بحوث ودراسات

البحث في أساس الصراع  بين الفصائل الزيدية..

تحليل: اليمن الشمالي.. بؤرة صراع طويلة

مسلحون حوثيون في شمال اليمن

ياسر اليافعي (عدن)

أحداث مؤلمة، وصفحات مثقلة بتراكمات الأخطاء، وعقلية اثبتت فشلها في التفكير بمستوى الدولة، وبقائها ضمن التفكير القبلي الجدلي الزاخر بتأريخ من الدم الدمار ضمن سلسلة طويلة من الصراعات  بين فصائل" الزيدية "سواء الدينية او القبلية، والتي ظلت مستمرة عقود من الزمن وحتى اليوم.

شمال اليمن او اليمن الشمالي او ما تعرف الى قبل العام 90 بدولة " الجمهورية العربية اليمنية "، تمتلك تاريخ طويل من الاحداث المأساوية والظروف المعقدة اجتماعيا وتاريخياً وسياسيا، مما جعلها مشكلة متداخلة الصراع. 

شهد اليمن الشمالي خلال تاريخه أخطاء كارثية أنتجت واقعاً معقداً من الصراع  أضر اليمن الشمالي وشعبها، بعد ان كان الشماليون يأملون بان واقع ما بعد سبتمبر 62 سيخرجهم من بطش الإمامة وحكم الفرد، غير انهم وجدوا أنفسهم إمام مراحل أخرى من الصراع والنفوذ وعاشوا صراعات طاحنة وتعرض مسئولين وقيادات للتصفيات والاغتيالات في ظل الصراع على الحكم.

  • الزيدية بين "الملكيين والجمهوريين":
  • عرف اليمن الشمالي النظامالملكي، منذ نشأة المملكة المتوكلية اليمنية، وحتى حداث 26 سبتمبر 1962، وأُسْتُغِل الدين كأداة بيد القابضين على السلطة، لتبرير شرعية الهيمنة، وكوسيلة لتثبيت النظام الاقتصادي، والاجتماعي القائم، وهكذا فُسِّرت عدم طاعة الإمام، بأنها تعني معصية الله، وخروجاً على تعاليم الدين. فالإمام يحي، ومن بعده الإمام أحمد، حمل كل منهما لقب أمير المؤمنين، ليوهما الناس، أن سلطاتهما السياسية والدينية، تستمد أصولها من المبادئ القرآنية والتقاليد النبوية الشريفة. (1)( ويكبيديا).

الا انه ومنذ الإطاحة بنظام الإمامة، شهدت سنوات ما بعد 62 صراعا بين الجمهوريين والملكيين والتي كان اخر فصولها " حصار السبعين " وتمثل بحصار الملكيين صنعاء طيلة 70 يوماً (من 25/ نوفمبر1967 الى 8/ فبراير 1968)، غير انه انتهي بانتصار الجمهوريين. 

 ومنذ ذلك الحين وتحويل النظام في الشمال الى نظام " جمهوري " إلا ان الصراع انتقلالىً داخل تيار الجمهوريين، فتعرض أول رئيس جمهوري للجمهورية العربية اليمنية  " عبدالله السلال " للإنقلاب اثناء زيارته للعراق في نهاية 1967، تلته عملية تشكيل "مجلس رئاسي " من ثلاثة أمناء، برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني.

تعرض مجلس الارياني للإطاحة بانقلاب، وتشكيل " مجلس عسكري " تحت اسم " حركة 13 يونيو التصحيحية"مكون من سبعة عقداء برئاسة المقدم إبراهيم الحمدي، غير انه " الحمدي " تعرض للاغتيال، وتولى أحمد حسين الغشمي السلطة لأقل من عام، وتعرض هو الاخر للاغتيال، وتولى عبد الكريم العرشي رئاسة الجمهورية، الا انه تعرض للاطاحة  بسبب ضغوط   وتولي المقدم علي عبد الله صالح السلطة في 18  يوليو 1978م.

