تقارير وتحليلات
الاعتماد على الحلفاء..
تقرير: ماهي استراتيجية الوجود الإماراتي ضمن التحالف العربي باليمن؟
عادت القوات المسلحة الإماراتية، المشاركة ضمن قوات التحالف بقيادة السعودية، في اليمن، إلى بلادها، مع دخول الحرب مع جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، عامها الخامس، من دون مؤشرات عملية على نهاية قريبة للنزاع المسلح.
قد يكون للإمارات العربية المتحدة استراتيجيتها الخاصة في إعادة قواتها العاملة في اليمن، إلا أن الخطوة لا تعني بحال انسحاب "أبوظبي" من المشهد في البلد ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة لأمن الخليج والمنطقة.
وبعيداً عن مضمون التكهنات التي طفت على السطح، في غضون إعلان الإمارات عودة "الصقور المخلصون"، حول أسباب القرار، تبقى الأهمية لاستقرائه من زاوية التداعيات على الحرب ضد الحوثيين والتنظيمات المتطرفة، في اليمن، بصورة عامة، قياساً بمنسوب التأثير العسكري الإماراتي طوال سنوات الصراع.
ولعل حساب الانعكاسات العسكرية والسياسية التي قد تترتب على انسحاب دولة الإمارات العربية المتحدة من اليمن، حال قررت ذلك نهائياً، يبدأ بتحليل الصورة العامة للدور الذي أدته قواتها المسلحة ضمن التحالف، منذ انطلاق عمليات عاصفة الحزم.
استراتيجية حاسمة
ثمة ما هو أساسي في الوجود العسكري الإماراتي البري، في قوام قوات التحالف العربي، في اليمن، يتعلق بطبيعة الاستراتيجية التي اعتمدتها "أبوظبي"، لإدارة العمليات الحربية ضد جماعة الحوثيين، في مسرح عملياتها، جنوب وغرب البلاد.
مع الإشارة إلى أن الاستراتيجية الناظمة لمشاركة القوات الإماراتية في اليمن اتسمت بالفاعلية، لجهة تقويض خارطة نفوذ المتمردين الحوثيين، وحرمانهم أفضلية السيطرة على المساحة الأكبر من الجغرافيا اليمنية.
ولوحظ أن القادة العسكريين الإماراتيين، اعتمدوا استراتيجية حاسمة، في إدارة المعركة مع الحوثيين، من الوهلة الأولى لدخول خط المواجهات المباشرة على الأرض، انطلاقاً من عملية تحرير مدينة عدن ومينائها الاستراتيجي بعملية عسكرية خاطفة خطط لها وأدارها ضباط إماراتيون.
وقياساً باستراتيجية السعودية في إدارة المواجهة مع المقاتلين الحوثيين، أو حتى تلك التي تتحرك على إيقاعها قوات حكومة الرئيس المؤقت عبدربه مصور هادي، ظلت الآلية الإماراتية الأكثر حسماً في مسار الحرب، كما شكلت الشفرة السرية للهزائم المذلة التي لحقت بالحوثيين، لا سيما في مناطق جنوب وغرب اليمن.
القوات الإماراتية غيرت وجه الحرب
الثابت في اليمن، أن المسلحين الحوثيين، لم يكسبوا مواجهة واحدة، في محاور انتشار القوات الإماراتية، والقوات المحلية التي أسهمت في تدريبها، بدءاً من مدينة عدن في أقصى الجنوب، مروراً بمحور الضالع، وصولاً إلى مدينة الحديدة على الضفة الشرقية للبحر الأحمر.
ميدانياً.. لا بد من التذكير بأنّ التحول الجذري في مسار الحرب ضد جماعة الحوثيين، بدأ بتحرير مدينة عدن، بعملية عسكرية خاضتها القوات الإماراتية، بمشاركة المقاومة الجنوبية، وهي لحظة حاسمة قلبت موازين القوة على الأرض لصالح القوات المدعومة من التحالف.
وقبل تحرير مدن الجنوب كانت حكومة الشرعية بقيادة عبدربه منصور هادي منفية خارج اليمن، لكنها بعد ذلك استطاعت العودة إلى الداخل وممارسة مهامها من مدينة عدن جنوبي البلاد.
ولاحقاً أدت القوات الإماراتية دور رأس حربة في عملية طرد الحوثيين من مناطق جنوب البلاد، والشريط الساحلي الغربي، وتأمين باب المندب بالمشاركة مع القوات المشتركة، ثم تحرير ميناء المخا ومناطق ريف تعز الغربي.
