"عناقيد الغضب"..

تحليل: تحوّلات 1996-2021 وتداعيات على الوضع في لبنان

تحوّلات 1996-2021 وتداعيات على الوضع في لبنان

د. ساسين عساف
كاتب لبناني وعميد سابق لكلية الآداب والعلوم الانسانية في الجامعة اللبنانية

في العام 1996تجدّد العدوان الإسرائيلي على لبنان بعنوان "عناقيد الغضب" فقام جيش العدو بقصف تدميري لقرى الجنوب والبنى التحتية إمتداداً حتى شمال لبنان ولم يوفّر مقارّ قوّات الأمم المتّحدة حيث ارتكب مجزرة قانا في موقع القوات الفيدجية.. هذا العدوان أسفر عن "تفاهم نيسان".

"تفاهم نيسان" أضفى على المقاومة شرعية دولية. وضعت نصوصه بعد إجراء مشاورات بين الإدارة الأميركية وسوريا، نورد هنا أبرز ما جاء فيه: وقف ضرب المدنيين والمنشآت المدنية من جانب المقاومة وجيش العدو، تشكيل مجموعة مراقبة من فرنسا وسوريا والولايات المتحدة ولبنان وإسرائيل لتطبيق التفاهم.

هذا الإتفاق فرض ما يمكن تسميته توازن الرعب وكرّس سلاح المقاومة قوّة ردع فعّال في لجم الإعتداءات الإسرائيلية.

ذروة هذه القوّة تجلّت في تحوّلها من قوّة ردع ودفاع إلى قوّة تحرير وهجوم. وهذا تحوّل إستراتيجي في تاريخ الصراع مع العدو أخذ مداه في العام 2000 عام التحرير.

ضربات المقاومة أجبرت جنود الإحتلال على الإنسحاب المذلّ من دون قيد أو شرط يفرضان على لبنان الذي انتظر منذ العام 1978 حتى العام 2000 تنفيذ القرار 425 ولم ينفّذ. التحرير بقوّة السلاح أثبت صحة النظرية التي أطلقها الرئيس عبد الناصر: "ما أخذ بالقوّة لا يستردّ بغير القوّة."

هذا الإنتصار يعدّ إستراتيجياً لأنّه ألحق الهزيمة العسكرية والنفسية بجنود "الجيش الذي لا يقهر" ولأنّ وقعه على نفسية الإسرائيليين كان أدهى إذ أفقدهم ثقتهم بجيشهم وجعلهم يشكون بمدى قدرتهم في البقاء طويلاً في أرض فلسطين.

على الصعيد اللبناني أسقط تحرير الجنوب مقولة : "قوّة لبنان في ضعفه" وأقام بديلاً منها: "قوّة لبنان في قوّة مقاومته وشعبه وجيشه."

في العام 2002 تقدّمت كلّ الأحداث المبادرة العربية للسلام الموافق عليها والمعلنة في مؤتمر القمة الذي عقد في بيروت في 29 آذار. لا مجال للدخول في مجمل بنودها في سياق هذه السردية المختصرة والموقوفة إجمالاً على ما له من تداعيات على الوضع اللبناني. ورد في البند الأخير ما يلي: "ضمان رفض كلّ أشكال التوطين الفلسطيني.."

ما أربك المبادرة عدوان إسرائيلي تدميري ماحق على مخيّم جنين ونابلس وطولكرم تدليلاً على رفض العدو لها بكامل بنودها.

أمّا الحدث الآخر الذي كانت تداعياته صاعقة على الوضع العربي عموماً والوضعين السوري واللبناني خصوصاً فكان إحتلال العراق في العام 2003 فالقوات الأميركية أصبحت على حدود سوريا من جهة والقوات الإسرائيلية على حدود لبنان الشمالية من جهة أخرى ما أوقع سوريا ولبنان تحت حزمة من ضغوط وتهديدات ثنائية المصدر لم ترضخ لها سوريا برفضها مذكّرة باول ولم يرضخ لها لبنان برفضه وقف عمليات المقاومة ونزع سلاحها.

