بحوث ودراسات
أزمة اليمن..
تحليل: جريفيث في اليمن.. البحث عن سلام غير مكتمل
زار مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، السيد مارتن غريفيث، الأربعاء، صنعاء العاصمة التي يحتلها الحوثيون، وذلك لبحث ترتيبات جولة جديدة من المشاورات اليمنية التي من المزمع ان تستضيفها السويد مطلع ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
زيارة السيد مارتن جاءت في الوقت الذي تشير بعض التقارير الى وجود مؤشرات على التوصل لتسوية سياسية بين الانقلابيين المدعومين من إيران وحكومة الرئيس اليمني الانتقالي عبدربه منصور هادي المعترف بها دوليا والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية.
وتعتزم اطراف الصراع في اليمن الذهاب الى السويد لخوض جولة مفاوضات جديدة، وسط مؤشرات على قرب التوصل الى تسوية سياسية، رغم اشتراط حكومة الرئيس الانتقالي عبدربه هادي ما يعرف بالمرجعيات الثلاث وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار اليمني والقرار الأممي 2216م، الذي سمى اطراف الصراع بالانقلابيين (الحوثيين) والحكومة بالشرعية المعترف بها دوليا.
فشل المبعوث الدولي البريطاني مارتن جريفيث، الذي أتى خلفا للمبعوث السابق أحمد ولد الشيخ، في جمع أطراف الصراع اليمني، حيث رفض الحوثيون الحضور الى جنيف لأول مشاورات كان من المفترض ان يتم عقدها في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو ما أدى إلى اعلان فشل أول مهمة للمبعوث البريطاني، ومع ذلك يستعد لخوض جولة جديدة ولكن هذه المرة بدعم دولي وترحيب حوثي، فيما يصف يمنيون تلك المساعي بأنها تمثل انقاذا للحوثيين الذين يتعرضون لانتكاسات عسكرية كبيرة خاصة في جبهة الحديدة حيث الميناء الاستراتيجي الهام.
التسوية السياسية على أساس المرجعيات الثلاث تؤسس لحروب قادمة، وهو ما يعني ان مأرب قد تسعى إلى إعادة احتلال الجنوب عسكريا على غرار احتلال 1994م |
ويبدو ان معركة الحديدة، التي اعتزمت قوات تقودها دول التحالف العربي على اقتحام مينائها الرئيس في الشمال اليمني وتحريره، قد دفعت بالحوثيين الى الإعلان عن وقف استهداف الأراضي السعودية بالصواريخ الباليستية، والترحيب بالجهود الأممية في التوصل الى تسوية سياسية، توقف القتال المستعر منذ مارس (آذار) 2015م، حين بدأ الحوثيون اجتياح عدن قبيل التدخل العربي لمنع سيطرتهم على باب المندب والجنوب.
دعم التحالف العربي بقيادة السعودية جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي ينهي الحرب التي افتعلها الحوثيون الموالون لإيران بانقلابهم على سلطات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، والحوثيون لا يمتلكون قرار إيقاف الحرب او استمرارها، فالأمر متعلق بطهران التي تمدهم بالمال والسلاح.
استغل الحوثيون الانتفاضة اليمنية ضد نظام الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح في التمدد صوب صنعاء العاصمة اليمنية، بعد ان كانوا محاصرين في صعدة، حيث خاضت قوات الجيش معارك طويلة ضدهم، تكررت ست مرات، بين الأعوام 2004 حتى 2009م، قبل ان يواصلوا حربهم بعد وصول هادي الى سدة الحكم كرئيس انتقالي دفعت به ما عرفت بالمبادرة الخليجية في مطلع العام 2012م.
انتفاضة 2011م، دفعت بهادي لحكم اليمن كرئيس انتقالي، لكن إدارة الحكم سلمت بشكل كلي لتنظيم الإخوان الموالي لقطر، والذي قدمته حينها على أنه صاحب الثورة، والفاعل الرئيس في الإطاحة بصالح من الحكم بعد ان فشل التنظيم في محاولة اغتيال صالح في جامع النهدين بصنعاء.
تنظيم إخوان اليمن المدعوم قطريا الذي تزعم الانتفاضة لاحقا، كان قد سهل للحوثيين الوصول الى صنعاء دون قتال في العام 2011م. في ساحة الجامعة نصب الحوثيون خيامهم الى جانب خيام القوى السياسية والشباب المستقل الذين تجمهروا للمطالبة بإسقاط نظام صالح، تماشيا مع ما عرف بثورات الربيع العربي.
