رئيس اليمن المؤقت يخشى التسوية السياسية..

تحليل: "عبدربه هادي" يتشبث بالحكم بافتعال حرب جديدة قرب عدن

بفعل الانقلاب الحوثي مدد الرئيس اليمني المؤقت رئاسته بشكل لا نهائي - ارشيف

القسم السياسي

تشهد محافظة أبين (60 km) إلى الشمال الشرقي من عدن العاصمة، توترا متصاعداً، بفعل استمرار التحشيد العسكري والتعزيزات التي تصل تباعا من محافظة مأرب، (173km) إلى الشمال الشرقي من العاصمة اليمنية صنعاء، الأمر الذي ينذر باندلاع معركة وشيكة بين قوات ومليشيات موالية لتنظيم إخوان اليمن، والقوات الجنوبية التي يشرف عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، في زنجبار قرب عدن.

رفضت مليشيات إخوانية وقوات موالية لحكومة الرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هادي، جهود وساطة قام بها قام بها مسؤولون وقادة عسكريون، بفعل رفض موالون لنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، كل الجهود الرامية إلى ايقاف أي توتر في ظل تصاعد الدعوات المحلية والاقليمية والدولية لإيقاف الحرب في اليمن، ومواجهة فيروس كورونا الذي ضرب العالم، وسجلت اليمن أول اصابة في محافظة حضرموت (656km) شرق عدن.

تبرر وسائل إعلام يمنية محلية تمولها قطر سبب رفض من وصفتها بالحكومة الشرعية لجهود الوساطة، اشتراطها تسليم قوات الحزام الأمني لعاصمة أبين، مدينة زنجبار، وهي تعدها خطوة أولى نحو الهجوم على عدن.

في الـ5 من نوفمبر 2019م، وقعت الحكومة اليمنية المؤقتة والمجلس الانتقالي الجنوبي على وثيقة "اتفاق الرياض" الذي رعته المملكة العربية السعودية، غير ان الاتفاق لم ير النور إلى اليوم، بفعل رفض الإخوان سحب قواتهم من أبين وشبوة ووادي حضرموت، الأمر الذي دفع مسؤولين حكوميين أبرزهم نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية أحمد الميسري، ووزير النقل الموقوف صالح الجبواني، إلى التلويح بالحرب مجددا على الرغم من التوقيع على الاتفاق.

ولم يقتصر الأمر عند حد التهديد بالحرب، بل ذهب جزءا من الحكومة اليمنية المؤقتة نحو حلف "تركيا وقطر وإيران"، لبحث تدخل عسكري وساسي لمساندتهم، وهو الأمر الذي قوبل بترحيب من اطراف محلية موالية لإيران، والتي اتحت فيما عرف بـ"مجلس الانقاذ الوطني"، الذي أشهر العام الماضي في المهرة (وضع في اهدافه مواجهة التحالف العربي بقيادة السعودية) على اعتباره ان تواجده في اليمن "يعد احتلالا يجب مقاومته".

يعتقد الرئيس اليمني المؤقت أن اعلان السعودية رغبتها في الدخول بتسوية سياسية مع الحوثيين، يعني قرب الاطاحة به، وهو ما دفع حكومته إلى تسليم محافظة الجوف الحدودية لذراع إيران، لعرقلة أي جهود للتسوية السياسية تنهي الحرب والقتال في اليمن.

في مطلع يناير الماضي، اعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ضبط سفينة أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى الحوثيين في صنعاء، وهو ما حتم على التحالف العربي بقيادة السعودية وضع المزيد من اجراءات التشديد على الموانئ، وتحديدا موانئ المهرة "البرية والبحرية".

هذا التحرك قوبل برفض من "مجلس الانقاذ الوطني" الذي يمتلك مليشيات مسلحة يشرف عليها أحد أشهر تجار الاسلحة المهربة"، هاجمت هذه المليشيات القوات السعودية وأخرى محلية وأوقعت فيها ضحايا، لكن الميناء ظل تحت اشراف قوات لا يشرف عليها التحالف العربي، وهو ما يعني استمرار تدفق الأسلحة على الحوثيين.

 

تقول وسائل إعلام محلية "إن ميناء شحن البري في المهرة، يعد واحد من ابرز موانئ تهريب الأسلحة للحوثيين، وهو ما أكد عليه تقرير لفريق خبراء الأمم المتحدة، اعتبر مناطق خاضعة لحكومة هادي بأنها تعد أحد اهم مصادر تهريب الأسلحة وقطع الصواريخ والطيران المسير؛ في اشارة الى مناطق المهرة وسيئون ومأرب.