كما ساندت بقوة عمليات القوات اليمنية المشتركة باتجاه مدينة وميناء الحديدة، ثاني أكبر الموانئ في البلاد، وأحد المنافذ المهمة التي تستخدمها إيران في تمويل عملياتها العسكرية عبر وكلائها الحوثيين.
في المقابل، أخفقت القوات الحكومية، خصوصاً تلك المرتبطة بنائب الرئيس علي محسن صالح الأحمر، وتجمع الإصلاح، الفرع المحلي لتنظيم الإخوان المسلمين، في إحراز أي إنجاز خلال خمس سنوات من الحرب، فأغلب المدن التي تمت استعادتها بواسطة القوات المحلية التي أشرفت الإمارات على تدريبها وتأهيلها وتسليحها، وما زالت إلى الآن هي القوات الرئيسية التي تقاتل الحوثيين.
معركة موازية ضد "القاعدة" و"داعش"
ولم تكن المعركة ضد حركة الحوثيين، هي الجبهة الوحيدة التي تقاتل فيها القوات المسلحة الإماراتية باليمن منذ 5 سنوات؛ فالحرب على التنظيمات المتطرفة كانت مساراً موازياً للحرب مع وكلاء مسحوق "التشيع" في شمالي البلاد.
وعقب تحرير عدن، مطلع يوليو/تموز 2015، ودحر مسلحي الحوثي من كل مدن الجنوب، أطلقت القوات الإماراتية معركة جديدة هدفها هذه المرة تنظيما "القاعدة" و"داعش" الإرهابيان.
ونفذت معركة برية كبرى في أبريل/نيسان 2016، في المكلا عاصمة محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن، تكللت بتطهير المدينة من عناصر الفرع اليمني للقاعدة الذي يعد الأخطر في المنطقة، بعد عام من سيطرة الإرهابيين عليها.
وأثمرت العملية العسكرية، عن استعادة السيطرة على المدينة ومينائها الاستراتيجي المطل على بحر العرب، في وقت قياسي، وإنهاء وجود مسلحي القاعدة بعدما كانوا قد حولوها إلى ما يشبه إمارة إسلامية تحكم بالحديد والنار.
وفر مسلحو القاعدة باتجاه مناطق "يكلا" في محافظة البيضاء و"وادي عبيدة" بمحافظة مأرب، حيث اتخذوا من تلك المناطق التي تتقاسم السيطرة عليها جماعتا "الإخوان" و"الحوثيين" معاقلَ رئيسية، وهو ما تبين عقب مقتل "قاسم الريمي" زعيم التنظيم بغارة لطائرة أمريكية دون طيار أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.
استراتيجية جديدة بالاعتماد على الحلفاء
من شأن الانسحاب النهائي للإمارات، أن يعمق مأزق حكومة الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي، وسيحدث فراغاً لا يمكن ملؤه، في معسكر مواجهة المشروع الإيراني التوسعي، إذ إن تواريها عن المشهد، يعني بالضرورة عودة الحوثيين والتنظيمات المتطرفة، وتغلغل المحور القطري – التركي، سواءً بصورة مباشرة أو عبر الأدوات المحلية.
غير أنّ هذه الفرضية تبدو غير واردة، حتى اللحظة على الأقل، بالاستناد إلى الأهمية التي يشكلها اليمن في الحسابات الاستراتيجية لدولة الإمارات والسعودية، إضافة إلى التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإماراتيين بمن فيهم نائب رئيس الأركان الذي قال: "لا ننسى شركاءنا الإقليميين والمحليين وفي مقدمتهم المملكة والسعودية والمقاومة الجنوبية والمقاومة الوطنية".
في حين أوضح مسؤول عسكري إماراتي، شارك في قيادة قواته في حرب اليمن، الأحد، أن الاستراتيجية الجديدة تقوم على القوات اليمنية التي تم تدريبها وتجهيزها لمباشرة مهامها القتالية بنفسها، دون الاعتماد على القوات الإماراتية التي اتجهت إلى الاستراتيجية غير المباشرة.
وأضاف الفريق الركن عيسى المزروعي، قائد العمليات المشتركة في اليمن، إنه "بعد خمسِ سنوات من انطلاق عاصفة الحزم تم التحول من استراتيجية الاقتراب المباشر التي نفذتها القوات المسلحة باحتراف عالٍ إلى استراتيجية الاقتراب غير المباشر التي تنفذها القوات اليمنية بنفسها اليوم".