قضايا وحريات
ترجمة..
تقرير: اليمنيات لماذا يرغبن في إعادة البلاد كما كانت
بعد أن تسبب الرجال في أسوأ كارثة إنسانية في العالم، أصبح من الواضح الآن أنهم لا يستطيعون إصلاحها. في سنة 2011، ظهرت ملصقات ضخمة على لوحات الإعلانات وسيارات الأجرة والحافلات عبر اليمن، تحمل صور نساء، ارتدت البعض منهن حجابًا ملونًا وتركن وجوههن مكشوفة، بينما ارتدت الأخريات النقاب الأسود كاشفات عن أعينهن فقط. وكانت الابتسامات العريضة بادية على وجوههن جميعا بينما كن يقمن بإشارة الإبهام حيث تلونت أطراف أصابعهن باللون البنفسجي.
كانت الملصقات الإعلانية جزءا من حملة توعوية للأمم المتحدة لدعم الاستفتاءات حول حق الانتخاب خلال الانتخابات الرئاسية اليمنية المنتظرة، ومن أجل تشجيع جميع اليمنيين، وخاصة النساء، على الانخراط في العملية السياسية. وكما قالت لي الناشطة اليمنية في حقوق المرأة، نسمة منصور، بينما كنا نجلس في منزل والدها بالقرب من الواجهة البحرية التي كانت سابقا مزدهرة في مدينة عدن الجنوبية الساحلية، "كان الجميع يتوقعون بروز دولة اليمن بحلة جديدة".
لكن في غضون أشهر، حُطّمت ابتسامات النساء المفعمة بالأمل وتم جلدها بعلامات كلها سواد وغضب. وقد كانت هذه إشارة مبكرة على الاضطرابات القائمة في اليمن التي تنبأت بانعكاس وشيك لنسق التقدم الذي أحرزته ناشطات حقوق المرأة خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2012 في البلاد. وقد صرحت منصور أن "ما تلى هذه الأحداث كانت الحرب، ثم انهار كل شيء".
تعتقد النساء في اليمن أنهن مستبعدات من المناقشات الهامة حول إعادة بناء البلاد بعد الحرب، حيث صرحت الناشطات اليمنيات أن الجهات الفاعلة التي التزمت بإشراك النساء في عمليات السلام، على غرار الأمم المتحدة والولايات المتحدة
بعد مرور ثلاث سنوات على الحرب الأهلية الدموية، تعيش اليمن الآن على وقع أسوأ كارثة إنسانية في العالم، إذ قتلت الحرب ما لا يقل عن 10 آلاف مدني، على الرغم من أن الرقم الفعلي قد يكون أعلى بكثير، كما جعلت ما يقارب 14 مليون آخرين ضحايا للمجاعة. وفي الشهر الماضي، دعا وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ووزير الدفاع، جيم ماتيس، جميع الأطراف المتناحرة إلى الموافقة على شروط محادثات السلام في غضون 30 يومًا. ومنذ ذلك الحين، تم تأجيل الموعد النهائي للموافقة إلى نهاية هذه السنة. لكن وسط القتال من أجل استعادة معاقل الحوثيين، بما في ذلك مدينة الحديدة الرئيسية، تبرز دعوات للسلام.
مع ذلك، تعتقد النساء في اليمن أنهن مستبعدات من المناقشات الهامة حول إعادة بناء البلاد بعد الحرب، حيث صرحت الناشطات اليمنيات أن الجهات الفاعلة التي التزمت بإشراك النساء في عمليات السلام، على غرار الأمم المتحدة والولايات المتحدة، لم تحرص بقوة كافية على المشاركة الفعلية للمرأة. فمن دون نساء، سيكون من الصعب تحقيق السلام في اليمن. في الأثناء، لا زال عدد لا يحصى من النساء اليمنيات اللاتي اضطرتهن الحرب إلى لعب دور المعيل، يفتقرن إلى التعليم والتدريب الضروريين للحصول على وظائف لتوفير ما يكفي لعائلاتهن.
بدأ صراع اليمن عندما اكتسح الحوثيون، وهم جماعة متمردة مدعومة من قبل إيران، اليمن وسيطروا على جزء كبير من البلاد احتجاجًا على انتشار الفساد وسوء المعاملة خلال فترة حكم الرئيس السابق، علي عبد الله صالح. وفي آذار/ مارس 2015، تدخّل ائتلاف من الدول بقيادة المملكة العربية السعودية وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة لإصلاح اليمن نيابة عن الحكومة المعترف بها دوليًا. وعند هذه المرحلة، اتُهم كلا الجانبين بارتكاب جرائم فظيعة في حق السكان المدنيين في اليمن.
استغلت النساء زخم هذه الحركة والزعامة السياسية الجديدة، التي تتنافس لبناء دولة حديثة، من أجل ضمان وجود حد أدنى من تمثيل المرأة بنسبة 30 بالمائة في الهيئة التشريعية اليمنية
كان تأثير الحرب على المرأة مدمرًا. وفي سنة 2011، خرجت العديد من النساء إلى الشوارع، متحصنات بالربيع العربي، للمطالبة بحقوقهن بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من السياسات المحافظة على نحو متزايد والتأثيرات الإيديولوجية الأصولية المتنامية التي أدت إلى تدهور وضع النساء والفتيات في اليمن.
