تقارير وتحليلات
بين ناري الحوثي والحشد
تقرير: كيف تستقبل محافظة تعز اليمنية الشهر الفضيل؟
كانوا يقولون لي إنهم يذهبون لأداء الحج، ظل هذا الاعتقاد مسيطراً على ذهني كثيراً، ولكن بمجرد أن كبرت عرفت أن ذلك لم يكن سوى تقليد لا يمت للحج بصلة..
في قريتي.. إلى الشمال من مدينة تعز، الكبار والمعمرون هناك، حتى وقت غير بعيد، كانوا يعتقدون أن زيارة جامع الجند تكتب عند الله حجة.
على أحر من الشوق يستقبل القرويون وأبناء المدينة في تعز شهر رمضان كعادتهم من كل عام بالتهاليل والأناشيد الترحيبية والحاملة لتعابير طلب مغفرة.. المأثورات تسود إلى حدٍ كبير..
"الشعبانية" آخر جمعة من شعبان كالعادة يذهب فيها أبناء الحوبان وشرق تعز، رجالاً ونساءً، للصلاة في جامع معاذ بن جبل، لأداء منسكهم كما يعتقدون، وهذا التقليد الذي ورثوه عن آبائهم ربما كانوا يقيمونه استقبالاً للشهر الكريم قديما، لكن الآن ترك الرعية من أبناء "الحوبان" هذه العادة لتيقنهم أن الحجة لا تكون إلاّ للبيت الحرام، ربما كان الجهل لدى القدماء هو الذي دفعهم لاعتقاد ذلك.
الأطفال فقط في قرى الحوبان- بل وكل الأطفال في تعز المدينة القديمة أيضاً ينشدون لرمضان بصوت صداح بالسعادة والأمل.. وهذه عادة التعزيين لاستقبال الشهر الفضيل، إحراق القش والإطارات أقل ما يجده الأطفال للتعبير عن فرحتهم الكبيرة بالقادم الناسك الوقور، ويظلون يركضون في أزقة الحارات ويتلوون بين المنازل حاملين معهم فوانيس الفرحة ويرددون اهازيج الترحيب ويدعون الناس ويذكرونهم بشهر الله والصيام والصلاة والعبادة...
قبيل الفطور ينتظر الأطفال في سقوف المنازل وقت الزوال ويبدأون بالصياح: "دفع دفع يا علي حمود.. زوجتك جاوع قاهيه إشتموت".. وعلي حمود هنا من يعتقد أنه يتحكم بمدفع الإفطار والإمساك.
وهناك تراحيب أخرى لدى الأطفال:
"يا رمضان يا أبو الحمائم
إدي لابي قرعة دراهم
يا رمضان يابو المدافع
إدي لنا مخزن بضائع"
كلمات بسيطة.. لكنها قوية المدلول واسعة المعنى، فالطفل رمز للشهر الفضيل "أبو الحمائم" بالسلام متيمنين به بل ويأمرونه بالفعل الأمر باللهجة الشعبية "إدي" - يعني اعط "قرعة دراهم" أي المال..
ينادي الشهر الكريم.. الوقور.. كأنه شيخ متسامح جليل كريم ودود صاحب عطاء يغدق كل من يطلبه يناديه بمخزن البضائع ويسيسه ببساطة بـ"أبو المدافع"..
"التناصير" هي وسيلة أخرى يستخدمها الأطفال للتعبير عن الفرحة لاستقبال الشهر الفضيل إزاء حرق الإطارات أو بعض من الحشائش والأحطاب والرقص مع ترديد بعض الأناشيد وهو ما يعرف بـ(التماسي) ويستعد الأطفال لأدائها منذ بدء العشر الأواخر من شهر شعبان وهذا ما يتميز به أطفال اليمن عن غيرهم في استقبال رمضان بشكل عام.
الحلويات الشعبية اليمنية إحدى مفردات القديم تحضر نفسها بقوة خاصة مع قدوم رمضان فهي ذات أولوية جامحة بالنسبة للصائم، أيضاً تبادله هي بالمثل ربما رغبةً منها لأن تنال ثواب إفطار الصائم..
أسواق شعبية
الأسواق الشعبية في مدينة تعز القديمة كعادتها في رمضان من كل عام تكتظ بأصوات الصائمين وتهافتهم المتزايد خاصة قبيل الفطور بغية شراء الرواني والقطائف والشعوبية والسمينة.. ليس هذا فحسب فللعصائر نصيب وافر أيضاً.. الزبيب والشعير والمنقع والدُبا تستقبل الصائم في باب موسى والشنيني والباب الكبير، والمركزي وحوض الاشراف بأقداحها الباردة.. تعرض نفسها للصائمين بهدوء.. لا صوت يُسمع.. سوى قرقعة الأكواب الزجاجية هناك في تعز المكتظة بالحركة والداب...
مدينة أشباح
ساعات فقط تفصلنا عن الشهر الفضيل، فياترى كيف سيستقبل التعزيون رمضان هذا العام، وقد تحولت المدينة القديمة إلى مدينة أشباح، وفقد معظم الباعه ما يملكونه من أشياء كانت ستقدم لهم ولو شيئا يسيرا يعينهم على بيع ما تيسر يستعينون بدخله لسد رمق أسرهم في الشهر الفضيل.
حريق
أي رمضان يقدم على تعز هذا العام وقد أحرقت تعز القديمة عن بكرة أبيها من قبل قوى لا تعرف دينا ولا إلاّ ولا ضميرا، كيف سيستقبل أبناء تعز هذا العام وقد فقدت كثير من الأسر أفرادا منها أطفالا او نساء او شبابا برصاص الاخوة اللدودين الذين أدخلوا الحزن إلى كل منزل.
"مفصعين"
ماذا عسى سيقدم أرباب الأموال الصغيرة للزبائن في مدينة لا أمن فيها ولا حياة ولا سطوة إلا للمفصعين المدججين بالسلاح الذين ألحقوا الأذى بكل مواطن في تعز، وفي مدينة تدعمهم أجهزتها الأمنية رسمياً.
بين نارين
كيف سيعيش أبناء تعز لحظات الشهر الفضيل وهم بين نارين من بينهم ومن حولهم: نار مليشيا الذراع الإيرانية في اليمن، ونيران مليشيا التنظيم العالمي.
تمنيت لو أكون صوفياً يستقبل الشهر الفضيل في كوّة محاطة بأتباع الشيخ والمجاذيب والغرباء في جامع ابن علوان.
"مدد ليفرس وهي محراب الشجون
وغيهبُ الأذكــار
قبتها الصغيرة سره الدنيا
ومعصمها البحار".
نيوزيمن