تقارير وتحليلات
الحرب في اليمن..
تقرير: ماذا لو لم يتدخل التحالف العربي في اليمن؟
بمجرد أنْ وضعت حركة الحوثيين يدها على صنعاء، تحت ضغط قوة السلاح، ارتفع صوت راعيها الإقليمي، في طهران، ابتهاجاً بإدراج رابع عاصمة عربية في جيب المِعطف الإيراني، ولم يجد المسؤولون الإيرانيون ما يمنع المجاهرة بالتدخل الفجّ في اليمن.
بيد أنَّ فرحة الحوثيين، ومِنْ خلفهم إيران، لم تدُم طويلاً، ذلك أنَّ هدير طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية، في سماء اليمن، قطع الحفلة الصَّاخبة بالسيطرة على دولة اليمنيين وحياتهم في صنعاء، وأحال نشوة النصر إلى صراخ من وجع.
وفي غضون تحقُّق فعل السيطرة المسلحة للحوثيين على صنعاء، تدخَّل مندوب الأمم المتحدة السابق في اليمن، جمال بن عمر، لإجراء حوار سياسي بين الجماعة والأحزاب المتحالفة مع عبدربه منصور هادي، بيد أن الأمر لم يرُق لزعيم المتمردين الحالم بابتلاع اليمن، ليصدر في فبراير/ شباط 2015 إعلاناً دستورياً بحل البرلمان وتمكين "اللجنة الثورية" من قيادة البلاد.
ومنتصف نفس الشهر، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا صارمًا (رقم 2216) طالب فيه الحوثيين بسحب مسلحيهم من كافة أجهزة الدولة اليمنية ومؤسساتها الحكومية، كما عارض تحركاتهم غير الشرعية لحل البرلمان، ولوَّح -حينها- بتطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق باستخدام القوة لفرض تنفيذ القرارات.
مع الإشارة إلى أنَّ الاندفاعة الحوثية المسلحة للاستحواذ على كامل اليمن، بالتوازي مع استفزازات عسكرية للسعودية، تبعاً لإملاءات إيران، عوامل وفَّرت، مجتمعة، غطاءً أنيقاً للتدخل العسكري الذي انطلق في 26 مارس 2015، بعمليات عسكرية جوية شلت جاهزية وحدة القوات الجوية اليمنية من اللحظات الأولى.
السيناريو البديل لـ"العاصفة"
ثمَّة أمر يستحق الكثير من التدقيق، يتعلق بالدور العسكري للتحالف بقيادة السعودية، في إعفاء اليمنيين جزءاً كبيراً من الكُلفة الباهظة التي كانت ستترتب على سيطرة الحوثيين على ترسانة سلاح الجيش اليمني، بما في ذلك سلاح الجو.
وعند هذه النقطة تحديداً، يبرز السؤال الأهم: ماذا لو أنَّ عاصفة الحزم لم تكن؟ وكيف كان سيكون شكل المواجهة لو أنّ زعيم الحوثيين لم يفقد ورقة الطيران الحربي في حربه المجنونة ضد اليمنيين؟
أما الإجابة فلا تتطلب الكثير من الجهد، وبمقدور طفل صغير لا تجربة عسكرية أو سياسية له، استخلاصها عبر إجراء مراجعة سريعة لطريقة الحوثيين في إدارة المواجهات المسلحة، في غير بقعة يمنية، طيلة أربعة أعوام، هي فترة سيطرة الجماعة على ترسانة سلاح وزارة الدفاع.
ولا يتورع الحوثيون عن اقتراف أي فظائع بحق المدنيين، مهما كان منسوب فداحتها حين يتعلق الأمر بالحاجة لإطالة أمد سيطرتهم على منطقة ما. ويخوضون المواجهة مع القوات المشتركة، خارج القوانين الإنسانية الناظمة لقواعد الحرب.
المؤكد، حتى اللحظة، على الأقل، أن وجه الحرب كان سيبدو أكثر وحشية، لو أن الحوثي احتفظ بجاهزية المقاتلات الحربية التي استولى عليها من القواعد الحربية في صنعاء والحديدة، ولا يبدو أنه كان سيتردد لوهلة، في استخدام الطيران، لإلقاء براميل متفجرة، على المناطق التي لا تسلم بسيطرته على مقاليد الدولة، و"خرافة الولاية".
ويعزز هذه البديهية، تحريك الحوثيين للمقاتلات الحربية، من قاعدة الديلمي الجوية في صنعاء، لشن غارات على القصر الرئاسي في عدن، بعد مغادرة عبدربه منصور هادي، الإقامة الجبرية التي فرضوها عليه ووصوله إلى جنوبي اليمن.
ويلحظ أن سيناريو كارثياً كان ينتظر اليمن، لو أن التحالف لم يطلق عنان عملية عاصفة الحزم متبوعة بعملية إعادة الأمل، إذ كان البديل إتاحة الفرصة للحوثيين لإحراق البلاد، وتحقيق التمكين للميليشيا التي تنفذ في الأصل مشروعاً إيرانياً توسعياً في المنطقة، على غرار "حزب الله" الذراع الإيرانية الأخرى في لبنان.
وإلى جانب تجريد الحوثيين ميزة الطيران الحربي، قادت عمليات التحالف العسكرية، إلى طردهم من عدن ومن خمس محافظات جنوبية، ثمّ من ميناء المخا القريب من مضيق باب المندب الاستراتيجي، الذي يمكن من خلاله إغلاق البحر الأحمر ومن ثمّ قناة السويس أمام الملاحة الدولية.
"الشرعية" نقطة ضعف التحالف
بعد مرور أربع سنوات على عملية عاصفة الحزم، ما زالت كمائن كثيرة تحول دون تحقيق كامل أهداف مهمة التحالف العربي في اليمن، مع ضعف وتآكل "الشرعية" من جهة، والضغوط الدولية الهادفة إلى تمكين الحوثيين من البقاء في ميناء الحديدة ذي الأهمية الاستراتيجية من جهة أخرى.
وتلعب الأمم المتحدة عبر مندوبها في اليمن مارتن غريفيث، دوراً في غاية السلبية، فيما يخصّ تقليص الرقعة التي يسيطر عليها الحوثيون، لعدم حيادية مهمة المبعوث البريطاني عن حسابات خاصة لقوى دولية فاعلة في الملف اليمني.
وتقوم هذه الحسابات، المرتبطة بمستقبل ميناء الحديدة، على تعويم الحوثيين وجعلهم في موقع الجهة السياسية الموازية لـ"الشرعية"، لكن المعلومات تعيد إلى ضعف وفساد الأخيرة، المترتب على سيطرة "الإصلاح" على مفاصلها.
وإلى جانب الضغوط الدولية، كرس تحكم تنظيم الإخوان بالقرار داخل معسكر سلطة عبدربه منصور هادي، الجمود العسكري على جبهات عدة، سيما جبهتي نهم ومأرب اللتين تؤثران على وضع صنعاء، بجانب جبهتي تعز والبيضاء.
ويدفع الإخوان باتجاه الاستمرار في الجمود، الذي يعني عدم ممارسة أي ضغوط حقيقية على الحوثيين في صنعاء أو أي مكان آخر، باعتقاد هؤلاء أن الوقت يعمل لمصلحتهم، وأن الحل سيقوم في النهاية على تقاسم اليمن بينهم والحوثيين، مع ما يعنيه ذلك من دور محوري لقطر التي تقيم علاقة في العمق مع الجانبين.