بحوث ودراسات
مهمة سعودية مزدوجة..
اليمن: انقلاب محاصر وشرعية مضطربة ومسارات حتمية للحل
طرأت تغييرات كثيرة على خطاب مجلس الأمن الدولي وبياناته بشأن الوضع في اليمن، وبات أكثر دقة ووضوحا عند الحديث عن العقبات في طريق الحل السياسي وتسمية الأطراف المتسببة في عرقلة أي تقدم بأسمائها، ما يعني أن هناك إصرارا دوليا على الخروج من المأزق اليمني في أقرب وقت ممكن، نظرا إلى تأثيرات الوضع على المنطقة وعلى التجارة الدولية، عبر باب المندب، وعلى الحرب ضدّ الإرهاب.
وأدان أحدث بيان صادر عن مجلس الأمن، بالتزامن مع الذكرى الثالثة لإنشاء تحالف دعم الشرعية في اليمن وانطلاق عاصفة الحزم، تهديدات الميليشيات الحوثية، المدعومة من إيران، للملاحة البحرية، داعيا إلى ضرورة تفتيش السفن القادمة لليمن لمنع تهريب السلاح.
تمر الذكرى الثالثة لإنشاء تحالف دعم الشرعية في اليمن وانطلاق عاصفة الحزم في ظل تحولات كبيرة تعصف بالمشهد اليمني، ورغبة دولية في إيجاد مخرج للأزمة اليمنية واستثمار التقدم العسكري والسياسي الذي حققه التحالف العربي وساهم في تهيئة الأرضية لأي دور أممي ودولي قادم لحل الصراع في اليمن |
وانتقد البيان بأشد العبارات الهجمات بالقذائف والصواريخ، والتي يشنها الحوثيون على المملكة العربية السعودية، مبديا قلقه بصفة خاصة من هجمتي نوفمبر وديسمبر 2017، اللتين جرى فيهما عمدا تعريض مناطق مدنية للخطر.
وفي دعم لما جاء في بيان مجلس الأمن، حذّر وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس الكونغرس من المساس بالتزام الولايات المتحدة تجاه اليمن حيث تدعم واشنطن العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية.
ومن المتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع المقبل حول مسألة انخراط الولايات المتحدة في الحرب في اليمن، حيث يدعم السعوديون الحكومة اليمنية في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران.
واستبق ماتيس قرار الكونغرس بتحذيره من أن أية قيود سيتم فرضها على الدعم الأميركي قد تضرّ بالمدنيين في اليمن وتزيد من خسائرهم؛ وهو ما حذر منه بيان مجلس الأمن الذي استنكر قيام الحوثيين بتعريض حياة المدنيين للخطر وتجنيدهم للأطفال وعرقلة عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار.
وكتب الوزير أن “قيودا جديدة على هذا الدعم العسكري الأميركي المحدود يُمكن أن تزيد الخسائر المدنية، وتُعرّض للخطر التعاون ضد الإرهاب مع شركائنا، وكل ذلك من شأنه أن يزيد من تفاقم الوضع والأزمة الإنسانية”.
وذهب في التحذير ذاته جيرالد فييرستين، سفير الولايات المتحدة السابق في اليمن، الذي كتب في مقال نشرته مجلة ناشيونال إنترست أن إنهاء الحرب في اليمن يجب أن يكون أولوية بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وشركائها.
وفي انتقاده لتأخّر المجتمع الدولي في تعامله الحازم مع الحوثيين، كتب فييرستين قائلا “في الوقت الذي كان فيه المجتمع الدولي يتحاور بشكل منتظم مع حكومة عبدربه منصور هادي وشركائها في التحالف، لم يبذل، في المقابل، الكثير من الجهد للضغط على الحوثيين أو مؤيديهم الإيرانيين للعودة إلى مفاوضات ذات معنى وهدف”.
واليوم تبدو خطوة العودة إلى المفاوضات صعبة، بعد ما حققه الحوثيون من تقدم في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، إلا أنها ضرورية وفق الخبراء، ومنهم فييرستين الذي يرى أن للمجتمع الدولي مصلحة حيوية لضمان صمود اليمن وعليه المشاركة الناجحة لمنع سقوطه.
