تحليلات

قواعد اللعب السياسي..

تقرير: الائتلاف يخضع لقواعد لعبة نتنياهو

أصر على حقيبة الدفاع أو الاستقالة كان ليسقط فريسة أمام الإعلام والرأي العام

محمد عبدالدايم

أسفرت العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة عن صخب كبير في إسرائيل غطى على خسارة الجيش لضابط وإصابة بعض المجندين، فقد كادت استقالة أفيجادور ليبرمان أن تكون المسمار الأخير في نعش الائتلاف الحكومي الحالي، لكن نتنياهو استطاع تثبيت وزارته –مؤقتا-بأغلبية مقعد واحد، بعدما أصبح ائتلافه من 61 مقعدا من مجموع 120.

خرج نتنياهو من المعركة السياسية الطارئة مُحملا باتهامه بالضعف والتراجع أمام حماس، لكنه استثمر حنكته السياسية لإبقاء الحكومة وفقا لقواعد اللعبة التي يديرها وهو يمارس ألعاب السيرك السياسي مع أعضاء الائتلاف اليميني الحاكم.

بينط يفاجئ الجميع

لم يكن أمام نفتالي بينط وأييلت شاقيد ثنائي حزب هبيت هيهودي سوى الرضا بقواعد اللعب السياسي التي وضعها بنيامين نتنياهو، رغم أن الجميع كان على يقين بأن الثنائي سيخرج للإعلان عن استقالتهما من حكومة نتنياهو، على خلفية رفض الأخير منح حقيبة الدفاع لبينط الذي أعلن مرارا أنه يريدها، قبل استقالة ليبرمان وبعدها، حتى أنه صرح علانية أن بقاءه في ائتلاف الحكومة مرهون بتوليه هذه الحقيبة، لكن بعد اجتماعات مكثفة مع أعضاء الائتلاف خرج بينط وشاقيد يوم الإثنين ليعلنا في مؤتمر صحفي استمرارهما في الائتلاف، والتنازل عن حقيبة الدفاع.

خرج بينط إلى الإعلام بتصريحات مفادها أنه سحب مطالبه من نتنياهو – أي حقيبة الدفاع- ومنحه فرصة لمواصلة "النشاط" الأمني، وفي تصريح يهدف لاستدار التأييد الشعبي قال بينط : "أعتقد بنني سأدفع ثمنا سياسيا في الفترة القريبة القادمة، لكنني أفضل أن ينتصر نتنياهو علي سياسيا على أن يهزمنا إسماعيل هنيةأمنيا".

بقاء تحت الضغط

جاء إعلان بينط تنازله عن حقيبة الدفاع وبقائه في الائتلاف بضغط من الأحزاب الحريدية الأخرى المشاركة في الائتلاف، إلى جانب قادة بعض المستوطنات الدينية، كما أن وزير التعليم في حكومة اليمين قد لاقى مع أييلت اقيد هجوما من كوادر حزبه، حيث اتهموهما بالعمل من أجل مصالحهما الشخصية، دون اعتبار مصلحة الحزب أو اليمين، حيث كان انسحاب بينط وشاقيد مؤهلا لخسارة في الكتلة التصويتية للحزب في الانتخابات القادمة، أيا كان موعدها، لأن الرأي العام في إسرائيل – حتى المعارض لنتنياهو- قد اتهم ليبرمان بالهروب من المسئولية والسعي لتفكيك الحكومة في وقت حساس تخوض فيه إسرائيل "معركة عسكرية" مع حماس، وبالتالي أدرك بينط نفسه ومستقبل حزبه في اللحظة الأخيرة، فإذا أصر على حقيبة الدفاع أو الاستقالة كان ليسقط فريسة أمام الإعلام والرأي العام، ونتنياهو نفسه، باعتباره قد طمع في مجد ذاتي على حساب الدولة، مثلما فعل ليبرمان، وبالتالي كان ليخسر أية أفضلية له تمنحه موقعا في الحكومة القادمة، ولكن بإعلانه التنازل عن حقيبة الدفاع والبقاء في الحكومة ربما يضمن لنفسه وحزبه موقعا جيدا في الحكومة القادمة، وهي حكومة يمين بالتأكيد، وبزعامة هليكود غالبا.

