الأدب والفن
ميدل ايست أونلاين:
الحوثيون.. وتراث بلاد اليمن
اليمنيون وما نتمناه ألا ينسوا مؤسساتهم الثقافية التي تحتضر في بلاد محاصرة بين الحوثيين والقاعدة وداعش والقبائل ومخاطر كثيرة لا حصر لها تراث اليمن مثل تراث سورية والعراق وليبيا يهدده الزوال.
دخلت السينما إلى اليمن عام 1918، ولكن البلاد خلت من أي دار سينما عام 2014 بعد أكثر من قرن. «لا توجد اليوم دار سينما واحدة تعمل في اليمن»، استغاثت وزيرة الثقافة اليمنية «أروى عبده عثمان» شاكية لصحيفة "الشرق الأوسط" قبل أشهر وأضافت إن الخطوات التي تعمل عليها حالياً هي القيام بعملية إحصاء عدد دور السينما التي دمرت أو التي نهبت أو التي أصبحت في أيدي قوى النفوذ، وتحولت إلى مجمعات ومراكز ليست لها علاقة بالسينما أو الثقافة، وقالت «الدولة ورجال المال والأعمال والدول المانحة ستقوم بمساعدتنا من أجل استنهاض دور السينما من جديد، بعض دور السينما تحولت إلى متاجر لبيع القات أو إلى مأوى للكلاب والمشردين» (2014/11/22).
اشتكت الوزيرة من أن دمار وإغلاق هذه الدور كان بسبب الجماعات المتطرفة وعداء النظام السابق للثقافة عموماً، وقد مُنعت فرق الفنون الشعبية من العمل وأضافت: «على الدولة وقوى المجتمع المدني أن تقف معنا وإلا فسوف نتحول إلى قندهار أخرى وإلى جزء من ظلامية القرون الوسطى، لا يليق باليمن أنه في 2014 تُكفّر الثقافة والتراث الشعبي - ويمنع أو يحرم - حتى المزمار».
ولم تسعف الظروف السيدة الوزيرة في تحقيق شيء من مخططها الثقافي الطموح، وزحف الحوثيون على الدولة، واستقالت الحكومة، حيث اتهم مثقفون يمنيون، فيما نقلت الصحافة نائبة وزيرة الثقافة وهي الشاعرة اليمنية هدى ابلان، بما اعتبروه «تمكين موالين لجماعة الحوثيين المسلحة لشغل مناصب عليا في الوزارة من دون مسوغ قانوني واستغلالاً للفراغ السياسي نتيجة استقالة الحكومة»، كما أشاد مثقفون بموقف وزيرة الثقافة المستقيلة أروى عثمان ورفضها إصدار مثل هذه القرارات والتعيينات على رغم الضغوط والتهديدات. (الحياة 2015/2/25).
ويقول الكاتب صالح البيضاني في الصحيفة نفسها 2014/12/24، إن كل مظاهر الاهتمام الرسمي بالثقافة قد اختفت، ونما كفطر متعفن نوع آخر من الفنون والإنشاد للشحن والتجييش الطائفي، ويضيف أن اليمن قد شهد في عام 2014 «موجة من التضييق على الفنانين بدأت من خلال منعهم من إقامة نشاطات فنية وانتهت بمنع تشغيل الموسيقى في السيارات ووصلت في بعض المناطق إلى تحطيم الآلات الموسيقية والتعامل معها كأصنام من جانب الجماعات المتطرفة، وكذلك سجلت موجة نزوح غير مسبوق لكثير من الفنانين اليمنيين الذين كانت دول الخليج وجهتهم المفضلة كونهم يتمتعون بشعبية نسبية فيها، وقرر فنانون آخرون التزام الصمت حتى إشعار آخر، وغابت معارض الفنون التشكيلية ومعارض الصور الفوتوغرافية، وحتى الفعاليات المتعلقة بالغناء والموسيقى، وبدا كأن كآبة المشهد السياسي خيمت بوارف بؤسها على كل جوانب الحياة».
ولم يستسلم الفنانون الشباب تماماً، فقد دشن بعضهم مشروعهم الفني تحت عنوان «لوّن شارعك» حيث «نثروا الألوان على كل حائط في شوارع اليمن من خلال رسوم نقلوا فيها بعض القضايا التي تهم المجتمع اليمني».
وعبر فنانون آخرون برسوم الكاريكاتير ومسرح الدمى «الذي حضر بعد غياب طويل، غير أنه جاء هذه المرة في صورة واعظ سياسي واجتماعي».
وفي اليمن كما هو معروف العديد من نوادر المخطوطات ومنها المصاحف التي يعود بعضها للقرن الثالث الهجري «وليس غريباً أن تشاهد رسالة نادرة من الحجاج بن يوسف الثقفي إلى واليه في اليمن معروضة للبيع من دون أن تستطيع الحكومة اقتناءها، كما قال أحد المسؤولين في وزارة الثقافة لصحيفة «الحياة»، وأوضح أن غالبية المخطوطات القيمة تتسرب إلى خارج اليمن نظراً إلى عدم تمكن الوزارة من شراء الكثير منها».
