علاقة الإيرانيين بتنظيم “القاعدة” يتجاوز الكلام العام والافتراضات..

تحليل: ماذا وراء الإعلان عن تصفية القيادي "المصري" في طهران؟

التعارض بين إيران والولايات المتحدة عندما يتفاقم فإن مبدأ عدوّ عدوّي صديقي

عدلي صادق

عادت وسائل الإعلام الأميركية إلى التركيز، بمواد استقصائية، على علاقة إيران بتنظيم القاعدة. وكان لافتا ربط هذا الإعلام بين هذه المسألة الملتبسة والوضع الأميركي الراهن، الذي يحاول فيه الرئيس ترامب، الخاسر في الانتخابات الأخيرة، البقاء في البيت الأبيض من خلال الطعن في النتائج. فقد اتجه المحللون إلى احتمالات لجوء ترامب إلى بعض ردود الأفعال الخطيرة، خلال المدة المتبقية لرئاسته. وكان من أهم الإجراءات التي استندوا إليها إقالة وزير الدفاع، التي أعقبتها استقالات على مستوى العسكريين.

يمكن القول إن الحديث الأميركي عن علاقة الإيرانيين بتنظيم “القاعدة” يتجاوز الكلام العام والافتراضات، على نحو ما جرى، وثبت أنه ملفق، في سياق اتهام العراق عشية الغزو الذي أطاح بنظام حكم الرئيس صدام حسين.

لكن الأمر أصعب كثيرا، عندما يحاول الأميركيون إثبات أن هناك علاقة قائمة بين طهران و”القاعدة” أو من الممكن وجود أساس للتعاون بينهما على الأرض، بحكم التناقضات الكثيرة بين الطرفين. وعلى الرغم من ذلك، نُشرت تقارير أميركية تؤكد العلاقة وآخرها في صحيفة “نيويورك تايمز” إلى جانب ما بثته القناة 12 الإسرائيلية مؤخرا، وجاء فيه أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بالتعاون مع “الموساد” الإسرائيلي، قد تعقبت ونجحت في شهر أغسطس الماضي في تصفية الرجل الثاني في تنظيم “القاعدة” وهو عبدالله أحمد عبدالله المعروف باسم أبومحمد المصري في قلب أحد شوارع العاصمة الإيرانية طهران!

التركيز على تصفية "المصري" قد يكون الهدف منه إظهار أن الأميركيين وبمساعدة “الموساد” تمكنوا من تجويف تنظيم “القاعدة” ولم يعد من الضرورة شن حرب لتصفيته

وفي الحقيقة، ظل الجانب الإيراني، على مر سنوات طويلة، يتبنى خطابا حيال تنظيم “القاعدة” شبيها، أو ربما أكثر حدة، من الخطاب الأميركي، وذلك بحكم العديد من الأسباب الواقعية، بحكم أن تنظيم ما يسمى “الدولة ـ داعش” الإرهابي، قد نشأ أصلا، كرد فعل حصري ضد مساحة التحالف التلقائي بين الولايات المتحدة والمعارضة العراقية، التي تقودها عناصر موالية لإيران، بمباركة المرجعية الشيعية.

وكان من بين التداعيات القريبة والبعيدة لوجود هذا التنظيم في العراق وسوريا؛ أن ظهرت الفوارق والتناحرات بين الفرق والكتائب والتنظيمات المتفرعة عن “السلفية الجهادية” على النحو الذي يكشف بأن الأيديولوجيا الإسلامية ليست هي المحرك الحقيقي لتلك التنظيمات التي لا يختلف اثنان على مخالفتها أبسط قواعد الشريعة الإسلامية وضوابطها.

 في ذلك السياق، لم يكن تنظيم “القاعدة” قد خاض الصراع التناحري نفسه مع المنشقين عنه في العراق وسوريا، سواء كانوا من داعش أو غيره. وبحكم أسباب موضوعية فرضها الجوار بين إيران وباكستان؛ يمكن أن يُفهم موضوعيا، أن هامشا ضيقا من العلاقة يمكن أن ينشأ بين طهران و”القاعدة”. وعندما يتفاقم التعارض بين إيران والولايات المتحدة، فإن مبدأ عدو عدوي صديقي، سيفرض نفسه، طالما أنه لم يتحول ضدي وضد عدوي في آن واحد، مثلما فعلت فصائل إرهابية أخرى في سوريا.