كانت مرحلة صالح قد شهدت تحولات كبيرة، منها الدخول في " الوحدة اليمنية " مع اليمن الجنوبي في 1990، ومن ثم احتلال الشمال لدولة الجنوب في 1994، وأدت التغيرات الى عودة ظهور الإمامة " الملكيين " بتشجيع " صالح " ضمن اللعب على المتناقضات،  وتعرض للإطاحة في 2011، وتولى الرئيس الجنوبي " عبدربه منصور هادي" رئاسة اليمن الموحدة، وتم الانقلاب على سلطته في 2015 من قبل  " الحوثيين المدعومين من ايران " وحليفهم "  صالح " وتم اخراج هادي من صنعاء، ودخلت البلد في حرب استدعت تدخل الدول العربية، وخلص الامر في صنعاء الىاغتيال " صالح " على ايدي الحوثيين في 2017.

 

  • صراعات فصائل الزيدية:

رغم تحول النظام في الشمال من الملكي الامامي الى الجمهوري، إلا ان القوى الزيدية ظلت تتصارع على الحكم تحت يافطة " الجمهوريين"، ضمن صراع  الطائفية السياسية التي تعتبر العقدة التاريخية التي كان لها الأثر الأكبر في تأجيج كل الصراعات التي تعاقبت على الشمال، منذ ما يزيد على أكثر من ألف ومائتي سنة، وقد كان البعد المذهبي والمناطقي، حاضرا بقوة في محاولة للاستئثار بالسلطة والثروة من الاقلية الزيدية على امتداد مراحل الصراع بالشمال.

فتجسد الصراع بين الشماليين قبل سبتمبر وبعده وحتى اليوم في حالاتصراع بين  " الزيدية القبلية  " و "الزيدية الدينية " على النفوذ والسلطة والثروة وتعد امتدادا طبيعي لحالات الصراع التاريخية بين الزيدية، إلا ان الصراعات لم تأخذ بعدا طائفا لان الصراع هو صراع اجتماعي سياسي بالأساس لانه صراع من أجل السلطة والثروة بالأساس وهذا هو الصراع الازلي في الشمال رغم محاولة بعض متطرفي الزيدية خلق حالة من الانقسام المذهبي. 

ومما زاد من الصراع داخل الفئات الزيدي، هو سيطرة نظام الشمال بقيادة " صالح " على الجنوب وثرواته ، وبدأت اطماع اقطاب الصراع الزيدي الشمالي تكشر انيابها للاستيلاء على السلطة، وهو ما جعلهم فيما بعد يطيحون بأول رئي جنوبي شافعي يرأس اليمن الموحدة.

كان أبرز التحولات  في صراع قوى الزيدي بالشمال، هو " حروب صعدة " التي شنها نظام صالح على الحوثيين بتهمة مساعيهم لتشكيل حركات مسلحة، وبدأت الحروب في يونيو عام 2004 عندما اعتقلت السلطات اليمنية حسين الحوثي، وتفجرت الحرب في محافظة صعدة وانتقل إلى الجوف وحجة وعمران. (المعهد المصري للدراسات).

 

  • فشل احزاب وقوى الشمال:

منذ تشكل الاحزاب السياسية باليمن، ودخولها في العمل السياسي بشكلها الظاهري، أخلت تلك الاحزاب ببدايات عملها السياسي، وأخلت بالقواعد الادارية للعمل الوطني العام وأطره السياسية.

وفي الفترة منذ الدخول في خطأ الوحدة اليمنية، التي تلتها مرحلة تشكيل الاحزاب بشكل أكبر، ظلت تلك جامدة وعاجزة عن وضع حلول للأزمات السياسية التي عصفت باليمن، ومنها ( القضية الجنوبية – ومشكلة صعدة  - وقضايا وازمات سياسية تتعلق بنظام الحكم وشكله والاصلاحيات السياسية وفقدان اليمن للسيادة – وظهور الإرهاب وتغذيته من اطراف سياسية وعسكرية حاكمة – وبروز مشاكل اجتماعية خطيرة )، فظهرت الأحزاب والقوى اليمنية وهي تدور حول دائرة مفرغة ومتاهة أدت الى دخول اليمن في صراعات وحروب كارثية، آخرها انقلاب ( الحوثيين وصالح ) بالقوة المسلحة، وإدخال اليمن شمالا وجنوباً في حرباً كارثية لا تزال مستمرة حتى اليوم.