إذًا ظهر بينط أخيرا كوزير مسئول، لا ينتهز الفرصة من أجل اسمه فقط، بل يعمل لصالح الحكومة اليمينة ولصالح إسرائيل، ولا يهرب من "المعركة"، ليُمحي – قليلا-صورته المعروفة عنه كسياسي شاب متهور.

كحلون يتحلى ببعض الهدوء

أما موشيه كحلون، وزير المالية ورئيس حزب كولانو الشريك في ائتلاف نتنياهو، فخرج من الاجتماع مع رئيس الوزراء ليعلن عدم وجود نتائج تُذكر، مع التشديد على عقد جلسة أخرى، وبالتأكيد يرغب كحلون في استثمار الوضع الحالي، وسابق الحرب الباردة مع نتنياهو ليحقق نجاحا على المستوى القريب في هذه الحكومة، أو على المستوى الأبعد قليلا مع الانتخابات المقبلة.

ليبرمان هارب غير مسئول

انقلبت حركة ليبرمان عليه بدلا من نتنياهو، فالجميع كان موقنا بأن وزير الدفاع المستقيل لا يصلح لتولي هذه الحقيبة، وها هو قد تركها في وقت "معركة"، كما أنه قد مهد لحزبه الاستبعاد من المشاركة في الائتلاف اليميني القادم.

خطاب شعبوي لاستمالة الشعب

أما نتنياهو نفسه فقد أظهر قدرا كبيرا من الحنكة السياسية في تعامله مع التهديد بانهيار ائتلافه، حيث سبق المؤتمر الصحفي لنفتالي بينط وسارع وألقى خطابا "شعبويا" استعرض فيه "إنجازاته"، لكن هدفه الواضح كان استدرار رضا الإسرائيليين، وتحويل غضبهم إلى ليبرمان، أو أي من يعلن استقالته من الحكومة ليُسقط الائتلاف.

تحدث نتنياهو عن "نجاحاته" في الماضي، وما قدمه لإسرائيل على الأصعدة الأمنية والاقتصادية، وفي الساحة الخارجية، حاول الظهور كربان الطائرة الإسرائيلية، الذي يحلق منذ عقود نحو الأمان والازدهار، وكأنه نسخة جديدة من دافيد بن جوريون، بل تحدث عن شقيقه الأكبر الذي قُتل خلال عملية عنتيبي الشهيرة.

إلقاء الكرة في ملعب المنسحبين

في طيات خطابه؛ وضح أن نتنياهو قد مارس إرهابا إعلاميا على نفتالي بينط وموشيه كحلون، بأن وضعهما في مواجهة الجمهور الإسرائيلي، حيث اتهم من يترك الحكومة ويُسقط الائتلاف بأنه عديم المسئولية، ودعا الجميع لتحمل "مسئولياتهم" في هذا الوقت دون الانشغال بالألاعيب السياسية.

استغل نتنياهو استقالة ليبرمان، صديق الأمس وغريم اليوم، ليلقي به فريسة أمام الرأي العام، فقال إن "الانسحاب من حكومة يمينة في خضم أزمة أمنية حساسة هو تهرب من المسئولية، في وقت لا مجال فيه لمكاسب سياسية واعتبارات شخصية".

ائتلاف اليمين: كما هو منذ 1977

باستقالة ليبرمان وانسحاب حزبه يسرائيل بيتينو من الائتلاف؛ فإن الحكومة اليمينية أصبحت تضم الآن أحزاب هليكود برئاسة نتنياهو، وهبيت هيهودي برئاسة نفتالي بينط، وشاس برئاسة أرييه درعي، وكولانو برئاسة موشيه كحلون، ويهدوت هتوراه برئاسة يعقوب ليتسمان.
خرج نتنياهو من المعركة العابرة دون خسائر كبيرة على المدى القريب، لكن هذا لا يعني أن ائتلافه قد يستمر إلى نوفمبر 2019 مثلما أعلن، بل إن وراء الأكمة ما وراءها، فنفتالي بينط يسير على نهج الأحزاب الحريدية التي تربط مشاركتها في الائتلافات الحكومية بمقدار المكاسب التي تحصل عليها عن طريق الابتزاز السياسي، وهو أمر واضح ومعروف منذ انتخابات الكنيست التاسعة عام 1977 التي تولى فيها هليكود حكم إسرائيل للمرة الأولى بعد إسقاط حزب هعفودا.