يرى هادي ان استمرار الصراع المسلحة، يعني استمراره البقاء رئيسا على الرغم من ان ولايته قد انتهت في فبراير (شباط) العام 2014م، أي قبل دخول الحوثيين إلى عمران وصنعاء، في سبتمبر (أيلول) من العام ذاته.

في فبراير (شباط) العام 2012م، اختير هادي رئيسا مؤقتا بانتخابات خاضها منفردا وشهدت اكبر عملية تزوير، بفعل رفض الجنوب انتخابه، وقد تسبب عملية الرفض تلك بسقوط ضحايا في صفوف المدنيين وانصار الحركة الوطنية الجنوبية "الحراك الجنوبي".

كانت المبادرة الخليجية تسعى إلى انتقال سلمي وسلسل للسلطة من علي عبدالله صالح، إلى هادي، الذي كان من المفترض ان يحكم لعامين ثم يسلم السلطة، لكن هادي استطاع اللعب على التناقضات الحاصلة واستمر حتى اجبره الحوثيون في يناير على تقديم استقالته، قبل ان يفر في ذكرى انتخابه إلى عدن.

بعد وصوله إلى عدن، كان هادي قد نجح في كسب ود الجنوبيين الذين انخرطوا منذ وقت مبكرة في مقارعة الحوثيين، وكانت أول حرب يخوضها الجنوبيون دفاعا عن شرعية هادي، في منتصف مارس (اذار) العام 2015م، ضد قوات الأمن الخاصة التي تمرد قائدها ورفض قرار إقالته.

كانت الحرب بالنسبة للجنوبيين حينها "حرب مصيرية" تحدد مستقبل بلدهم الذين طالما ناضلوا سليما للحصول على حكم ذاتي بحدود الدولة السابقة قبل مايو 1990.

في أواخر مارس (اذار) 2015م، ترك "هادي" عدن بعد اقتراب الحوثيين من العاصمة الجنوبية، وفر صوب سلطنة عمان ومنها إلى الرياض، وكانت حينها قد انطلقت عاصفة الحزم بقيادة السعودية لمنع سيطرة الحوثيين على المياه الدولية وباب المندب.

لم يدم تحالف هادي مع الجنوبيين كثيرا، فلم تمض الا اشهر قليلة، بعد تحرير الجنوب، وتحديدا في يوليو واغسطس من نفس العام، حتى ادار هادي ظهره للحلفاء في عدن، وذهب بقوة للتحالف مع تنظيم الإخوان.

حاول هادي كسب الوقت بخلق المزيد من التوترات، كانت الكويت قد استضافت في العام 2016م، جولة مباحثات تشرف عليها الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، وهو الأمر الذي رجح حينها ان اتفاقا كان وشيكا لإيقاف القتال وانخراط الحوثيين كحزب سياسي في السلطة، الا ان هادي استبق ذلك بالإطاحة بخالد بحاح نائبه ورئيس الحكومة، والذي كان مرشحا لخلافة هادي في مجلس رئاسي يضم الحوثيين والجنوبيين.

دفع "هادي" بعلي محسن الأحمر، أحد ابرز القادة العسكريين الزيود والذي تؤكد تقارير غربية على ارتباطه الوثيقة بالتنظيمات الارهابية.

كان هذا القرار بمثابة "مسمار" في نعش المفاوضات التي تعثرت لاحقا، بما في ذلك اتفاق السويد الذي وقع برعاية الأمم المتحدة لحل اشكالية ميناء الحديدة الاستراتيجي، لكنه لم ينفذ بفعل تعنت الحوثيين ورفضهم تنفيذ البنود التي سبق لهم ووقعوا عليها.

رفض الحوثيين تنفيذ بنود اتفاق السويد، القاضية بتسليم الميناء الاستراتيجي لطرف محايد، ساعد الإخوان في تنفيذ استراتيجية قطر الرامية إلى تقاسم اليمن، إن يذهب الشمال للحوثيين والجنوب للإخوان، ليأتي اتفاق الرياض ليرسم خارطة جديدة، ابقت الجنوب بعيدا عن مطامع اذرع الدوحة وانقرة، لكن الاتفاق لم ينفذ.