وتتلخص أزمة الأحزاب والقوى اليمنية المشتغلة في الجانب السياسي، بأنها لا تملك مشاريع حقيقية، وليست لديها رؤى لحل أزمات اليمن، فهي لا تزال تتمسك بمواقف سياسية قاصرة تجاه الازمات والاحداث والتطورات في اليمن، وانعكاس تلك الازمات بشكل خطير على الدول المجاورة والمنطقة العربية بأكملها.

 

  • الجنوب غنيمة للشمال:

في مختلف مراحل التأريخ، نظرت القوى الشمالية سواء الزيدية او الشافعية في مناطق الوسط والتي كانت تعمل مع حكام " الهضبة الزيدي " الى ان الجنوب  " غنيمة " واطلق شيخ قبائل الشمال عبدالله بن حسين الاحمر على الجنوب وصف يعتبر منهج لقوى الشمال وهو " ان الجنوب فرعاً عاد للأصل "  .

فرضت الزيدية الشمالية نفوذها على كامل اراضي الشمال والجنوب اللذين توحدت دولتيهما في 90م، بشكل مفاجئ وخاطئ، غير ان ذلك لم يجعل نظام صالح في مأمن من القوى الزيدية بالشمال التي حاولت احياء صراعات تأريخية معه تعود لحقبة " الملكيين والجمهوريين"

في الجانب الاخر كان الجنوبيين قد فاض بهم الكيل، بعد 2006 ونجاح صالح بالانتخابات الرئاسية بالقوة والتزوير، ليطلقوا شرارة ثورة " الحراك الجنوبي السلمي " وهي التي طالبت باستعادة دولة الجنوب وانهاء الوحدة اليمنية وفك الارتباط بين الدولتين.

ويحكي تاريخ ومواقف قوى " حرب 94 " الشمالية التي احتلت فيها دولة الشمال دولة الجنوب، لم يكن هناك توجهاً ما أو حسن نوايا تبديها حكومات صنعاء وسياسييها وأحزابها  بشأن الجنوب وما تعرض له من دمار وتخريب ونهب من قبل نظام الحرب الشمالي.

فكانت كل الحكومات الشمالية مدعومة بمواقف الاحزاب التي تعتبر " معارضة" جميعها قد عمدت بكل الوسائل على محاولة إنهاء القضية الجنوبية وتحجيمها وإلغاء مطالب الشعب الجنوبي الحقوقية والسياسية المشروعة والتي لا يختلف عليها أثنان .

منذ ما بعد حرب 94، صار الجنوب مقصياً ومهمشاً سياسياً، وهو ما عززته القوى والأحزاب الشمالية باستقطابات واسعة في الجنوب، للأعضاء والقواعد الجنوبية التي ارتضت ان تكون جزءاً من أحزاب شمالية ( المؤتمر الشعبي العام – التجمع اليمني للإصلاح – التنظيم الوحدوي الناصري ) وغيرها من الأحزاب والحركات المستوردة من الشمال. وكل ذلك كان عملاً ممنهجاً لتغييب الحضور السياسي الجنوبي، وإقصاء الصوت الجنوبي واخراجه من المعادلة السياسية في اليمن، وتفرد الشمال بالمسارات السياسية والسياسات الخارجية لليمن.

كل ذلك جاء وفق خطط ومناهج منظمة، اتخذها نظام الشمال واحزابه، لإنهاء الجنوب من الوجود ( جنوب الانسان والتأريخ والكيان والثقافة والثروة )، وتعزيز فكرة ( ان الجنوب فرعاً عاد الى الأصل )، وبالتالي استفراد قوى وأحزاب الشمال بمصير اليمن شمالا وجنوباً، وتقاسم النفوذ والسلطة والثروة فيما بينهم، دون مراعاة للحق التأريخي الجنوبي في الحضور السياسي والشراكة في تحقيق ( الوحدة اليمنية ) وتقديم كل إمكانيات دولة الجنوب ( جهورية اليمن الديمقراطية الشعبية  وتاريخها وثقافتها وانظمتها وقوتها العسكرية والأمنية) من اجل الوحدة اليمنية.

وبعد فشل تلك الوحدة، ومحاولة الجنوب بالعودة الى وضعه السابق، كان الشمال جاهزاً للانقضاض على دولة الجنوب، وتنفيذ خطته الممنهجة لضرب الجنوبيين وتهميشهم سياسيا واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، حتى لا تقوم للجنوبيين قائمة، ويعودوا للمطالبة بحقهم في استعادة استقلال دولتهم التي دخلت في وحدة يمنية فاشلة، ومن ثم تم احتلالها بحرب غاشمة عام 1994م.

