بحوث ودراسات
أول من رفع صور الإيرانيين في صنعاء
من هو الحوثي المنشق الذي خسر كل أوراقه؟
حتى العام 2011 لم يكن أحد في اليمن قد سمع بعلي البخيتي عدا القليل من رواد موقع فيسبوك، كان نجمه قد بدأ بالسطوع قبل ذلك بوقت قصير كناشط على مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت في بروز جيل جديد من الشباب الذين سرعان ما حولتهم الأحداث المتلاحقة التي شهدتها البلاد إلى نجوم بعد انخراط الكثير منهم في الاحتجاجات المتصاعدة ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح والتي حظيت بتغطية إعلامية غير مسبوقة ساهمت في تسليط الضوء على “الثوار الشباب” المطالبين برحيل النظام ومن بينهم الشاب القادم من الظل، التواق للشهرة والمتعطش للأضواء.
ولد على ناصر قايد البخيتي عام 1976 في قرية “الملحاء” في بيئة ريفية في منطقة الحداء بمحافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء، بدأ حياته مثل العديد من أبناء منطقته، غير أن ظروفا غير معروفة تسببت في انتقاله إلى مدينة تعز عاصمة الثقافة اليمنية، حيث التحق بمدارس المدينة وحصل فيها على الثانوية العامة في العام 1995، انضم البخيتي كجندي في قوات الأمن المركزي وهو الأمر الذي اشتهر به أبناء منطقته الذين ينتهي المطاف بالكثير منهم في صفوف الجيش أو الأمن، غير أنه لم يستمر لفترة طويلة فقد كان الزي العسكري المموه لا يتسع لطموحات الشاب الصغير الذي بدأ يختلق المشاكل، فترك العسكرية والتحق بكلية الشريعة والقانون بإحدى الجامعات الخاصة وتخرج فيها عام 2005.
المحطة الأبرز في المرحلة الأولى من حياة البخيتي كانت اعتقاله من قبل الأمن السياسي اليمني في يوليو من العام 2008 عندما كان في طريقه إلى محافظة صعدة معقل الحوثيين برفقة صحافي هولندي، غير أنه ظل هو وقبيلته الذين نظموا عدة فعاليات للمطالبة بإطلاق سراحه ينكرون هذه التهمة ويقولون إنه اعتقل بينما كان في طريقه إلى محافظة مأرب (شرق صنعاء) برفقة سائح أجنبي، وإثر وساطات من قبل نافذين من أبناء منطقته تم إطلاق سراحه في 20 ديسمبر بعد ستة شهور قضاها في السجن، وروى تفاصيلها لاحقا في سلسلة حلقات نشرها في صفحته على الفيسبوك، واعترف فيها بأنه كان في طريقه بالفعل إلى صعدة يسبقه فضوله للتعرف عن كثب على جماعة الحوثي التي انضم إليها بعد ذلك.
مثلت احتجاجات العام 2011 الفرصة المواتية للبخيتي للتعبير عن مواهبه الكامنة وتطلعاته السياسية، فانضم لساحة الثورة الشبابية التي خرج منها للشارع اليمني من خلال التصريحات التلفزيونية التي كان أحد نجومها في تلك الفترة، فدأب على تقديم نفسه كقيادي في الثورة.
ترسخت علاقته بالحوثيين والتي بدأت قبل ذلك، فصار أحد أعضائهم الفاعلين في صفوف الثورة، كما قدم لهم العديد من الخدمات في منطقته باعتباره شيخا قبليا حتى ذلك الحين وحوّل منزله في محافظة ذمار إلى مقر للجماعة الحوثية، وكمكافأة له تم إرساله إلى كل من بيروت وطهران في نهاية العام 2011 حيث تلقى دورات سياسية وإعلامية مكثفة من بينها العمل تحت الضغط الاجتماعي الشديد.
تفسر بعض المصادر سبب تعمده، أثناء زيارته لطهران، نشر صور مستفزة من بينها تقبيل صور المرجعيات الإيرانية الخميني وخامنئي واستعراض عملات إيرانية، ونشر صوره وهو يمارس مهناً يعتبرها بعض اليمنيين معيبة اجتماعيا على اعتبار أن نشر هذه الصورة كان جزءا من التدريب الذي خضع له عل أيدي خبراء إيرانيين. واختتم زياراته تلك برفع صور القادة الإيرانيين، عند استقباله في مطار صنعاء، باعتباره أول من رفع هذه الصور بشكل علني في اليمن. وبرر بعد ذلك بسنوات هذا التصرف بأنه أراد من خلاله كسر حاجز الخوف لدى أعضاء الجماعة الحوثية الذين كانوا يتحرجون من إظهار أيّ ارتباط بالثقافة الإيرانية.
