تقارير وتحليلات
تحديات وانتصارات
تقرير: سلطة عدن المحلية .. عام من الكفاح والبناء
قبل عام من الان كانت عدن كبرى مدن الجنوب وعاصمة دولتها السابقة تعيش تحت رحمة مليشيات وعصابات محلية تسيطر على المدينة وتتشاطر السيطرة على مربعاتها واحياءها المكتظة ووفر مناخها الامني الرديء. آنذاك كل العناصر الكفيلة بنمو التنظيمات المتطرفة التي سيطرت على كميات كبيرة من الاسلحة بعد هزيمة القوات التابعة لجماعة الحوثي والرئيس السابق علي صالح وفي الوقت الذي كانت عدن تسير فيه الى الهاوية كانت الجماعات الدينية تقوم بترسيخ اقدامها في ارضية المدينة وتمارس كل انواع الفوضى والقتل والاغتيالات وترافق هذا مع غياب كلي للحكومة الشرعية التي لاذ معظم اعضائها بالفرار الى العاصمة السعودية الرياضفي المجمل عاشت عدن لحظات قاتمة في تاريخها شطبت كليا الصورة التي ترد على مخيال المتابع عنها كمدينة كوسموبوليتية منفتحة وعادة ما توصف بأنها واحة التعدد والعصرنة وميناء عريق كان يعد الثالث من حيث الاهمية العالمية فقد تركت الحرب جروحا غائرة في جسدها وبنيتها النفسية وخنقتها العصابات الليلية وتدهورت الخدمات الاساسية وحوصر سكانها على كل الاصعدة ورغم خروج القوات المعتدية منها الا ان مليشيات صالح والحوثي تركت كثير من كبار انصارها ليديروا امور المدينة بوسائلهم الخاصة محاولة السلطة الشرعية المتواجدة في الرياض بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي لتطبيع الحياة اصطدمت بتغول الجماعات الارهابية التي ترجمت هذا باغتيال اللواء جعفر سعد الذي تم تعيينه من قبل هادي والتحالف العربي بتفجير ضخم استهدف موكبه مما ادى الى مصرع سعد وعدد من مرافقيه . في الاثناء كان بإمكان المرء ان يشهد عمليات المبايعة التي يقوم بها عدد كبير من الشبان صغار السن لأمراء القاعدة لقاء مبالغ مالية ضخمة كما واصبح مألوفا مشاهدة العروض العسكرية التي ينفذها التنظيم وبخاصة في حي المنصورة الذي يعد مرتعا للجريمة المنظمة .
ولجأ هادي حينها الى الحراك الجنوبي المطالب بالاستقلال في محاولة حثيثة لاعادة الامن والاستقرار وتطبيع الاوضاع واستعادة المؤسسات وتم تعيين عيدروس الزبيدي قائد المقاومة الجنوبية محافظا للمحافظة وشلال شائع مديرا للشرطة ليحتدم الصراع بين المحافظ ومدير الامن من جهة والتنظيمات المتطرفة من جهة اخرى وتزايدت عمليات الاغتيالات التي استهدفت نشطاء وقيادات ميدانية وكوادر عسكرية مقربة من الحراك الا ان عجلة التغيير كانت حينها قد دارت الى الامام واضحت جماعات الفوضى بين فكي كماشة وشهدت عدن في الشهور التالية عملية تجفيف كبرى لمنابع الدعم للمتطرفين وحصار خانق افقدهم التوازن فتقلص نفوذها ولجأت الى عمليات يائسة في نفس التوقيت كان محافظ عدن يلمع نجمه في سماء عدن والمدن المجاورة ليحظى بدعم شعبي غير مسبوق . ولد اللواء الزبيدي في منطقة زبيد بالضالع 250كم عن عدن عام 1967 وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في الضالع واكمل تعليمه في كلية الطيران وتخرج منها برتبة ملازم ثان بتقدير امتياز ومارس عمله كضابط في الدفاع الجوي ثم قوات النجدة حتى عام 94 التي خاض غمارها ضد قوات الرئيس صالح انذاك في جبهة دوفس ليغادر قسرا بعد سيطرة القوات الشمالية على كافة مدن الجنوب . عاد الزبيدي مع عدد من الضباط الجنوبيين عام 96 وبدأ العمل السري في حركة حتم وتسبب هذا التوجه المناهض لصنعاء في اقصاء وقتل العشرات من قيادات الحركة وتوقفها بالكامل ليعود نشاطها العام 2010 بقيادة الزبيدي وكانت النواة الاولى لنشوء ما اسمي لاحقا بالمقاومة الجنوبية التي خاضت حربا ضروسا اسفرت عن دحر قوات الحوثي وصالح من الجنوب .
