الأدب والفن

بين الإحساس والوجود..

خرائط الجمال في شعر عصمت شاهين الدوسكي.. قراءة في كتاب «عناقيد أُنثى»

«عناقيد أُنثى».. حين تُقرأ تجربة عصمت شاهين الدوسكي بعيون نقدية نسوية

يأتي كتاب «عناقيد أُنثى» بوصفه مجموعة من الدراسات الأدبية التي تناولت أعمال الشاعر الأستاذ عصمت شاهين الدوسكي، وشارك في إعدادها عدد من الأديبات المبدعات من الوطن العربي والعالم. وهو كتاب ينهض على فكرة مركزية قوامها قراءة التجربة الشعرية من زوايا متعددة، تتقاطع فيها الرؤية الجمالية مع الحس الإنساني، وتتشكل فيها النصوص النقدية كما تتشكل العناقيد؛ متجاورة، متباينة، لكنها تصب في نبعٍ واحد.

العنوان ذاته يثير الدهشة منذ الوهلة الأولى. فـ«عناقيد أُنثى» ليس توصيفًا عابرًا، بل بناءٌ لغوي مشحون بالدلالة، ينهض على الجمع بين الامتلاء والخصوبة والشفافية. كل عنقود مجموعة من الحبات، وكل حبة نداءٌ للقارئ، ودعوةٌ للتأمل في جماليات من نوع خاص، عبّرت عنها الأديبات من خلال قراءاتهن الفكرية والجمالية لشعر الدوسكي.

يبدو الشاعر هنا كمن يُفكِّر شعرًا، إذ يتدفق النص من مسامه كما تتدفق المياه من ينابيع الأرض، فعلًا قدريًا لا يستأذن، ووحيًا شعريًا يتجاوز الصنعة إلى الجوهر. ومن هذا المنطلق، فإن دراسة هذا الشعر وتحليله لا تقف عند حدود الشكل، بل تنفتح على معانٍ إنسانية ولغوية عميقة. فهناك تراكيب وتعابير تُقرأ لأول مرة، تشي بأننا أمام تجربة غير اعتيادية، تُلامس التفرد في زمنها الإبداعي، وتمنح القارئ إحساسًا بأنه إزاء شاعر يحمل وعيًا يتجاوز المألوف.

عند قراءة هذه العناقيد الأُنثوية، يلحظ القارئ تنوع المقاربات الجمالية في كل دراسة. فهي نصوص تتسم بشفافية الحس، وتنهل من مخزون إنساني وروحي مختلف، وتعكس شغف المرأة بالجمال أينما كان. وتبدو هذه القراءات كألوان روحية متعددة، تُسهم مجتمعة في رسم صورة أكثر اكتمالًا لتجربة الشاعر.

ينطلق الجمال، كما تشير القراءة، من العنوان بوصفه عتبة النص وروحه الأولى، بما يحمله من أبعاد دلالية وتأويلية، وبما يفتحه من أفقٍ للصورة والموسيقى والذاكرة المكانية والزمانية. وهو جمال لا ينفصل عن البنية واللفظ والصورة والمعنى، بل يتكامل معها ليشحذ انفعال القارئ ويستدعي عواطفه، في تماهٍ واضح بين القيم الروحية وتغليبها على المادي.

وتنساب المشاعر في شعر الدوسكي بوصفها فعل نهوض وخروج من تحت الرماد. فالحالة الشعورية تتشكل من تأثيرات خارجية تمتزج بخيال يتطلع إلى ما ينبغي أن يكون، في ما يشبه صرخة تمرد على واقع مأزوم. هنا تتجلى القفزات الروحية بين الإحساس والوجود، ويُعاد رسم الحياة بألوان الربيع رغم الحزن المقيم في الأمكنة.

كما يحضر التوثيق بوصفه عنصرًا فاعلًا في التجربة، سواء في تصوير الواقع أو في السرد، كما يتضح في روايته «الإرهاب ودمار الحدباء»، التي تأتي كرسالة إنسانية عن قهر الحروب وآثارها. ويتجسد الإبداع في قدرته على الإيحاء بالعالم الخفي للعواطف الإنسانية، حيث تتداخل المؤثرات السمعية والبصرية في زمن التناقضات والأوجاع، ويغدو التعبير الشعري أداةً للبحث عن الحق والعدالة في مجتمعٍ زُوِّرت فيه الحقائق.

يبرز التوهج الشعري في جاذبية الصورة والرؤية والرمز، وهي عناصر تستفز وعي القارئ وتدعوه إلى الاقتراب من النص وتحليله، لاستخلاص دروسٍ من إرهاصات الماضي التي توقظ غفوة الحاضر. فالشاعر، وإن كان يتنفس الحقيقة، إلا أنه يؤمن بالخيال، ويبحث فيه عن دُرر تمنحه استمرارية الشعور والعطاء.

ويأخذ الخيال الشاعر في رحلة مفتوحة خارج الواقع، بين حروفٍ هائمة وسطورٍ عاشقة، حيث تتجلى المرأة بوصفها مدرسة شعرية في الحب والجمال والحياة. وفي المقابل، يظل البحث قائمًا عن كونٍ جديد يتأرجح بين الرومانسية والاغتراب، وتتكشف من خلال تأويل الصور الشعرية مضامين ورؤى تنصهر مع الأهواء والأمزجة الحسية والفكرية.

تتجلى قوة الكلمة في قدرتها على مخاطبة الضمائر، وتأسيس تغييرٍ يمس الفرد والمجتمع معًا. فالشاعر، عبر إحساسه بالآخرين، يتحول إلى لسان حالٍ جمعي، باحثًا عن النور في غياهب الظلام، وناقدًا لفساد المجتمع، ومتمردًا على الجهل بإيقاظ الوعي.

وفي ختام هذه القراءة، يتجه الشكر والتقدير إلى جميع الأديبات المشاركات في هذا المؤلف، اللواتي كشفن عن أوجه متعددة للجمال والإبداع في شعر عصمت شاهين الدوسكي. ويغدو القارئ، وهو يتنقل بين هذه العناقيد، كمن يتتبع بوصلة تقوده إلى عالمٍ شعري تتصدره فضيلة الجمال بكل أبعاده. لقد نجحت هذه القراءات في نقل رسائل عن واقع الجمال رغم الحزن، وعن قدرة الروح على أن تبقى حية وسط العتمة.

ولا تزال سيمفونية القدر تُعزف على أوتار مشاعر الشاعر بلا نهاية، فيما تبقى هذه العناقيد، بحلاوتها وتفردها، قطراتٍ في بحر تجربة شعرية واسعة. كلماتٌ تمضي كالسيف في حدتها، وتنقل القارئ بين الفرح والحلم والألم، وتمنحه، في النهاية، دروسًا عن الحياة، بوصف الشعر فلسفة وجدانية قبل أن يكون فنًا لغويًا.

-----------------------------------------

كتاب «عناقيد أُنثى: مقالات أدبية عن أعمال الشاعر عصمت شاهين الدوسكي»
المؤلف: مجموعة من الأديبات
تصميم الغلاف: نزار البزاز
المطبعة: مكتبة كازي
رقم الإيداع: (D/2866/25) – دهوك

الانتقالي الجنوبي يوضح دوافع تحركاته في حضرموت والمهرة والسعودية تدعو لخفض التصعيد


اعتراف إسرائيلي بأرض الصومال يشعل توتراً دبلوماسياً في القرن الإفريقي


حضرموت تحت القصف.. استخدام غير مشروع للقوة خارج مظلة الشرعية


قصف الحلفاء.. الغارات السعودية تفتح باب أزمة جديدة في الجنوب