تحليلات
أزمة الليرة التركية..
تقرير: لماذا أمّنت قطر المال لتركيا
تميم بن حمد
في هذا الجزء المضطرب من العالم يمكن أن تكون التحالفات، مثل العداوات، مخادعة. في مارس (آذار) كانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي تنظر إلى أربعة بدائل يمكن أن تصبح مقراً للقوات الأمريكية حين ينتهي عقد واشنطن مع قطر سنة 2023. وجاء هذا البحث بعد "مراقبة وثيقة لنظامها المالي والمصرفي بسبب مخاوف من دعم منظمات إرهابية وأفراد متصلين بها".
في أوائل القرن الماضي، لم يعلم القطريون أنّ أحفادهم سيتحالفون استراتيجياً في يوم من الأيام مع أحفاد العثمانيين الذين كانوا يستعمرونهم. في ذلك الوقت، قاتل القطريون العثمانيين وحصلوا على استقلالهم سنة 1915 فأنهوا حكم السلطنة الذي دام 44 سنة في شبه الجزيرة. من جهته، دام استقلال قطر حوالي سنة قبل أن تصبح محمية بريطانية من سنة 1916 وحتى سنة 1971. اليوم، أصبح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أفضل حليف لقطر. وتأسس الحلف على الأيديولوجيا المشتركة الداعمة لحماس ولإسلاموية الإخوان المسلمين.
ممارسة الضغط لم تمنع الأزمة
في يونيو (حزيران) الماضي، ذكر موقع أودوايرز الأمريكي أنّ قطر وقعت عقداً بقيمة 12 مليون دولار مع شركة بلوبرينت أدفايزرز التي تتمتع "بروابط وثيقة مع محامي ترامب الخاص رودي جولياني". وفقاً للعقد، وفي جهد ظاهر لممارسة الضغط، ستساعد الشركة المدعي العام القطري علي المري لإبقاء صناع القرار الأمريكيين "مطلعين على سياسات دولته المكافحة للإرهاب والمؤيدة للسلام".
حين فرضت السعودية والإمارات ومصر والبحرين مقاطعة على قطر لدعمها الإرهاب وتعزيز علاقاتها مع إيران، سارع أردوغان لمساعدة أصدقائه القطريين. أرسل سفناً ومئات من الطائرات المحملة بالمواد الغذائية ونشر مزيداً من الجنود في قاعدته العسكرية داخل قطر. بعد سنة، واجهت تركيا عقوبات أمريكية فهرعت قطر لمساعدتها.
انهيار العملة والاقتصاد
برزت الأزمة في وقت بدا الاقتصاد التركي ضعيفاً وغير قادر على تحمل مزيج من الحرب السياسية والاقتصادية مع قوة عظمى. على سبيل المثال، بلغ عجز الميزان الجاري طوال 12 شهراً 57.4 مليار دولار في يونيو الماضي، وهو يمثل ارتفاعاً قياسياً قارب 6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ويقارب معدل الفائدة السنوي على السندات الحكومية لمدة 10 سنوات 21%. وتشير مجلة "فورين بوليسي" إلى أنّ "الحكومة، المصارف، المصانع، أصحاب المطاعم ومالكي المنازل تقاطروا بشراهة على الائتمان الرخيص من الخارج – (حتى وصل) إلى مستوى 460 مليار دولار، أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي لتركيا".
وفقدت الليرة التركية حوالي ثلث قيمتها أمام الدولارفي الأسابيع الأولى من أغسطس الحالي وحدها. في 17 أغسطس خفضت وكالتا موديز وستاندرد أند بروز تصنيف ديون تركيا حتى باتت توازي مستوى تصنيف الديون الأرجنتينية واليونانية. وقالت وكالة فيتش التي كانت قد خفضت تصنيف ديون تركيا في يوليو (تموز) إنّ غياب السياسة النقدية الحكيمة أمام هبوط الليرة وخطابات السلطات التركية صعّبت أكثر إعادة الاستقرار الاقتصادي .
ماذا فعل "الأصدقاء الجدد"؟
أعطى ثلاثة "أصدقاء جدد" مؤشرات حول التضامن مع تركيا. أعلنت روسيا أنها ستقلل احتياطاتها من الأصول الأمريكية رداً على التعرفات المعيقة التي فرضها ترامب على روسيا وتركيا كما قالت. وتدخلت بيجينغ معلنة "الدعم المعنوي" لأنقرة معبرة عن اعتقادها بأنّه يمكن لتركيا تخطي صعوباتها الاقتصادية "المؤقتة". وسارعت الدوحة لإبداء تضامنها مع أنقرة، إذ بعد لقاء الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بأردوغان، تعهد باستثمار 15 مليار دولار لمساعدة تركيا. وفي جهود مشابهة، وقع المصرفان المركزيان في قطر وتركيا اتفاقية لتبادل العملات من أجل تعزيز التعاون بينهما عبر وضع "خط صرف عملات ثنائي الاتجاه".
لم تبدُ الأسواق التركية متأثرة بالاتفاق الثنائي. نقلت مجلة "ذي ايكونوميست" عن رئيس مؤسسة الرأي التركية سيغما إنسايت أحمد دوغان قوله: "هذا مبلغ ضئيل جداً كي يؤمن الاستقرار لعملة وأسواق واقتصاد تركيا". لقد استمرت الليرة التركية بالهبوط حتى بعد إعلان قطر مساعدتها لتركيا. وأضافت الإيكونوميست: "الوعود بالاستثمار من قبل حلفاء مثل قطر ستؤمّن الدولارات لكن ليس الصدقية".
المهم بالنسبة لواشنطن
ما يجب أن يهم واشنطن هو أن تركيا تحصل على الدعم من دول تشبهها في التفكير. على ما يبدو ستحب روسيا ظهور الشقاق إلى أقصى حد ممكن في الناتو. قطر، الحليف الأيديولوجي مع تركيا، متحدة معها حول شعور وشعارات لاسامية تقوم على مبدأ "العدو المشترك" وقد تحالفت أيضاً مع إيران. من الواضح أنّه آن الأوان للولايات المتحدة كي تعيد التفكير بتحالفها النظري لكن المزيّف مع قطر. تحاول الأخيرة تحييد جهود أمريكا لمعاقبة تركيا، حليف نظري آخر ذي تفكير مشابه للروس أكثر مما هو مشابه للتفكير الغربي.