ربما كانت للدوحة حساباتها لتمكين حكم اليمن من قبل تنظيم الإخوان الممول قطريا والذي يعد النسخة اليمنية من التنظيم الدولي الذي سبق ان وضعته العديد من الدول العربية على قوائم الإرهاب. وصول الإخوان الى الحكم ساهم في تزايد حوادث العنف والإرهاب، ففي عهد أول زير داخلية إخواني "اللواء عبده الترب"، تمكنت أبرز قيادات تنظيم القاعدة المعتقلة في السجن المركزي بصنعاء من الفرار، ربما هناك من سهل عملية اخراج أبرز عناصر القاعدة حينها، في عملية أثيرت حولها العديد من علامات الاستفهام.
ويبدو الأمر الآن مناسبا لحكم جزء كبير من اليمن، في حين يحكم الجزء الآخر الحوثيون الموالون لحليفة الدوحة (طهران)، من خلال التسوية السياسية التي يجري بحثها.
إن التسوية السياسية قد يستفيد منها الإخوان، خاصة في ظل الحديث عن تحالف علني مع الحوثيين رعته الدوحة، في ظل توقف الجبهات التي يشرف عليها الإخوان، ودعم خوض القوات التابعة للتنظيم اليمني أي معارك جدية مع الحوثيين وخاصة تلك القوات التي تتمركز في مأرب ويشرف عليها نائب الرئيس اليمني محسن الأحمر، الذي يرى ان هزيمة الحوثيين تعد هزيمة للزيدية السياسية التي يتكئ عليها الأحمر.
الحديث عن تسوية سياسية في اليمن، واشتراط الحكومة اليمنية المرجعيات الثلاث، يجعل من عملية السلام تلك ناقصة وغير مكتملة، فالكثير من القوى السياسية الرافضة للحلول المنقوصة تصر الحكومة على اقصائها وأبرزها الطرف الجنوبي المنتصر الوحيد في الحرب ضد الحوثيين، والتي تعمل الحكومة المخترقة من الإخوان، ومعها الحوثيون، على رفض مشاركة أي تمثيل للجنوب في أي مشاورات سياسية بشأن انتهاء الحرب في اليمن.
التسوية السياسية على أساس المرجعيات الثلاث، تؤسس لحروب قادمة، وهو ما يعني ان مأرب تسعى إلى إعادة احتلال الجنوب عسكريا على غرار احتلال 1994م، فالقوات العسكرية التابعة للإخوان بدأت عملية تمدد صوب بلدات شبوة النفطية وأخرى صوب وادي وساحل حضرموت، ناهيك عن سيطرة تلك القوات على ميناء الوديعة البري والذي يدر الملايين من الدولارات، تذهب الى بنك مأرب المركزي.
ويرفض نائب الرئيس اليمني ان يتم اخضاع ميناء الوديعة لسلطات حضرموت المحلية، حيث ترددت انباء تلقي محافظ حضرموت الجنرال فرج البحسني تهديدات بالقتل من قبل هاشم الأحمر القائد العسكري وأبرز اذرع نائب الرئيس اليمني، فيما بات من المؤكد ان نائب الرئيس اليمني يدرس اقالة البحسني من قيادة السلطة المحلية والمنطقة العسكرية الثانية واستبداله بشخصيات حضرمية تدين بالولاء للأحمر ابرزهم عمرو بن حبريش الذي زار الأحمر في مأرب والسعودية عدة مرات، وبحث معه إمكانية ترؤس سلطات حضرموت المحلية، شرط تنفيذ توجيهات الأحمر القاضية باستعادة سيطرته على منابع النفط وميناء المكلا.
عملية سلام مبتورة، فهناك العديد من الأطراف الفاعلة والقادرة على تحقيق السلام او أنه لا سلام دون اشراكها في العملية السياسية، وهم المؤتمريون شمالا والمجلس الانتقالي جنوبا، ولهذا عمدت الحكومة الشرعية والحوثيين على اقصاء هذه الأطراف، في مسعى لكبح هذه الأطراف التي قد تشكل تهديدا على مستقبل (حلفاء طهران والدوحة)، حيث جندت الشرعية والحوثيون كل أجهزة الإعلام لمهاجمة المجلس الانتقالي الجنوبي، في حين مولت طهران حلفاء لها في الجنوب بهدف احداث فوضى وخلق تباينات في الرؤى الجنوبية، وفي الشمال تعمل الأطراف هناك على إزاحة عائلة الرئيس صالح من أي مستقبل سياسي ناهيك عن عملية تفتيت حزب المؤتمر الجارية على قدم وساق.
يسعى حلفاء الدوحة وطهران في الجنوب الى اثارة العديد من القضايا الداخلية في الجنوب، من أبرزها الحديث عن قضية عدن للعدنيين وحضرموت للحضارم، في حين يقوم نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر بتقديم شخصيات باسم الحراك الجنوبي لسفراء الدول الغربية للحديث عن خلافات وتباينات في الجنوب، وان مطلب الجنوبيين في الوقت الراهن "توحيد مكونات الجنوب"، دون الحديث عن ابعاد القضية الجنوبية التي جاءت نتيجة انقلاب على مشروع الوحدة واحتلال الجنوب عسكريا في صيف العام 1994م.
