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، التي تعقد على مدار يومي 27 و28 فبراير الماضي، وبالتزامن أعلنت السودان عن تسلم الدول الثلاث مسودة الأتفاق التي أعدتها واشنطن بمشاركة البنك الدولي، تمهيدًا للتوقيع عليها نهاية فبراير الجاري.

 

ولان قرار سد النهضة ليس بيد إثيوبيا ولم يكن الغرض يوما من ذلك السد تنمية إثيوبيا بقدر تعطيش مصر، فقبل انسحاب إثيوبيا بأيام قليلة كانت أنتهت بالعاصمة الأمريكية واشنطن جولات مفاوضات سد النهضة بين وزراء الخارجية والري في مصر والسودان وإثيوبيا، في حضور ممثلين عن البنك الدولي والولايات المتحدة، وعقب ذلك أعلنت الأطراف الثلاث وفي مقدمتها الجانب الإثيوبي على أنه سيتم توقيع الاتفاق النهائي بشأن ملء وتشغيل سد النهضة قبل نهاية فبراير الجاري.

 

وقبل انسحاب إثيوبيا أيضا بثلاث أيام زار رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق هايلا ماريام ديسالين القاهرة في الأحد الموافق 23فبراير الماضي، كمبعوثًا عن آبي أحمد رئيس الوزراء الحالي، والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارة وصفتها الخارجية الإثيوبية بالـناجحة، مضيفة أن «مبعوث آبي أحمد أتفق مع الرئيس المصري على حل أي مشكلة تواجه البلدين عبر الحوار».

 

الى أن جاء يوم الثلاثاء الموافق 3مارس الجاري لكي يحمل كل التطورات الخطيرة، فخلال المؤتمر الصحفي المشترك بين وزير الخارجية الإثيوبي جودو أندارجاشيو ووزير الري الإثيوبي سليشي بقلي، صرح الأول، قائلا :"بأن بلاده ستبدأ في التعبئة الأولية لخزان سد النهضة بعد 4 أشهر، وأن لا توجد قوة يمكنها منع إثيوبيا من بناء السد"

وصرح الثاني قائلا: "أن الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه"

كما أضاف وزير الري مطالبا وزارة الخزانة الأمريكية بتصحيح ما ورد في بيانها، واصفا إياه بأنه بيان غير دبلوماسي، مشددا على أنه لا ينبغي تدخل الولايات المتحدة أو دولة أخرى في تحديد مصلحة بلاده.

وبالتزامن ترأس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أجتماعا موسعا لقيادات القوات المسلحة المصرية في مقر وزارة الدفاع، مؤكدا على ضرورة الأستمرار في التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والأستعداد القتالي، وصولا إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أية مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، وذلك في ظل التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة.

 

كما جرى أتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي ونظيره المصري لبحث أخر تطورات ملف سد النهضة بنفس اليوم.

وفي بداية الأسبوع الجاري أنطلق وزير الخارجية المصري سامح شكرى في جولة خارجية لسبع دول عربية وهم الأردن والعراق والكويت والسعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان لتوصيل رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لرؤوساء وملوك وأمراء تلك الدول، وكلها كانت رسائل متعلقة بملف سد النهضة، بينما من أوصل "الرسالة" للشقيق السودان كان مدير المخابرات المصرية السيد/ عباس كامل خلال لقائه يوم الاثنين 9مارس نظيره السوداني جمال عبد المجيد والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه حميدتي.

وكما هو موضح ودون الحاجة للشرح، فالأيام الأخيرة أكدت أن اللعب بين أطراف الأزمة صار على المكشوف، ولم يعد هناك أي مجال للتصريحات الهادئة مرة أخرى.

حقيقة الأمر أن إنسحاب إثيوبيا (التى لم تتبع اسلوب المراوغة من البداية وحتى النهاية) لم يكن مفاجئا لمصر، بل كانت المفاجئة لو أكملت إثيوبيا مشوار المفاوضات حتى النهاية ووقعت على الأتفاق الأخير.

 

فلم يكن مشروع سد النهضة فكرة إثيوبيا من الأساس، بل فكرة صهيونية بأمتياز لتعطيش مصر، وتهديد مستقبل أمتها، وخلق شوكة تكون صداع دائم للقاهرة، صداع لا ينتهي الا بمد مياة النيل التى وصلت لصحراء سيناء الى دولة الإحتلال.

 

وبالتأكيد القاهرة تعلم كل ما سبق وأكثر مما هو سبق، وكل الاعيب أفاعي الحبشة، وكانت أيضا تتوقع انسحاب إثيوبيا أو بالأدق تنتظر إنسحابها من المفاوضات التى كانت برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والتى جائت رعايتها لتلك المفاوضات بطلب من القاهرة نفسها، كي تكون واشنطن وأبي أحمد ومن يحركه في معادلة واحدة، وهنا أن لم تنجح واشنطن في وساطتها مع ابي أحمد ومن يحركه (إسرائيل) التى هي مع واشنطن كحال أبي أحمد معها، سيكون للقاهرة كل الحق في الرد على الجانب المعتدي، وحينها سيكون القانون الدولي أول من يقف في صفها.

 

فهناك قوى أقليمية ودولية عديدة سعت لإستنزاف مصر عبر مخطط الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد، وهو المخطط الذى سعى لتدمير كافة الجمهوريات المتواجدة بالمنطقة بداية بالعراق مرورا بسوريا ولبنان وليبيا واليمن ومصر وتونس والسودان وحتى الجزائر، ونعلم جميعا كيف كانت محاولات صنع الفتنة بين الشعب المصري وقواته المسلحة منذ عام 2011م وحتى الأن، ونعلم أكثر كم وحجم الضغوط الرهيبة التى مارست على القاهرة كي تتورط في الفخ اليمني، وكيف التزمت مصر العروبة بعقيدتها وتمسكت بمبادئها تجاه الحرب على اليمن، وكيف كان تدمير ليبيا وتسكين المرتزقة والإرهابيين بها الهدف الأول منه إستهداف مصر وأمنها، ومن هنا أصر العدو أن يعجل من خلق بؤرة توتر جديدة ولكن بتلك المرة بحدود مصر الجنوبية.

 

وكما قلنا مرارا وتكرارا أن قرار سد النهضة ليس بيد إثيوبيا ولم يكن الغرض يوما من ذلك السد تنمية إثيوبيا بقدر تعطيش مصر، فكما جاء وعد نابليون بونابرت لليهود كنواة لإحياء فكرة عودة اليهود لفلسطين، في المقابل يكون المال اليهودي عامل مساعد لسيطرة نابليون على الشرق، كذلك كانت فكرة البرتغاليين بتنفيذ سدود بالحبشة للتحكم في مياة النيل للانتقام من مصر المملوكية، والتى كانت القوة الوحيدة التى كسرت شوكتهم بالهند وسواحل الحجاز وقت أن كانت أساطيل البرتغال مسيطرة على كل محيطات العالم النواة الأولى لتنفيذ مشروع لوي ذراع مصر عبر مشروع سد النهضة.

 

الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا - اليوم الثامن