حاولت حكومة الكيان أن تستغلّ تداعيات إحتلال العراق لتصفية منظومة صواريخ المقاومة فلم تفلح ورضخت لمعادلة "توازن الرعب" السائدة منذ عام التحرير، العام 2000 

من تداعيات إحتلال العراق إنطلاق مقاومة مسلّحة عراقية عزّزت منطق المقاومة في لبنان وفي فلسطين. قانون بريمر، بالمقابل، عزّز منطق القائلين بفدرلة دول بلاد الشام على قياس طوائفها وإتنياتها. الوجود الإيراني في العراق بعد إنسحاب الجيش الأميركي والجيوش الحليفة غيّر وجهة الصراع في المنطقة من صراع عربي/صهيوني إلى صراع عربي/إيراني ومنه إلى صراع سنّي/شيعي وبدأ الكلام على هلال شيعي يهدّد إستقرار الدول العربية..

ومن تداعيات إحتلال العراق كذلك في العام 2003 صدور "قانون محاسبة سوريا" بعد رفضها كما قلنا لمذكّرة كولن باول ووصمها ب "الدولة المارقة" و "البؤرة العاصية" وتصنيفها بين الدول التي تدعم الإرهاب والتي يتكوّن منها "محور الشرّ"، ولبنان لم يكن بعيداً من هذا التصنيف.

مجلّة التايمز الأميركية عنونت حينها "المحطة التالية: سوريا".

مسار العدوان على سوريا لإسقاط النظام والدولة ولبنان لتصفية المقاومة بدأ عملياً بعد إحتلال العراق.. وهذا ما يؤكّده القرار 1559

صدر القرار 1559 في 2 أيلول من العام 2004 ما يعنينا منه في هذا السياق تجريد حزب الله من سلاحه كذلك المخيمات الفلسطينية وسحب القوات السورية من لبنان. أمّا دواعي القرار وخلفياته فمنها: إستهداف رأس المقاومة ونزع شرعيتها الدولية المكرّسة في اتفاق نيسان 1996، إشعال حرب جديدة فلسطينية/لبنانية، ضرب العلاقات اللبنانية/السورية وتقليص دور سوريا في الملفّ اللبناني/الفلسطيني عقاباً لها بسبب عدم إذعانها لمفاعيل التبدّل الإستراتيجي الذي أحدثه إحتلال العراق على الصعيدين الإقليمي والدولي.

القرار 1559 لم يقدّم فائدة للبنان بل أضرّ بمصالحه فهو لم يكن له بل للكيان الإسرائيلي.

من تداعيات هذا القرار على الوضع اللبناني إسقاط معادلة الطائف التي قامت بتفاهم أميركي/سعودي/سوري. ولو لم تتمّ مواجهته فتنفيذه كان يعني: خنق المقاومة، الصدام بالفلسطينيين، العداء لسوريا، إثارة نزاع بين اللبنانيين لا ينتهي إلاّ بتجدّد الحرب الأهلية.

مفاعيل القرار الذي عطّلته إرادة لبنانية/سورية واحدة وتفهّم فلسطيني لتعقيدات الوضع اللبناني  حيث نأى الفلسطينيون بأنفسهم عن التدخّل في النزاعات اللبنانية، لم تحقّق الأهداف الأميركية/الإسرائيلية فكان إغتيال الرئيس رفيق الحريري الحدث البديل لتحقيق تلك الأهداف.

في العام 2005 بتاريخ 14 شباط وقع الإنفجار الذي أودى بحياة الرئيس الحريري وحياة عدد غير قليل من المواطنين. من نتائج هذا الإغتيال تكريس الإنقسام الداخلي ما بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار وانسحاب القوات السورية من لبنان وتعميق الشرخ والعداء بين فئات لبنانية والنظام السوري.

كلّ المحاولات السابقة لم تضعف المقاومة ما حدا الإدارة الأميركية على دفع إسرائيل إلى شنّ الحرب على لبنان في تموز من العام 2006 فقام جيش العدو بمحاولات إقتحام واحتلال يرافقها قصف جوي وبرّي وبحري تدميري. صمود المقاومة صدّ تلك المحاولات مشفوعاً بردّ صاروخي مدمّر للداخل الفلسطيني المحتلّ. أمّا التحوّل الإستراتيجي النوعي الذي حقّقته المقاومة فكان قصف وإحراق مدمّرة إسرائيلية في عرض البحر..

إنتصار الصمود في العام 2006 أفشل مخطط كوندوليسا رايس الذي أعلنته من بيروت بعنوان: "ولادة شرق أوسط جديد" واعتبرت أنّ الحرب على المقاومة لإنهائها هو المخاض الأخير لهذه الولادة! وهذا ما يدلّ فعلاً على أن الحرب على لبنان كانت بقرار أميركي وتنفيذ إسرائيلي.