والطرف الآخر الذي تريد الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي ازاحته، هو حزب المؤتمر الشعبي العام وعائلة الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، الذي قتله الحوثيون، عقب محاولته اخراجهم من صنعاء بعد ثلاثة أعوام من تحالفه معهم، أواخر العام 2017م، قبل ان يلقي حتفه على يد مسلحي الجماعة في مطلع ديسمبر (كانون الأول) من العام المنصرم.
أصبح العميد طارق صالح رقما صعبا في المشهد السياسي والعسكري، فقد بات يمتلك قوات عسكرية ضخمة تقاتل الى جانب قوات العمالقة الجنوبية وقوات تهامة في الحديدة لاستعادة الميناء، في حين ان حزب المؤتمر الشعبي العام يمتلك الكثير من السياسيين المؤثرين والذين ينتظر منهم دور مستقبلا في انهاء الازمات والصراعات في اليمن، ورسم مستقبل البلد.
يعتقد الإخوان ان الفرصة باتت مواتية لتفتيت حزب المؤتمر الشعبي العام (أكبر الأحزاب اليمنية)، على غرار تفتيت الحزب الاشتراكي الجنوبي صاحب توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية، وهو الحزب اليمني الذي أصبح عاجزا حتى عن المطالبة باستعادة مقراته التي تمت مصادرتها عقب حرب 1994م.
أصبح حزب المؤتمر الشعبي العام مقسما إلى ثلاثة تكوينات، جزء يتبع الرئيس هادي ونائبه علي محسن الأحمر الذي أعاد تفعيل عضويته الحزبية، وجزء آخر لا يزال في صنعاء ويتحدث عن تحالف مع الحوثيين، وثالث بات يشكله رجل الاعمال الإخواني حميد الأحمر الذي زار السعودية مؤخرا والتقى بقيادات حزب المؤتمر الشعبي العام وأبرزهم رئيس الحكومة المقال أحمد بن دغر.
فهذه الأطراف التي تخشى من شعبية "المؤتمر"، تسعى مجتمعة إلى تجزئته واضعافه، وتطبيق نفس السيناريو الذي طبق على الحزب الاشتراكي اليمني، حيث أسس نظام "صالح"، حزب الإصلاح الإخواني لضربه من خلال تصفية قياداته وصولا إلى ادماجه فيما عرف باللقاء المشترك، وهو التكتل السياسي الذي قضى على القرار السياسي للحزب وإلى الأبد، حتى ان قياداته لم تعد تتحدث عن مقرات الحزب المصادرة في شمال اليمن.
والتسوية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وتدعمها المملكة المتحدة، في كل الأحوال لا تؤسس لسلام دائم، بل ربما تؤسس لصراع مستدام، فالإخوان والحوثيون يريدون الانفراد باليمن، خاصة وان التنظيم الأول قد اتجه في حربه السياسية والإعلامية جنوبا، وسط ترقب لاجتياح عسكري قد تقوم به مأرب بهدف الدفاع عن الوحدة اليمنية واخماد أي محاولة لاستقلال عدن عن صنعاء.
وخلافا لذلك، فالتسوية السياسية تعني القبول بجغرافيا طائفية في اليمن، فالحوثيون الموالون لإيران (الشيعة) سوف تبقى مدن الشمال الزيدي تحت سيطرتهم طائفيا، في حين يسيطر الإخوان (السنة) على مأرب وربما يتمكنون من استكمال سيطرتهم على كل محافظات الجنوب بعد الانتهاء من السيطرة على شبوة وحضرموت، التي بدأوا فعليا اخضاعها لسلطاتهم في مأرب.
الولايات المتحدة الأمريكية عبرت، على لسان سفيرها السابق لدى اليمن ماثيو تولر، عن رفضها تقسيم اليمن على أساس طائفي، وهو ما يبدو تأكيدا على رفض واشنطن لما يؤسسه الإخوان في مأرب من قوات عسكرية تدين بالولاء للتنظيم الذي تضع الولايات المتحدة جزءا من قياداته على قوائم الإرهاب الدولية، ناهيك عن الرفض الأمريكي المعلن لوجود نسخة أخرى من حزب الله في خاصرة السعودية.
إذاً.. لا تسوية سياسية دون اشراك كل الأطراف السياسية الفاعلة في اليمن، وخاصة الطرف الجنوبي الشريك الفاعل في الحرب والذي يجب ان يكون شريكا فاعلا في السلام أيضاً، فعملية الاقصاء التي قد يتعرض لها الجنوب، قد تعني جولة جديدة من الصراع، فالجنوبيون يتوقعون حربا ثالثة على بلادهم لمحاولة فرض الهيمنة الشمالية مرة أخرى، وهو ما يعني استعدادهم لتلك الحرب من الآن في حال وجدوا أنفسهم خارج التسوية القادمة والمرتقبة.