ضغط أمريكي أوروبي على دول التحالف العربي والأطراف المشاركة في حرب اليمن بشأن إنهاء العمليات العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات للقبول بحل سياسي يبدو أنه بات جاهزا بقرار أمريكي وبتوافق بين القوى الدولية الكبرى التي تدعم التحالف وفق استراتيجية لاستثمار الصراع باليمن، في إطار تقاسم مناطق النفوذ وزرع الحلفاء وتوزيعهم في المنطقة العربية.
القرار الأمريكي للحل السياسي سيبدو أكثر وضوحا من خلال مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا إلى مجلس الأمن بدعم فرنسي بشأن التعامل مع الوضع الإنساني والسياسي والعسكري في اليمن، وسيحدد موقف روسيا والصين، من مشروع القرار، طبيعة التسوية والتوافق بين القوى الدولية قبل أن يترجم مواقف الأطراف اليمنية وعلاقتها مع بعضها ومدى تقاربها وخضوعها للتسوية.. بمعنى أن تسوية الأزمة اليمنية والتوصل إلى اتفاق سياسي يحدد شكل الدولة والحكم وهوية المشاركين بالسلطة هو في الأساس اتفاق أمريكي بريطاني مع إيران وتطبيع لعلاقة هذه القوى ومصالحها في اليمن وتقاسم النفوذ والحلفاء في المنطقة العربية بشكل عام، ما يشير أيضا إلى اتفاق هذه الأطراف على تسوية الوضع في سوريا، لكن اللافت هذه المرة هو دخول إسرائيل على خط الصراع السعودي الإيراني في اليمن بزيارة بنيامين نتنياهو للعاصمة العمانية مسقط، وما أجراه نتنياهو من مباحثات سياسية في هذا الشأن لا يخلو من تقارب بين طهران وتل أبيب بإيعاز أمريكي ضامن لتخفيف حدة التهديدات الأيرانية ضد إسرائيل سواء عبر حزب الله اللبناني أو التهديدات المباشرة الأخرى، ما يعني أن أزمة اليمن خرجت من سيطرة التحالف العربي وصارت صراع سياسي دولي يُراد للتحالف فيه أن يكون أداة لتسيير الصراع وفق رغبات معينة ومصالح قديمة جديدة ونفوذ بائد تسعى إلى استعادته بعض دول الاستعمار القديم بخارطة سياسية جديدة تعيد مناطق النفوذ للقوى الدولية الكبرى ورسم تحالفات بناء على اتفاق سيشكل في مضومنه جوهر التسوية السياسية التي يُحتمل ان تكون قد سُلمت مسودتها إلى المبعوث الأممي مارتن جريفيثس ليطرحها بشكل أو بأخر على الأطراف اليمنية في مفاوضات السويد المقرر عقدها آواخر نوفمبر الجاري.
لا يبدو أن التحالف العربي لديه من مواقف القوة ما يجعله متمسكا بأهداف عاصفة الحزم والمبادرة الخليجية التي طالما تمسكت بها الشرعية والتحالف وحصلا بموجبها على قرارات من مجلس الأمن وصارت مرجعيات دولية غير قابلة للتطبيق على الواقع اليمني الذي لا حاكم لموازين القوى السياسية فيه غير القوة العسكرية ومناطق السيطرة والتحالفات الإقليمية التي تصل أحيانا إلى التعاطي مع منظمات محظورة وإرهابية، كما هو حال جماعة إخوان اليمن التي ربما لعبت دورا خفيا في الدعوات الدولية إلى إنهاء الحرب وفرض حل سياسي يكون للإخوان وجماعات الإسلام السياسي في اليمن دور وحضور فاعل فيه.. هذا الدور الخفي ليس ببعيد عن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي؛ فهناك إشارات -وفقا لتقارير صحفية ومراقبي سياسيين- إلى دور لتنظيم الإخوان يمنيا وإقليميا في الترتيب لعملية التصفية عبر التنسيق بين المخابرات التركية والمنفذين السعوديين في ملعوب استخباراتي بحت يهدف إلى الإيقاع بالرياض في فخ يمكّن الإخوان والمستفيدين الآخرين- ومنهم الأمريكان- من ابتزاز المملكة ليكون ملف اليمن أولى محطات الابتزاز الذي يتشارك في مصلحته واشنطن من جانب والإخوان برمزية قطر واليمن وتركيا من جانب ثانٍ.
