مثل ما هو واضح وحتى كتابة هذه المقالة فأن الشرعية المقيمة في الرياض منذ خمسة سنوات ترفض المفاوضات مع الجنوبيين إلا بشروط غير عقلانية ولا منطقية، ويبدوا أنها متمسكة جدا بشروطها وترفض أية وساطات للجلوس في طاولة واحد مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
إن هذا التشدد والرفض لأي حوار مع الجنوب سيستمر، وانه من الصعوبة بمكان تصور أي تغيير في الموقف خلال المدة القادمة، سيرفضون اي لقاء مع اي جنوبي غير مستنسخ من شرعيتهم، سيرفضون اي جنوبي يؤمن بأنه كانت هناك دولتان قامت الوحدة بينهم ومن ثم انقلب طرف على الآخر ومزق وثيقة الوحدة وأقام عليها دولته بشكل انفرادي، وأن ثلاثون عاما من الحكم القائم على مبدأ الغلبة قد فشل فشلا كبيرا، هم سيرفضون أي جنوبيا لأنهم يرفضون التاريخ الذي يقول بأنه كانت هناك دولة في الجنوب معترف بها دوليا، هم سيرفضون اي جنوبي لأنهم يرفضون الوقائع و يرون في الوحدة كنزا ونفوذا ومصالح ضخمة لا تكون إلا لهم حصريا، وهم أيضا سيرفضون اي جنوبي لأنهم يرفضون المعطيات التي حدثت أخيرا والتي انتجت تحرير عدن وأبين وإسقاط تواجدهم هناك لأنها تشكل صفعة كبيرة لم يستفيقوا منها حتى الان ولم يستوعبوها بعد.
الشرعية مستعدة أن تذهب حتى آخر مكان في الكرة الأرضية لمقابلة مندوب الحوثي ومصافحته وتبادل الضحكات والمجاملات معه ثم العودة دون اية نتائج تذكر، لكنها ترفض وبشكل قاطع الجلوس في غرفة مجاورة لفنادقهم مع اي جنوبي؟ أليس الأمر غريب؟
بمعنى أليس الحوثي انقلب على الشرعية، وأيضا هم يقولون بان المجلس الانتقالي انقلب على الشرعية، مع أن الحوثي لا يعترف بشرعية هادي، بينما وحتى اللحظة مازال المجلس الانتقالي يكرر اعترافه بشرعية هادي.
إذا، أين هي المشكلة، وما هو خلل الذي في الجنوبي حتى يصبح مرفوض وبشكل قاطع من شرعية هادي رغم تدخل التحالف ودعوتهم للجلوس والنظر بأهم قضية حتى الآن، لأنه ومن غير الممكن أن تكون هناك شرعية فعلية بدون أن يكون لهم أي وجود في الجنوب؟
لن نستطيع أن نجيب على هذا السؤال دون البحث في مكونات وفكر وثقافة الشرعية، وبطبيعة الحال فأنا وربما الكثير من الشعب اليمني ومن الجنوبين سيتفقون معي بان هذه الشرعية هي أبعد ما تكون عن الوطنية أو النزاهة، لذا نحن في البداية سنستبعد السبب الوطني والوحدوي، فهذه الشرعية لم تبالي بوطن منهار وشعب يعاني الأمرين لمدة خمسة سنوات، وعليه فلا احد قد يتجرأ لوصفها بالشرعية الوطنية التي هي حريصة على وحدة اليمن.
أما اهم أمر في نظري لتصلب الشرعية تجاه أي أمر جنوبي هو الإرث الشمالي الاستعلائي الذي وحتى اللحظة لم يفق على واقعه، فالحكومة أو لنقل الرئاسة الواقعة تحت قبضة تنظيم الإصلاح الذي هو بطبيعة الحال تنظيم شمالي لا يمكن له أن يقبل بشيء خارج سلطة شمال الشمال أما مرحلة هادي فالجميع يعرف إنها مرحلة مؤقته سينقلبون عليه آجلا أو عاجلا كما فعلوا في صنعاء إنه الغطاء الذي يحتاجونه الآن لضرورة زمنية مؤقتة، لذا هم مرتاحون لبقاء حكم الحوثي في مناطقه لأنه في النهاية منهم، كما والكل يعرف بان الشرعية نفسها منقسمة عائليا ما بين فنادق الرياض وما بين حكم الحوثي.
الشرعية الشمالية هي أيضا بقايا نظام الطاغية علي عبدالله صالح وتحمل ذات فكره وبالتالي لديها مصالحها الضخمة في الجنوب ونظرتها المتعالية ايضا تجاه كل جنوبي وأنه وفي مرحلة ما قد تتحالف القوى الشمالية التي في الشرعية مع الحوثي من اجل شن حرب على الجنوب، فمكونات الشرعية الثقافية لديها قواسم مشتركة كبيرة مع الحوثية، وتلك القواسم تكمن في مكنونها القبلي والطبقي والمذهبي وايضا السلالي، فذلك الوعاء المشترك ما بين الحوثية وجوهر الشرعية يرفض الدولة المدنية وسيادة القانون والتداول في الحكم، وكلنا يعرف ان احد اهم اسباب حرب 1994م التي شنها الشمال على الجنوب كان بسبب مطالبة الجنوبيين بدولة نظام وقانون ومحاربة الفساد، الأمر عينه الان يتكرر، لكن باختلاف موازين القوة، ورغم ضعفهم السياسي والعسكري لأن ان موقفهم العتيد والمتوارث لم يتغير كثيرا.
سيبقى الحوثي أقرب لهم من الجنوبي، وهذه حقيقة، فالقواسم معه كثيرة، بينما لا قواسم اطلاقا مع الجنوب سوى انها ارض بها ثروات ويجب ان تكون لهم.
لم يعد هناك إلا حل واحد فقط، وهو وبعد أن قامت الشرعية بالطعن وفي مجلس الأمن بدولة الأمارات الذي يعني انها لن تتردد لحظة بعمل نفس الشيء تجاه السعودية، ان المفاوضات ما بين الجنوب وبين الشرعية الشمالية يجب أن تقوم على أسس فك الارتباط، هذا ان رغبت بالجلوس على طاولة الحوار، مالم، ففرض أمر واقع هو شيء لا بد منه حينها.