موسكو منزعجة من العملية الأوروبية..

تقرير: الصراع الدولي على النفوذ في ليبيا.. روسيا مع تركيا ضد أوروبا

تقاطع مصالح

طرابلس

يعكس موقف روسيا المتحفظ على عملية “إيريني” الأوروبية لمراقبة حظر تصدير السلاح إلى ليبيا والذي يستهدف تركيا بالدرجة الأولى، والتي لا تخفي دعمها وتزويدها للميليشيات غرب ليبيا، انحياز موسكو إلى جانب أنقرة ضد أوروبا.

وبعد نحو أسبوع من إصدار وزارة الخارجية الروسية لبيان حذرت فيه الدول الأوروبية من تجاوز القانون الدولي، طالبت روسيا الأربعاء بعقد جلسة مغلقة لمجلس الأمن لتدارس العملية الأوروبية.

وكانت وزارة الخارجية الروسية حذرت شركاءها الأوروبيين من أن عملية “إيريني” يجب أن “تكون متوافقة تمامًا مع القانون الدولي، وكذلك الإطار الذي حدده القرار 2292”، مؤكدة أن أيّ خطوات أخرى تتطلب موافقة مجلس الأمن الدولي.

وفي تعليق على إطلاق “إيريني”، أكدت إدارة الإعلام والصحافة بالوزارة في بيان، السبت، أن روسيا ستتابع “عن كثب” مدى فعالية العملية، لاسيما على خلفية تصعيد النزاع في ليبيا، والتقارير عن الانتهاكات المتزايدة لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

ويأتي اجتماع مجلس الأمن بعد يومين من اجتماع لدول الاتحاد الأوروبي بحث جملة من المواضيع من بينها جمع قدرات عسكرية لمهمة “إيريني” البحرية. لكن بيان الاجتماع خرج دون أيّ إشارة إلى العملية ما يعني استمرار الخلافات بين الدول الأوروبية بشأن هذه الخطوة.

وتعرف روسيا بانحيازها للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، في حين تدعم تركيا بقوة حكومة الوفاق الواجهة المدنية لتيار الإسلام السياسي في ليبيا. أما أوروبا فتعرف بمواقفها المنقسمة وهو ما يتضح من خلال الصراع الفرنسي – الإيطالي حيث تدعم باريس الجيش، في حين تقف روما إلى جانب حكومة الوفاق رغم محاولات للظهور في موقف الحياد.

ورغم أن مقر إدارة العملية سيكون في روما إلا أن فرنسا واليونان هما المتحمستان بشكل أكثر من باقي دول الاتحاد الأوروبي لهذه المهمة التي أطلق عليها اسم “إيريني” ويعني “السلام” باليونانية.

ويبدو رفض روسيا للعملية غريبا باعتبار أن الجيش الليبي كان أول المرحبين بإطلاقها في حين رفضتها حكومة الوفاق واعتبرتها شكلا من أشكال الانحياز لحفتر باعتبار أن “إيريني” لن تراقب مسالك برية وجوية لنقل السلاح تزعم أن حلفاء الجيش يستخدمونها.

وفي محاولة لفهم الموقف الروسي يعود مراقبون إلى الاتفاق الذي جرى بين موسكو وأنقرة بشأن ليبيا مطلع يناير الماضي والذي حاولتا من خلاله فرض اتفاق دائم لوقف إطلاق النار وهو ما رفضه خليفة حفتر الذي غادر اجتماعا جرى في موسكو في نفس الشهر دون أن يوقّع على الاتفاق ما أثار غضب حليفته روسيا.

وعزا حينئذ مراقبون رفض حفتر التوقيع رغم الضغوط الروسية إلى تعويله على موقف فرنسا الذي من شأنه أن يمنع صدور أيّ قرار دولي يدينه في مجلس الأمن.

موقف روسيا يعزز التأويلات التي تذهب إلى اعتبار أن اتفاقا جرى بين أنقرة وموسكو على اقتسام مواقع النفوذ في ليبيا

ويرى المراقبون أن روسيا المعروفة بانحيازها للجيش لن تكون من مصلحتها سيطرته على العاصمة طرابلس وبقية مدن المنطقة الغربية وإلغاء الاتفاق البحري الذي جرى بين حكومة الوفاق وتركيا نهاية العام الماضي.

وتؤيد روسيا الاتفاق الذي أثار حفيظة الكثير من الدول وفي مقدمتها اليونان وفرنسا وإسرائيل، باعتباره يضمن استمرار تصديرها للغاز نحو أوروبا وهو ما يهدّده سعي الدول المطلة على شرق المتوسط للتنقيب عن الغاز.

ويعزز هذا الموقف التأويلات التي تذهب إلى اعتبار أن اتفاقا جرى بين أنقرة وموسكو على اقتسام مواقع النفوذ بينهما في ليبيا بحيث يكون الشرق من حصة الروس في حين تحافظ تركيا على نفوذها في المنطقة الغربية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقّع اتفاقيتي تفاهم مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج نهاية نوفمبر الماضي تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وطرابلس، يضاف إليهما التفاهم فيما يخص تحديد مناطق الصلاحية البحرية وفق القانون الدولي لحماية حقوق البلدين.

ومن المتوقع أن يثير موقف روسيا البراغماتي غضب حفتر الذي سيرفض سياسة موسكو القائمة على دعمه في الشرق فقط وهو ما سيشجع فرنسا على رفع دعمها للجيش، كما يضعّف موقف روسيا الأنباء غير المؤكدة بشأن إرسالها للمرتزقة للقتال إلى جانب الجيش في طرابلس.

ويخوض الجيش الليبي منذ أكثر من سنة معركة للسيطرة على العاصمة طرابلس وهي العملية التي باتت اليوم أكثر تعقيدا في ظل استمرار تدفق الدعم التركي لميليشيات حكومة الوفاق.

وكان الاتحاد الأوروبي قد بدأ منذ أسبوع في تنفيذ عملية "ايريني".

ومن المُقرر أن يتم خلال هذه العملية، استخدام الوسائل الجوية والأقمار الصناعية لمراقبة حركة توريد السلاح إلى ليبيا، وكذلك أيضا تفتيش السفن في أعالي البحار قبالة السواحل الليبية.

ولم تُخف حكومة الوفاق والميليشيات الموالية لها خشيتها من أن تتسبب هذه العملية في قطع خط الإمدادات العسكرية التي تحصل عليها من تركيا التي تواصل خرق وانتهاك قرارات الأمم المتحدة المُتعلقة بحظر بيع وإرسال السلاح إلى ليبيا.

وتُفسر هذه الخشية، مُسارعة رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، إلى إبداء تحفظ حكومته، على تلك العملية، حيث قال "لدينا تحفظ على شكل العملية لعدم تضمين المراقبة الجوية والبرية ضمن قرار الاتحاد الأوروبي، وتجاهل الرقابة على عمليات تسليح الطرف الآخر الذي يستلم إلى الآن وعلى نحو منتظم شحنات أسلحة".