منح الحوثيين حكما ذاتيا في مناطق سيطرتهم بشمال اليمن هو اعتراف أمريكي بريطاني بحق إيران في التواجد بالمنطقة والبقاء في خاصرة المملكة العربية السعودية كمصدر تهديد على المدى المتوسط والبعيد.. ومن الواضح أن الولايات المتحدة وبريطانيا- ومعهما فرنسا- مهتمتان فقط بتحرير مدينة الحديدة ومينائها وسواحلها لتأمين خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر بعد تحرر الجنوب وضمان تأمين خطوط الملاحة في البحر العربي وخليج عدن وباب المندب، وبالتالي ضمان مرور ناقلات النفط والسفن التجارية في هذه المناطق بسلام ودون تهديد لسلامة التحركات العسكرية للقطع البحرية ، ما يعني أن تحرير صنعاء أو صعدة ومناطق الحدود والتماس بين الحوثيين والسعودية هو مجرد تحصيل حاصل داخل الأجندة الأمريكية وسياساتها.. مع العمل على إبقاء حليف إيران على تماس السعودية، وما طرحُ موضوع (مناطق منزوعة السلاح) كما ورد في مقترح وزير الدفاع الأمريكي جميس ماتيس إلا مجرد إبداء نوع من التطمينات للمملكة ومحاولة إقناعها وترغيبها في القبول بالتسوية المتوافق عليها بعيدا عن حسابات الأمن القومي العربي وأمن السعودية على وجه الخصوص، فالتسوية تقتضي إبقاء جماعة الحوثي كسلطة حكم، وبالتالي سيكون من حق هذه السلطة مستقبلا أن تمتلك السلاح داخل أراضيها.
السياسات الخاطئة التي تعاملت بها السعودية مع القوى اليمنية والقضايا السياسية في اليمن ربما كانت أحد أهم الأسباب التي قادت المملكة إلى هذا المصير بعد أربع سنوات حرب لم تحقق منها سوى مزيد من الشرعنة الدولية للتواجد الإيراني في اليمن، فالرياض- التي تعمل منذ انطلاق عاصفة الحزم وما قبلها على إرضاء القوى السياسية والقبيلة في الشمال واستعداء نظيراتها في الجنوب- خسرت الشمال بكل قواه من إخوان وحوثيين وقبائل وأحزاب تقليدية، وباتت في نظر الجميع- شمالا- محتلا دمر اليمن وعدوّا استراتيجيا سيكون مستقبلا على موعد مع رد محتمل.. السياسات السعودية والموقف من الجنوب والمشروع الوطني لاستعادة الدولة وفك الارتباط عن الشمال واضحة ومستمرة على نفس النهج ولم تتأثر بتلك المتغيرات التي أنتجتها عاصفة الحزم وما بعدها، ولم تغيرها حتى تلك الشراكة الحقيقية التي أبدتها المقاومة الجنوبية مع التحالف في عملياته العسكرية، وبالتالي فإن أخطاء السعودية في الجنوب ستكون أكثر وطأة على مستقبل المملكة في حال خسرت حليفها السياسي وشريكها الوحيد في الحرب ضد المشروع الإيراني في اليمن. السعودية بحاجة إلى إعادة تقييم علاقاتها الاستراتيجية مع الجنوب كدولة وكمركز نفوذ عالمي يؤثر ويتأثر بحركة العلاقات الدولية وطبيعة الصراعات حاضرا ومستقبلا.
*المصدر