 

  • احتلال الشمال للجنوب:

 

كان خطأ جسيماً ما ارتكبته قوى الشمال الزيدية تجاه الجنوب، عندما قامت باجتياح الجنوب واحتلاله حيث كان مخالفة صريحة وواضحة وتحدي لقراري مجلس الأمن (رقم 924 و 931 لعام 1994) اذ نص قرار مجلس الأمن الرقم (924) لسنة 1994، والذي اتخذه بالإجماع في جلسته الرقم (3386) المنعقدة بتاريخ 1 يونيو 1994م، وهو ما نص على " الدعوة لوقف إطلاق النار بشكل فوري، ويذكر كل من يهمه الأمر أنه لا يمكن حل الخلافات السياسية باستخدام القوة ، ويحثهم على العودة فوراً إلى المفاوضات، وبما يسمح بحل الخلافات بينهم بالوسائل السلمية وإعادة إحلال السلم، والاستقرار ". 

 

فيما نص القرار نص قرار مجلس الأمن رقم (931) لعام 1994، والذي تم اتخاذه بالإجماع في جلسته الرقم (3394 ) ،المنعقدة في 29 يونيو عام 1994 والذي نص على " يكرر تأكيد مطالبته بوقف إطلاق النار فورا،  ويشدد على أهمية وجود وقف إطلاق نار يشمل جميع العمليات الأرضية، والبحرية، والجوية،وتنفيذه تنفيذاً فعالاً بما في ذلك وجود أحكام تتعلق بوضع الأسلحة الثقيلة في أماكن تجعل عدن خارج مرماها - ويكرر تأكيد أن الخلافات السياسية لا يمكن حسمها عن طريق استعمال القوة ويأسف لتوقف كافة الأطرف المعنية عن استئناف الحوار السياسي فيما بينها ويحث على القيام بذلك فوراً دون أية شروط مسبقة لكي تتيح لذلك التوصل إلى حل سلمي لخلافاتها، واستعادة السلم، والاستقرار، ويطلب إلى الأمين العام، ومبعوثه الخاص دراسة السبل المناسبة لتيسير هذه الأهداف " .

وكان لمجلس التعاون الخليجي، موقفه الواضح من احداث اليمن عام 1994، إذ اعلن في الدورة الحادية والخمسين للمجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي بمدينة ابها الموافق 25-26 ذو الحجة 1414هـ 4 – 5 يونية 1994م، بأن " الوحدة اليمنية 90، لا يمكن ان يستمر الا بتراضي الطرفين، ولا يمكن للطرفين التعامل في هذا الاطار، الا بالطرق والوسائل السلمية. وتقديرا من المجلس لدوافع المخلصين من ابناء اليمن في الوحدة فانه يؤكد انه لا يمكن اطلاقا فرض هذه الوحدة بالوسائل العسكرية".

وكان مجلس التعاون الخليجي قد استشعر خطر الاحداث في اليمن، وأكد في قراره ذات الصلة بقوله: "  كما يبين المجلس ان استمرار القتال لا بد وان يكون له مضاعفات ليس على اليمن وحده وانما على دول المجلس مما سيؤدي بها الى اتخاذ المواقف المناسبة تجاه الطرف الذي لا يلتزم بوقف اطلاق النار". وهو ما حصل اليوم بعد 23 عاما من تلك الاحداث، إذ باتت الاوضاع في اليمن خطراً على المنطقة برمتها.

من هنا كانت جذور المشكلة في اليمن، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، حيث تم بعد عام 1994م، ممارسة انتهاكات جسيمة شملت ممارسات سياسة التمييز والتفرقة العنصرية، واحالة مئات الالاف من الموظفين الجنوبيين في قطاعات الامن والجيش والقطاع المدني والمؤسسات الى التقاعد القسري، ونهب وتدمير تلك المؤسسات التي كانت تزخر بها دولة اليمن الجنوبي، فيما مورست اغتيالات وتصفيات بحق الاف الكوادر الجنوبي، وارتكبت جرائم حرب ترتقي في بعض الحالات الى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وفي السياق الامني، كانت احداث 94 هي البداية لخلق أوضاع أمنية خطيرة تهدد ( الأمن والسلم الدوليين ) منذ إستجلاب الارهاب الى اليمن، من قبل قوات الشمال، بحجة محاربة ( الكفرة ) حيث تم استجلاب الالاف من افغانستان ممن كانوا يسمون ( المجاهدين العرب ) بناء على فتاوى ( الاخوان المسلمين – حزب التجمع اليمني للاصلاح ) إحدى جناحي  ( تحالف الشمال في 94 ) والذي لم تقتصر فتاويهم الدينة على محاربة شعب الجنوب، بل تعدت الى تكفير الشعب وتحليل دمه وقتاله.

