الاقتصاد

لمواجهة التلوث

شركات تجني المال من بيع الهواء المعبأ

سُجلت في بعض المدن في الصين وفي بلدان أخرى في قارة آسيا أعلى معدلات التلوث في العالم

فيكرام بارهات (لندن)

تشهد مدن العالم ارتفاعا حادا في مستويات تلوث الهواء، ما حدا بالبعض إلى البحث عن حلول مبتكرة وباهظة الثمن في الغالب، ليتمكن الناس من التنفس بسهولة.

أدركت الكثير من المدن حول العالم، بعد أن خيّم عليها الضباب الدخاني السميك المنبعث من المصانع، أو اختنق سكانها من السموم الخفية المنبعثة من عوادم السيارات، أنها تخوض معركة خاسرة في مواجهة تلوث الهواء.

ويلقى ما يتراوح بين خمسة ملايين ونصف، وسبعة ملايين شخصا حتفهم سنويا بسبب استنشاق الدخان، والغازات الضارة، وجزيئات السخام التي تُطلق في الجو. وفي الصين والهند تزيد معدلات الوفيات إلى مستويات تنذر بالخطر، إذ يحصد الهواء السام أرواح ثلاثة ملايين شخصا سنويا في هاتين الدولتين فقط.

ولهذا، اضطر بعض المواطنين الذين عجزوا عن إيجاد هواء نظيف إلى البحث عن حلول استثنائية، منها مثلا الهواء المعبأ في قوارير.

وتتجه الكثير من الشركات في الوقت الحالي إلى ضغط الهواء المأخوذ من الريف والمزارع، وتعبئته في زجاجات لبيعه عبر الإنترنت. ربما تظن أنها مزحة، وقد كانت في السابق تقال بالفعل على سبيل الدعابة، إلا أن الفكرة الآن تهدف إلى رفع الوعي من ناحية، وتوفير الهواء النظيف من ناحية أخرى، لكن بمقابل مادي.

وتعد شركة "فايتاليتي"، في مدينة إدمنتون بولاية ألبرتا بكندا، واحدة من بين هذه الشركات، إذ تجمع الشركة الهواء من منطقة جبال الروكي الكندية وتضغطه في حاويات.

وتحوي القارورة الواحدة، التي تبلغ سعتها ثمانية لترات، من الهواء الكندي المضغوظ نحو 160 جرعة هواء نظيف، وتباع بسعر 24 دولارا أمريكيا للقارورة.

كان موسى لام، المدير التنفيذي للشركة، يبيع الهواء المعبأ في بداية الأمر كهدايا تقدم على سبيل المزاح، لكن الطلب على هذا المنتج زاد إلى حد يفوق التوقعات. ويقول لام إن الشركة تحقق أعلى مبيعات في الصين والهند وكوريا الجنوبية.

ويضيف: "نحن نستهدف المدن التي تختنق من الهواء الملوث، وترتفع فيها معدلات الموت المبكر الناتج عن التلوث". ويقول أيضا: "نحن نوفر تجربة لاستنشاق هواء لن يتمكن الكثيرون داخل الصين والهند من الوصول إليه."

ويبيع لام حاليا عشرة آلاف عبوة شهريا في الصين، ويأمل أن يزيد هذا العدد ليصل إلى 40 ألف عبوة. ولم يبدأ تسويق منتجاته في الهند إلا مؤخرا، وتأمل الشركة أن تبيع هناك عشرة آلاف عبوة شهريا.

ويقول لام: "يشتري الكثيرون منتجاتنا ليقدمونها كهدايا"، إلا أن لام يرى أن مشروعه سيحقق نحاجا كبيرا، ويضيف: "نحن واثقون من أن تجارتنا عادلة ومشروعة. وسينتشر الهواء المعبأ كما انتشرت من قبل المياه المعباة".

ورغم أن بعض عبوات الهواء التي ظهرت مؤخرا قد لا تؤخذ على محمل الجد، فإن هذه العبوات في الحقيقة لاقت رواجا لدى الراغبين في تجربة الهواء بأنفسهم.

إلا أن شركة "فيتاليتي" ليست الوحيدة في هذا المضمار، إذ تجمع أيضا شركة "إيثر" البريطانية الهواء من المزارع الخضراء في المملكة المتحدة وتبيعه نظير 80 جنيها استرلينيا للعبوة الواحدة.

في البداية، كان نشاط ليو دي واتس، مؤسس شركة "إيثر"، عبارة عن "عمل فني للتوعية السياسية والبيئية"، وصاغ مصطلح "مزرعة الهواء" على سبيل التندر، في إشارة إلى الطريقة المستخدمة لالتقاط الهواء.

وانزعج دي واتس من معدلات تلوث الهواء في العالم التي فاقت قدرتنا على استيعابها بالإحصاءات، ودفعه القلق إلى تأسيس شركة "إيثر" لزيادة الوعي بخطورة التلوث الجوي. ويعيد واتس استثمار الأموال التي يجنيها من بيع أوعية حفظ الهواء في إنتاج أقنعة رخيصة الثمن للتنفس.

يقول دي واتس: "قد يشتري الناس أوعية الهواء لتضفي جمالا على المكان، أو ليستنشقوا الهواء بداخلها. فنحن نتوقع أن يشتريها الكثيرون كمنتجات للزينة أو لبيعها مرة أخرى أو كهدايا".

لكن دي واتس تعرّض لانتقاد لاذع بسبب بيع الهواء، ويقول: "يشعر منتقدو الفكرة أنني محتال، أخدع الناس لأحصل على أموالهم التي حصلوا عليها بشِقّ الأنفس".