إنتصار تموز إذاً أجهض مشروع رايس المعدّ للمنطقة بدءاً من لبنان وعنوانه:  "شرق/أوسط بلا سلاح مقاوم."

محور الأحداث التي شهدها لبنان أو تلقّى تداعياتها منذ العام 2000 عام التحرير حتى اليوم في ضوء ذلك المشروع هو القضاء على المقاومة ففي العام 2008 وقعت أحداث 7و8 أيار ردّاً على محاولات الحكومة التضييق على المقاومة من خلال إزالة وسائل إتصالاتها.. وفي العام نفسه تمّ اغتيال المقاوم عماد مغنية ثأراً من انتصار تموز.

الإدارة الأميركية لم تعدم وسيلة إلاّ واستخدمتها للقضاء على المقاومة فعمدت كما أقرّت هيلاري كلينتون إلى خلق داعش (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) وهو فرع من تنظيم "القاعدة " (صناعة أميركية في أفغانستان) الذي بدأ ينشط منذ العام 2009 في مناطق لبنان الشمالي وفي بعض المخيمات الفلسطينية، وبدأ يرسل السيّارات المفخّخة إلى الضاحية الجنوبية من بيروت، البيئة الحاضنة للمقاومة. في موازاة ذلك تمكّنت أجهزة الأمن اللبنانية من إلقاء القبض على خلايا إرهاب مرتبطة بالموساد.

ومن الوسائل التي استخدمت في العام 2010 لإحداث فتنة سنّية/شيعية في لبنان تشهد فيها المقاومة نهايتها توظيف تسريبات من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن إصدار قرار إتّهامي يتضمّن أسماء قيادات من حزب الله متورّطة في اغتيال الرئيس الحريري. ومثل هذا التوظيف كان قد اعتمد سابقاً في توجيه الإتّهام إلى سوريا لتعميق الشرخ بين النظام السوري والسنّة ولكن النتائج لم تكن على ما كان يرغب المستثمرون في اغتيال الحريري فزيارة الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد لبيروت نزعت فتيل التفجير المعدّ لإحداث فتنة سنية/شيعية من جهة وأبعدت ملفّ المحكمة عن وسائل الضغط على سوريا من لبنان.

تحت عناوين الثورة على الإستبداد والتبعية والفساد هبّت "الثورات العربية" في العام 2011 إنطلاقاً من تونس وتلتها "ثورات" مصر وليبيا وسوريا. لكلّ منها تعقيدات ذاتية وتداخلات وتدخّلات إقليمية ودولية وتعدّدية أطراف وقوى وخصوصية ديناميات وساحات.. جامعها أمران متناقضان: صناعة المثاليين واستغلال الإنتهازيين. وهذا ما حدث!! 

هذا الجامع ينطبق على الحراكات الشعبية التي شهدتها الساحة اللبنانية في العامين 2014 و2019

ما تداعيات تلك "الثورات" على الوضع اللبناني؟

إختلفت النظرة إليها باختلاف مواقف الأطراف السياسيين. منهم من رأى فيها امتداداً لما يسمّونه "ثورة الأرز" (2005) ومنهم من رأى فيها مؤامرة أميركية تخدم المشروع الصهيوني في تجزئة الدول والقضاء على الأنظمة المقاومة عبر تسليمها "للإسلام المعتدل" المتصالح مع إسرائيل. الواقع الشعبي اللبناني لم يشهد حراكاً واسعاً داعماً أو مناهضاً. "الثورة" في سوريا رفعت من حدّة التناقض بين اللبنانيين على المستوين الشعبي والرسمي.

من فوائد "الثورات العربية" الخائبة، لأسباب لا مجال في سياق ما نحن بصدده للدخول فيها، إظهار عمق الترابط بين شعوب الأقطار العربية السياسي والإجتماعي والنفسي خصوصاً لدى الأجيال الشابة، وإعطاء الدليل على أنّ إعادة بناء الوحدات الوطنية على أسس الديموقراطية والحريات ومنظومة القيم وحقوق الإنسان في كنف دولة الحق أمر ممكن.