استغلت النساء زخم هذه الحركة والزعامة السياسية الجديدة، التي تتنافس لبناء دولة حديثة، من أجل ضمان وجود حد أدنى من تمثيل المرأة بنسبة 30 بالمائة في الهيئة التشريعية اليمنية والتي تلتزم بإدراج بيان حول مساواة المرأة وحقوقها في الدستور الجديد. لكن، عندما بدأت الحرب في سنة 2015، أدركت النساء الناشطات بسرعة أن نسبة 30 بالمائة التي عملن من أجل تحقيقها لن يتم الوفاء بها، وأن ظروف زمن الحرب ستجعل كل التقدم الذي سبق إنجازه يذهب أدراج الرياح.
أفادت سانام أندرليني، مؤسسة الشبكة الدولية لعمل المجتمع المدني، وهي منظمة مكرسة لتعزيز حقوق المرأة والسلام والأمن البشري في الدول المتضررة من الصراع، أن "الأسلحة قد سيطرت على المكان، وساهم المجتمع الدولي أيضا في تهميش النساء".
في مشهد اعتيادي في عدن، وتحت أشعة الشمس الحارقة، ترتدي الأرامل اليمنيات عباءات سوداء طويلة تغطيهن من الرأس إلى أخمص القدمين، ووجوههن مغطاة بالنقاب الكامل، حيث تمسكن أوعية صغيرة على أمل الحصول على بعض الريالات اليمنية من المارة المتعاطفين، الذين لا يملكون بدورهم إلا القليل لتقديمه. ومع تنامي التضخم الاقتصادي، يتم إخراج الفتيات الصغيرات من المدارس حتى يتزوجن لتوفير الطعام، من خلال مهر الزواج، لعائلاتهن التي تتضور جوعاً.
فضلا عن ذلك، ترتفع معدلات العنف ضد المرأة والتحرش الجنسي مع تصاعد النزاع. ووفقاً لتقرير صدر في آب/ أغسطس، عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن ما يقدر بنحو 3 ملايين من النساء والفتيات اليمنيات عرضة لخطر العنف القائم ضد المرأة. كما تشكل النساء والأطفال حوالي ثلاثة أرباع مجموع المشردين في اليمن البالغ عددهم 3 ملايين نسمة، إذ أنهم هم من "يدفعون ثمنا باهظا مقابل هذه الحرب، كما هو الحال في معظم الأزمات الإنسانية". وتعتقد الناشطات اليمنيات أن أفضل طريقة لتحسين حياة النساء بعد الحرب هي إشراكهن في مفاوضات السلام الجارية.
أكدت نسمة منصور الناشطة اليمنية في حقوق المرأة أن "التخلي عن أجندة النساء أو إيجاد حلول تسوية هي أول شيء يقوم به [القادة]
في الواقع، كشفت الأبحاث أن مشاركة المرأة في عمليات السلام تجعل البلدان أكثر أمنا واستقرارا وأقل عنفا. فحين تشارك النساء في المفاوضات، يكون هناك ارتفاع بنسبة 35 بالمائة في احتمال التوصل إلى اتفاق قد يستمر لمدة 15 سنة على الأقل. في سياق متصل، ارتبط ارتفاع مستوى المساواة بين الجنسين بانخفاض معدلات النزاعات داخل البلدان وفيما بينها. علاوة على ذلك، تظهر النساء ميلا لاستثمار المزيد من وقتهن وطاقتهن لمعالجة القضايا المتعلقة بالنساء والأطفال، مثل الرعاية الصحية والتعليم والحماية الاجتماعية والصرف الصحي. وتعتبر جميع هذه القضايا دعامات أساسية لإنشاء مجتمع وظيفي.
في المقابل، كتبت المديرة التنفيذية لمعهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن، ميلان فرفير، في مجلة "فورين بوليسي" في وقت سابق من هذا الشهر، أن النساء لا يمثلن "سوى 2 بالمائة من الوسطاء و5 بالمائة من الشهود والموقعين على الاتفاقيات و8 بالمائة من المفاوضين" حول العالم. من جانبهن، ناشدت النساء اليمنيات والمنظمات غير الحكومية على غرار منظمة "آي كان"، الرئيس عبد ربه منصور هادي وعددا من المسؤولين الحكوميين الذين تشدقوا بالكلام قبل الحرب حول فكرة تضمين المرأة في الحياة السياسية. لكن وفقا لما صرحت به هذه المنظمات، لم تتخذ الحكومة اليمنية أي خطوات ملموسة لتحقيق ذلك.