وبعد الجمود الذي سيطر على العملية السياسية بقيادة الأمم المتحدة طوال الثمانية عشر شهرا الماضية، مقابل التقدم الميداني الذي تحققه قوات التحالف العربي، برزت مؤشرات على الاقتراب من الإعلان عن مبادرة جديدة للحل في اليمن تحظى بدعم دولي وإقليمي.
وقد يتم الدفع باتجاه تحويل هذه المبادرة إلى مبادرة دولية تحت غطاء مجلس الأمن الدولي الذي كشف أنه سيكون أقل تسامحا هذه المرة مع أي طرف يعمل على عرقلة مساعي إنهاء الحرب في بلد مزقته المشاريع الصغيرة للفرقاء المحليين والتدخلات الإيرانية التي أرادت تحويل اليمن إلى بؤرة توتر في خاصرة الخليج العربي عدم استقرارها يؤثر على استقرار العالم واقتصاده وتجارته بشكل أشمل.
عاصفة الحزم
دفع عدم وضوح موقف المجتمع الدولي مما يجري في اليمن وخطوات الأمم المتحدة المتثاقلة في التعاطي الواضح مع التهديدات المتصاعدة والعابرة للحدود اليمنية، السعودية إلى إعلان عاصفة الحزم دفاعا عن أمنها وحدودها التي كان واضحا أنها محل استهداف للحوثيين، وجاءت عاصفة الحزم في إطار تحالف دعم إعادة الشرعية.
قطع التحالف العربي شوطا مهما في تحقيق أهدافه الرئيسية التي أعلن عنها صبيحة انطلاق عمليات عاصفة الحزم في 25 مارس 2015، وتغيرت خارطة النفوذ بشكل كبير؛ فبعد أن كان الحوثي يسيطر على معظم مساحة اليمن الجغرافية من دون أي تواجد للأطراف اليمنية الأخرى، أصبح بعد ثلاث سنوات محاصرا في أقل من ربع مساحة اليمن، ويكافح في سبيل الحفاظ على آخر منفذ له على البحر الأحمر في محافظة الحديدة التي تمكن التحالف العربي والجيش اليمني من التوغل جنوبها بعد تحرير مناطق وموانئ استراتيجية هامة على الساحل الغربي.
واليوم تبدو الأرضية مناسبة لتحقيق ما دعا إليه جيرالد فييرستين، في مقاله، من أنه على وزراء خارجية أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات وعمان أن يضعوا استراتيجية واضحة لدعم عملية الأمم المتحدة، التي من شأنها أن تشير إلى الأطراف والشركاء في توقعاتهم الدولية لما يمكن أن يكون حلا مقبولا وقابلا للتحقيق في الصراع الأساسي.
يعيش الحوثيون عزلة سياسية خانقة، بالرغم من محاولاتهم الحثيثة عقد صفقة سياسية من أي نوع تعيدهم إلى الواجهة وتعترف بهم كطرف وحيد يمثل معسكر الانقلاب بعد مقتل الرئيس علي عبدالله صالح وإنهاء الشراكة بين المؤتمر والجماعة الحوثية.
لا تخفي الميليشيات الحوثية تخوّفها من نمو قوة عسكرية جديدة بقيادة نجل شقيق صالح العميد طارق محمد صالح الذي تمكن من جمع الآلاف من جنود وضباط الحرس الجمهوري والقوات الخاصة السابقة استعدادا للانخراط في معارك تحرير اليمن.
وفي الفترة الأخيرة زادوا من وتيرة العنف وعملوا على تعميق نفوذهم بكل الوسائل، ردا على التقدم الذي حققته قوات التحالف في مكافحة الإرهاب والتضييق على آخر الخلايا والجيوب الإرهابية في جنوب اليمن، وتحديدا في محافظات حضرموت وشبوة، من خلال عمليتي “الفيصل” و”السيف الحاسم” التي انتهت بإعلان السيطرة على المنطقة وطرد عناصر القاعدة.
