"اليوم الثامن" تبحث في ابعاد الصراع التأريخي..

تحليل: اليمن.. حروب عبثية دموية من الإمامة إلى الجمهورية (1-3)

الامامة بصورتها القديمة الجديدة - ارشيف

د. علوي عمر بن فريد
كاتب وباحث تاريخي جنوبي يكتب لدى صحيفة اليوم الثامن

أسئلة كثيرة يثيرها هذا العنوان و تطرح نفسها علينا ويعجز البعض منا عن الإجابة عليها ومنها ما يلي :

من قال أن اليمن عاش في القرون الماضية في تسامح وسلام طائفي وذهبي ؟

من أخفى عليكم الحروب الدموية التي قادتها سلالة البطنين من  السلالية الطائفية؟

ومن كذب عليكم  وقال لكم أن هذه  السلالة  لم تحكم إلا بشرع الله وهي التي سفكت الدماء اليمنية وأزهقت  بحروبها العنصرية عشرات الألوف من الأنفس اليمنية الزكية وحكمتهم بالنار والحديد ؟!

ومن قال لكم إن صالح والحوثي ظاهرة عبثية عابرة في تاريخ اليمن ، وليست امتدادا لإرث 1200 عام من تاريخ الصراع المذهبي والطائفي البائس ؟

قرأت في  كتب المؤرخين أبحث عن حقيقة مزاعم التناغم والتعايش الطائفي في اليمن   ، فوجدتها مجرد أكاذيب وأساطير  من الكتابات الرخيصة المزورة !!

قرأت التاريخ ولم أجد في تاريخ اليمن سوى رائحة الموت  ، والحقد الدفين ، والدمار والدماء فقط ، ومن الدراسات التي أبحرت في أعماق هذا الموضوع  ما كتب عنه باستفاضة الأستاذ الدكتور حسين الأديمي وسأحاول أن الخصه في النقاط التالية :

.

منذ أن فرض الإمام الهادي بن حسين الرسي حكمه عام 284 هـ على اليمن بدأت جرائم السلالة ، فقد استطاع الهادي أن يجعل نظرية حصر الإمامة في البطنين نسل الحسن والحسين جزء من عقيدة الهادوية ، وواجبا شرعا وواقعا فرضه على مخالفيه بحد السيف  وبدأ الصراع يدب في البلاد منذ تأسيس الهادي دولته عام 284 هـ  وقد وقد  كتب الدكتور حسين العمري عن تلك الحقبة يقول :

" أصبح الصراع تقليدا دمغ الحياة السياسية والاجتماعية بميسم الانقسام والاقتتال بين الطامحين والمتصارعين من أئمة البيت الحاكم ، حتى أرهق المجتمع وفقدت الدولة المركزية السيطرة ، وانجرفت البلاد إلى سنوات طويلة من الفوضى" !!

 

ودخل الهادي في حروب ومعارك مع العديد من القبائل المعارضة لوجوده ، وراح ضحيتها الآلاف من البشر.

بعده جاء الإمام الناصر أحمد بن الهادي وخاض حروبا طاحنه لأجل تثبيت حكم السلالة حتى هلك عام 325 هـ ، ثم بدأ الجيل الثالث من عصر الأئمة الهادية في اليمن ، وبدأ مسلسل الصراع الداخلي والنزاع العائلي بين أولاد الإمام الناصر يحي وقاسم والحسن ، واشتعلت الحروب والصراعات العنيفة بين الإخوة ، وكان ضحيتها من عامة الشعب الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تلك  الحروب !!

.

