تقارير وتحليلات

وفاة العشرات بأنفلونزا الخنازير في صنعاء..

تقرير: اليمنيون يستقبلون 2020 بالأوبئة والأمراض الفتاكة

وفاة العشرات بأنفلونزا الخنازير في صنعاء... وازدحام المستشفيات يحول دون استقبال المصابين

يحل العام الجديد على العالم وفي انتظاره الأمنيات والتهاني وطقوس الاحتفال البهيجة، فيما يستقبله اليمنيون الواقعون في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، بالأوبئة والأمراض وشظف العيش وضيق ذات اليد.

تعددت المحن


وعلاوة على الوضع المعيشي الصعب الذي يكابده اليمنيون في ظل انقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار وانعدام فرص العمل، يجدون أنفسهم في مواجهة أخرى أشد ضراوة مع الأوبئة الفتّاكة، وفي مقدمتها أنفلونزا الخنازير، بالتزامن مع انهيار القطاع الصحي في البلاد وتردي الخدمات الطبية وفرض جماعة الحوثي إجراءات توصف بـ"التعسفية" ضد المنظمات الدولية.

 وفاة 94 شخصاً خلال ثلاثة أشهر


وبعد أسابيع من التكتّم ومحاولة الجماعة التقليل من خطر انتشار الوباء الفتاك، أعلنت وزارة الصحة في "حكومة الإنقاذ الوطني" التابعة للحوثيين (غير معترف بها دولياً) أمس الأربعاء، وفاة 94 شخصاً بوباء H1N1  (أنفلونزا الخنازير).

 

وبحسب قناة المسيرة، الناطقة باسم جماعة الحوثي، قال وكيل وزارة الصحة في صنعاء محمد المنصور، إن حالات الوفاة بوباء أنفلونزا الخنازير بلغت 94 حالة، أما الحالات المشتبه في إصابتها بوباء حمى الضنك، فبلغت نحو 20 ألفاً و300 حالة، خلال شهر ديسمبر (كانون الأول)، فيما بلغ عدد الوفيات نحو 68 حالة.

وأشار المنصور إلى إصابة ألفين و498 طفلاً أعمارهم دون الخامسة بحمى الضنك، خلال ديسمبر، توفى منهم 16 طفلاً يمثلون 24 من إجمالي الوفيات.

 "الحوثي"... تمارس السلطة وترفض تحمل المسؤولية


وكعادة جماعة الحوثي التي تمارس مهام السلطة، لكنها ترفض قطعاً تحمل المسؤولية وتحمِّل نتائجها للغير، اتهمت وزارة الصحة العامة والسكان في سلطة الحوثيين التحالف العربي بقتل اليمنيين والتسبب في انتشار الأوبئة من خلال ما وصفته بفرض الحصار وإغلاق مطار صنعاء الدولي وعدم دخول الأدوية اللازمة والأغذية المخصصة للأطفال.

 قلق شعبي


يمنيون كشفوا خلال منشوراتهم التي امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي، عن رفض الكثير من المستشفيات الحكومية في صنعاء، استقبال المصابين بالوباء نتيجة ازدحام أقسام الطوارئ والعناية المركزة بالمرضى، وحاجة المصاب بالوباء إلى العزل عن بقية المرضى.

وطالب جمال عبد المغني الطبيب المعالج في مستشفى الثورة العام، وزارة الصحة والسكان لدى سلطات الحوثيين، "بإلزام المستشفيات الخاصة باستقبال الحالات المشتبه في إصابتها بأنفلونزا الخنازير مجاناً أو على أقل تقدير بسعر رمزي مقارب لأسعار المستشفيات الحكومية، وتشكيل غرفة عمليات تابعة للوزارة للإبلاغ عن أي مستشفى خاص أو حكومي يرفض استقبال الحالات".

وقال خلال منشور له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إنه "من المفروض كأقل إجراء إعلان حالة الطوارئ وإعلان صنعاء عاصمة منكوبة بمرض أنفلونزا الخنازير".

وانتقد ما وصفه بعدم وجود تواصل ملموس بين الوزارة ومركز الترصد الوبائي لمعرفة أماكن انتشار حالات المصابة بأنفلونزا الخنازير وعددها لعمل حصر بالمناطق الأكثر إصابة لاحتواء الوباء، بالإضافة إلى عدم وجود تغطية إعلامية توعوية و"منشورات" ولا إعلانات في وسائل الإعلام الرسمية ولا لوحات إعلانية في الشوارع عن أنفلونزا الخنازير.