ولعب التحالف دورا في إعادة الهدوء إلى عدن إثر مواجهات عنيفة بين قوات موالية للرئيس عبدربه منصور هادي وأخرى تتبع المجلس الانتقالي في أواخر يناير الماضي، أسفرت عن سيطرة الانتقالي على مناطق واسعة في عدن قبل أن يتدخل التحالف العربي لإنهاء الاشتباكات ويرسل لجنة لتطبيع الأوضاع في المدينة.
تقدم ولكن..
كان من الممكن أن يحقق التحالف العربي في اليمن خطوات إيجابية أكثر لولا الانقسامات في الحكومة وتذبذب الرئيس عبدربه منصور هادي ومساعي حزب الإصلاح للسيطرة على الحكومة ومحاولة فرض وجوده تحسبا لأي تطورات أو تغييرات قد تحصل في المشهد اليمني.
ويلقي الكثير من اليمنيين باللائمة على الحكومة بخصوص مسألة انهيار منظومة الخدمات وتدهور الوضع الاقتصادي، نتيجة للتضخم في الهيكل الإداري وما يسببه ذلك من هدر للأموال الشحيحة، فيما يؤكد جيرالد فييرستين أن الحكومة اليمنية، برئاسة عبدربه منصور هادي، كانت قادرة على لعب أدوار أكبر، خصوصا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
ويشير في هذا السياق إلى أن ضعف الحكومة ساهم بشكل مباشر في النزاعات التي وقعت في عدن، حيث انضم السكان الغاضبون والمحبطون إلى مطالب تغيير القيادة الحكومية. إن أخطر تحدٍّ يواجهه الشعب اليمني هو انهيار اقتصاد البلاد الذي ترك الملايين من العائلات دون إمكانية توفير ضروريات الحياة بشكل عام في السوق مثل الغذاء والوقود والدواء.
ويضيف أنه مع ضخ مليارات الدولارات في البنك اليمني المركزي من قبل السعوديين، فإن لدى الحكومة إمكانية دفع 25 بالمئة من رواتب اليمنيين من القطاع العام وكذلك توزيع أموال الرعاية الاجتماعية لملايين آخرين من الذين يعتمدون على المساعدات. والكثير منهم لم يتلقوا أي مدفوعات منذ صيف عام 2016. ورغم أن الاقتصاد النافذ لا يضع حدا للنزاع ، إلا أنه يمكن أن يخفف الكثير من معاناة الشعب اليمني.
مع التقدم العسكري لقوات التحالف، بدأت تظهر الاضطرابات على أداء الشرعية ممثلة بمؤسستي الرئاسة والحكومة. ويرجع العديد من المهتمين بالشأن اليمني ذلك الازدواج في الخطاب السياسي للحكومة إلى تعدد الولاءات داخلها.
وفي الأيام الماضية، أصدر عبدربه منصور هادي سلسلة من القرارات العسكرية المفاجئة ساهمت في إرباك المشهد اليمني من خلال تمكين حزب الإصلاح الإخواني من قيادة معظم المناطق العسكرية الهامة في شمال اليمن ومن بينها المنطقتان العسكريتان الخامسة والسادسة اللتان تضمان جبهات الساحل الغربي وأيضا جبهات صنعاء والجوف.
وفيما يظل خيار الحسم العسكري مطروحا في حال أنهت الأطراف المناهضة للحوثيين خلافاتها، وهو أمر يبدو أنه صعب المنال في الوقت الحالي، تتبدى من جديد مؤشرات الحل السياسي، مع اعتزام المجتمع الدولي اليوم أكثر من أي وقت مضى على وضع حد للحرب اليمنية.
وبعد خبرة ثلاث سنوات من الجهود الدبلوماسية التي قادتها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الأخرى المعنية بالملف اليمني، وتغير الكثير من المعطيات المحيطة بالملف اليمني، خصوصا فيما يتعلق بجماعات الضغط الخارجية الداعمة للحوثيين (إيران) أو للإخوان (قطر)، لا يستبعد المتابعون أن يجبر المجتمعُ الدوليُّ جميعَ الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وربما التوقيع على صيغة للحل، قبل أن تتعقد الوضعية أكثر، بدخول أطراف جديدة، كروسيا مثلا، على خط الأزمة.