إفشال الحوار وتجميل الميليشيا
في العام 2013 بدأ البخيتي يشق طريقه السريع نحو الشهرة بعد اختياره من قبل الحوثيين ممثلا لهم في مؤتمر الحوار الوطني وناطقا باسمهم في المؤتمر. ويرى العديد من المراقبين أنه لعب دورا سلبيا من خلال إطلاق التصريحات السلبية، والسعي لإفشال الحوار بدءا من الجلسة الافتتاحية التي قام خلالها بمقاطعة رئيس المؤتمر، الرئيس عبدربه منصور هادي، معللا ذلك بالاعتراض على شكر أمين عام الحوار في كلمته للدول الغربية التي رعت مؤتمر الحوار ووجود السفير الأميركي في القاعة.
تكررت المواقف الصاخبة له في كافة مراحل الحوار المختلفة، وكأنه يطبّق ما تعلمه من دورات في بيروت وطهران، وتباينت التفسيرات حول مواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل، وذهب البعض إلى أنه كان ينفذ أجندة حوثية تهدف إلى إفشال الحوار الوطني، إلى جانب رغبته الشخصية في البقاء داخل دائرة الضوء.
وشهدت جلسات المؤتمر العشرات من المواقف والانسحابات للبخيتي والتي كانت تتزايد كلما اقترب المؤتمر من نهايته، ومن أبرز المواقف في هذا السياق توجيهه انتقادات لاذعة وصلت إلى التهديد المبطن لأعضاء لجنة صياغة وثيقة الضمانات في مؤتمر الحوار، وقام بنشر قائمة أسماها “قائمة العار” وقد كان من بين أعضاء اللجنة ممثل جماعة الحوثي أحمد شرف الدين الذي تم اغتياله وهو في طريقه للتوقيع على الوثيقة.
الانسحاب من الجماعة
انسحب الحوثيون من مؤتمر الحوار الوطني في جلسته الختامية في يناير 2014 كما كان متوقعا ورفضوا التوقيع على الوثيقة النهائية التي تضمنت مخرجات الحوار.
برر البخيتي ناطقهم الرسمي في المؤتمر، ذلك الموقف في تصريحات صحافية، واعتبر الحوار باطلا ووثائقه غير شرعية. وقد أرضى الدور الكارثي الذي لعبه في إفشال حوار اليمنيين الجناح الراديكالي في الجماعة الحوثية، وتم تعيينه عضوا في مجلسهم السياسي، كما استمر في دوره الإعلامي المبرر للحوثيين وتجميل صورتهم، ولعب دورا بارزا في التغطية الإعلامية على جريمة تهجير آلاف السلفيين من بلدة “دماج” بصعدة، وكل الانتهاكات الحوثية التي تلتها وصولا إلى دخول الميليشيا الحوثية إلى محافظة عمران ونهب وتفجير العديد من الممتلكات العامة والخاصة في طريقها نحو العاصمة.
في سبتمبر من العام 2014 اجتاحت الميليشيا الحوثية العاصمة صنعاء وقامت بنهب مؤسسات الدولة وطالت أيدي الميليشيا منازل المعارضين وممتلكاتهم فيما وصفت بأنها عملية انتقام بدائية لم يعرفها اليمن منذ عقود.
كان البخيتي قد عاد لممارسة مهنة المحاماة التي لم يعمل بها من قبل، ويرى العديد من المتابعين لمسيرته أنه استغل نفوذه في الجماعة الحوثية لحماية مصالح العديد من رجال الأعمال الذين لجأوا إليه. ويقال إنه جمع معظم ثروته في تلك الشهور القليلة من خلال شبكة المصالح الواسعة التي نشرها، قبل أن يصطدم بقيادات ميدانية حوثية رأت أن مصالحه تتعارض مع مصالحها نظرا لاتساع رقعة المصالح التي باتت تحت حمايته وهو ما دفعه للبدء بإطلاق تصريحات نارية ضد مراكز قوى أصيلة في الجماعة الحوثية وعلى رأس من استهدفهم إعلاميا في تلك الفترة عبدالكريم أميرالدين الحوثي عم زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي وأحد أكثر القيادات نفوذا.