أما موشيه كحلون رئيس حزب كولانو فبقاؤه في الائتلاف حتى الآن ربما يكون مرهونا بموافقة نتنياهو على خطة كحلون لتخصيص ميزانية كبيرة لصالح المتقاعدين من الشرطة، وهي الخطة التي رفضها رئيس الوزراء منذ أعلن عنها كحلون، لأن نتنياهو يستهدف رصد جزء من ميزانية الدولة لصالح تطوير الجيش وليس لمعاشات المتقاعدين.

أهداف نتنياهو من صراع البقاء

نجاح الأجندة الأمنية هو جواز مرور أي سياسي إسرائيلي في الانتخابات، وبالتأكيد نتنياهو يدرك أن صورته الحالية أمام الجمهور ليست على ما يرام، لكنه تشبث ببقاء الحكومة بهدف تحقيق نجاحات تمنحه في قابل الأيام أفضلية كبيرة، فمهما كان تهديد حماس، فإنه لم يعد يرقى لدرجة التهديد القادم من الشمال، أي الوجود الإيراني في سوريا، إلى جانب تربص حزب الله في لبنان، ولذلك يولي نتنياهو أهمية كبيرة لهذا الملف الأمني، بعدما توقف عن النشاط العملي فيه منذ أن تسبب سلاح طيرانه في إسقاط الطائرة الروسية في روسيا، لكنه يعيد ترتيب أوضاعه لمواجهة التوسع الإيراني والشيعي في الشرق الأوسط، مستفيدا بالعقولات الأمريكية على طهران.

بالنسبة لحماس؛ فإن نتنياهو يتحمل الهجوم الشعبي، واتهامه بالضعف وتعريض أمن سكان غلاف غزة للخطر؛ في سبيل ما يحاول كسبه من مساعي التهدئة مع حماس، حيث من المتوقع أن تُكلل المحادثات التي ترعاها مصر وألمانيا وأطراف أخرى بصفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحماس، تسترجع فيها إسرائيل جثمانين اثنين لمجندين، هما هدار جولدينوشاءولأورون اللذين أسرتهما كتائب القسام في العام 2014، وفي المقابل تسترجع حماس أسراها الذي أعادت إسرائيل خطفهم بعد تنفيذ صفقة جلعاد شاليط.

كذلك يجاهد نتنياهو لبقاء الحكومة لأطول وقت ممكن ريثما يحقق نتائج إيجابية ملموسة في مسعاه نحو "السلام الاقتصادي"، مستثمرا زيارته لسلطنة عمان، والحديث عن زيارة لدولة أخرى في المنطقة ليست بينها وبين إسرائيل علاقة ديبلوماسية.

إضافة إلى ما سبق؛ فأن نتنياهو لا يريد مصير إيهود أولمرت، حيث يواجه العديد من قضايا الفساد، ويسعى للبقاء أكبر وقت ممكن بالحكومة تحصنا بها، حتى تسقط الاتهامات ضده، فلا يكون فريسة للقضاء مثلما وقع أولمرت، الذي واجه المحاكمة والسجن بمجرد أن استقال من الحكومة بعد ضغوط سياسية وشعبية بسبب اتهامه بالرشوة.

الانتخابات الإسرائيلية قادمة في جميع الأحوال، ونتيجتها لصالح اليمين وحزب هليكود في الغالب، ولكن يحكم توقيتها قوة أو ضعف الاتفاقات التي ينفذها نتنياهو مع أعضاء ائتلافه، وتداعيات السياسة الخارجية من حوله، مثل إعادة النقاش مع روسيا بشأن الملف الإيراني، ومقدار الدعم الأمريكي، ومسار محادثات التهدئة مع حماس.

تقرير: جولة ترامب الخليجية تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط وتهمش إسرائيل


دراسة تحليلية: كيف يُهرَّب السلاح إلى الحوثيين في اليمن؟ الفاعلون والمسارات من 2014 حتى 2025


محادثات روسية أوكرانية مباشرة في إسطنبول: آمال حذرة بغياب بوتين وزيلينسكي


الحوثيون يلتزمون بوقف الهجمات على أمريكا ويستثنون إسرائيل: مستقبل غامض في البحر الأحمر