ويقول الأمين العام الأسبق لدار المخطوطات اليمنية عبدالملك المقحفي: (إن في اليمن الكثير من المخطوطات الأندر في العالم مثل مؤلفات الإمام السيوطي الأصلية، والتي لا توجد حتى في مصر، كما أن هناك مخطوطات مهمة كثيرة في مكتبة الأحقاف في «تريم»، ولاتزال أهم المخطوطات اليمنية موجودة في متاحف الغرب ومكتباته، حيث أحصى الباحث د.حسين العمري في مؤلفه مصادر التراث اليمني في مكتبة المتحف البريطاني نحو ألفي مخطوط».
غياب الفنون
ومن المشاكل الثقافية المزمنة في اليمن منذ أعوام احتمال إخراج مدينة زبيد التاريخية من قائمة اليونسكو للتراث العالمي، حيث أشارت نائبة وزير الثقافة «هدى إبلان» نفسها عام 2013 إلى «تلقي زبيد إنذاراً أخيراً».
وتحدثت «إبلان» عن تحرك دبلوماسي يمني لوقف شطب زبيد، كما توسطت في القضية الشيخة «مي بنت محمد آل خليفة»، فيما أكدت مصادر مطلعة عدم اتخاذ إجراءات ميدانية حتى الآن لوقف التدهور الحاصل في مدينتي زبيد وصنعاء.
ويتحدث البعض عن مصالح وصراع داخل الحكومة محوره صندوق التراث (الحياة، 2013/5/20).
سنوات رهيبة يعيشها تراث العالم العربي في دول عديدة، من سورية التي تدمر مدنها الى العراق التي تحطم اثارها وتنهب جهارا نهارا، الى مصر التي شهدت عدة حوادث مهددة للتراث.
كانت اليمن منذ اقدم العصور موضع اهتمام العالم الخارجي وتقول المراجع الغربية نقلا عن «سترابون» من القرن الاول قبل الميلاد وهو المؤرخ اليوناني الروماني الذي رافق حملة «جاليوس» الفاشلة بقصد احتلال اليمن بالتعاون بين الرومان والاقباط، انهم اغنى العرب، يقتنون الرياش الفاخرة ويتمتعون بكل اسباب الرخاء والترف، ويجلبون منه آنية الذهب والفضة والفراش الثمينة، ويزينون جدران منازلهم بالعاج والذهب والفضلة والحجارة الكريمة.
وقال المؤرخ اليوناني «اثارتيدس» في وصف اليمنيين انهم «اغنى اهل الارض وسبب غناهم اتجارهم بغلال بلاد العرب والهند فيحملونها على القوافل الى الغرب أو بحرا الى بابل، ولهم سفن ضخمة تسير في المحيط الهندي ومراكب تسير في الانهر يصلون بها الى بابل».
(بلاد سبأ وحضارات العرب الاولى، د.عدنان ترسيس، بيروت 1990، ص50).
ويرى المؤلف نفسه ان «أول ناطحة سحاب في العالم كان ارتفاعها مئتي ذراع وتضم عشرين دورا تم تشييدها حوالي القرن الاول قبل الميلاد بصنعاء، وكان اسمها قصر رغدان».
ومما يلفت النظر في البناء اليمني، ما يذكره د.ترسيس نفسه، ان هذه الابنية «مزخرفة من الخارج وتحتوي على النوافذ الكاذبة لاعطاء البناء شكلا فاتنا متناسقا في الجدران التي لا يحسن فتح نافذة فيها، كما نرى ابنية عديدة في صنعاء ومختلف المدن ذات طبقات تتجاوز السبع والثمان طبقات، ونلاحظ في الدور الاعلى مكانا خاصا للراحة والتأمل والاجتماع يشرف على المدينة وعلى المناظر الطبيعية المجاورة يسمى بالمفرج، وهو مزين بالالواح الزجاجية الملونة وبالقمريات وهي المغطاة بألواح المرمر. وقد يكون هذا المفرج الاعلى من بقايا فن عمارة قصر رغدان، الذي وصفوه لنا بأنه كان يحتوي على صالة في اعلاه مسقوفة بالمرمر الشفاف».(ص 251 – 252).
نقلت الصحف اخيرا ان ثروة الرئيس اليمني الاسبق علي عبدالله صالح تجاوزت الستين مليار دولار وهو رقم يبدو مبالغا فيه حتى لو لم ينف الرئيس الخبر، ولكنه لا يخلو من دلالة.
لقد كان اليمنيون بين الاثرياء في الداخل والخارج، ولا يزالون وما نتمناه الا ينسوا مؤسساتهم الثقافية التي تحتضر! في بلاد محاصرة بين الحوثيين والقاعدة وداعش والقبائل، ومخاطر كثيرة لا حصر لها! تراث اليمن مثل تراث سورية والعراق وليبيا، يهدده الزوال!
كاتب كويتي