في هذا الإطار، أكدت نسمة منصور أن "التخلي عن أجندة النساء أو إيجاد حلول تسوية هي أول شيء يقوم به [القادة]. هم يعتقدون أن هذا الأمر ليس من أولوياتهم. ففي كل مرة نتوجه إليهم فيها بالخطاب، يتحججون بانشغالهم بحل النزاع". بناء على ذلك، تعتمد الناشطات اليمنيات على منظمة الأمم المتحدة للتمسك بالتزامها فيما يتعلق بحقوق المرأة. كما أعربن عن أملهن في الاستفادة من قرار مجلس الأمن رقم 1325، الذي يدعو إلى تعميم منظور النوع الاجتماعي لمراعاة "الاحتياجات الخاصة للنساء والفتيات أثناء النزاع، والإعادة إلى الوطن وإعادة التوطين، وإعادة التأهيل والإدماج والإعمار بعد نهاية النزاع".
رشا جرهم هي إحدى المشاركات في تأسيس منظمة "مبادرة مسار السلام"، التي تسعى إلى تعزيز حقوق المرأة في اليمن وتشجع على إدماجها في الحياة السياسية. وقد قالت رشا إنه في حين استغل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، الوقت خلال زيارته للبلاد للقاء ناشطات والاستماع إلى هواجسهن، لم تتمكن الأمم المتحدة من العمل على تحويل قضيتهن إلى التزام ملموس يرسخ حضور النساء في الأدوار الأساسية في مناقشات السلام الرئيسية.
في هذا الشأن، تساءلت جرهم: "إذا كان مبعوث الأمم المتحدة لا يحترم المساواة بين الجنسين، فكيف بإمكانه أن يفرض المساواة بينهما أو تخصيص نسبة 30 بالمائة من النساء كأطراف فاعلة في اليمن؟" خلافا لذلك، اقترحت جرهم آلية تنفيذ تحيل إلى أنه في حال لم تتمكن الأطراف المتنازعة من تعيين 30 بالمائة من النساء لحضور محادثات السلام في اليمن، فإن المقاعد المخصصة لهن يجب أن تظل فارغة عوضا عن تعويض غيابهن بممثلين رجال. لكن الأمم المتحدة لم تبد موافقتها على هذه الفكرة، بتعلة أن هذا الأمر سيعرض المحادثات السياسية للخطر.
في الأثناء، تشعر الناشطات اليمنيات بأن دولًا مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التي دعمت التحالف الذي تقوده السعودية في حربه ضد اليمن، ينبغي عليها أن تتحمل مسؤوليتها لتمكين المرأة اليمنية من حقها في تشكيل مستقبل بلادها. ووفقا لما أوردته نسمة منصور: "لطالما أكدت هذه الدول عن دعمها الدائم لحقوق الإنسان. وحقوق المرأة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان".
بالإضافة إلى ذلك، لم تبد الولايات المتحدة عزمها على اتخاذ موقف صارم إزاء إشراك النساء في محادثات السلام. وخلال السنة الماضية، وقّع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على تشريع بتأييد إجماعي من كلا الحزبين يعرف باسم "قانون المرأة والسلام والأمن". ويرتكز هذا القانون على دفع الحكومة لوضع استراتيجية لزيادة مشاركة المرأة في عمليات حفظ السلام والأمن في غضون سنة واحدة من إصدار الكونغرس لهذا التشريع. كما أنه يدعو لتدريب الموظفين الأمريكيين على كيفية دعم إشراك المرأة أكثر في مفاوضات السلام حول العالم.
لكن، لم يتم العمل بهذا القانون. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وجهت النائبتان جين شاهين وشيلي مور كابيتو رسالة إلى الإدارة الأمريكية تطلبان فيها ضرورة إصدار تحديث لهذه الاستراتيجية، التي كان من المقرر أن يصدرها الكونغرس الشهر الماضي. وجاء في رسالة النائبتين: "إننا نشعر بقلق عميق لأن الموعد النهائي لتقديم التقرير إلى الكونغرس قد مضى دون وضع استراتيجية مرتقبة".
في هذا السياق، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية لمجلة "فورين بوليسي" أن البيت الأبيض يعمل حاليًا على وضع اللمسات الأخيرة على هذه الاستراتيجية، التي ستتضمن الأدوات والمهارات الخاصة بأربع جهات تنفيذية على الأقل بالتنسيق مع البيت الأبيض، وهي وزارات الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
بالنسبة للعديد من الناشطات، على غرار رشا جرهم، انتهى وقت الانتظار. وفي الوقت الراهن، تعمل جرهم من أجل تشكيل وفد مستقل لتمثيل النساء والفتيات اليمنيات في المفاوضات الأولية في محادثات السلام. وتريد جرهم وغيرها من الناشطات أن تلعب المرأة اليمنية دورا بارزا في تحديد القوانين والسياسات والممارسات من أجل ضمان تقدم الحكومة اليمنية، حيث أعربن عن رغبتهن في تولي النساء مناصب قيادية، من قبيل العمل كمشرّعات ومسؤولات محليات وقضاة.
يسهل تولي هذه المناصب في الحكومة وضع ضمانات تكفل حماية المرأة وإتاحة فرص متساوية للتمكين. فضلا عن ذلك، تريد الناشطات أن تصبح المرأة قادرة على الجلوس مع الأطراف المتفاوضة، وأن يكون لصوتها نفس وزن وقيمة صوت الرجل. وقد خلصت جرهم إلى القول إن المرأة اليمنية ليست بحاجة إلى دعوة لدعم عملية السلام في بلدها.