كانت مواقف البخيتي السابقة ورصيده لدى زعيم الجماعة الحوثية كفيلين بحمايته لفترة من الزمن ولكن بشكل عكسي مع انهيار مصالحه التي اكتسبها خلال الفترة الماضية كمحام في العلن ومظلة حماية في الواقع للعديد من أصحاب رؤوس الأموال الذين لاذوا به بعد دخول الميليشيات صنعاء وشروعها في استهداف ممتلكات من يشتبه في معارضتهم للحركة الحوثية.
مغادرة صنعاء
تزايدت الوشايات ضده لدى عبدالملك الحوثي الذي كان لازال يضفي عليه بعض الرعاية، إضافة إلى رعاية شقيقه الأكبر والقيادي الحوثي البارز محمد البخيتي. لكنه شعر مبكرا مستعينا بموهبته في استشراف المستقبل أن أيامه مع الحوثيين باتت معدودة.
أخذ يمهد لانسحابه الناعم والسلس من خلال إطلاق الكثير من التصريحات الخافتة التي انتقد فيها الحوثيين وممارساتهم في صنعاء، وصولا إلى إعلان استقالته من المجلس السياسي لـ”أنصار الله” في يناير 2015. وهي الاستقالة التي بررها في رسالة مفتوحة لزعيم الجماعة بأنها من أجل “لعب دور آخر يساهم في تمتين اللُّحمة الوطنية والتخفيف من حدة الاستقطاب السياسي الذي بدأ في التحول إلى استقطاب مناطقي وطائفي وأصبح يهدد الوطن بالتفتت ونسيجه الاجتماعي بالتفسخ”.
وأضاف في نص استقالته والتي بدا أنها موجهة للمناهضين للجماعة أكثر من مؤيديها “كان رأيكم أن أتريث في إعلان الاستقالة حتى لا تُجيّرها بعض الأطراف ضد حركة أنصار الله خصوصاً وأن الصراع كان في مراحله الأخيرة وكان هناك أمل في الوصول إلى تسوية مع الرئيس وأركان السلطة، ونفذت رغبتكم تلك وأجّلت إعلان الاستقالة، لكن تسارع الأحداث وإعلان استقالة رئيس الجمهورية والحكومة يحتّم عليّ إعلان الاستقالة الآن لأتمكن من العمل من موقعي الجديد”، كما حملت الاستقالة العديد من التبريرات لمواقف البخيتي طوال الفترة الماضية وكأنه يتهيأ لممارسة دور سياسي مختلف في المرحلة المقبلة، مدعيا أن الدور الذي لعبه لصالح الحوثيين كان منطلقا من خلفياته اليسارية والمدنية وانتصارا لما تعرض له الحوثيون من ظلم خلال الحروب الست وليس إيمانا بأفكار ومبادئ الجماعة.
أخذت مواقف البخيتي منحى مختلفا عقب استقالته من جماعة الحوثي، وبدأ ينتقد العديد من قيادات الجماعة بشكل لافت، غير أن تغاضي الحوثيين عنه على غير العادة أثار الكثير من علامات الاستفهام، وقيل حينها إنه ظل على تواصل مع زعيم الجماعة وعدد من أعضاء المجلس السياسي الذين طلبوا منه الوقوف على الحياد والتوقف عن انتقادهم، لكنه رفض ذلك. فقرروا إرسال رسالة أخرى له خشنة هذه المرة، حيث تعرض للاعتداء من قبل نساء حوثيات عندما كان ينفذ مع مجموعة من الناشطين اليمنيين اعتصاما للمطالبة بالكشف عن مصير القيادي الإخواني المعتقل محمد قحطان في سبتمبر 2015.
وصلت الرسالة كما يبدو وأدرك البخيتي أن رصيده استنفد لدى الحوثيين وأن حياته باتت على المحك، فغادر صنعاء بعد أيام قليلة برفقة أسرته نحو العاصمة اللبنانية بيروت ومنها بدأ مرحلة جديدة تحت شعار “صناعة السلام في اليمن”، على الرغم من التهم التي توجه إليه بلعب دور بارز في إفشال مؤتمر الحوار الوطني قبل ذلك بعامين.
ولم يمض الكثير من الوقت قبل أن يستقر مع أسرته في الأردن لتسهيل مهمته الجديدة في لعب دور الوسيط بين الرياض وصنعاء، ويقال إنه حمل العديد من الرسائل من الرئيس السابق غير أن جهوده باءت بالفشل بعد أن خسر الكثير من أوراقه، ففضّل الجلوس لساعات طويلة أمام شاشات الكمبيوتر في منزله بعمان لبث التسجيلات المصورة التي يهاجم فيها الانقلابيين تارة والحكومة الشرعية تارة أخرى.