تقارير وتحليلات
في يوم الشهيد الإماراتي..
كيف غيرًت “أبوظبي” وجه الحرب في اليمن؟
ثمة مسألة تستحق الكثير من التدقيق، تتعلق بالدور المحوري الذي تؤديه دولة الإمارات العربية المتحدة، في إطار مهمة قوات التحالف العربي، بقيادة السعودية، لإسناد اليمنيين في معركة استعادة الدولة من المخلب الإيراني، وغسل الجغرافيا الوطنية من اللوثة الحوثية.
من وقت مبكر بدت الإمارات كما لو قد أخذت على عاتقها، الذهاب في اسناد اليمنيين إلى أبعد مدى، عقب انقضاض جماعة الحوثيين المسلحة، على الدولة اليمنية لحظة ضعف وتفكك للمنظومات العسكرية والسياسية، وألقت أبو ظبي بثقلها العسكري أولاً والسياسي والاقتصادي تالياً خلف عملية تقليم الأظافر الإيرانية في اليمن، منذ اللحظات الأولى لهدير مقاتلات التحالف العربي في سماء اليمن.
على أن الدور الإماراتي المحوري في عملية عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية، لم يتوقف عند الضربات العسكرية الجوية وتدمير النسبة الأكبر من ترسانة الأسلحة الضخمة التي كونتها الحركة الحوثية عبر الاستيلاء على مخازن الجيش اليمني، ومن الدعم العسكري الإيراني عبر شحنات مهربة تدفقت بكثافة الى سواحل اليمن.
ذلك أن أبوظبي لم تدخر، في مساندة اليمنيين، حتى الدم، وقد امتزج الدم الإماراتي باليمني في معركة تقع في صلب اختصاص اليمنيين أولاً، ويترتب على مالاتها مصير بلد برمته، من دون إغفال بديهية أن خطر الحوثية ومن خلفها إيران، لا يتوقف عند حدود اليمن فحسب، وإنما يتجاوزها إلى محيطه الخليجي، فضلا عن تهديدات حقيقة للمصالح الدولية المتداخلة، قياساً بالأهمية الجغرافية لليمن وتحكمها بواحد من أهم الممرات البحرية في العالم.
وعند هذه النقطة تحديداً، تجدر الإشارة إلى أن الإمارات دفعت المئات من أفراد وضباط قواتها المسلحة، إلى خطوط المواجهة المباشرة ضد مسلحي الحوثي، في غير بقعة يمنية، بما فيها محافظة مأرب وسط البلاد، التي ارتقى فيها عشرات الجنود الإماراتيين، أثناء مشاركتهم ضمن قوات التحالف العربي، في العمليات العسكرية الميدانية لتقويض عرش الجماعة المنفتحة على املاءات إيران.
وتؤكد الإمارات أنها لا يمكن أن تقبل بأي خطر استراتيجي على أمن الخليج من خلال الارتباطات الخارجية لجماعة الحوثيين، خاصة مع اتباعها أيديولوجيات متطرفة، ودورانها في فلك مشروع إيراني خبيث يهدد الأمن القومي للمنطقة والاقليم.
دور حاسم في قلب المعادلة عسكرياً
وقد شكل دخول القوات الإماراتية على خط المواجهات البرية إلى جانب القوات اليمنية، منعطفا هاما على صعيد العمليات العسكرية، ذلك أن الكفاءة والحرفية لدى القوات المسلحة الإماراتية، أعطت قوات الشرعية أفضلية ورجحت كفتها في ميزان القوى العسكرية على الأرض، فضلاً عن تبني الإمارات لتشكيل وحدات عسكرية ودعمها بالإمكانات اللازمة.
ولكن وفقا لمعايير مختلفة عن تلك التي حكمت تشكيل بعض الالوية في ماضي الدولة اليمنية التي كانت في بعض الوية الجيش مجرد غطاء للمعونات المالية لقياداتها، اذ يعتمد الدعم الاماراتي على صرامة في معايير الانضباط المالي يرفع كفائة المحارب ويكافح الفساد.
