بحوث ودراسات
استهداف المصالح الإسرائيلية..
تحليل: 3 سيناريوهات لرد حزب الله على إسرائيل.. ما هي عواقبها؟
صورة مركبة لعلم حزب الله وذخائر (أرشيف)
ووفقاً لحزب الله كانت هاتان "الطائرتان" مسلحتين بـ 5.5 كيلوغرام من متفجرات "سي-4"، بينما ذكرت التقارير الإعلامية أن الطائرتين استهدفتا بشكل متعمد صناديق شحن يُعتَقد أنها تحوي آلات لمزج وقود دفعي عالي الجودة يُستخدم في الصواريخ الدقيقة التوجيه.
وفي اليوم السابق، أفاد بعض التقارير أن طائرات "جيش الدفاع الإسرائيلي" استهدفت موقعاً إيرانياً في دمشق، مما حال دون تعرّض إسرائيل لهجومٍ وشيك بطائرات بدون طيار كان يخطط له فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
نصرالله
وعلى الرغم من أن الهجوم الذي وقع في بيروت لم يسفر عن أي ضحايا، إلّا أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لم يتجاهل الحادث كما اعتاد تجاهُل الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع الحزب في سوريا. وبدلاً من ذلك، تعهّد بإسقاط أي طائرة إسرائيلية بدون طيار تحلّق في سماء لبنان.
كما هدد نصر الله بوضوح بالانتقام من الضربة التي وقعت في دمشق وأودت بحياة اثنين من مقاتلي الحزب الله. واتّهم إسرائيل بانتهاك "قواعد الاشتباك" محذّراً من ردٍّ قاسٍ وفوري على الحادثة، على افتراض أن يأتي هذا الرد من الأراضي اللبنانية. ومع ذلك، بدا أن مسؤولي الحزب الله تراجعوا عن هذا الموقف نوعاً ما في 27 أغسطس (آب)، حين صرّحوا لوكالة رويترز أن الحزب يستعد لـ "ضربة مدروسة" على إسرائيل، و"مصمَمة بطريقة لن تؤدي إلى اندلاع حربٍ لا يريدها الحزب الله ولا إسرائيل".
وتقول الباحثة حنين غدار في "معهد واشنطن" إن إسرائيل توسّع استراتيجيتها في سوريا لتشمل لبنان والعراق، مستهدفةً الصواريخ الدقيقة التابعة لإيران في كلا البلدين بشكل مباشر وقاسٍ. وخلال خطاب ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة في سبتمبر(أيلول) 2018، كشف عن بعض تلك المنشآت في لبنان بينما ترك المجال للدبلوماسية للتعامل مع هذا التهديد المحدق بأمن إسرائيل.
ولكن غدار تقول إنه انطلاقاً من الأدلة التي اكتُشفت في حي معوض، لا يزال الحزب يحاول تحديث ترسانته الصاروخية المحلية بمساعدة إيران، ولذلك تجد إسرائيل نفسها مضطرة للنظر في الخيارات العسكرية. وبينما يمكن توقع المزيد من الهجمات من الجيش الإسرائيلي، تبقى خيارات الرد الانتقامي لدى الحزب محدودة - بغض النظر عما إذا كانت هذه الخيارات "مدروسةً" أم لا.
وفي الواقع، فإن عملية انتقام كهذه قد تفتح المجال أمام المزيد من الضربات الإسرائيلية، وبذلك يُجرّ لبنان أكثر إلى المواجهة بين إيران وإسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيسلك الحزب هذا المسار على أي حال، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي شكل؟
ثلاثة سيناريوهات
حتى الآن، حذّر نصر الله من أن الحزب سيقوم بما يلي: إسقاط أي طائرات إسرائيلية بدون طيار يرصدها الحزب في سماء لبنان، واتخاذ تدابير انتقامية من لبنان رداً على مقتل عناصره في الضربة الأخيرة على سوريا، والرد على هجوم بيروت بواسطة طائرات بدون طيار. وعلى الرغم من أن كل واحد من هذه التهديدات يعتبر عمومياً، فالوفاء بها (أو عدمه) سيسفر عن واحد من ثلاثة سيناريوهات، وكلها تطرح إشكاليةً على قيادة التنظيم:
هجمات الحزب العالية الخطورة على أهداف إسرائيلية حساسة:
إذا جاء ردّ الحزب ضد أهداف عسكرية أو اقتصادية أو رمزية عالية القيمة داخل إسرائيل، سيشكّل ذلك ضربةً قوية ومؤلمة لعدوه مع إرضاء قاعدة مناصريه في لبنان. ومع ذلك، سيكون كلا التأثيرين قصيري الأجل، حيث من المؤكد أن ترد إسرائيل بهجمات أضخم وأكثر تدميراً، وربما يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب شاملة قد لا يستطيع الحزب عكس مسارها التصعيدي في اللحظة الأخيرة.
ونظراً إلى أن معظم الأطراف المعنية في هذا الموضوع ستسعى إلى تجنّب مثل هذا الصراع، فإن احتمال وقوعه ضئيل. ومع ذلك، يمكن أن يحدث إذا أخطأ أي من الطرفين في تقدير الأحداث بشكل كاف.
بالإضافة إلى ذلك، أرادت إسرائيل منذ بعض الوقت حلّ مسألة منشآت الصواريخ الدقيقة المتبقية لدى حزب الله في لبنان، ومن الممكن أن تسنح لها الفرصة إذا تم تصعيد الموقف (مؤقتاً أم لا). وقد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب كاملة أيضاً - بين إسرائيل وإيران في هذه الحالة، وربما أيضاً [بمشاركة] دول أخرى إذا حضت طهران عملاءها الآخرين من الميليشيات الشيعية الأجنبية على الانضمام إليها.