 بناء على ذلك، يمكن أن ينشأ هامش من العلاقة، يتأسس على المستوى الأمني المعقد، لأن كل شيء جائز في معادلات الحرب وحساباتها الشائكة، لاسيما في المشرق العربي. وفي هذا الإطار، اعتبر الأميركيون أن إيران استوعبت جزءا من القاعدة، لا يقاتلها ولا يقاتل الأميركيين في سوريا والعراق، وإن كانت الفصائل الإرهابية قد تشكلت حسب منهجية “القاعدة” واعتمدت خطابها، مع اختلاف الخطط والتكتيكات والأهداف.

فقد كان “المصري” الذي يقول الإسرائيليون والأميركيون إنهم نجحوا في تصفيته؛ يعيش في إيران منذ عام 2003 على الرغم من وجود بعض التقارير المتضاربة تتعلق بمدى قدرته على التحرك بحرية حتى عام 2015، وهي السنة التي يبدو أنه اكتسب فيها قدرة أكبر على التحرك، بتأثير تفاقم العلاقة بين طهران وواشنطن. وعلى الرغم من ذلك، دأبت إيران على وصف تنظيم “القاعدة” بأنه منظمة إرهابية، ونفت أي تعاون معه، مستندة إلى مبدأ اشمئزاز مرجعياتها الدينية من أولئك “السنة” المتطرفين.

ولعل أحد أكبر النقاشات التي جرت في الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 هو ما إذا كانت إيران و”القاعدة” قد تعاونتا في الهجوم. وتغيرت وجهة النقاش بعد مضي سنوات على أحداث سبتمبر، عندما اطمأن الأميركيون بأن المجتمع الدولي برمته أصبح يرى في “القاعدة” العدو رقم 1، كما ظلت إيران تركز على خلافها الأيديولوجي مع التنظيم.

لكن الجنرال ديفيد بتريوس، وهو على رأس القيادة المركزية الأميركية، تحدث في العام 2010 عن أن “القاعدة” تواصل استخدام إيران “كمركز تسهيل رئيسي، يربط القيادة العليا للتنظيم بفروعها الإقليمية”. بل إن إدارة الرئيس أوباما أكدت رسميا في يوليو 2011 أن إيران تساعد “القاعدة” في ضخ الأموال والمجندين إلى باكستان، لإدارة عملياتها الدولية.

وفي مقابلة أجراها مع التلفزيون الحكومي الإيراني أكد محمد جواد لاريجاني، أمين “المجلس الأعلى لحقوق الإنسان” في العام 2018 على أن حكومته “وافقت على عدم ختم جوازات سفر بعض أعضاء القاعدة، أثناء مرورهم بمطار طهران، وتوقفهم لساعتين، وسمحت بسفرهم دون ختم الجوازات، لكن تحركاتهم كانت تحت الإشراف الكامل للمخابرات الإيرانية”!

وفي يوليو 2018 قال عدد من خبراء الأمم المتحدة إن “قادة القاعدة في جمهورية إيران الإسلامية أصبحوا أكثر بروزا، ويعملون مع أيمن الظواهري بمعرفة الإيرانيين، بطريقة أكثر وضوحا”. ومنذ ذلك الوقت الذي قيل فيه هذا الكلام، والأميركيون يحاولون تحديد مدى التعاون بين “القاعدة” وإيران.

الحديث الأميركي عن علاقة الإيرانيين بتنظيم “القاعدة” يتجاوز الكلام العام والافتراضات، على نحو ما جرى، وثبت أنه ملفق

وفي الحقيقة، تصعب الإجابة عن السؤال المتصل بمدى العلاقة، وهو بلا شك يضاهي السؤال عن سبب إثارة الإعلام الأميركي والإسرائيلي لهذا الملف في هذا الوقت بالذات، وكأنما الأمر موصول بموقف ترامب من النتائج الانتخابية وتلويحه بإمكانية القيام بعمل عسكري، على الرغم من عدم قدرته موضوعيا على أن يفعل ذلك.

وربما يكون التركيز على تصفية “المصري” الهدف منه إظهار أن الأميركيين وبمساعدة “الموساد” تمكنوا من تجويف تنظيم “القاعدة” ولم يعد من الضرورة شن حرب لتصفيته والبقاء في أفغانستان.

وبعد ذلك، حدث في مواجهة احتمال إعلان الولايات المتحدة الحرب على إيران، أن حاول بعض مسؤولي المخابرات الذين أرادوا تجنب الحرب، الإفراط في تنظيف دور إيران، لتجنب أي احتمال لربط طهران ببن لادن، ما يعني أن الهدف من السياق الراهن، هو العودة إلى التركيز على أن العمل الاستخباري نجح في ضرب حلقة الوصل بين الظواهري وأتباعه، وبالتالي لم تعد هناك حاجة إلى التصعيد في الخليج.