 ضحايا الإهمال


وقبالة هذا الإهمال الذي يفتك بحياة العشرات، ينتقد اليمنيون عدم تفاعل المنظمات الدولية والمحلية العاملة في القطاع الصحي، وكذلك منظمة الصحة العالمية التي لم تصدر تعليقاً على تفشي الوباء حتى اللحظة.

وأكد مواطن في صنعاء يُدعى خالد فيصل، لـ"اندبندنت عربية" وفاة امرأتين من أقاربه خلال الأسبوعين الماضيين جراء الإصابة بوباء أنفلونزا الخنازير، وقال إنهم نقلوا إحداهما إلى مستشفى الثورة في العاصمة، غير أن إجراءات الإسعاف كانت بطيئة جداً وغير مجدية نظراً لاكتظاظ المستشفى وأقسام الطوارئ والعناية بالمرضى والمصابين، فيما توفيت الأخرى في منزلها.

 تضليل حوثي


وكان المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة الحوثيين يوسف الحاضري، أدلى بتصريحات قُوبلت باستهجان الشارع اليمني الذي وصفها بـ"غير الدقيقة" عن عدد حالات الوفاة بسبب أنفلونزا الخنازير، إذ ادّعى أن عدد الوفيات خلال الشهرين الماضيين فقط بلغ 42 حالة، بينما الإحصاءات الصادرة عن مكاتب الترصد الوبائي التابعة للوزارة، تناقض هذا العدد.

وأضاف أن إحصاءات مكاتب الترصد الوبائي، تؤكد أن عدد الوفيات خلال الأسبوع الماضي فقط وحتى يوم 22 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بلغ 39 حالة وفاة في أمانة العاصمة وحدها، مؤكداً أن بيانات جميع الحالات موثقة.

ونقلت صحيفة "المصدر" اليمنية، عن مصدر طبي (لم تسمّه)، قوله إن المتحدث باسم وزارة الصحة التابعة للحوثيين، ذكر أن عدد الوفيات 42 حالة فقط خلال الشهرين الماضيين، بينما خلال أسبوع واحد هناك 39 حالة وفاة في أمانة العاصمة وحدها.

ولفت المصدر إلى أنه جرى الإبلاغ عن 12 حالة وفاة في أمانة العاصمة وحدها خلال يومي السبت والأحد الماضيين، وكذا 56 حالة إصابة جديدة، وفقاً لبيانات مكتب الترصد الوبائي بالأمانة.

قلق شعبي


وتُظهر تناولات اليمنيين في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي، حجم القلق المتزايد جراء تفشي أنفلونزا الخنازير في العاصمة صنعاء التي يقدر عدد سكانها بنحو 4 ملايين نسمة.

وتحدث الكثير عن معاناة مرضى أُسعفوا إلى بعض المستشفيات، لكنهم لم يلقوا الرعاية اللازمة ليصبحوا ضحية المرض.

وفي هذا السياق يقول الصحافي اليمني، عبد الله الصعفاني، "تصوروا مستشفى أهلي واحد يستقبل 15 حالة مصابة بأنفلونزا الخنازير".

ويضيف، عبر منشور في صفحته على "فيسبوك"، أن "الخبر من مصدر ثقة، وهو خبر مخيف فعلاً، لأن انتقال العدوى سيمتد إلى المستشفى بمن فيه، وحتى أحياء واسعة"، وفي رسالة ضمنية إلى السلطات في صنعاء، قال "يا قوم افعلوا حاجة. أي حاجة جادة وعظيمة، فالخطر كبير".

وباء للتكسب السياسي


فيما يرى الكاتب الحقوقي اليمني همدان العليي، أن جماعة الحوثي "وجدت في الأمراض والأوبئة التي تنتشر في أوساط السكّان في المناطق الخاضعة لسيطرتها فرصة لنهب المنظمات، ووسيلة لإيقاف عمليات تحرير المدن بذريعة الوضع الإنساني الذي يتيح للدول الغربية التدخل للحماية، كما حدث في الحديدة"، متهماً الحوثيين بالتعامل مع اليمنيين "كرهائن لا رعايا".