في اعقاب اغتيال المحافظ السابق جعفر محمد سعد تم تعيينه محافظا لعدن في ظرف هو الاصعب حسب عدد من المراقبين. بعد عام من تولي الادارة الجديدة لعدن يمكن للمراقب ان يلحظ انه لم يعد بالإمكان اقامة عروض عسكرية للمتطرفين ولا مقرات قيادة يرفرف عليها علم اسود او غرف اعلامية تصدر بيانات تهديد للسكان فقد استأصل الجهاز الامني جذورهم وبالتالي لا يمكن ان يتم تشبيه القاعدة في جنوب اليمن بنظيرتها في سوريا او العراق على سبيل المثال ودأبت القيادات الامنية على تكرار مقولة ان هذه الجماعات تابعة للرئيس اليمني المخلوع صالح بشكل مباشر وكان مصيرها الهزيمة كنتيجة موازية للهزيمة العسكرية المدوية التي تلقاها صالح في عدن.
تحديات وانتصاراتعادت الحياة الى طبيعتها بشكل شبه كامل في ظرف قصير نسبيا فالمدينة التي خرجت للتو من حرب طاحنة بقيت محط انظار العديد من القوى المحلية والدولية ويحيط ملفاتها المتعددة كثير من تعقيدات السياسة وصراع المصالح نتيجة موقعها الاستراتيجي ورمزيتها كعاصمة مؤقتة لليمن وعاصمة للجنوب كما يطمح لذلك انصار الحراك الجنوبي وتتصاعد الاتهامات لحزب الاصلاح ( الاصولي وهو فرع لجماعة الاخوان ) بعرقلة عمل الادارة الجديدة في عدن والعمل على نشر الفوضى واصابة الحياة بالشلل لافشال كلا من محافظ المدينة ومدير الامن لاسباب سياسية تتمثل في رغبة الحزب في الاستحواذ على مقاليد الامور هنا وهو امر يمكن ملاحظته بسهولة وبشكل كبير فقد خرجت مولدات الكهرباء عن الخدمة لعدة مرات خلال الصيف اللاهب وامتلأت الشوارع بالمخلفات وحدثت تكتلات وتحالفات فيما بين شخصيات تتبع حزبي المؤتمر والاصلاح المهيمنة على القطاعات الحكومية كما سادت حالة من التذمر واتهامات بالعرقلة والابتزاز تجاه شخصيات تابعة للحكومة الشرعية جلها من المحافظات الشمالية. ورغم الدعم الكبير الذي قدمته كلا من الامارات والسعودية لحليفيهما الزبيدي وشائع فإن عناصر في الشرعية اليمنية لازالت تزاول نفس التوجهات المضادة مما سبب خلل واضح عكس ازدواجية القرار ويعتقد كثر ان قيادة السلطة المحلية قد حققت مواءمة كبيرة فيما بين التوجهات الاستراتيجية بالنسبة لمستقبل عدن والجنوب والتعاطي مع الواقع الآني مما اغاظ الخصوم لتستعر الحملات الاعلامية الموجهة نكاية بها. الجيران .. نظرة امل وتفاؤللا يخفي محافظ عدن ثقته بمواصلة الدعم الخليجي والسعودي لتنهض عدن والجنوب لجهة تحقيق الاستقرار الامني والاقتصادي ورغم قرار الرئيس هادي بنقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن قبل عدة اشهر الا ان اغلب موظفي القطاغ العام لم يتقاضوا رواتبهم حتى اللحظة كما ان الرجل يشدد دائما على ضرورة اصلاح الجهاز الاداري في عدن لتؤدي المؤسسات الرسمية واجباتها بشكل افضل وتتم محاصرة الفساد فيها .
بالأمس كان المحافظ يرعى حفل تخرج عدد من طلاب جامعة عدن وهي احد اعرق جامعات المنطقة العربية وهو امر كان من الصعب حدوثه العام الفائت واللافت انه لازال مصرا على حمل علم دولة الجنوب السابقة وهي رسالة صريحة بان مسيرة الاستقلال التي دشنتها المقاومة الجنوبية والحركة الاحتجاجية ماضية في طريقها وتنظر دول التحالف العربي بقليل من القلق وقدر من الاطمئنان الى خطوات المدينة التي تعود تدريجيا تغرد بألحانها المفضلة وهي تحتضن بحر العرب وتفتح ذراعيها لكل من ساندها في الايام الحمراء وتبدو عدن مجالا حيويا مثاليا للجيران على كل الاصعدة خاصة انها رفضت -بشيء من الحقد- اي تواجد ايراني على ارضها واستبسلت في اثبات هذا الا انهم يدركون تماما ارتباط ملف عدن طال الوقت ام قصر بملف الجنوب بأكمله والذي لازال حبيس الادراج منذ سنوات ويبدو انه قد حان وقت اخراجه الى طاولات العلن.. وربما تكون كلمات محافظ عدن هي التعبير الانصع عن واقع حال المدينة العريقة اذ يلخصه بالقول : ان عدن تعود من جديد كعنوان بارز للثقافة والمدنية والتعايش والتنوير.