أمّا على أبواب دمشق "فالثورة" تجاوزت حدّ الخيبة إلى حرب كونية على سوريا كونها دولة محورية في جغرافية الوطن العربي الجيو/سياسية والجيو/إستراتيجية. تفجير سوريا من الداخل كانت له تداعيات خطيرة على الوضع في لبنان وصلت به إلى تجاوز الإنقسام التقليدي إزاء سوريا بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار إلى حدّ الإنخراط الفعلي في الحرب عليها من جهة وفي الدفاع عنها من جهة أخرى. حزب الله يقاتل إلى جانب الجيش العربي السوري، وأحزاب 14 آذار تؤازر معارضي النظام. تهديدات "داعش" واحتلالها لجبال عرسال ومنطقة القصير، واعتداءاتها على السكّان وجنود الجيش اللبناني من قتل وخطف، ودخول عناصرها بعض القرى،  فضلاً عن مخطّطها الوصول إلى الساحل في منطقة الشمال، هذا ما جعل الجيش والمقاومة على تنسيق تام في صدّ داعش وتحرير الجرود من أي وجود لها.

كما حاول كيسينجر إحراق لبنان من الداخل في العام 1975 ها هو نفسه في العام 2012 يصرّح لصحيفة نيويوركر الأميركية: "إنّ علينا العمل لإحراق سوريا من الداخل.. وهو ما يحدث الآن."

سوريا ولبنان في المخطّط الأميركي هما في موقع واحد. والحرب عليها هي حرب عليه. وفشل الحرب عليها، لثبات النظام والجيش ولمساعدة روسيا وإيران وحزب الله، غيّر المعادلات وبدّل التوازنات في الوضع اللبناني، والأزمة السياسية القائمة حالياً في لبنان هي من نتائج هذا التغيير. وتجلّيات الأزمة المعبّر عنها بطروحات سياسية متناقضة لهوية الدولة وموقعها ودورها وإدارة شؤون الحكم هي من نتائج الشعور بالإنتصار والنشوة لدى فئة والشعور بالإنكسار والإحباط لدى فئة ما يجعل الوضع اللبناني في حالة إنشطار عامودي تصعب معالجته كما يبدو حتى الساعة.     

لا حلّ للبنان بالإنفراد عن سوريا. لذلك مهما تغيّرت التوازنات وتبدّلت المعادلات ومهما اتسعت وتعمّقت هوّة الإنشطار الداخلي فالعقلانية السياسية تجمع بين أمرين: عدم الإضرار بموقع النظام وتأييد الدعوات إلى الإصلاح. وهي مبنية على حقيقة باتت واضحة في أعين الجميع: مآل الأوضاع في لبنان رهن مآلها في سوريا سياسياً وأمنياً وجغرافياً واقتصادياً..

لم يكف الإدارة الأميركية شنّ حربها الكونية على سوريا ليأتي "قانون قيصر" في العام 2019 واحداً من استتباعات هذه الحرب المستمرّة لإفقار الشعب وتجويعه من خلال هذا القانون علّه يدفع مجدّداً إلى تركيع النظام وتالياً إسقاط الدولة وتوزيعها كيانات هشّة مذهبية وإتنية ومنه إلى إدامة الإحتلال ونهب الثروة. لبنان مهدّد كما كلّ الكيانات التي تتعامل مع سوريا بموجب هذا القانون بالعقوبات وهي واقعة فعلاً عليه، ولو تنوّعت الأسباب، حصاراً مالياً وسياسياً واقتصادياً.

لبنان معاقب أميركياً في كلّ الأحوال سواء تعامل مع سوريا أو لم يتعامل معها، وهو بحكم الجوار الجغرافي والتداخل السكاني والمعيشي والإجتماعي والإقتصادي لا تمتلك دولته، حتى ولو أرادت، وسائل منع هذا التعامل.

"قانون قيصر" له ما يليه في استراتيجية الإدارة الأميركية ففي 22 كانون الثاني من العام 2020 أعلنت "صفقة العصر" والهدف واضح، تصفية القضية الفلسطينية من طريق شطب هوية الشعب الفلسطسني وإلغاء حقوقه في أرضه (حق العودة، إقامة الدولة، تقرير المصير) وتهويد نهائي للقدس ومحوها من الذاكرة الإيمانية لدى المسلمين والمسيحيين وجعلها عاصمة أبدية للدولة اليهودية، والإستيلاء على الضفّة وطرد ما أمكن من الشعب الفلسطيني بمن فيه شعب المناطق المحتلّة في العام 1948.