 

وهنا يسخر الكاتب الصحافي محمد عايش من تصريحات القيادات الحوثية التي عزت انتشار الوباء لما تسمه دائماً بـ"العدان"، بقوله "بالنسبة إلى الحوثيين فإن مرض أنفلونزا الخنازير، مؤامرة أميركية إسرائيلية، مثله مثل المقاهي والمطاعم المختلطة، والمعاطف المخصرة"، (في إشارة إلى إجراءات الحوثيين الأخيرة بإغلاق المقاهي والمطاعم بحجة منع الاختلاط، ومنع بيع المعاطف النسائية بزعم منافاتها الحشمة)، فالحوثيون لا يحركون ساكناً تجاه أنفلونزا الخنازير، بل ويتكتمون بشأن الوباء، ذلك أن الوصاية على الأخلاق أهم لديهم مليون مرة من حياة الناس".

ويتابع، "يكافحون انتشار العملة النقدية الجديدة، ولا يمتلكون الشجاعة للاعتراف بانتشار الأمراض الفتاكة الجديد منها والقديم، ذلك أن تأكيد سلطتهم على أموال الناس أهم من تأكيد مسؤوليتهم تجاه حياتهم".

لجنة وزارية


ولإظهار نوع من المسؤولية تجاه المواطنين، بدأت حكومة الإنقاذ التابعة لجماعة الحوثيين ووزارة الصحة فيها، اتخاذ إجراءات لمواجهة فيروس أنفلونزا الخنازير وبقية الأوبئة التي تفتك بالناس في صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، وشكّلت لجنة وزارية لمكافحة الأوبئة، وغرفة عمليات داخل وزارة الصحة تضم مختلف الجهات المعنية والمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية التابع للحوثيين، وممثلي منظمتي الصحة العالمية واليونيسف، بحسب وكالة سبأ.

في انتظار التدخل


لا يعوِّل اليمنيون على الإجراءات الحوثية لإيقاف الزحف المريع لخطر الوباء، لكنهم يأملون تدخل المجتمع الدولي لإيقاف زحفه عن حصد أرواح المئات من اليمنيين من خلال مدهم باللقاحات والعقاقير اللازمة لوضع حد لانتشاره.

الأنفلونزا تفتك بالصحافيين


ولم يسلم الصحافيون في صنعاء من الإصابة بوباء أنفلونزا الخنازير، الذي وصل إلى عدد منهم وأودى بحياتهم.

وكان رئيس تحرير صحيفة "لا" الموالية لجماعة الحوثي، صلاح الدكاك، قال عبر صفحته في موقع "فيسبوك"، الأحد الماضي "يبدو أن أرواح الصحافيين تستهوي أنفلونزا الخنازير أكثر من غيرهم من الشرائح الاجتماعية والمهنية".

وأضاف "منذ ظهورها الأول في اليمن عام 2010 دشنت نشاطها القاتل باختطاف روح الزميل نجيب قاسم أبرز فرسان التحقيقات الصحافية المصورة، ولو كتبت له الحياة لكان لصيته اليوم سطوة كبيرة على الأثير الإعلامي دولياً".

وتابع "وفي 2017 توفي الزميل بشير السيد بذات الوباء الشبح، وكان أحد أكثر الصحافيين تميزاً ونظافة ضمير وسيرة، وفي مطلع الشهر الحالي توفى الزميل في صحيفة الثورة طه عز الدين نعمان، بأنفلونزا الخنازير قبل أن يلحق بهم الصحافي الرياضي عصام الحرازي".

ويعد وباء أنفلونزا الخنازير أحد أمراض الجهاز التنفسي التي تسببها فيروسات أنفلونزا تنتمي إلى أسرة أورثوميكسوفيريداي (Orthomyxoviridae).

ومنذ انقلاب الحوثيين على السلطة بقوة السلاح في سبتمبر (أيلول) 2014، شهد اليمن تفشياً غير مسبوق للأمراض والأوبئة القاتلة التي تسببت في وفاة آلاف اليمنيين مع إفادات لمنظمة الصحة العالمية تتحدث عن انهيار شبه تام للمنظومة الصحية في البلاد.

الدبلوماسية الأمريكية والاعتراف المفقود: أهمية دعم استقلال أرض الصومال اليمن الجنوبي


دور الأم المعاصر في بناء مستقبل أبنائها: تحديات وحلول


هل تقود الحرب في لبنان إلى تغييرات جذرية؟ خبراء يتناولون التأثيرات المحلية والإقليمية


حرب هجينة ومعنويات هشة: هل يصمد النظام الإيراني أمام موجة الأزمات الداخلية والخارجية؟