  • مواجهة الجنوبيين للشمال:

كان نظام واحزاب وقوى اليمن الشمالي " الزيدية " قد أمسكوا بزمام حكم اليمن كاملا عقب فشل المشروع الفاشل  المسمى" الوحدة اليمنية " مع اليمن الجنوبي او " جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ". وخاصة بعد احتلال الجنوب عام 1994، حيث حولوا الدولة الى اقطاعية لمتنفذين ومشائخ قبائل، وسادت مصالحهم فوق قوانين الدولة، وذلك ما كان سبباً للخلاف بين قيادات الشمال وقيادة دولة الجنوب التي وقعت تلك الوحدة، وزادت ممارسات ما بعد احتلال الجنوب عام 94 من الضيم والظلم والمعاناة التي لحقت بالجنوبيين.

ونتيجة لتراكمات الاخطاء السياسية الطويلة، النابعة من شمال اليمن والتي تسببت بكوارث لا تزال مستمرة، وفي ظل اصرار قوى واحزاب الشمال على السير بتلك الاخطاء حتى في أحلك الظروف التي تعيشها البلد.

وبعد وصول الجنوبيين الى طريق مسدود عقب انتخابات 2006م، كان لشعب جنوب كلمته ومارسها فعلياً منذ تأسيس ثورته السلمية متمثلة بـ( الحراك السلمي الجنوبي ) عام 2007م، وتعرض منذ ذلك الحين الى جرائم قتل وإبادة جماعية بحق المتظاهرين السلميين، جراء استخدام العنف من قبل قوات نظام اليمن الشمالي التي فرضت نفسها بالقوة المسلحة، وهو ما زاد من اصرار الجنوبيين على مواصلة ثورتهم لمواجهة طغيان نظام الشمال.

فكان ذلك هو قضية القضايا في اليمن، بين ( الجنوب والشمال ) والتي أدت الى تفكك منظومة حكم صنعاء وعجزها عن مواصلة نهجها، دون وجود أي حلول جدية او جذرية لــ" قضية الجنوب " رغم اعتراف كل قيادات الشمال واحزابها بأن القضية الجنوبية هي ( مفتاح الحل لمشاكل اليمن )، إلا ان اقوال تلك الاحزاب شيء وممارساتها شيء آخر.

 

 

  • التحالف العربي والشمال:

لا شك أن  تراكمات الاخطاء السياسية  خلال السنوات الماضية، أدت الى انفجار الوضع في اليمن، خاصة مع ظهور قوى وحركات جديدة في شمال اليمن، لها خصوماتها السياسية والتأريخية المتعلقة بأحداث ثورة 26 سبتمبر 1962، والتي كانت ابرزها ( حركة الحوثيين ) التي شكلت تحركاتها إشعال فتيل النيران، وتداخلت أهدافها مع أهداف قوى خارجية ممثلة بـ( إيران ) الساعية لتحقيق مشروعها العدواني على الدول العربية، والطامعة الى السيطرة على باب المندب وعدن، لخنق دول الخليج واقلاق امنها الاقتصادي والجيواستراتيجي. وهو ما استشعرته الدول العربية في آخر اللحظات، لتتدخل لإنقاذ اليمن من السقوط بأيدي إيران وأدواتها.

وتدخل التحالف العربي في اليمن لكسر مشروع ايران الذي يحمله الحوثيين، حيث لا تزال الحرب مستمرة حتى اللحظة منذ مارس 2015م.

ومع التركيبة الغريبة لقوى واحزاب الشمال، يبقى التحالف العربي في مأزق التعامل مع تلك القوى التي تعتبر مشكلة رئيسية، اذ ترفض حسم الصراع والحرب بصنعاء، وترفض انهاء الحرب من جهة أخرى.