يدرك الرئيس اليمن المؤقت ان "سيطرة الإخوان على كامل الجنوب، يعني اقتراب عزله من السلطة، أن يظل الوضع هشاً، يعني البقاء متشبثا بالرئاسة وان كانت في المنفى، فهو يمتلك شرعية في ادارة الكثير من الملفات وابرزها ملف النفط (بيع الخام)، والحصول على المساعدات الدولية لليمن، والتي كانت أخرها، الدعم السعودي لمواجهة فيروس كورونا، ناهيك عن الدعم السعودي، لمواجهة انهيار العملة المحلية، والاستحواذ على عائدات موارد محافظات الجنوب، ناهيك عن استمرار المتاجرة بالمشتقات النفطية التي يقوم بها نائب مدير مكتب الرئيس للشؤون الاقتصادية أحمد صالح العيسي.

لا مستقبل لهادي الذي يعاني من ظروف صحية، ما بعد الحرب، فالتسوية السياسية تعني خروجه النهائي من المشهد، وهو ما قد يفشل في توريث نجليه "ناصر وجلال" سياسيا، ، اللذان انخرطا في التجارة والاستثمار، بهدف استغلال الازمة والحرب لبناء امبراطورية مالية، ربما لأدراكهما أن لا أي مستقبل سياسي لهما.

فيروس كورونا الذي ضرب العالم، ولا تزال اليمن بعيدة عنه، على الرغم من تسجيل حالة مؤكدة في الجنوب وأخرى غير مؤكدة في صنعاء، الا ان هذا الفيروس يهدد عرش الرئاسة اليمنية، من أي حوار سياسي أخر.

فالمواقف الدولية والاقليمية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، جميعها مواقف تؤكد على ضرورة انهاء الصراع وإيقاف القتال، والدخول في تسوية سياسية تضمن الأمن والاستقرار والعيش الكريم للمواطن، خاصة في ظل عدم تمكن الآلاف من الموظفين من الحصول على "رواتبهم".

مؤخرا، اعترف سفير السعودية لدى اليمن، ان بلاده تخوض منذ اكثر من عام حوارات مع الحوثيين للتوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب، اعقب ذلك اعلان التحالف بقيادة الرياض ايقاف العمليات العسكرية من طرفه لمواجهة جائحة فيروس كورونا.

اعتقد الرئيس اليمني المؤقت منذ وقت مبكر  أن اعلان السعودية عن رغبتها في الدخول بتسوية سياسية مع الحوثيين، يعني قرب الاطاحة به، وهو ما دفع حكومته إلى تسليم محافظة الجوف الحدودية لذراع إيران، لعرقلة أي جهود لتسوية السياسية تنهي الحرب والقتال، الذي أوقع أكثر من مائة ألف قتيل اغلبهم مدنيون.

 لا يزال الأمر محيراً، بالنسبة للبعض، كيف سقطت الجوف في قبضة الحوثيين، وكيف حصلوا على كل تلك الأسلحة التي كانت مخزنة في معسكرات ضخمة انسحبت دون قتال او على الاقل سحبت الاسلحة.

لا ستبعد ان عملية الاستلام والتسليم في الجوف وفرضة نهم تمت دون رغبة قطرية او تدخل قطري واضح في ذلك، فالأجندة القطرية يكشف عنها الحوثيون بأن الإخوان عرضوا على الجماعة، مساندتهم في السيطرة على الجنوب، مقابل بقاء الشمال لهم، وهو العرض الذي لم يعلق عليه الحوثيون غير انهم دفعوا بالمزيد من ميليشياتهم صوب ريف شمال الضالع ومكيراس بأبين.

يرى هادي وحلفائه ان افتعال حرب جديدة في أبين قرب عدن، قد يعرقل أي جهود دولية للتوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب، وبالتالي فالحروب وافتعالها تعني استمرار الرئاسة في قبضة هادي، وان كانت رئاسة يمنية عن بعد.

إن التسوية السياسية، هي الخيار الذي لا بد منه، حتى وان كان خيار ايقاف الحرب استمرار بقاء هادي رئيساً، على ان يكون على رأس مجلس رئاسي يتشارك فيه الجميع بما في ذلك اتباع هادي، يدير هذا المجلس مرحلة انتقالية تتخللها حوارات على مستقبل الجنوب والشمال، بحيث يبقى الجنوب بعيدا عن مطامع الحوثيين والإخوان".