وبعد سنوات من ذلك الصراع استقر الحكم للداعي يوسف بن المنصور يحيى من عام 368 هـ وحتى عام 403 هـ ، وسمي بالداعي لأنه لم يكن يمتلك شروط الإمامة حسب المذهب الهادوي ، وخاض بدوره صراعات وحروب مع زعامات القبائل اليمنية وفتك بهم ، واستطاع السيطرة على صنعاء بعد أن اقتحمها بجيشه ، ونهب أهلها وخرب الدور والمساكن ، ثم برز له منافس سياسي جديد على الحكم هو القاسم بن عبدالله بن محمد بن الإمام القاسم الرسي ، وخاضا حروبا شديدة تهدمت على إثرها مدن صنعاء وصعدة ، وانتهت بهزيمة يوسف بن المنصور وتنازله عن الإمامة.

وانتقلت الإمامة من بيت الهادي إلى بيت العياني ، وبدأت مرحلة صراع جديد بين أقطاب الإمامة حين ظهر القاسم بن علي بن عبد الله الرسي المعروف بالعياني قادما من عسير ، وأعلن نفسه إماما منافسا ومعارضا للداعي يوسف عام 389 هـ وخاض معارك عديدة  ضده ، واستطاع بقوته وبطشه أن يمد نفوذه إلى بلاد حجة ويدخل صنعاء ووصل إلى ذمار وعنس!!

وتوالت الأيام والسنون على هذا النهج من الصراعات والحروب الدموية بين أبناء السلالة وأولاد عمومتهم المدعين للإمامة ، وكانت مدن اليمن وسكانها يدفعون ثمن تلك الصراعات دائما ، فقد دُمرت صنعاء وصعدة بمنازلها ومزارعها أكثر من عشر مرات ولكن  الأكثر عنفا حين جاء الإمام المنصور عبدالله بن حمزة عام 583 هـ ، وهو من نسل القاسم بن ابراهيم الرسي أخو الإمام الهادي الرسي ، وكان صاحب طموح شديد وتطلع كبير للزعامة ، وذو بأس شديد وقسوة كالحديد ، وتعصب عظيم لمذهبه وسلالته!‍!

انطلق عبدالله بن حمزة يشق طريقه بحد السيف والنار ، فعمد إلى حرب كبيره من أجل إسقاط الخلافة العباسية ، وإقامة دولة علوية زيدية تحكم العالم الإسلامي كما خُيل له ، لكن طموحه وبأسه وشدته لم ينصب إلا على الضعفاء من المخالفين لفكره ومذهبه وتعصبه السلالي!! .

في بداية إمامته دخل عبد الله بن حمزة في معارك وحروب مع المخالفين لدعوته ونظريته في حصر الإمامة في البطنين ـ كما يدعو الحوثي اليوم ـ فبدأ بالمطرفية وهم فرقة من فرق الزيدية الهادوية يتابعون الإمام الهادي بالأصول والفروع ، إلا أنهم يخالفونه في شرط حصر الإمامة في البطنين ، ويرون أن الإمامة تصلح في عموم الناس ، ولا يعترفون بالنسب الفاطمي والعلوي.

فثارت ثائرة  هذا السفاح وجنونه عليهم ، وقام بملاحقتهم أينما وجدوا ، وبدأ يبيدهم ويسحقهم بوحشية لم يشهد لها تاريخ اليمن مثيلا ، وأباد  قراهم ودمر مساكنهم وأحرق مزارعهم ودمر مساجدهم ، وحاصرهم وطاردهم في صنعاء وذمار وعنس ، وعزم على تطهير الأرض من رجسهم كما قال ، فأثخن القتل فيهم ، وسفك دماء الأبرياء كبارا وصغارا ، واستحل أعراضهم وأموالهم !! .

حتى أن بعض مراجع التاريخ تذكر بأنه قد قتل في صنعاء وحدها قرابة مئة ألف من المطرفية خلال ثلاثة أيام فقط ، وأحرق مساكن أهلها ، وسبى نسائهم ووزعهن جواري لجنوده ، ثم أصدر حكمه الجائر ضدهم ’’ بأن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم ويقتلون بالغيلة والمجاهرة ، ولا تقبل توبة أحد منهم ‘‘ . ولم تنته حملته المسعورة على أتباع المطرفية حتى أبادهم فردا فردا ، وقضى على أفكارهم ومعتقداتهم المخالفة لعنصريته وجنونه الطائفي. .