ويقول دي واتس إن الشركة تحقق أعلى مبيعات في الصين، لكنه لم يفصح عن أرقام المبيعات. واستطرد قائلا: "نحن في نهاية الأمر شركة تبيع الهواء النقي لمن يملكون ما يكفي من المال لشرائه، وتوفر أقنعة للحماية من تلوث الهواء لغير القادرين ماليا".

ليس من المستغرب أن يقول العلماء إنهم لم يجدوا دليلا أو بحثا يوضح مزايا الهواء المعبأ. يقول شاون أرون، مدير شبكة أبحاث التنفس الكندية: "من غير المرجح أن توفر قوارير الهواء النظيف أي مزايا صحية، فما هي إلا خدعة دعائية وهدر للمال".

ومع ذلك، فالهواء المعبأ أو المعلب، ليس هو الوسيلة الوحيدة التي تلجأ إليها الشركات لجني المال من وراء التلوث. ففي إحدى رحلات فريدريك كيمب وأليكسندر هجيرتستروم إلى مدينة أحمد آباد في الهند، لمعت في ذهنيهما فكرة جديدة.

وقد عاودت هجيرستوم نوبات الربو في هذه الرحلة، بعد أن كانت قد اختفت منذ فترة طويلة، وقادهما البحث المضني عن أقنعة ذات جودة عالية للحماية من التلوث في الهند إلى تدشين مشروع لبيع الأقنعة الخاصة بهما.

يقول كيمب: "أجرينا أبحاثا في السوق في الهند، ودُهشنا حين علمنا أن أغلب أقنعة الوجه التي عثرنا عليها كانت بسيطة ومنخفضة الجودة، وتصميماتها بدائية، تشبه الأقنعة التي يرتديها في المعتاد أطباء الأسنان أو عمال المناجم، فهي ليست بالشيء الذي ترغب في ارتدائه يوميا".

ثم دشن الاثنان شركة "أيرينيوم"، التي تبيع الأقنعة الملونة ذات الخطوط المموهة التي تحاكي النقوش العسكرية، وبتصميمات متنوعة، يتراوح سعر الواحدة منها بين 66 دولارا و75 دولارا أمريكيا.

وتتضمن الأقنعة ثلاث طبقات منفصلة لترشيح الهواء، تحول دون دخول الجسيمات الدقيقة الملوثة للهواء التي توجد في عوادم السيارات والضباب الدخاني.

ويقول كيمب إن ارتداء هذه الأقنعة أفضل صحيا من عدم ارتدائها. إلا أنه حرص على عدم المبالغة في ذكر مزاياها، فهذه الأقنعة على سبيل المثال لا توفر حماية كافية من الغازات الملوثة للبيئة، مثل ثاني أكسيد النيتروجين، التي تنبعث من عوادم السيارات.

ويشهد الطلب على الأقنعة التي تنتجها الشركات ذات الشهرة في هذا المضمار ارتفاعا في الآونة الأخيرة، وتنتج شركات ناشئة مثل "أيدياليست إنوفيشنز" في الصين و"فوغماسك" في الولايات المتحدة و"فريكا" في المملكة المتحدة، أقنعة عصرية للحماية من التلوث، يتراوح سعر القناع منها بين 33 دولار ومئة دولار أمريكي.

وتؤيد بعض الأبحاث مزايا ارتداء أقنعة الوجه ذات التصميمات الجذابة التي تتضمن مرشحات تعمل على حجز الملوثات، إلا أن هذه الدراسات قصيرة المدى، وكانت تهدف إلى دراسة تأثير تلوث الهواء على ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.

يقول بينجامين بارات، كبير المحاضرين في علوم جودة الهواء بجامعة كينغز كوليدج بلندن، والذي لا يزال ينظر لهذه الأقنعة العصرية بعين الريبة: "يجب أن تداوم على استخدام الأقنعة لفترات طويلة حتى تحدث تأثيرا قويا على التبعات الصحية المزمنة لتلوث الهواء. ولا أخفي أن بعض المزايا المزعومة والمبالغ فيها لهذه الأقنعة تثير لدي الكثير من المخاوف".

ورغم ذلك، فإن تصاعد المخاوف من تلوث الهواء ربما ترافقه زيادة في الطلب على المنتجات التي تحمي من الآثار الضارة لتلوث الهواء. وخير مثال على ذلك، اختراع عربة طفل جديدة تحمل اسم "أير شيلد" تعمل على تدوير الهواء المرشح داخل العربة لتعزل الطفل في بيئة نظيفة.

وحازت هذه العربة، التي اخترعها دومينيكاس بوديناس، مصمم سيارات من ليتوانيا، على المركز الثاني في مسابقة "ديزاين لاب" التي نظمتها مجموعة إلكترولكس للأجهزة المنزلية عام 2015.

واستلهم بوديناس فكرته من أنظمة التهوية في السيارات. ورغم أن الفكرة لم تلق اهتماما من الشركات التجارية بعد، فإنه يأمل أن تصبح تلك العربة من المنتجات الضرورية وليست للرفاهية فحسب.

يقول بوديناس: "إن تلوث الهواء في كبرى مدن العالم بات مشكلة تستعصي على الحل". إلا أن من يملك المال، يمكنه دوما أن يستنشق بضع جرعات على الأقل من الهواء النظيف.

نساء إيران في طليعة الكفاح من أجل العدالة والمساواة


محكمة الجنايات المصرية ترفع أسماء مئات الأشخاص من قوائم "الكيانات الإرهابية"


التحالف الحوثي-الروسي: تجنيد مقاتلين يمنيين للقتال في جبهات أوكرانيا


تسييس الاستخبارات الأميركية: تهديد جديد للأمن القومي في عهد ترامب