ورغم التعامل الكبير من قبل اكبر دول التحالف العربي مع قبائل وقوى الشمال، وصرفها الاموال الطائلة، إلا ان الحرب الاخيرة اثبتت تعقيد المشهد في شمال اليمن.

 

  • المجلس الانتقالي الجنوب وقوى الشمال:

لم تستوعب القوى والأحزاب السياسية اليمنية ( القبلية بالاساس) وجود جهة او قوة سياسية جنوبية حقيقية تحمل مشروع سياسي يمثل الجنوب، خاصة ان هذا القوى والأحزاب السياسية ( الشمالية ) ظلت تلعب في الساحة السياسية اليمنية منفردة، وفي ظل غياب كامل لأي قوة سياسية جنوبية تمثل غالبية الشعب الجنوبي، وقواه الثورية وفي مقدمتها الحراك الجنوبي السلمي. بل وتمثل صوت الجنوب باعتباره شريكاً في ( الوحدة اليمنية ) بعد ان تم تهميش ( الحزب الاشتراكي اليمني ) واضعاف صوته وضرب قواعده السياسية .

احداث تأريخية شمالية:

1918استقلال شمال اليمن من الدولة العثمانية وتأسيس الإمام يحيى حميد الدين للمملكة المتوكلية اليمنية.

1948 قيام   " ثورة الدستورواغتيال الإمام يحيى حميد الدين ، وتولي نجله نجله الحكم وقمع الثورة وإعدام قادتها.

1955 قيام إنقلاب 1955بقيادة المقدم أحمد الثلايا ضد الإمام أحمد ومحاصرة قصرة في تعز، والقبائل تهاجم المدينة وتفشل الإنقلاب واعدام الثلايا وضباط الإنقلاب.

1959  قيام تمرد 1959 في اليمنمن عدد من مشائخ حاشد وقادة من الجيش ضد الإمام أحمد يحيى حميد الدين الذي كان يتعالج فيإيطاليا، بدعم من نجله البدر، ولكن فشل التمرد بعد أن عاد الإمام أحمد من رحلته وألقى خطاب في الحديدة هدد فيه قادة الإنقلاب.

1961  محاولة اغتيال الإمام أحمد 1961في مستشفى الحديدة يقوم بها الضباط الأحرار «العلفي - واللقية – والهندوانة.

1962  تفجيرثورة 26 سبتمبرعلى أيدي الضباط الأحرارضد الحكم الإمامي بمساعدة من مصر وقتل الإمام أحمد وقيام الجمهورية العربية اليمنية برئاسة عبدالله السلال.

1967 انقلاب ضد المشير عبد الله السلال اثناء زيارته للعراق، وتشكيل مجلس رئاسي من ثلاثة أمناء، برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني.

1974  إنقلاب أبيض على القاضي الارياني وتولي السلطة مجلس عسكري مكون من سبعة عقداء برئاسة المقدم إبراهيم الحمدي.

1977 اغتيال إبراهيم الحمدي ، وتولى أحمد حسين الغشمي السلطة لأقل من عام.

1978  اغتيال أحمد حسين الغشمي بحقيبة مفخخة ، وتولى عبد الكريم العرشي رئاسة الجمهورية، وتنحي عبد الكريم العرشي عن الرئاسة وتولي علي عبد الله صالح السلطة.

 1990 دخول الشمال في وحدة مع دول الجنوب.

1994  الشمال يحتل دولة الجنوب بعد حرب بين الدولتين.

2007 انطلاق ثورة الحراك الجنوب ضد نظام الشمال المحتل.

2011 انطلاق ثورة شباب التغيير وتسليم صالح كرسي الرئاسة الى نائبه هادي.

2014 ظهور الحوثيين وسيطرتهم على صنعاء.

2015 الحوثيون يسيطرون على اليمن ويتوجهون لاعادة احتلال الجنوب والتحالف العربي يتدخل.

 ومن هذا المنطلق تشعر تلك الأحزاب والقوى اليمنية التي غالبيتها تمثل ( الشمال ) بان وجود قوة سياسية جنوبية يشكل خطراً عليها، وعلى مستقبلها في الجنوب واحلامها في التفرد بالحكم والتصرف بالثروات التي غالبيتها ثروات جنوبية، رغم عدم امتلاك الأحزاب والقوى الشمالية أي مشاريع حقيقية للنهوض والتنمية باليمن شمالا وجنوباً.