من تداعيات هذه "الصفقة" الخطيرة على الأوضاع العربية بعامة والوضع اللبناني بخاصّة:

  • تحقيق هيمنة إسرائيلية مطلقة بدءاً بالتطبيع وانتهاء بالإعتراف بشرعية الكيان دولة صافية لليهود.
  • توطين الفلسطينيين في أمكنة إقاماتهم الحالية لقاء بدل مالي تتقاضاه الدول التي تتوزّع فيها تلك الأمكنة يدفع من خزائن الدول العربية الخليجية.
  • العمل على إدماج الفلسطينيين المقيمين حالياً، وربّما المرحّلين لاحقاً، في المجتمعات حيث هم من طريق تسهيل شروط الإقامة والعمل وصولاً إلى التجنيس وإلغاء الهوية الفلسطينية السياسية والحقوقية.

أنهي هذه السردية بانتصار غزّة 2021 وتداعياته على الوضع اللبناني. هذا الإنتصار ليس الأوّل الذي يسجّل لصمود غزّة ففي العام 2014 ألحقت غزّة بجيش العدو هزيمة عسكرية ميدانية وهزيمة نفسية وسياسية وإعلامية وهزيمة ديبلوماسية تمّ في إثرها إعلان دولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتّحدة.

إنتصار 2021 بدّل عنوان "صفقة العصر" فحوّله إلى "صفعة العصر" التي وجّهتها غزّة إلى جنود الإحتلال وقادتهم العسكريين والسياسيين وإلى القطعان الصهاينة الذين كانوا ينظّمون أنفسهم لاحتلال الأقصى المبارك.

إسقاط "صفقة العصر" بمندرجاتها كافة يعني بداية إجهاض مؤكّد لبند التوطين، والتشبّث بإقامة الدولة الفلسطينية فوق كامل التراب الفلسطيني يعني تثبيت الهوية الفلسطينية وحقّ العودة، وإسقاط مشروع الإعتراف بالكيان دولة يهودية عنصرية يعني القضاء على صيغة الكيانات الطائفية والمذهبية التي تدور في أذهان لبنانيين وغير لبنانيين، وإلحاق الهزيمة ب "الجيش الذي لا يقهر" يعني تعزيز منطق المقاومة المسلّحة.. هذا فضلاً عن:

  • أنّ تدمير غزّة على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ يعني أنّ الإرهاب هو هناك في ثقافة وسلوك الجنود الصهاينة وليس هنا في ثقافة وسلوك المقاومة.
  • وأنّ التطبيع مع الكيان لا يصنع له سلاماً أو يكرّس له وجوداً شرعياً في أرض فلسطين، فالقضيّة الفلسطينية هي قضية شعوب الأمّة وليست قضيّة أنظمة وحكّام..
  • إستكمال الإنتصار بإنجاز الوحدة الفلسطينية بين الضفة والقطاع وال48 والشتات يعني تحقيق السلم الأهلي تمهيداً لوضع إستراتيجية جديدة للمقاومة والتحرير، وهذا ما يريح وضع المخيمات ويحدّ من الإشتباكات بين الفصائل ويسهّل على الدولة اللبنانية كيفية التعامل معها. إنّ "سيف القدس" من أرض غزّة إلى القدس دليل قاطع وثابت على إمكان تحقّق الوحدة بين الفلسطينيين.

 

هذه السردية التي تناولت بعضاً من الأحداث المتشابكة والمتوالدة التي شهدتها الفترة الزمنية الممتدة من العام 1996 عام "مجزرة قانا" إلى العام 2021عام النشوة بانتصار غزّة تثبت أن لبنان هو مجمّع تفاعلات الأحداث في المنطقة بتداعياتها السلبية والإيجابية، وتثبت تالياً أنّ لبنان هو حالة دائمة لتظهير ما فيها من تناقضات مصالح أو تقاطعاتها، ذلك بفضل تكوينه المجتمعي وموقعه الجغرافي ومساحة حرياته ولعلّ في ذلك ليس من الخطأ القول إن لبنان حاجة لمحيطه قبل أن يكون ضرورة وجود لشعبه..  

كاتب لبناني وعميد سابق لكلية الآداب والعلوم الانسانية في الجامعة اللبنانية