لكن العواقب المحتملة لأي سيناريو "حرب شاملة" ستكون وخيمة، حيث سيتكبد الحزب الله خسائر فادحة في الأرواح والمعدات ولن يتمكن من تعويضها لأنه لا يملك حالياً الأموال الكافية لذلك. وسيكون بالكاد قادراً على تعويض أتباعه عن خسائرهم الشخصية وتلبية احتياجات الإعمار لديهم. ولن يتمكن الشيعة المقيمون في جنوب لبنان وسهل البقاع وضاحية بيروت الجنوبية من الهرب من بيوتهم في النزاع المقبل كما فعلوا في حرب عام 2006 (لأن سوريا أصبحت صعبة الدخول، وسيصعب عليهم اللجوء إلى أماكن أخرى في لبنان بسبب التوترات الطائفية). وربما قد يلومون الحزب على التسبب بالدمار بمهاجمته أهدافاً إسرائيلية حساسة. باختصار، سيتعرض لبنان لدمارٍ كاسح، ولن تتوفر أموال كثيرة لإعادة الإعمار كما توفرت في عام 2006 في ضوء الضغط الدولي المتزايد حالياً على الحزب وسأم الجهات المانحة بشكل عام.
ثانياً: عدم شن حزب الله أي هجمات على الإطلاق
قد يقرر ألا يردّ على الإطلاق، وأن يتبنّى عوضاً عن ذلك النهج الذي غالباً ما يستخدمه النظام السوري في الجوار: أي التهديد من أنه سيختار الرد "في الزمان والمكان المناسبين"، ثم المماطلة في هذا التهديد الخطابي إلى أن ينسى الجميع ما حدث. والمشكلة في هذا السيناريو هي أن مناصري الحزب لن ينسوا ما حدث. فمصداقية نصر الله في الداخل اللبناني تنبع بشكل أساسي من "الوعد الصادق" الذي اشتهر به، وهي السمة التي زعمها بعد تحقيقه المفترض لـ "النصر الإلهي" الذي وعد به في بداية حرب عام 2006. بمعنىً آخر، عليه الوفاء بوعوده في مرحلة ما، وإلا سيفقد مصداقيته.
ويواجه نصر الله بالفعل سخطاً كبيراً في الداخل لتجاهله إلى حد كبير الهجمات الإسرائيلية على مواقع حزب الله في سوريا (وقد حاولت إيران الرد على مثل هذه الضربات في أبريل ومايو 2018 ويناير 2019، لكن حزب الله لم يشارك في تلك العمليات). وإذا لم يردّ نصر الله بقوة على الهجمات في لبنان، فسوف تتّقد قلة الثقة والانتقادات في صفوف مناصريه.
فضلاً عن ذلك، إذا امتنع الحزب عن التحرك، سوف تتناقص إمكانيات الردع المتبقية لديه فيما يتعلق بالحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية. فبعد ساعات قليلة من إدانة نصر الله الضربة على دمشق وشجبها، ذكرت بعض التقارير أن طائراتٍ حربية إسرائيلية هاجمت قاعدة في سهل البقاع تابعة لـ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة" التي تدعمها سوريا. وعلى الرغم من أن المنشأة لم تكن تابعة للحزب، إلا أنها تقع على الأراضي اللبنانية على مسافة قريبة جداً من المكان الذي بُثّ فيه خطاب نصر الله بثّاً حياً أمام جمهور محلي كبير. إن الامتناع عن الرد حالياً سيكون محرجاً للغاية.
ثالثاً: ردّ محدود من الحزب:
هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، ويعود ذلك جزئياً إلى أن خطابات الحزب توحي حتى الآن بأنه سيسلك هذا المسار، وكذلك لأنه شنّ ضربات محدودة ضد إسرائيل في الماضي. ففي عام 2015، أطلقت عناصر صاروخاً مضاداً للدبابات أودى بضابط في الجيش الإسرائيلي وجندي آخر قرب الحدود. وجاء ذاك الهجوم رداً على اغتيال سبعة عناصر من الحزب (بمن فيهم المسؤول البارز جهاد مغنية) وجنرال إيراني على الجانب السوري من مرتفعات الجولان.
وللرد بشكل متناسب على الهجوم الذي وقع في بيروت بطائرات بدون طيار، قد يرسل الحزب طائرات صغيرة بدون طيار محمّلة بالمتفجرات إلى داخل إسرائيل، أو قد يعمل على استخدام شبكات إرهابية في الخارج لاستهداف المصالح الإسرائيلية. وقد تُرضي هذه الحصيلة مناصري نصر الله وتحفظ له ماء الوجه، دون المخاطرة التي ينطوي عليها الدخول في مواجهة أكبر. ومع ذلك، إذا أصبحت العمليات الإسرائيلية داخل لبنان والعراق هي الوضع الاعتيادي الجديد، فإن رد الحزب المحدود لن يؤدي إلّا إلى تأجيل المواجهة المستقبلية، على الأقل طالما استمر الحزب في تنفيذ مشروعه الصاروخي الدقيق في لبنان (وحالياً، تم إلى حد كبير احتواء تهديدين رئيسيين آخرين للحزب موجهين ضد إسرائيل هما، مشروع أنفاق الحزب عبر الحدود ووجوده العسكري بالقرب من مرتفعات الجولان.