ولهذا تخشى القوة والأحزاب اليمنية ( الشمالية ) من ظهور أي قوة سياسية جنوبية اليوم، بعد الاحداث والتطورات ( حرب 2015 وعاصفتي الحزم وإعادة الامل ) وما نتج عنها من واقع جديد في الجنوب خاصة واليمن بشكل عام.

من هذا المنطلق، ت أحزاب وقوى اليمن ان وجود ( المجلس الانتقالي الجنوبي ) كقوة سياسية جنوبية، يشكل خطراً عليهم، ولابد من وأده والعمل ضده، وانهاءه، حتى لا يتسنى له العمل السياسي في الخارج والداخل الجنوبي، وسحب البساط من تلك الأحزاب اليمنية التي ظلت تحتكر التمثيل السياسي، وتعبث بالعملية السياسية، وتهمش الجنوب سياسيا، وتمنع أي حضور له في العملية السياسية اليمنية، وفي المحافل الخارجية.

 

 

  • الشمال المشكلة:

يشكل الأساس التأريخي في شمال اليمن أسوار سميكة ومرتفعة من العزلة والتخلف الشديدين، مما جعل حاضر الشمال قاتماً، وفي طور التحول الى (بؤرة صراع مستمرة )، خاصة مع عدم وجود قوة سياسية حديثة تعمل مع الجميع على صنع الاستقرار وعدم الاضرار بمصالح وحدود دول الجوار لا سيما المملكة العربية السعودية.

 

فالحرب الاخيرة جعلت الشمال على ( كف عفريت ) دون وجود أي قوة أو بديل يمكن ان ينقذ الموقف، ويمسك زمام القيادة بالشمال، فالخيارات ضيقة جداً، ويجعل وضع الشمال ( مشكلة حقيقية ) في ظل وجود الحوثيين الذي يشكلوا تهديداً للسلم والامن في المنطقة، فضلا عن تسببهم بالحرب والدمار، وتبنيهم خيارات " ايرانية " خطيرة على المنطقة والدول العربية.

وبالمقابل يشكل الاخوان المسلمين " حزب الاصلاح " خطراً على المنطقة، اذ تصنف دول عربية ودولية الاخوان كجماعات ارهابية، ويرفضون ان يتصدر الاخوان المشهد في شمال اليمن.

من جهة أخرى اصبح المؤتمر الشعبي العام التابع لصالح، أثراً بعد عين، منذ مقتل صالح على ايدي الحوثيين عقب الخلاف بين الطرفين اللذين انقلبا على سلطة هادي، وصار حزب المؤتمر المصنف بحزب " ليبرالي " نسبياً مشتتاً بين عدة اطراف، وتتقاذفه ايادي قيادات المؤتمر التي عملت مع صالح وأصبحت منقسمة الى اجزاء.

  • الشمال بؤرة لجماعات الارهاب:

وفي تطورات المشهد الجاري اليوم، تشير الأوضاع الى ان جماعات إرهابية كبيرة أصبحت مستقرة بالشمال، وتقيم تدريبات ومعسكرات في عدد من محافظات الشمال وفي مقدمتها ( مأرب والبيضاء وتعز ).

وتلك الجماعات الإرهابية التي كان يمولها نظام وقوى وأحزاب الشمال بالجنوب، خلال الفترات الماضية تلقت ضربات موجعة من قوات الأمن الجنوبية، فلجأت الى الهروب لمحافظات الشمال، حيث تتلقى الدعم والتمويل والحركة بحرية في ظل بيئة جاذبة ضمن الحرب القائمة، والتي تعتبر في جزئية منها صراع طائفي.

 

مقديشو تدعو لإخراج القوات الإثيوبية وأديس أبابا ترفض التراجع.. هل يمكن احتواء التصعيد؟


رسائل إيرانية حازمة: الرد على الهجمات الإسرائيلية قادم بعد الانتخابات الأميركية


مجلس الوزراء السعودي يستعرض تطورات إقليمية ودولية ويعزز التعاون مع دول العالم


السباق الرئاسي الأميركي: أحداث مفصلية وتوترات متصاعدة تغير مسار الانتخابات