ومن جملة ما صنع هذا السفّاح المعتوه ، أن أصدر فتوى وحكما ينص على قتل وإعدام كل من يدعي الإمامة خارج البطنين ، ويسعى نحو الزعامة ويتطلع إلى السلطة والرئاسة وهو غير فاطمي علوي!! .

وبعد هلاك السفاح عبدالله ابن حمزة اندلع الصراع مجددا بين أبناء السلالة من الحمزات أبناء عبدالله بن حمزة وبيت الهادي أبناء سلالة الإمام الهادي الرسي ، واستمر الصراع على هذا المنوال لعقود متعاقبة ، ولم يشهد اليمن أي استقرار يذكر خلال تلك الفترات.

وضل الوضع على هذا الحال ، صراعات داخلية بين أبناء السلالة وصراعات خارجية استجلب فيها الحمزات تحالفات مع الدولة الرسولية عام 646 هـ ضد أبناء الهادي ، وخلال الفترة بين عامي 656 هـ وحتى عام 1000 هـ دخلت اليمن في فصول جديدة من الصراعات والحروب التي دمرت البلاد وأهلكت العباد ، نسرد بعضا منها :

ـ المتوكل أحمد بن عبدالله الحمزة ( 623 ـ 656 هـ ) ادعى الإمامة ودخل في صراعات وحروب ..

ـ الإمام الحسن بن وهاجس الحمزي ( 656 ـ 668 هـ ) ادعى الإمامة ودخل في صراعات وحروب .

ـ المنصور الحسن بن بدر الدين ( 657 ـ 670 هـ ) ادعى الإمامة ودخل في صراعات  وحروب.

ـ الإمام يحي بن محمد السراجي ( 659 ـ 696 هـ ) ادعى الإمامة ودخل في صراعات وحروب عديدة

ـ الواثق المطهر بن المهدي محمد ( 729 ـ 802 هـ ) ادعى الإمامة ودخل في صراعات وحروب عديدة

ـ الإمام المهدي احمد بن يحي المرتضي ( 793 ـ 840 هـ ) ادعى الإمامة ودخل في صراعات وحروب

ـ الإمام المنصور الناصر بن محمد الناصر ( 840 ـ 876 هـ ) أعلن دعوته للإمامة وخاض الحروب مع مخالفيه.

ـ المؤيد محمد بن المنصور الناصر ( 876 ـ 908 هـ ) استلم صنعاء واستولى عليها بعد أن دفع خمسين ألف دينار للملك مظفر بن طاهر مقابل تنازله .

 -المنصور محمد بن علي السرحي ( 900 ـ 910 هـ ) دعا لنفسه بالإمامة ودخل في صراع وحروب مع السلطان عامر بن عبدالوهاب.

ـ المتوكل يحي شرف الدين ( 910 ـ 965 هـ) دعا لنفسه بالإمامة وتحالف مع دولة المماليك وخاض حروبا ضد الدولة الطاهرية حتى أسقطوها ، ثم دخل في حرب مع حلفائها المماليك والحمزات مجددا. .

ومع تولي بيت شرف الدين للإمامة قدم الأتراك إلى اليمن عام 945 هـ ، ودخلوا في حروب مع الإمام شرف الدين الذي كان قد طال حكمه وإمامته ، حتى أن ولده السفّاح مطهر استغل هذا الصراع وتحالف مع الأتراك ضد والده طمعا منه في كرسي الإمامة وأرسل جنوده إلى الجراف لقتال والده ، حتى تمكن من إزاحته بعد أن دخل صنعاء عام 953 وأعلن نفسه إماما.

-----------------------------------
باحث ومؤرخ في صحيفة اليوم الثامن