ميدانيًا، لا بد من التذكير أن بداية التحول الاستراتيجي للحرب ضد الحوثيين، كانت مع استعادة قوات التحالف، السيطرة على ميناء عدن، في 17 يوليو الماضي، وما ترتب على العملية من إنزال بحري لقوات إماراتية، لعبت دورًا محوريا في تحرير مدينة عدن وبقية المدن الجنوبية.
بيد أن مآلات الحرب، تبدت في غضون سيطرة القوات المشتركة على مضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، وتقدمها باتجاه ميناء المخا المطل على البحر الأحمر غربي البلاد، إذ لم يكن في خانة المتوقع انهيار ميليشيا الحوثي أمام قوات التحالف بتلك السرعة قياسًا بالأهمية الجيوسياسية للمضيق، وأيضًا لعدد القوات العسكرية التي حشدها إلى هناك.
وقد بدت الصورة أكثر وضوحًا، بعد استعادة القوات المشتركة المدعومة إماراتيا للشريط الساحلي الممتد من الخوخة، شمالي الحديدة، حتى الدريهمي، وصولاً إلى عمق مدينة الحديدة، مطلع نوفمبر الجاري.
وحملت معارك الأيام الأخيرة على محور الحديدة، وما رافقها من تهاوٍ سريع لتحصينات الميليشيا، إشارات صريحة بتصدع جدار معسكر الحوثيين، تحت وقع الضربات المميتة التي وجهتها إلى صدره، قوات التحالف العربي والمقاومة المشتركة، على امتداد مسرح العمليات.
وباستقراء النتائج الأولية للمواجهات في محور مدينة الحديدة المشتعل وقبله في جبهات تهامة، يمكن استنتاج بديهة أن الإمارات نجحت إلى حد كبير في قلب الطاولة عسكريًا على رأس الحوثيين، وأيضًا في تقويض وجوده على الأرض لصالح قوات المقاومة المشتركة المدعومة كليا من أبوظبي، بحيث صارت المسألة مجرد وقت، وتحسم معركة الحديدة بالضربة القاضية.
والراجح أن سيطرة القوات المشتركة على الحديدة، يفرض واقعًا عسكريًا وسياسيًا صعبًا على ميليشيا الحوثي، ولعل الأخيرة استشعرت لوهلة تداعيات هذا الحدث الفاصل في مسار الصراع، والكلفة الباهظة المترتبة عليه، وإثره تحركت رسميا للبحث عن مخرج مؤقت لأول مرة، بالرغم من خسارتها لمناطق لا تقل عن الحديدة لجهة الأهمية.
على أن الشفرة السرية للنجاحات الميدانية على امتداد خارطة تهامة، تكمن في دعم دولة الإمارات العربية المتحدة، تشكيل وحدات قتالية جديدة من اليمنيين في غالبية المحافظات، الأمر الذي شكّل قواعد صلبة مكن الانطلاق منها لشن هجمات استعادة السيطرة على الحديدة الاستراتيجية.
وبعد أربع سنوات على التدخل العسكري العربي، في اليمن، يمكن القول إن الإمارات شكلت رافعة عربية صلبة لليمنيين، في مواجهة أخطر جائحة، في وقت أثبتت فيه التطورات الأخيرة في محور الحديدة واقعية استنتاج عسكري يتردد محليا مفاده: ما دخلت المدرعات الإماراتية منطقة إلا وتحررت".
ولم يتوقف دعم الإمارات لليمن عند حد المشاركة بقوات مع التحالف العربي، بل امتد إلى تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب اليمني، فضلا عن تبني استراتيجية واضحة في مكافحة الإرهاب، بدت في غضون العمليات العسكرية المشتركة، ضد العناصر المتطرفة في حضرموت وأبين وشبوة جنوبي البلاد.